بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
فهذا النوع وهو ما يتعلق بوجوه المخاطبات وما سيأتي بعده مرتبط بعلم البلاغة، ولهذا يمكن أن تلاحظ نوعاً من الوحدة الموضوعية في ترتيب هذه المباحث، فمن هذا النوع تبتدئ الأنواع المرتبطة بالبلاغة، والأنواع السابقة الأولى كانت مرتبطة بالعلوم الخاصة المنبثقة من القرآن، ثم انتقل إلى العلوم التي لها ارتباط بأصول الفقه، وهنا انتقل إلى العلوم التي لها ارتباط بعلم البلاغة.
المراد بمخاطبات القرآن
لم يبين السيوطي رحمه الله تعالى المراد بالمخاطبات، ولكن الظاهر من خلال ما طرحه أن المراد به الخطاب العام، وليس المراد بالمخاطبة التي هي مرادفة للنداء أو المقاولة، أن نقول: قال كذا ثم رد عليه، وإنما المراد بها عموم الخطاب القرآني.
والبحث في عموم الخطاب القرآني واسع جداً، وهو مبحث نفيس جداً لمن أراد أن يفرّع عليه بحوثاً من البحوث العلمية سواء في رسائل ماجستير أو رسائل الدكتوراه، فلو تأملنا ما طرحه قال: قال ابن الجوزي في كتاب النفيس: الخطاب في القرآن على خمسة عشر وجها.
وهنا لم يذكر كتباً مرتبطة بالخطاب أو بالمخاطبات في القرآن مما يدل على أنه ليس عنده في هذا تأليف مستقل لأحد من العلماء، وإنما تجد هذا مبثوثاً في كتب العلماء، مثل الكتاب الذي ذكره هنا، ومثل مجاز القرآن لـأبي عبيدة معمر بن المثنى ، وكذلك المدخل إلى تفسير كتاب الله للحدادي ، وغيرها من الكتب التي تجد فيها إشارات إلى هذا النوع وهو خطابات القرآن.
ثم ذكر عن عالم آخر أنه قال: إن خطابات القرآن على أكثر من ثلاثين وجهاً، ثم بدأ يفصل في هذه الخطابات.
الخطاب العام المراد به العموم
ذكر منها الخطاب العام والمراد به العموم، ولو تأملناه فسيرجع إلى مسألة أصول الفقه من جهة، وهو مرتبط بنوع الخطاب من جهة أخرى، مثل قوله سبحانه وتعالى:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
[الروم:40] فهذا عام غير مخصوص؛ لأن كل من سوى الله سبحانه وتعالى فهو مخلوق.
الخطاب الخاص المراد به الخصوص
الخطاب العام المراد به الخصوص
الخطاب الخاص المراد به العموم
خطاب الجنس والنوع والعين
بعض الخطابات الأخرى في القرآن
ثم ذكر فائدة وهي من لطائف الفوائد: قال بعضهم: خطاب القرآن ثلاثة أقسام:
قسم لا يصح إلا للنبي صلى الله عليه وسلم. مثلما ذكرنا في قوله:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ
[الأحزاب:50].
وقسم لا يصلح إلا لغيره.
وقسم لهما. أي: يصلح للنبي صلى الله عليه وسلم ويصلح لغيره.
ما ذكر من وجوه علوم القرآن
ثم ذكر فائدة عن ابن القيم طويلة مأخوذة من كتاب الفوائد، ثم انتقل بعد ذلك إلى فائدة ختم بها هذا الباب وقال عن بعض الأقدمين، وكم تمنيت لو أشار إلى من هو؛ لأن هذه الفائدة مهمة جداً، لأن هذا العالم الذي ذكر قوله قد ذكر جملة من علوم القرآن ولا بأس أن نذكرها: قال: أنزل القرآن على ثلاثين نحواً، كل نحو منه غير صاحبه، فمن عرف وجوهها ثم تكلم في الدين أصاب ووفق، ومن لم يعرفها فتكلم في الدين كان الخطأ إليه أقرب، وهي: المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والتقديم والتأخير، والمقطوع والموصول، والسبب والإضمار، والخاص والعام، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، والحدود والأحكام، والخبر والاستفهام، والأبهة والحروف المصرفة، والإعذار والإنذار، والحجة والاحتجاج، والمواعظ والأمثال، والقسم.
هذه جملة من علوم القرآن وموضوعاته، ثم ذكر لهذا أمثلة، فذكر لكل واحدة من هذه أمثلة فنأخذ بعض الأمثلة وليس كل هذه الأمثلة؛ لكي لا يطول بنا المقام.
مثلاً قضية المحكم والمتشابه جعل المحكم ما له وجه والمتشابه ما يكون له أكثر من وجه.
التقديم والتأخير ذكر له مثالاً، المقطوع والموصول ذكره في مثل:
لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ
[القيامة:1]، قال: فـ(لا) مقطوع من أقسم وإنما هو في المعنى "أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة"، ولم يقسم.
هذا على قول فيه ضعف، لكنه مثال، وكما قيل: ليس من عادة الفحل الاعتراض على المثل، أي: المثال لا يعترض عليه، بمعنى: هل في القرآن مقطوع وموصول أو ليس في القرآن مقطوع وموصول؟ نعم، في القرآن مقطوع وموصول، لكن هذا المثال لا يصلح للمقطوع والموصول، وأمثلة المقطوع والموصول كثيرة.
طبعاً نلاحظ أن المقطوع والموصول الذي يتكلم عنه المؤلف هنا ليس المقطوع والموصول المتعلق بالرسم، وإنما المقطوع والموصول المتعلق بالمعنى.
وهو أقسام وسبق الإشارة إليه.
فذكر للسبب والإضمار مثالاً في قوله:
وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ
[يوسف:82] أي: أهل القرية.
والخاص والعام سبق قبل قليل، والأمر معروف.
والأبهة: قال: مثل:
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا
[نوح:1] أو ما نسميها بالتعظيم، فالأبهة هي المعروفة عندنا بالتعظيم، وهي نون التعظيم في مثل:
نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ
[الزخرف:32]، عبّر بالصيغة الموضوعة للجماعة عن الواحد تعالى تفخيماً وتعظيماً وأبهة.
والحروف المصرفة: كالفتنة تطلق على الشرك في قوله:
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ
[البقرة:193]، وعلى المعذرة: نحو:
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ
[الأنعام:23]، وعلى الاختبار: نحو:
قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ
[طه:85].
فهذه ثلاثة معان للفتنة، وما المراد بها علم الوجوه والنظائر، والذي استخدم هذا التعبير المصرّفة أو التصاريف، هو يحيى بن سلام في كتابه التصاريف، فاستخدم عبارة التصاريف، فهل هذا العالم الذي ذكره هو يحيى ؟ قد يكون هذا محتمل، لكن أين قاله إن كان هو؟ الله أعلم. ومقدمة كتابه الذي هو التفسير كما هو موجود من اختصار ابن أبي زمنين أو هود بن محكم فيها إشارة إلى بعض هذه الأنواع التي ذكرها.
والإعذار كنوع مستقل وهو آخر نوع ذكره، وهو الإعذار والإنذار: نحو:
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ
[النساء:155] اعتذر أنه لم يفعل ذلك إلا بمعصيتهم.
ثم قال: والبواقي أمثلتها واضحة.
هذا ما يتعلق بقضية الخطابات، وأقول: إن هذا الموضوع لو أخذه أحد ورتب عليه رسائل علمية فإنه ممكن لهذه الرسائل بإذن الله، خصوصاً أنه موضوع طويل جداً، ويمكن تقسيمه إلى أفكار متعددة.
مدى تداخل أنواع العموم في بعضها
فإن قيل: هل تتداخل أنواع العموم في بعضها؟
فيقال: قد يختلف النظر فيها، لكن لا تتداخل، بمعنى: أنني قد أختلف أنا وأنت هل هذا من العام المخصوص أو من العام الذي هو على عمومه، أما أن تتداخل فلا.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.