أخبرنا عمرو بن زرارة أخبرنا إسماعيل حدثنا ابن عون كان محمد يقول: الأرض عندي مثل مال المضاربة، فما صلح في مال المضاربة صلح في الأرض، وما لم يصلح في مال المضاربة لم يصلح في الأرض، قال: وكان لا يرى بأساً أن يدفع أرضه إلى الأكار على أن يعمل فيها بنفسه وولده وأعوانه وبقره، ولا ينفق شيئاً، وتكون النفقة كلها من رب الأرض].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي اختلاف الآثار في المزارعة، ونقل نقولاً عديدة أولها هذا الأثر عن محمد بن سيرين أنه قال: الأرض عندي مثل مال المضاربة، يعني مال المضاربة يدفعه المالك للعامل على أن يشتغل فيه العامل، وله في مقابل عمله النصف من الربح أو الربع أو الثلث على حسب ما يتفقان عليه، والأرض هي لصاحبها، وله النسبة التي يتفقان عليها من أجل استخدام أرضه والاستفادة من أرضه، فيقول: مثل المضاربة، يعني بعض الناس يجيد البيع والشراء وأمامه المضاربة، يأتي إنسان عنده حذق وعنده عناية في البيع والشراء وعنده خبرة في البيع والشراء ولكن ما عنده نقود، فيأتي إلى إنسانٍ عنده نقود ولكن ما عنده حذق في البيع والشراء، فيعطي هذا نقوده لهذا على أن يعمل فيها وله نصف الربح، فيكون كل من الطرفين استفاد، هذا صاحب الخبرة استغلها في مال غيره، وهذا صاحب المال استغله في خبرة غيره، والكل استفاد، هذا استفاد من ماله، وهذا استفاد من خبرته وعمله.
المزارعة بعض الناس ما يجيد البيع والشراء لكنه يجيد بالزرع، إذاً هو مثل المضاربة، يمكن أنه يأخذ الأرض على جزءٍ معلوم بالنسبة لما يخرج منها، والمضاربة جائزة بإجماع المسلمين، فهذه مثلها، إلا أن المضاربة ما تصلح إلا لمن يجيد البيع والشراء، والمزارعة تكون لمن يجيد الحرث، فإذاً هي سائغة، وبالإضافة إلى أنها مشابهة للمضاربة المجمع عليها فقد جاءت النصوص الدالة على جوازها كما في قصة خيبر وكما في أرض خيبر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم دفعها لليهود على أن يعملوها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.
وعلى هذا فهذا الكلام الذي ذكره ابن سيرين رحمه الله كلام يعني جيد، وفيه يعني بيان أن هذه مثل هذا، وهذه مجمع عليها وهذه مختلف فيها، لكن هذا مشابه لهذا، بعض الناس يجيد البيع والشراء أمامه المضاربة، بعض الناس ما يجيد البيع والشراء ولكنه يجيد المزارعة أمامه المزارعة، بعض الناس يعني عنده إجادة الذهاب والإياب على أن يشتغل مثلاً على دواب أو على سيارات وله النصف مما يحصل من استخدام هذه الدواب والسيارات من الثمرات التي تترتب على ذلك، إذاً كل يستفيد في حدود خبرته، ولا بأس بذلك ولا مانع من ذلك،
يقول: [فالأرض عندي مثل مال المضاربة، فما صلح في مال المضاربة صلح في الأرض، وما لم يصلح في مال المضاربة لم يصلح في الأرض، قال: وكان لا يرى بأساً أن يدفع أرضه إلى الأكار].
الأكار يعني: العامل الأجير أو الفلاح.
قوله: [على أن يعمل فيها بنفسه وولده وأعوانه وبقره، ولا ينفق شيئاً، وتكون النفقة كلها من رب الأرض].
يعني أنه يدفعها للأكار الفلاح أو العامل على أن يشتغل فيها بأدواته وبنفسه وبقره على أن النفقة تكون منه، يعني الذي هي البذور وما إلى ذلك منه، ويجوز أن تكون البذور من هذا ومن هذا على حسب ما يتفقان عليه، إن كانت على العامل لا بأس، وإن كانت على مالك الأرض لا بأس كل ذلك سائغ.
ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي.
[أخبرنا إسماعيل].
هو إسماعيل بن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن عون].
هو عبد الله بن عون، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
هو محمد بن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود أرض خيبر على أن يعملوها بأموالهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الشطر مما يخرج منها، يعني: أنه دفع إليهم مساقاةً ومزارعة، مساقاةً للنخل والشجر، ومزارعةً للأرض البيضاء حيث تزرع، ويكون لهم النصف من أجل عملهم، وله صلى الله عليه وسلم النصف من أجل أن الأرض له، وفي هذا أنهم يعملوها بأموالهم، يعني معناه البذر يكون منهم، وكل شيءٍ يكون منهم، يعني الرسول صلى الله عليه وسلم ما له إلا نصف ما يخرج منها ولا يدفع لهم شيئاً، وهذا يدلنا على أن النفقة والبذر يمكن أن يكون من المالك، ويمكن أن يكون من المزارع، وكذلك الأدوات يمكن أن تكون المكائن والمضخات وما إلى ذلك يمكن أن تكون على هذا أو على هذا، كل ذلك سائغ.
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث عن محمد بن عبد الرحمن].
هو الليث بن سعد، ومحمد بن عبد الرحمن بن عنج مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هو المصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا شعيب بن الليث حدثنا أبي].
وقد مر ذكرهما.
[عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهم جميعاً.
أورد النسائي حديث ابن عمر وفيه: أن المزارع كانت تكرى بهذه الطريقة، وفيه اختصار، وقد جاء النهي بالمنع من ذلك كما جاء في الأحاديث المتعددة التي مر ذكرها، يعني أنه يكون فيها جهالة، يعني كونه على السواقي وعلى كذا وعلى طائفة معينة أو يكون له جزء معين محدد يعني بالتقدير لا بالنسبة، أما إذا كان بالنسبة فهو سائغ؛ لأن الكل يشترك في الفائدة.
والإسناد قد مر ذكره.
أورد النسائي أثر عبد الرحمن بن الأسود النخعي أنه قال: كان عماي يزرعان بالثلث والربع، وأبي شريكهما، وعلقمة والأسود يعلمان ولا يغيران، يعني: يقران ذلك، ويسكتان عليه ولا ينهيان عنه، يعني وهذا يدل على أنه معروف عندهم أن استئجار الأرض بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها أنه سائغ، ومن المعلوم أنه قد دل عليه حديث خيبر، ودل عليه أيضاً حديث رافع الذي فيه التفصيل أما شيءٍ معلوم مضمون فلم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
[عن شريك].
هو شريك بن عبد الله القاضي النخعي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي إسحاق].
هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن الأسود].
هو عبد الرحمن بن الأسود النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي أثراً عن ابن عباس أن كون الإنسان يؤاجر أرضه بالذهب والورق، هذا هو الذي ينبغي أن يصار إليه وينبغي أن يفعل، وهو يدل على أن ابن عباس يرى أن استئجارها بالذهب والفضة سائغ، فهذا أثر من آثار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا المعتمر].
هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت معمراً].
هو معمر بن راشد البصري، ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الكريم الجزري].
هو عبد الكريم بن مالك الجزري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[قال سعيد بن جبير].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد النسائي الأثر عن إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير: أنهما كانا لا يريان بأساً في استئجار الأرض البيضاء، يعني على أساس أن صاحبها المستأجر يستخدمها فيما استأجرها من أجله.
قوله: [أخبرنا قتيبة حدثنا جرير]،
جرير هو جرير بن عبد الحميد الضبي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مغيرة].
هو مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و سعيد بن جبير].
مر ذكره.
أورد النسائي أثراً عن شريح أنه كان يقضي بقضاءين: أحدهما يتعلق بالعامل، وهو أنه إذا كان حصل شيء ادعى أنه تلف بيده فبينته على أنه حصل له مصيبة يعذر، يعني بأنه حصل حريق مثلاً وتلفت البضاعة التي في يده ما يأتي يقول: والله يعني خلاص البضاعة راحت وإلا كذا، وهو ما عنده شيء يدل على ذلك، وكذلك بالنسبة للمالك إذا قال: إن العامل خان، وأنه حصلت منه خيانة، فإنه يأتي ببينة على أنه حصل منه خيانة، وإلا فإن المالك له اليمين من العامل بأنه ما خان، يعني البينة على المدعي واليمين على من أنكر، يعني المالك إذا قال للعامل: إنه خائن، عليه أن يقيم البينة، فإن أقام بينة أخذ العامل بهذه البينة، وإن لم يأت ببينة يكون له اليمين بأنه ما خان، البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، حيث لم تأت البينة.
إسماعيل هو ابن علية، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
هو محمد بن سيرين، وشريح هو شريح القاضي.
فقد ذكر النسائي فيما مضى أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة تتعلق بالمزارعة، وقد ذكر في آخرها هذا الأثر عن سعيد بن المسيب الذي فيه أنه لا بأس أن يستأجر بالذهب والفضة.
قوله: [لا بأس بإجارة الأرض البيضاء بالذهب والفضة].
يعني: أن استئجار الأرض لزراعتها وهي خالية ليزرع فيها ما شاء من الأصناف أنه لا بأس بها بالذهب والفضة، أي: أن كون الإنسان يدفع ذهباً أو فضة في مقابل استئجارها لمدة سنة أو أكثر أن ذلك لا بأس به، ويزرعها ثم ما حصل من ثمرة وفائدة فهي تخص المستأجر؛ لأن المؤجر أخذ الأجرة التي هي مقدارٌ معين من الذهب والفضة، وقد عرفنا أن ذلك سائغ، ولا بأس به، أي: استئجارها بالذهب والفضة، وكذلك استئجارها بجزء معلوم النسبة ثم يخرج منها أيضاً لا بأس بذلك.
ثم ذكر أنه إذا دفع شخص لآخر مالاً على أن يعمل به العامل الذي دفع إليه مضاربةً، وحصلت الكتابة بينهما في إبرام هذا العقد فإنه يكتبه على هذه الصيغة التي أشار إليها والتي ذكرها.
قوله: [إذا دفع رجل إلى رجلٍ مالاً قراضاً فأراد أن يكتب عليه بذلك كتاباً كتب].
إذا دفع إلى رجل مالاً قراضاً يعني: دفعه قراضاً اللي هو المضاربة، القراض هو المضاربة يقال: وهي الاشتراك وهي شركة بين طرفين أحدهما يعمل والثاني يمول يدفع رأس مال، بحيث يبيع العامل ويشتري وما حصل من ربح فهو بينهما على النسبة التي يتفقان عليها، هذه هي المضاربة، يقال لها: قراض ويقال لها: مضاربة، والغالبة في استعمال أهل الحجاز أنهم يقولون: قراض، وفي استعمال أهل العراق يقولون: مضاربة، وهما بمعنى واحد، إلا أن هذا اللفظ غلب في العراق الذي هو المضاربة، ولهذا يأتي في كتب الحنابلة وفي كتب الحنفية المضاربة، ويأتي في كتب الشافعية والمالكية القراض، فغلب استعمال هذا اللفظ في جهة، واستعمال اللفظ الآخر في جهة، ولا فرق بينهما لفظان مؤداهما واحد، يقال لهذه المعاملة: قراض ويقال لها: مضاربة، وهي جائزة بإجماع العلماء اللي هي المضاربة، كون شخص يدفع لآخر مالاً على أن يبيع فيه ويشتري وما حصل من ربحٍ فهو بينهما على النسبة التي يتفقان عليها لا بأس بذلك، هذه جائزة بإجماع العلماء، دفع مالاً قراضاً.
قوله: [فأراد أن يكتب عليه بذلك كتاباً كتب].
فأراد أن يكتب عليه بذلك كتاباً كتب، ثم ذكر الصيغة صيغة العقد.
هذا العامل كتب على نفسه هذا الكتاب فلان ابن فلان، يسمي نفسه بصحة منه وجواز أمر، يعني: أنه صحيح العقل وجائز التصرف، ليس بمجنون، وليس بسفيه محجور عليه لا يمكنه التصرف في ماله، بل هو خال من هذه الموانع التي تمنع صحة العقد منه، وتمنع صحة صدور العقد منه، بل خلى من هذين الوصفين وهما كونه يعني غير عاقل، وكونه غير سفيه يعني الذي حجر عليه بماله لسوء تصرفه، ولهذا قال: في صحة منه.
وجواز أمره، يعني: جواز التصرف في أموره، وهذا موجود في استعمالات الناس في هذا الزمان، يقولون: في صحة من عقله وجواز تصرفه، هكذا يقول الناس في عقودهم التي يجرونها فيما بينهم.
قوله: [أنك دفعت إلي مستهل شهر كذا من سنة كذا عشرة آلاف درهم].
الذي هو رأس المال، يعني يذكر بدء المضاربة وحصول الدفع، ومقدار رأس المال، ورأس المال هو يختص بمالك، والعامل يبيع ويشتري، إن حصل ربح فهو بينهما، وإن حصل خسارة فهي على رب المال، ولا يجوز أن يتحمل العامل شيئاً من الخسارة، ولو اشترط أن الخسارة على العامل فإن ذلك لا يصح باتفاق العلماء، وإنما الخلاف بينهم: هل يصح العقد الذي جاء معه هذا الشرط، أو أنه يصح العقد ولكن الشرط يبطل؟
الشرط باطل باتفاق العلماء، لكن هل بطلانه يقتصر عليه والعقد يبقى ساري المفعول، أو أنه يسري إلى أصل العقد فيبطله ويحتاج إلى عقد جديد خالي من هذا الشرط الفاسد وهذا الشرط الباطل؟ فالخسارة على رب المال، والربح بينهما، ولا يجوز أن يشترط أن الخسارة على العامل؛ لأنه لو اشترط عليه لكان العامل خسر مرتين: خسر في عمله؛ لأنه ضاع مجان وبدون مقابل، وكونه خسر أي تحمل حمولةً بالإضافة إلى ضياع عمله بدون مقابل؛ لأنه ما حصل ربح لأنه كان يعمل من أجل يحصل ربح وما حصل ربح بل حصل خسارة، فإذا تحمل هذه الخسارة اللي هو العامل يعني اجتمع له خسارتان: خسارة كون عمله ضاع بدون فائدة، وكونه تحملت ذمته شيئاً ليس له أن يتحمله، وإذا حصل ربح فهو بينهما على النسبة التي اتفقا عليها، وإن حصل خسارة فهما كلٌ خسر، هذا خسر عمله، وهذا خسر ماله، الخسارة مشتركة والربح مشترك، إن حصل خسارة في رأس المال فالعامل ضاع عليه عمله وخسر، والمالك ضاع عليه ماله، وإن حصل ربح فهو بينهما.
قوله: [أنك دفعت إليّ مستهل شهر كذا من سنة كذا عشرة آلاف درهم وضحاً جياداً وزن سبعة قراضاً].
هذا وصف النقود يعني في ذاك الوقت، يعني دفعتها إليّ قراضاً، يعني هكذا التنصيص في العقد قراضاً، يعني حتى يخرج أن كونه قرض يعني سلف أو كونه يعني هبة كونه عطية، يعني كلمة قراضاً يعني تبين لماذا دفعت؟ يعني أيش المقصود من دفعها؟ دفعت على أنها في شركة مضاربة، شركة قراض، من أحدهما العمل، ومن أحدهما رأس المال، وهذا تشريع أو جواز هذه العملية التي هي المضاربة لما فيها من فائدة ومصلحة؛ لأن من الناس من يكون عنده المال متكدس لكن ما عنده قدرة على التصرف، ما يجيد البيع والشراء، السلع موجودة لكن ما عنده قدرة على أن يشتغل، وبعض الناس يكون عنده حذق وفطنة وخبرة وقدرة على البيع والشراء لكن ما عنده رأس مال، فشرعت المضاربة حتى يستفيد هذا من مال هذا، وهذا يستفيد من خبرة هذا.
قوله: [على تقوى الله في السر والعلانية وأداء الأمانة].
يعني أنهم يتفقون على تقوى الله عز وجل، كل واحد يتقي الله في شريكه وفي أمانته، وأن كل منهما عليه مراقبة الله عز وجل، لا يخون، ولا يقصر بحق صاحبه، ولا يخون في أمانته لا يخفي شيئاً منه، ولا يختلس منها شيئاً، ولا يأكل منها شيئاً ويجحده، وإنما يتقي الله عز وجل ويؤدي الأمانة.
يعني معناه: أنها مضاربة مطلقة ليست مقيدة بشيء، يشتري سيارات، يشتري دواب، يشتري حديد، يشتري اسمنت، يشتري أي نوع من أنواع السلع، أما إذا قيده في نوع يعرف أنه يجيد فيه فعليه أنه يلتزم به، إذا كان يعرف شخصاً يجيد تجارة معينة كأنه يجيد البيع في القماش والسلع الأخرى طبعاً ليس من أهلها وأراد أن يقصره عليها لا بأس.
قوله: [وأن أصرفها وما شئت منها فيما أرى أن أصرفها فيه من صنوف التجارات، وأخرج بما شئت منها حيث شئت].
يعني ينتقل من بلد إلى بلد، يعني: يحمل النقود معه وينتقل يعني ليس في البلد الذي هو فيه، ولا يخرج به، بل يجوز له أن يتصرف في بلده الذي هو فيه، وأن ينتقل من بلد إلى بلد يعني يضرب في الأرض للتجارة.
قوله: [وأبيع ما أرى أن أبيعه مما أشتريه بنقد رأيت أم بنسيئة، وبعين رأيت أم بعرض].
يعني يبيع بنقد أو نسيئة، يعني كون الثمن يقبضه أو يبيع بالغائب يعني بالمؤجل، والبيع بالناجز هذا ما فيه إشكال؛ لأن الحق مضمون، والبيع بالنسيئة هذا هو الذي فيه إشكال؛ لأنه قد يفلس الشخص الذي اشترى منه نسيئة، فيكون المال ما يمكن الاستفادة منه، يعني: إذا كان في ذمة إنسان وكان غائباً، إلا إذا حصل في رهن هذا فيه توثيق للمال؛ لأن الرهن هو توثقة دين بعين، يعني الدين الذي في ذمة إنسان يتوثق فيه بأن يربطه بعين، هذه العين إذا أفلس أو كذا تباع ويأخذ حقه منها، فهذا فيه أنه يتصرف كيف شاء يعني: بنقدٍ أو نسيئة، إن باع حاضراً أو باع غائباً له ذلك.
قوله: [وبعين رأيت أم بعرض].
عرض؛ لأن العين هي الشيء المعين، والعرض هو عين أيضاً كما هو معلوم، يعني عروض التجارة هي أعيان، فلا أدري يعني هل كلمة العرض هذه يراد بها يعني العرض أو عوض يعني يكون بعين أو بنقود، يعني بهذا أو بهذا، إلا أن كلمة نقد يعني فيما مضى يعني تشعر بحصول النقد، اللهم إلا أن يكون المقصود من ذلك أنما يباع به يعني يقبض، فالعرض هو الشيء الذي يعرض للبيع والشراء، عروض التجارة يعني أعيان يعني تقلب وتباع وتشترى، والعين هي عرضٌ، يعني سيارة هذه عرض فهذه عين، يعني دابة.
قوله: [على أن أعمل في جميع ذلك كله برأيي].
يعني: برأيه، ما يجي يستشيره، ما يقيد بأنه يعني ما يتصرف إلا بالرجوع إليه.
قوله: [وأوكل في ذلك من رأيت، وكل ما رزق الله في ذلك من فضل وربح بعد رأس المال الذي دفعته المذكور إلي المسمى مبلغه في هذا الكتاب].
فهو عشرة آلاف درهم الذي مرت في أول الكتاب.
قوله: [فهو بيني وبينك نصفين].
يعني هذا على اتفاق أن الربح نصفين، ويجوز أن يكون ثلث وثلثين، أو ربع وثلاثة أرباع، أو خمس وأربعة أخماس.. وهكذا.
قوله: [لك منه النصف بحظ رأس مالك، ولي فيه النصف تاماً بعملي فيه].
يعني: لك النصف بحظ رأس مالك، يعني من أجل مالك، أنت استفدت الربح من أجل مالك، وأنا لي النصف بحظ عملي من أجل عملي.
قوله: [وما كان فيه من وضيعةٍ فعلى رأس المال].
يعني ما كان فيه وضيعة خسارة فتكون على رأس المال، يعني ليست على العامل.
قوله: [فقبضت منك هذه العشرة آلاف درهم الوضح الجياد مستهل شهر كذا في سنة كذا].
يعني بدل المضاربة.
قوله: [وصارت لك في يدي قراضاً على الشروط المشترطة في هذا الكتاب].
يعني صارت لك في يدي قراضاً يعني ما هي بيدي أنا وديعة، أو عطية، أو سلف قرض، وإنما هي قراضاً.
قوله: [أقر فلان وفلان].
أقر فلان وفلان يعني هذا مثل ما يقولون: التوقيع بأسفل الكتاب، كل واحد يعني يكتب توقيعه وإقراره.
قوله: [وإذا أراد ألا يطلق له أن يشتري ويبيع بالنسيئة كتب، وقد نهيتني أن أشتري وأبيع بالنسيئة].
لأن الذي مر على أساس أنه أطلق له أن يبيع بالنسيئة؛ ولهذا قال: أبيع ما شئت من نقد أو نسيئة، وإذا كان أراد المالك ألا يبيع بالنسيئة يعني كتب وقد نهيتني أن أبيع بالنسيئة، يعني أنه ليس من حقي أن أبيع بالنسيئة؛ لأنك نهيتني عن ذلك ومنعتني من ذلك، هذا عقد المضاربة، وكما هو واضح فيه الدقة، وفيه الوضوح والابتعاد عن اللبس والنقص الذي يترتب عليه الخصومات والاختلاف؛ لأنه إذا كانت العقود فيها ثغرات فيكون ذلك سبباً للاختلاف بينهم، هذا يقول: أنا أردت كذا، وهذا يقول: أنا أريد كذا، وهذا يقول لي كذا، وليس لك كذا، لكن إذا كان موجود في العقد خلاص ما في مجال للأخذ والرد.
هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
[عن شريك].
هو شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن طارق].
هو طارق بن عبد الرحمن البجلي، وهو صدوقٌ، له أهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب].
ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [شركة عنان بين ثلاثة].
شركة عنان بين ثلاثة، يعني شركة العنان هي التي يكون فيها الاشتراك بالعمل والمال؛ لأن التي مرت اشتراك بعمل ومال، عمل من شخص ومال من شخص، وأما هذه كل واحد منه رأس مال، وكل واحد منه عمل، كل واحد منه رأس مال، وكل منهم له عمل، مشتركون في رأس المال وفي العمل، ولهذا قيل لها: شركة عنان يعني: أن المشتركين كأصحاب الرهان في الخيل يعني مثل ما يقال: فرسي رهان، يعني معناه: أنهم متماثلين، يعني متساويين في رأس المال، ومتماثلين في العمل.
تعريف العنان: هي اشتراك بين الشريكين أو أكثر في المال والعمل، كلاً منه رأس مال، وكلاً منه عمل، ليست كالسابقة، السابقة واحد منه عمل، والثاني رأس مال، وهذه كلاً منه عمل ومنه رأس مال.
قوله: [هذا ما اشترك عليه فلان وفلان وفلان في صحة عقولهم وجواز أمرهم، اشتركوا شركة عنان لا شركة مفاوضة بينهم في ثلاثين ألف درهم وضحاً جياداً وزن سبعة، لكل واحد منهم عشرة آلاف درهم، خلطوها جميعاً فصارت هذه الثلاثين ألف درهم في أيديهم مخلوطةً بشركةٍ بينهم أثلاثاً، على أن يعملوا فيه بتقوى الله وأداء الأمانة من كل واحد منهم إلى كل واحدٍ منهم، ويشترون جميعاً بذلك وبما رأوا منه اشتراءه بالنقد، ويشترون بالنسيئة عليه ما رأوا أن يشتروا من أنواع التجارات، وأن يشتري كل واحدٍ منهم على حدته دون صاحبه بذلك، وبما رأى منه ما رأى اشتراءه منه بالنقد، وبما رأى اشتراءه عليه بالنسيئة، يعملون في ذلك كله مجتمعين بما رأوا يعمل كل واحد منهم منفرداً به دون صاحبه بما رأى، جائزاً لكل واحد منهم في ذلك كله على نفسه، وعلى كل واحد من صاحبيه، فيما اجتمعوا عليه وفيما انفردوا به من ذلك كل واحد منهم دون الآخرين، فما لزم كل واحد منهم في ذلك من قليل ومن كثير فهو لازم لكل واحدٍ من صاحبيه].
يعني: سواءً كان لهم أو عليهم، ما لزم واحد منهم لازم للجميع؛ لأنهم شركاء، يعني ما حصل من ربح من واحد فهو لهم، وما حصل من خسارة فهو عليهم جميعاً، وقد يربح أحدهم وقد يخسر الثاني، والقضية أنهم شركاء، الخسارة عليهم جميعاً، الربح لهم جميعاً.
[وهو واجب عليهم جميعاً، وما رزق الله في ذلك من فضل وربح على رأس مالهم المسمى مبلغه في هذا الكتاب فهو بينهم أثلاثاً، وما كان في ذلك من وضيعة وتبعة فهو عليهم أثلاثاً على قدر رأس مالهم، وقد كتب هذا الكتاب ثلاث نسخ متساويات بألفاظ واحدة في يد كل واحدٍ من فلان وفلان وفلان واحدة وثيقةً له أقر فلان وفلان وفلان].
ثم ذكر أنهم اتخذوا هذا العقد من ثلاث نسخ، وأن هذه النسخ متساوية في هيئتها وفي ألفاظها، يعني ما في أحد يزيد كلمات والثاني ينقص؛ بل الكلمات واحدة، والهيئة واحدة، وكل واحد منهم أقر وبيده نسخة؛ لأن هذه نسخ على عدد الشركاء.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر