أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثنا يحيى عن عبيد الله بن الأخنس أخبرني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر ولا يمين فيما لا تملك، ولا في معصية، ولا قطيعة رحم)].
يقول النسائي رحمه الله: اليمين فيما لا يملك، فمراد النسائي من هذه الترجمة: أن اليمين فيما لا يملك، ليس للإنسان أن يعقدها ويأتي بها، وإنما يعقد اليمين فيما يملكه، والشيء الذي لا يملكه، وليس تحت قدرته، وليس من إمكانه أن يفعله، لا يحلف عليه.
وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر ولا يمين فيما لا تملك) هنا نفي يراد به النهي، يعني: لا ينذر ولا يحلف على شيء لا يملكه، (ولا في معصية ولا في قطيعة رحم) يعني: لا يحلف على معصية، ولا على قطيعة رحم، كذلك ولا ينذر في معصية ولا قطيعة رحم.
ومقتضى هذا النهي، أو هذا النفي الذي هو بمعنى النهي: أن اليمين لا تنعقد ولا يلزم الإنسان شيء، وإنما لا يفي بذلك الشيء إذا كان معصية، أو كان في قطيعة رحم.
ومن أهل العلم من قال: إن عليه كفارة، يعني: هذه اليمين تكون سبباً في حصول الكفارة، وأن الإنسان إذا نذر معصية، أو نذر قطيعة رحم، أو حلف على معصية أو قطيعة رحم فإن عليه الكفارة، فهذه اليمين لا يوفى بها، ولكن يترتب عليها أن الإنسان يكفِّر عن هذا الذي حلف عليه، أو الشيء الذي نذره وهو يتعلق بمعصية، أو بقطيعة رحم، أو بشيء لا يملكه.
وقوله: [(ولا في معصية، ولا قطيعة رحم)].
يعني: لا نذر ولا حلف في معصية، ولا في قطيعة رحم، والكلام في الثلاثة واحد.
من أهل العلم من قال: إنه لا ينعقد ولا يترتب عليه كفارة، ومنهم من قال: إنه لا ينعقد ولكن تترتب عليه الكفارة، يعني: المعصية، وكذلك قطيعة الرحم، وكذلك الشيء الذي لا يملكه، فكونه نذر أو حلف فإن عليه أن يكفِّر كفارة، حتى يكون ذلك أدعى إلى كونه لا يقدم على هذه الأشياء؛ لأنه سيرتب عليها كفارة، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن الإنسان يكفِّر في هذه الأمور، والكفارة هي نفس كفارة اليمين، وهو الأظهر.
هو إبراهيم بن محمد الطيبي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن الأخنس].
صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب].
صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وجزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عبد الله بن عمرو بن العاص].
هو جد شعيب؛ لأنه شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ، فـعمرو يروي عن أبيه شعيب وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو، ولا يروي عن أبيه محمد وإنما روايته عن جده عبد الله بن عمرو، وعلى هذا فالحديث يكون متصلاً؛ لأنه رواية حفيد عن جد، وقد ثبت سماعه من جده عبد الله بن عمرو، فهو متصل. وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أصحاب الكتب الستة، وعبد الله بن عمرو هو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس.
أخبرني أحمد بن سعيد حدثنا حبان حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من حلف فاستثنى، فإن شاء مضى، وإن شاء ترك غير حنث)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: (من حلف فاستثنى)، أي: فقال إن شاء الله، هذا هو الاستثناء في اليمين، والاستثناء يكون متصلاً، يعني يحلف الحلف ويكون الاستثناء متصلاً، ولو لقن فقيل له: قل: إن شاء الله، فقال: إن شاء الله، فإن ذلك ينفع ما دام أنه متصل باليمين، فهو مخير بين أن يفعل أو أن يترك، وليس عليه كفارة؛ لأنه بالخيار بين الفعل والترك؛ لأن الاستثناء لا يجعل اليمين منعقدة لازمة، بل الأمر يرجع إليه: إن أراد أن يمضي أمضى، وإن أراد أن يترك ترك وهو غير حنث، ولهذا قال: (وإن شاء ترك غير حنث) يعني: ليس بحانث وإنما هو بالخيار، وسبب ذلك اليمين؛ لأنه أرجعه إلى مشيئة الله عز وجل، فهو إن فعل فقد شاء الله عز وجل أن يفعل، وإن لم يفعل فقد شاء الله أن لا يفعل، فالأمر يرجع إليه وهو بالخيار، وهذا يدل على أن الاستثناء في اليمين لا يجعل صاحبها ملزماً بالوفاء، بل بإمكانه أن ينفذ ما حلف عليه، وبإمكانه أن يترك ما حنث عليه، ولا يترتب عليه ما حلف عليه، كما لا يترتب عليه حنث فيلزمه كفارة.
هو المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا حبان].
حبان بن هلال أو حبان بن موسى كل منهما ثقة، إلا أن حبان بن هلال أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحبان بن موسى أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[عن عبد الوارث].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم عن سليمان بن حيان حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إنما الأعمال بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النية في اليمين، ويعني: أنها معتبرة؛ لأن العبرة تكون بالنية، وما عقدت عليه اليمين، ولا بد في ذلك من النية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إنما الأعمال بالنية)، وفي بعض الروايات: (بالنيات)، ولا تنافي بين النية والنيات؛ لأن النية لفظ مفرد محلاً بالألف واللام فيعم، وليس المقصود به نية واحدة، وإنما المقصود النية لكل عمل، فكل عمل له نية، ولا تنافي بين رواية النيات ورواية النية؛ لأنها على صيغة الإفراد اسم جنس، فيكون عاماً، وعلى صيغة العموم هو العموم، فيكون على ظاهره.
قوله: [(وإنما لكل امرئ ما نوى)] يعني: ما نوى في عمله وفي قوله، ثم بعد ذلك فسر وأتى بجملتين توضحان ما يقوم في القلب، وأن ما يجري على الجوارح، إنما هو تابع لما يكون في القلب، قال: [(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله)] يعني: من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصداً، فهجرته إلى الله ورسوله فعلاً.. يعين بالفعل، ولا يقال: إن الشرط والجزاء متحدان فلا يستقيم؛ لأن الفرق بينهما بالتقدير، الأول بالنية والثاني بالعمل، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية، فهجرته إلى الله ورسوله فعلاً، ومن كان قصده بالهجرة الله ورسوله ففعله تابع لقصده.
[(ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)] سواءً كان امرأة، أو دنيا، أو غير ذلك، فهجرته إلى ما نواه وقصده، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، إن كان أمراً شرعياً يثاب عليه، فهو يؤجر على ذلك، وإن كان أمراً مباحاً، فهو لذلك الذي هو مباح، وإن كان لأمر محرم، فنيته تابعة لذلك الأمر المحرم، وهو يأثم عليه.
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن سليمان بن حيان].
هو سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إبراهيم].
هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة بن وقاص].
هو علقمة بن وقاص الليثي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر بن الخطاب].
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه هو ثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
الغرابة ما تؤثر إلا إذا كان الشخص لا يحتمل تفرده، فهذا هو الذي يؤثر إذا جاء الغريب من طريقه، أما إذا كان انفراده يحتمل، ويعتمد، ويقبل، فإن هذا يسمونه من غرائب الصحيح؛ لأن في الصحيح ما هو غريب، يعني ما جاء إلا من طريق واحد، صحابي ما رواه غيره، ورواه عن الصحابي تابعي ما رواه غيره، وهكذا قد ينزل كما نزل هذا الحديث إلى أربعة أشخاص.
ثم هذا الحديث في إسناده ثلاثة من التابعين: علقمة بن وقاص من كبار التابعين، ومحمد بن إبراهيم من أوساط التابعين، ويحيى بن سعيد من صغار التابعين، فاجتمع فيه ثلاثة من التابعين، ولكنهم في الدرجات الثلاث، وفي الأحوال الثلاث، وفي الطبقات الثلاث للتابعين: طبقة كبارهم، وطبقة أوساطهم، وطبقة صغارهم.
وهذا الحديث هو أول حديث في صحيح البخاري، وآخر حديث في صحيح البخاري هو كذلك غريب من هذا القبيل: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) فهو من غرائب الصحيح؛ لأنه جاء مفرداً من طريق أبي هريرة، وأبو هريرة من طريقه أبو زرعة، وأبو زرعة من طريقه عمارة بن القعقاع.
وهكذا حديث بيع الولاء وهبته، فهو عن ابن عمر، وهو من غرائب الصحيح، ومثله حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) الحديث المشهور، وقد قال الحافظ ابن حجر في شرحه: وهو من غرائب الصحيح، ولم يرد في مسند الإمام أحمد على سعته. يعني: على سعة مسند الإمام أحمد، وكونه فيه أربعون ألف حديث، ما جاء فيه هذا الحديث عن ابن عمر.
وكما ذكرت في مناسبات كثيرة أن الحديث عند العلماء هو باعتبار الصحابي لا باعتبار المتن؛ لأن المتن قد يكون موجوداً عن صحابي آخر، ولكنه ينفى وجوده عن طريق صحابي آخر، مثل حديث: (أمرت أن أقاتل الناس) موجود في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، لكنه ليس من حديث ابن عمر ، وهو الذي نفاه ابن حجر وقال: وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، وكونه يبلغ أربعين ألف حديث ليس فيه حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) لكن هو موجود في المسند من حديث أبي هريرة، وعلى هذا فالحديث عندما يثبت أو ينفى من رواية شخص آخر، لا يعني أنه لا يوجد برواية غيره من الصحابة، يعني مثل حديث جبريل، هو من مسند عمر ولا وجود له في صحيح البخاري، بل هو من أفراد مسلم، وهو من حديث أبي هريرة متفق عليه عند الشيخين، فهو من حديث عمر عند مسلم ، فهو من أفراد مسلم بالنسبة لحديث عمر، ولهذا الذين يحصون الأحاديث ويجمعونها، يجمعونها باعتبار الصحابي، ثم لو صار فيه تكرار واختصروه فيكون بالنسبة للصحابي، لا بالنسبة للصحابة المتعددين، بل كل صحابي واحد، فإذا جاء الحديث من طريقه اعتبروه حديثاً، وإذا تكرر اقتصروا على موضع واحد من المواضع التي يرد فيها.
أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: (سمعت
أورد النسائي: تحريم ما أحل الله، يعني: أنه يعامل معاملة اليمين؛ لأن الله تعالى ذكر في القرآن أن هذا التحريم الذي حصل، شرعت له الكفارة، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2]، والمقصود منه: أن ذلك الذي حرمه على نفسه، وهو ترك العسل، وأنه لا يعود لشربه، حيث أطلق اللفظ اعتبر يميناً، وعومل معاملة اليمين، فاحتاج إلى كفارة، وقال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2] وهو إنما حصل منه التحريم: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1]، فأورده النسائي بهذه الترجمة هنا في كتاب الأيمان، لأنه عومل معاملة اليمين، وشرعت فيه الكفارة التي هي كفارة اليمين؛ لقول الله عز وجل: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2]، ثم ذكر الحديث الذي كان سبباً في نزول هذه الآية، وأن عائشة وحفصة رضي الله عنهما تواطأتا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء إليهما، تقول أي واحدة منهما: إنك أكلت مغافير، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الرائحة الطيبة، ويكره الرائحة الخبيثة، فلما قلن له ذلك ظن أن هذا الشيء الذي استعمله فيه شيء من هذه الرائحة الكريهة، والمغافير: هو نوع من النبات أو الشجر، يقال له: مغافير، وله رائحة كريهة.
ويحتمل أنه قد يفهم أن النحل قد أكل من ذلك الشيء الذي هذا رائحته، فالرسول صلى الله عليه وسلم فهم أو قد ظن أن هذا الذي قالتاه أن فيه رائحة كريهة، وكان يكره الرائحة الكريهة ويبتعد عنها، ويحرص على الرائحة الطيبة، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقال: (حُبب إلي من دنياكم: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) فالطيب محبب إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولما جاء إلى إحداهما قالت له ذلك الذي تواطأتا عليه، فقال: (بل شربت عسلاً) وأخبر بالشيء الذي كانت تطعمه إياه زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها، فنزلت الآية: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ [التحريم:1] إلى قوله: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا [التحريم:3].
ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[زعم عطاء].
زعم: تأتي للخبر المحقق، ولا تأتي للزعم الباطل أو الكلام المردود أو الذي يوصف بغير ما هو حق فقط، بل تأتي زعم للخبر المحقق، وهنا هي من هذا القبيل، فزعم عطاء، وهو عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عمير].
عبيد بن عمير ثقة، هو عبيد بدون إضافة لفظ الجلالة والحديث سبق أن مر وليس فيه عبيد الله بن عمير، في اسم عبيد، يعني: أنها زائدة، وهو والصواب عبيد بن عمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ذات المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ستة رجال، وامرأة واحدة، هي هذه المرأة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا المثنى بن سعيد حدثنا طلحة بن نافع عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (دخلت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيته فإذا فلق وخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كل، فنعم الإدام الخل)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إذا حلف أن لا يأتدم فأكل خبزاً بخل، فالمقصود من هذه الترجمة هو أن من حلف أن لا يأتدم، فإن أكل خبزاً بخل، يقال له إدام فتنطبق عليه اليمين، والحديث الذي أورده النسائي ليس فيه ذكر الحلف، ولكن فيه أن الخل إدام، فلو حلف ألا يأتدم، أي: حتى الخل، فإن الخل يعتبر إداماً فلا يستعمله، وإن استعمله فإنه يكفِّر عن يمينه.
والمقصود من هذا: أن الخل وصف بأنه إدام، وأن من حلف أن لا يأتدم، فالخل نوع من أنواع الإدام، فإن أكله فإنه يكون حانثاً في يمينه، إلا إذا أراد عند يمينه شيئاً معيناً، فله ما نوى؛ لأنه كما سبق أن عرفنا إنما الأعمال بالنيات، فإذا كان يقصد نوعاً معيناً من الإدام، فهذا بينه وبين الله عز وجل، إذا كان في نيته أنه ما يأتدم، ويقصد بذلك نوعاً معيناً من الإدام، فإن اليمين تقتصر على الشيء الذي نواه، والخل هو هذا المائع الحامض الذي يوضع مع الطعام، سواءً كان أسود وإلا أبيض.
قوله: [(دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم، بيته فإذا فلق)] الفلق هي: الكسر والقطع من الخبز، [وخل]، فكان يأتدم به، يعني: يغمس القطعة من الخبز بالإدام، ثم يأكل؛ لأنه يلينه ويشهيه، يعني فيكون في الإدام فائدتان: تليين الخبز إذا كان قاسياً، أو إذا كان فيه شيء من الصلابة، وفيه النبي صلى الله عليه وسلم كان يشتهيه ويأكله، بخلاف ما لو أكله بدون أن يكون معه إدام.
هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
هو يحيى القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المثنى بن سعيد].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طلحة بن نافع].
صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وعن أبيه، وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان عن عبد الملك عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة قال: (كنا نسمى السماسرة، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نبيع، فسمانا باسم هو خير من اسمنا، فقال: يا معشر التجار! إن هذا البيع يحضره الحلف والكذب، فشوبوا بيعكم بالصدقة)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: في الحلف والكذب لمن لم يعتقد اليمين بقلبه، وهذا هو لغو اليمين، مثل ما جاء عن عائشة: (لغو اليمين: لا والله، وبلى والله) فكون الإنسان يقول هذا الكلام، وما أراد عقد اليمين على شيء يؤكده، وإنما جرى على لسانه، مثل: لا والله، وبلى والله، فهذا من لغو اليمين الذي لا يؤاخذ عليه ولا يكون فيه كفارة، والكذب إذا كان حصل منه من غير قصد ونية -كونه جرى على الإنسان شيء من الكذب- هذا يكفِّره الصدقة.
وأما إذا تعمد الكذب في بيعه وشرائه، فهذا من الكبائر، وقد جاء في الكذب أحاديث كثيرة تدل على تحريمه، وعلى خطورته، لكن إذا جرى شيء على الإنسان من غير قصده، ومن غير أن ينويه، فهذا هو الذي تكفِّره الصدقة، وأما إذا كان كذب، أو حلف في يمين كذب فيها، فيكفِّر ذلك أن يتوب إلى الله عز وجل، وإذا كان حالفاً كذباً على أمر ماض، فهذه يمين غموس، تغمس صاحبها في الإثم، وهذا يدل على أن الإنسان الذي يشتغل في البيع والشراء، يمكن أن يجري على لسانه حلف من غير قصد ونية، وكذلك قد يجري على لسانه شيء من الكذب ولا يتذكره، فيشرع له أن يتصدق صدقة يكفِّر الله عز وجل بها ذلك الشيء الذي حصل منه، أما إذا تعمد الكذب فهذا لا يكفِّره إلا التوبة.
قوله: [(كنا نسمى السماسرة)]، السماسرة: جمع سمسار، وأصلها كلمة أعجمية؛ كون العجم هم الذين كانوا مشتهرين بالبيع والشراء، فانتقلت إلى العرب واستعملوها، وجرت على ألسنتهم وهي ليست عربية، والرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءهم وهم يبيعون قال: [(يا معشر التجار)] فأطلق عليهم اسماً هو خير من ذلك الاسم الذي ورد ووفد عليهم وليس من لغتهم، فسماهم باسم هوك التجار، قال: (يا معشر التجار) ما قال يا معشر السماسرة! قال: فسمانا باسم هو خير لنا من ما سمينا به أنفسنا، ومن ما كان يسمينا به غيرنا.
[(إن هذا البيع يحضره الحلف والكذب)]، يعني: لا يسلم من الحلف والكذب، ولكن الإنسان عليه أن يخلط ذلك بالصدقة، فتكون هذه الصدقة مكفرة للغو اليمين، وكذلك الكذب الذي يحصل بدون قصد الإنسان، أو لا يتذكره وليس على باله، فعليه أن يتصدق، والصدقة تكون كفارة لهذه الأمور الصغيرة، أما الكبيرة فتكفيرها إنما هو بالتوبة.
هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سفيان بن عيينة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك].
هو عبد الملك بن أعين، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل].
هو أبو وائل شقيق بن سلمة الكوفي، ثقة، مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قيس بن أبي غرزة].
صحابي، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
أورد النسائي حديث قيس بن أبي غرزة، وقد مر ما يتعلق بالحديث في الذي قبله .. أصل الحديث وسببه.
وفي هذه الرواية بيان مكان البيع، وأنه في البقيع، ويعني: مكان عند البقيع وليس في نفس البقيع إذ البقيع مقبرة.
هو المقرئ المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة، وقد مر ذكره.
[عن عبد الملك].
مر ذكره.
[و عاصم].
هو ابن أبي النجود، صدوق له أوهام، وهو عاصم بن بهدلة، وبهدلة كنية والده أبي النجود، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقرونة، أي: أنه لم يرو له استقلالاً، وإنما روي له عن طريق المتابعة وكونه مقروناً بغيره، وهذا يبين لنا أن اصطلاح المزي وغيره أنهم يرمزون برمز الأصل فيما ليس بتعليق، ولو كان لم ينفرد وإنما كان متابعاً.
[و جامع].
هو جامع بن أبي راشد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة].
وقد مر ذكرهما.
وبالنسبة لـعبد الملك بن أعين أظنه مثل عاصم، قال فيه: روايته في الصحيحين مقرونة أو متابعة، وهو الظاهر، على أنه وصفه بأنه شيعي؛ فلذلك اعتذر عنه، وفي التقريب قال: صدوق، شيعي، له في الصحيحين حديث واحد متابعة.
يعني: ليس استقلالاً، فهو مثل عاصم، يعني هذا متابع وذاك مقرون، المتابعة يقول: تابعه فلان، والمقرون فلان وفلان.
أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن مغيرة عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه أنه قال: (أتانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن في السوق فقال: إن هذه السوق يخالطها اللغو والكذب، فشوبوها بالصدقة)].
أورد النسائي حديث قيس بن أبي غرزة وهو مثل الذي قبله: [(إن هذه السوق يخالطها اللغو والكذب)] واللغو أعم من اللغو في اليمين؛ لأن اللغو يعني: الكلام الذي ليس فيه فائدة، ولغو اليمين هو أن يقول: لا والله، وبلى والله، الشيء الذي ما عقد قلبه عليه، فكلمة اللغو تكون في اليمين وفي غير اليمين، يعني لغو اليمين والشيء الذي لا قيمة له، أي: الكلام الذي لا فائدة من ورائه، ولا يترتب عليه فائدة ومصلحة، هذا هو اللغو فسواء كان يميناً أو غير يمين، وكذلك الكذب الذي يجري على لسان الإنسان من غير قصده أو ما يشعر به، يعني: ليس شيئاً متعمداً، كل تلك تكفرها الصدقة.
هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن جعفر].
هو محمد بن جعفر غندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مغيرة].
هو مغيرة بن مقسم الضبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة].
وقد مر ذكرهما.
أورد النسائي الترجمة السابقة وهي في اللغو والكذب، وهنا ذكر الحلف والكذب، والترجمة في اللغو والكذب، يعني: المقصود به لغو اليمين، لكن اللفظ الأول أعم من الحلف؛ لأن اللغو يكون في الحلف، وفي غير الحلف، وهنا ذكر الحلف والكذب، وهو ألصق بالترجمة السابقة التي فيها ذكر الحلف والكذب، لكن يريد من ذلك أن الحلف بمثل: لا والله، وبلى والله من لغو اليمين الذي يكفِّره كون تصدق الإنسان بصدقة غير معينة ويتصدق بما تيسر، وليست كفارة معينة محدودة مقدرة وإنما بما يتيسر.
وقوله: [(كنا بالمدينة نبيع الأوساق ونبتاعها)].
والأوساق جمع وسق وهو: المقدار من الطعام، والمقدار من المكاييل، وكما هو معلوم أن الزكاة خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً.
هو علي بن حجر بن إياس المروزي السعدي، ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[و محمد بن قدامة].
هو محمد بن قدامة المصيصي، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن جرير].
هو جرير بن عبد الحميد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة].
وقد مر ذكرهما.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر