إسلام ويب

التعليق على كتاب فصول في أصول التفسير [4]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لتفسير القرآن عدة طرق: كتفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة، وبأقوال السلف، وباللغة، وبالاجتهاد، وكلها طرق لها ضوابط وشروط لا يجوز تعديها، وأي قول لم ينبن على أسس وقواعد التفسير فيعتبر باطلاً، كما أن أي قول وافق السلف ولم ينقض أقوالهم، وكان متسقاً مع اللغة العربية، وكانت الآية تحتمله فإنه يقبل، ويضاف إلى أقوال السلف.

    1.   

    تابع طرق التفسير

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:

    أخذنا في الدرس السابق تفسير القرآن بالسنة، وتفسير القرآن بأقوال الصحابة، وتفسير القرآن بأقوال التابعين.

    ملخص تفسير القرآن بالسنة

    نرجع سريعاً لنأخذ مجملاً لأهم الأفكار الموجودة في هذه الموضوعات.

    ففي تفسير القرآن بالسنة ذكرت أنه يمكن أن يقسم هذا الموضوع إلى قسمين:

    التفسير النبوي المباشر، وهو أن يقصد النبي صلى الله عليه وسلم إلى تفسير الآية.

    ثم التفسير بعموم السنة، وهو القسم الآخر، ويشمل أي إفادة يستفيدها المفسر من السنة في بيان القرآن، وأن هذا أيضاً على مراتب، فأحياناً قد يكون المعنى الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعنى الموجود في الآية، وقد تكون الاستفادة في غير هذا، والاستفادات التي استفادها المفسرون من السنة كثيرة جداً، وقد ذكرت من اعتنى بهذا من المفسرين، وهو الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى، فهو من أوعى المفسرين في الاستفادة من السنة النبوية في تفسير القرآن الكريم.

    وأيضاً ذكرت أن النوع الثاني: وهو التفسير بالسنة، وأنه يعتمد على اجتهاد المفسر في ربطه بين الآية والحديث.

    تفسير الصحابة والتابعين

    أما ما يتعلق بتفسير الصحابة رضي الله عنهم فكان من الأشياء التي دار فيها النقاش قضية أنه كان لهم رجوع إلى مرويات بني إسرائيل، وهذا الموضوع اختصرته اختصاراً شديداً، وإن كان يحتاج في الحقيقة إلى مزيد بسط، وليس ما أقوله أو ما اختصره سيكون موضحاً لكل ما يتعلق بهذا الموضوع، لكني أحببت أن ألفت النظر إلى أن الصحابة رضي الله عنهم أعلم وأحكم وأسلم في مثل هذه الأمور، فكونهم رجعوا إلى هذه المرويات، وذكروها في التفسير فإنه يدل على أنه منهج صحيح، أما مسألة الأخذ بالتفاصيل فلم يرد عن الصحابة أنهم أخذوا بهذه التفاصيل، وإنما كانوا يذكرونها مجرد خبر.

    ثم انتقلنا بعد ذلك إلى قضية مصدر اللغة عند الصحابة، ونبهنا على تقديم قول الصحابة في اللغة على قول اللغويين فيما لو تعارض القول بينهم وبين أهل اللغة.

    وبعد ذلك حكم تفسير الصحابي، وكان فيه الحديث عما له حكم الرفع، وهذا كما قلت: يشمل أسباب النزول والأخبار المغيبة، ومن الأخبار المغيبة قصص بني إسرائيل، وذكرت فائدة في أنه إذا ذكر رواية عن مفسر قد اشتهر عنه الأخذ من بني إسرائيل، فإن الأولى إذا توقف في الرواية أن يقال لشبهة الخبر: الإسرائيلي أولى ما يقال؛ لأن الراوي ممن يأخذ عن بني إسرائيل.

    ثم بعد ذلك ما رجعوا فيه إلى لغتهم، وهذا حكمه القبول، وكذلك ما رجعوا فيه إلى أهل الكتاب، وهذا له حكم الإسرائيليات، ثم ما وقع فيه الاجتهاد منهم فإما أن يتوافقوا في الاجتهاد فيكون هذا التوافق حجة، وإما أن يختلفوا فيعمل بالمرجحات إن احتاج الأمر إلى ذلك، ثم أن يرد القول عن واحد منهم، ولا يعلم له مخالف لهذا، فهذا لا شك أنه أدعى إلى القبول من قول من جاء بعده خصوصاً إذا حفت به قرائن تدل على صحته.

    ثم تفسير التابعين، والكلام عليه كالكلام في تفسير الصحابة.

    ثم بعد ذلك في التنبيهات حول تفسير السلف من الصحابة والتابعين ذكرت تعليقاً عن المسألة الأولى وهي: الاعتناء بصحة السند، وقلت لكم: إن هذه فيها نظر وليست على إطلاقها؛ لأن عمل المفسرين والمحدثين ليس على المنهج.

    والفائدة الثانية في أن جمع طرق التفسير عن الصحابي أو التابعي مهمة؛ ليتميز الاختلاف في الرواية، خصوصاً إذا كان اختلاف تضاد، أو أن يكون في الرواية إشكال من جهة الاعتقاد أو غيره، فهذا جمع الروايات فيه مفيد، وتمحيص الرواية فيه لا بد منه.

    كذلك إذا صح التفسير عن واحد من الصحابة والتابعين فإنه ينظر إن كانت من باب اختلاف التضاد، فإن كانت كذلك يرجع إلى تحليل الرواية، فإن كانت كل الطرق إليه صحيحة فيظهر أنه قد قال بهذا القول ثم قال بغيره، فأيهما المقدم وأيهما المؤخر؟ فهذا يرجع فيه إلى نفس المثال الوارد، وهو قليل جداً، ويمكن أن يكون مثال ذلك الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق؟

    الفائدة الرابعة: في جمع مرويات الصحابة والتابعين في تفسير الآية وأنها أدل على المقصود، وهذه في الحقيقة مهمة، لكن لأن مجال الدرس ضيق جداً، وكان من الأولى أن يكون لهذه تطبيقات؛ لكي يتنبه إلى أنه بالفعل عندما نجمع المرويات يتبين المعنى المراد من الآية، ويمكن الرجوع إلى تفسير قوله سبحانه وتعالى: يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً [الطور:9] في تفسير الطبري ، وننظر إلى الروايات الواردة عن السلف، ونجمع هذه الروايات، ومحصلة هذه الروايات هو ما يدل على معنى المور، فكل منهم عبر عن المور بجزء من معناها فجمع عباراتهم يدل على المعنى المقصود التام في المور.

    الفائدة الخامسة: [ أنه ليس كل اختلاف وارد عنهم يعد اختلافاً ] أي: اختلافاً محققاً وهو اختلاف التضاد، وهذا سيأتي تفصيله في اختلاف التنوع.

    إحداث قول بعد الإجماع على قول في آية

    نأتي إلى المسألة التي أرجأتها إلى اليوم، وهي: [ هل يجوز إحداث قول بعد إجماعهم على قول في الآية أم لا؟ ]

    أول مسألة في هذه: من أين جاءت هذه المسألة؟ وهل هذه المسألة مرتبطة بأصول التفسير أو لا؟

    الجواب: أنها في أصلها من مباحث علم أصول الفقه، والذي بحث هذه المسألة هم علماء أصول الفقه.

    فالذين أجازوا أجازوا إحداث القول بالتركيب، وهو أن يأخذ من هذا القول ومن هذا القول، وبعضهم لا يجيز التركيب، وبعضهم يقطع بأنه لا يجوز، وكثير من الأصوليين يرى أنه لا يجوز إحداث قول ثالث في المسألة، وأنا في رأيي أن هذه المسألة ليس لها علاقة بأصول التفسير؛ لوجود فرق بين علم الفقه وبين علم التفسير، فعلم الفقه فيه: افعل ولا تفعل، بمعنى: أن الحكم الشرعي إما أن يكون افعل، وإما أن يكون لا تفعل، والمتركب في علم الفقه في النهاية هو افعل ولا تفعل، ومن قال بالتركيب: وهو أنه يجوز أخذ جزء من هذا القول، وجزء من هذا القول، فهذا لم يخالف هذا بإطلاقه ولا هذا بإطلاقه، بل هو دائر في محيط قول السلف، ولم يخرج منه.

    أما في التفسير فالمسألة مختلفة ومرتبطة بالمعنى، والمعنى متعدد، وصحيح أنه محدود، ففي لفظة أو في آية يمكن ورود عشرة معان، أو خمسة عشر معنى لكنها محدودة ومتعددة، ولو أننا قلنا بهذا القول ستأتينا إشكالات الإجماع المعروفة، وهي ما هو العصر الذي ينتهي عنده الإجماع؟ ولو افترضنا وقلنا اتفاقاً: إنه عصر الصحابة والتابعين وأتباع التابعين فإن علم التفسير لا يتوقف، وإلا فإنه لا يجوز لأحد أن يقول بكتاب الله إلا بما قاله المتقدمون، ويختار من أقوالهم فقط، وأما أي قول حادث فلا ننظر فيه أصلاً بل نرده، وهذا لم يعمل به العلماء، والذين نظروا المسألة أصولياً، وأدخلوها في علم أصول الفقه، وقالوا: هل يجوز إحداث قول ثالث في شرح حديث النبي صلى الله عليه وسلم، أو في تفسير القرآن؟ التنظير شيء، والتطبيقات -لو هم تعاملوا مع التفسير- شيء آخر، وهؤلاء مع أن جلالتهم ناقشوا المسألة من منطلق فقهي، ولم يناقشوها من منطلق تفسيري، فأنا في رأيي أن المسألة لا تدخل في هذا الباب؛ لأن التفسير غير الفقه.

    فالتفسير في معان متعددة، وما دامت هذه المعاني متعددة ننظر إلى هذه المعاني المذكورة بعد أقوال السلف، وهل المعنى المذكور أولاً صحيح أو غير صحيح من حيث هو قول؟ فإن كان صحيحاً في ذاته فقد تجاوز المرحلة الأولى.

    والمرحلة الثانية: هذا القول الصحيح هل يناقض قول السلف أو لا يناقضه؟ فإن ناقض قول السلف لم نقبله، فإن لم يناقضه ننتقل للمرحلة الثالثة: وهي هل الآية تحتمله؟ فإن احتملته جاز قبوله، وصار قولاً معتبراً، فالمراحل باختصار: أن يكون معنىً صحيحاً في ذاته، غير مناقض لقول السلف، وتحتمله الآية، فإذا توافرت فيه هذه الشروط قبل.

    أمثلة للأقوال المردودة الحادثة بعد أقوال السلف

    وأضرب مثالاً في هذا في قوله سبحانه وتعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وجد من فسر (استوى) بمعنى: استولى، فهل تفسير الاستواء بالاستيلاء صحيح بذاته أي أنه وارد عن العرب؟ الجواب: أنه غير وارد في لغة العرب أن (استوى) بمعنى استولى، فهذا المثال الذي أريده في كونه ليس صحيحاً في ذاته، والأمثلة كثيرة في هذا، ونضرب لك مثالاً في التفسيرات المعاصرة، فبعضهم ممن يريد أن يربط القرآن بأي تجربة معاصرة، أو أي علم من علوم المعاصرين كقضية الأطوار الداروينية المعروفة، فمن قوله سبحانه وتعالى: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً [نوح:14] استدل بها على صحة الأطوار الداروينية، نحن نسأل هل الأطوار الداروينية صحيحة في ذاتها؟

    الجواب: غير صحيحة في ذاتها، إذاً: لا يجوز حمل الآيات عليها، فهذا المراد بقولنا: الصحيح بذاته، وهو أن يكون المعنى المذكور إما من جهة اللغة، وإما من جهة كونه معنى مقبولاً وصحيحاً في ذاته، وما دام أنه غير مقبول ولا صحيح في ذاته فإنه يرد من أول وهلة، ولكن عندما يكون المعنى صحيحاً في ذاته ننتقل للمرحلة الثانية فننظر هل يناقض قول السلف أو لا يناقض قولهم؟ مثلاً العرب من اتساع لغتهم يخاطبون الديار، ويخاطبون الدواب، و عنترة يقول: (ولكان لو علم الكلام مكلمي)، ويقول: و(شكا إلي بعبرة)، فهل بالفعل الخيل شكا له، أو أنه يصور أن هذا الخيل له هذا الإحساس وأنه يشتكي؟ وهذا من باب الاتساع، ونأتي إلى آية لنحملها على نفس المعنى وهو قوله تعالى: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان:29].

    فقوله: (ما بكت عليهم السماء والأرض) نقول: (ما بكت) المعروف أن السماء لا تبكي، وكذلك الأرض لا تبكي، وإنما هو مثلما قال عنترة في كلامه مع خيله، فمن جهة العربية هذا المعنى صحيح، ولكن عندما نأتي إلى تفسير السلف نجدهم أثبتوا بكاءً حقيقياً، فلا يصح أن نثبت البكاء الحقيقي ثم ننفيه.

    إذاً: القول الأول هذا وهو قول المعتزلة: أن السماء لا تبكي، وإنما هو كما كان العرب يخاطبون دوابهم، ويخاطبون ديارهم وهذا يناقض قول السلف، فلا نقبله، وهو واضح المناقضة.

    مثال لقول حادث متأخر غير مناقض وصحيح

    وإذا كان القول غير مناقض لقول السلف، فننظر في قضية الاحتمال هل تحتمل الآية هذا القول أو لا تحتمل؟ وباب الاحتمال هو الذي تقع فيه المناقشة والمناظرة والمجادلة بين أصحاب العلم التجريبي الذين يريدون أن يربطوا القرآن بهذه العلوم التجريبية، وبين من يريد أن يبعد القرآن عن هذه الأمور من جهة التفسير، وأضرب مثالاً للمدارسة -لكيلا يفهم أنه تقرير- بقوله سبحانه وتعالى: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [النازعات:30]، ولما نرجع إلى تفسير السلف نجد أن في الآية وجهين:

    الوجه الأول: (دحاها) بمعنى بسطها، وهذا قول جمهور السلف.

    والوجه الثاني: (دحاها) بمعنى: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا [النازعات:31]، يعني: أن الآية التي بعدها تفسرها، وهذا قول ابن عباس و ابن زيد ، وهذان قولان للسلف لا يوجد غيرهما.

    ونأتي إلى القول المعاصر الذي يقول: الدح بمعنى: جعل الأرض كروية، فعندما نأتي في اللغة: إلى مادة (دحا) هل تدل على الكروية؟ نعم، نجد أنها في اللغة دالة على ذلك، ومنه الدحية وهي لعبة تتخذ من قطن أو قماش على شكل كرة يلعب بها، ومنها الحصى الصغير الذي يدحرجه المطر إذا نزل؛ لأنه بمعنى الدحو وبمعنى التكوير، والمقصد أن الأصل اللغوي دال على التكوير.

    ونأتي إلى القضية الثانية عندما نقول: (دحاها) بمعنى كورها، فهذا القول لا يناقض قول السلف ولا يبطله؛ لأنه معنىً جديد، فنقول: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [النازعات:30]، (دحاها) بمعنى: بسطها، وبمعنى: كورها، وبمعنى: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا [النازعات:31]، فكلها معان محتملة وليس بينها تناقض أو تضاد.

    ثم نأتي إلى المرحلة الثالثة: وهي كون الآية تحتملها، فقولنا: والأرض بعد ذلك كورها، لا إشكال في معنى الآية، فإذا توافقت هذه الشروط في شيء من التفاسير التي جاءت بعد السلف فإنه يجوز حمل الآية عليها، وإذا أخذنا بهذا التصوير نعرف أن هذه المسألة ليس لها علاقة بأصول التفسير؛ لأن التفسير كما قلت لكم فيه تعدد معان، وأما قضية الفقه ففيها افعل ولا تفعل، فيها إما أمر وإما نهي، فخرجت هذه عن أن تكون في أصول التفسير. هذا تقريباً باختصار موضوع هذه المسألة.

    وأريد أن أنبه على قضية القبول ومن الذي يقبل؟ وهذا مهم جداً أن ننتبه له، فمن الذي يصحح التفسير ويقول: إنه صحيح؟ ليس العالم التجريبي الذي يعمل في المختبرات ثم يخرج برأي، إنما يعرض هذا على علماء التفسير فيصححونه ويصوبونه، وإلا فإن الذين دخلوا في هذا المجال مع أنهم فضلاء ولهم قدم في الدعوة، وفيهم خير إلا أنهم جاءوا بأشياء فيها شطط، وفيها إبعاد للآيات عن مسارها؛ بسبب أنهم يريدون أن يوفقوا بين هذا العلم الذي عندهم وبين القرآن، وهذا سيأتي له تنبيه حينما نتكلم عن التفسير بالرأي.

    إذاً: هذه هي القاعدة، والشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى لما أراد أن يثبت عدم الصعود إلى القمر أورد هذه القاعدة، فإن الآية إذا كان المعنى صحيحاً والآية تحتمله ولا يخالف قول السلف فإنه يجوز حمل الآية عليه، وهذه قاعدة ذكرها شيخ الإسلام أيضاً وأشار إليها في مقدمة أصول التفسير، وهي التي عمل بها العلماء.

    1.   

    التفسير باللغة العربية

    ونأتي إلى التفسير باللغة، سبق التنبيه على أن المراد بالتفسير باللغة هو تفسير المفردات، أو تفسير الأساليب التي لها أثر في الخطاب، ومن أدلة اعتبار التفسير باللغة: أن الله وصفه بأنه (قرآناً عربياً) في أكثر من موطن، فدل هذا على أن اللغة التي يرجع إليها هي لغة العرب.

    ومن الأدلة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتطرق لجميع التفسير.

    وعندنا حديث ابن مسعود في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، ما وجه دلالة هذا الأثر على الرجوع إلى اللغة؟ الجواب: هو أن الصحابة فسروا الظلم ابتداءً بلغتهم، فاستشكلوا فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبين لهم التفسير الصحيح، ولما بين لهم التفسير الصحيح لم ينههم عن أن يفهموا القرآن بلغتهم، وما قال لهم: لا تفهموا القرآن بلغتكم، فدل هذا على أنه إقرار منه صلى الله عليه وسلم لصحة هذا الطريق، فضلاً عن أن استقراء تفسير الصحابة والتابعين وأتباع التابعين دال على هذا المنهج، وهو أنهم رجعوا إلى لغة العرب، واعتمدوا كلامها وأشعارها، ومن الكلام المباشر لهم ما روي عن مالك، وكذلك عن مجاهد، حيث يقول: لا أوتى برجل يفسر كلام الله وهو لا يعرف لغة العرب إلا جعلته نكالاً؛ لأن الذي لا يعرف لغة العرب لا يمكنه أن يفسر، فما من آية إلا وفيها قضية مرتبطة باللغة.

    فوائد في التفسير باللغة

    ثم نأتي إلى مسألة ضوابط التفسير باللغة، والحقيقة أنها فوائد فيما يتعلق بالتفسير اللغوي، ولو كتب عليها فوائد في التفسير باللغة لكان أفضل.

    نأتي للفائدة الأولى في كيفية تفسير ما كان محتملاً لأكثر من معنى في لغة العرب، فإذا كان اللفظ يحتمل أكثر من معنى بلا تضاد فإنه يجوز حمل الآية على كل المعاني المذكورة، والمثال في قوله سبحانه وتعالى: لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً [التوبة:8]، الإل قيل: القرابة. وقيل: العهد والذمة. وقيل: الله، يعني: لا يرقبون الله. فهذه ثلاثة أقوال، هذه الأقوال ليس بينها تضاد في ذاتها، هي مختلفة نعم، فإذا حملنا الآية على هذه المعاني فنقول: لا يرقب هؤلاء الكفار في المؤمنين قرابةً، ولا عهداً وذمةً، ولا الله سبحانه وتعالى، فالمعنى صحيح، فإذا تعددت المعاني واحتملتها الآية جاز تفسير القرآن بالمعاني اللغوية، وهذه القاعدة ذكرها شيخ الإسلام وغيره.

    وإذا كان اللفظ لا يحتمل إلا أحد المعاني فننظر فيما لو ورد في التفسير أكثر من قول، مثل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كمثال سبق قبل قليل، عندنا (استوى) الذي هو الاستواء المعروف، وهو استواء يليق بذات الله وجلاله، و(استوى) بمعنى استولى، والشرط أن تكون اللفظة المفسرة صحيحة في اللغة، وهذا لا بد منه؛ فإنه لا يجوز تفسير القرآن بغير لغة العرب، فإذا لم تكن الكلمة من لغة العرب فهي إما أن تكون مفتعلة مبتدعة مثل: (استوى)، وإما أن تكون من المصطلحات سواء المتقدمة على العرب أم المتأخرة، فتفسير القرآن بالمصطلحات لا يصح؛ لأنه خرج عن هذا القيد، مثل قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه [الزلزلة:7]، والذرة هي: النملة، فلو أن إنساناً فسر الذرة بالذرة الفيزيائية لا نقبله منه؛ لأن الذرة الفيزيائية مصطلح حادث، فلا يصح؛ ولأنه ليس من لغة العرب فلا نقبله، فإذاً: المقصد أنه إما أن يفتعل معنى مثلما افتعلت المعتزلة تفسيراً للاستواء بالاستيلاء، وإما أن يكون من المصطلحات، وهذا هو أحد أسباب الوقوع في التأويل المنحرف، ولا نطيل في هذا ولكن يكفي أن ننتبه إلى هذه الحيثية.

    الآن نحتاج إلى أن نناقش مسألة علمية مهمة، وهذا الكلام منقول من تفسير التحرير والتنوير لـ للطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى في قوله: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:2]، فقد ذكر التفسيرات لهذه الآية، [ وذكر عن ابن عطية : أن بعض المتأولين قال: (وأنت حل) أي: حال ساكن بهذا البلد. قال: وجعله ابن العربي قولاً ولم يعزه إلى قائل، وحكاه القرطبي و البيضاوي كذلك، وهو يقتضي أن تكون جملة (وأنت حل) في موضع الحال من ضمير (أقسم)، فيكون القسم بالبلد مقيداً باعتبار كونه بلد محمد صلى الله عليه وسلم، يقول هو: وهو تأويل جميل لو ساعد عليه ثبوت استعمال (حل) بمعنى حال، أي: مقيم في مكان، فإن هذا لم يرد في كتب اللغة: الصحاح واللسان والقاموس ومفردات الراغب، ولم يعرج عليه صاحب الكشاف، ولا أحسب إعراضه عنه إلا لعدم ثقته بصحة استعماله ].

    إذاً: كأنه يقول: الحل بمعنى حال غير وارد في لغة العرب، وبناءً على هذه القاعدة لا يصح أن نفسر قوله تعالى: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:2] بمعنى: حال.

    يقول: [ وقال الخفاجي -طبعاً في شرح البيضاوي -: والحل صفة أو مصدر بمعنى الحال هنا على هذا الوجه، ولا عبرة بمن أنكره؛ لعدم ثبوته في كتب اللغة ].

    الآن نحن نطالب الخفاجي بثبوته في اللغة، لا في كتب اللغة؛ لأن الطاهر بن عاشور اعترض عليه، قال: [ وكيف يقال: لا عبرة بثبوته في كتب اللغة، وهل المرجع في إثبات اللغة إلا كتب أئمتها؟ ]، وهذه مسألة علمية فانتبهوا لها، فإذا أثبت واحد من العلماء معنى لغوياً غير موجود في كتب اللغة، وليس له مصدر في التفاسير، فيقال له: من أين جئت بهذا المعنى؟ فإن جاء به من مصدر معتمد فإنه يقبل؛ لأن عندنا قاعدة: وهي أن كتب اللغة لم تحو جميع دلالات الألفاظ، ولهذا نجد أن المعاجم يستدرك بعضها على بعض، فإذاً الخفاجي رحمه الله يقال له: من أين جئت بهذا المعنى؟ نحن نقبله لو لم يكن موجوداً في كتب أئمة اللغة ووجد في مصدر معتبر، فإذاً مثل هذا المثال يتوقف فيه حتى يثبت لغةً أن (حل) بمعنى حال، ثم ينظر في صحة احتمال الآية له، مع أن أغلب تفسير السلف في قوله: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:2] بمعنى حلال لك أن تفعل فيه ما تشاء، وبعضهم فسر (حل) بمعنى: أنه قد أحل دمك، وهذا معنى ثالث.

    وعند النظر إلى هذه المعاني الثلاثة من حيث احتمال الآية لها لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1]، وأنت حلال الدم بهذا البلد، هذا المعنى واضح، لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1]، وأنت حلال لك أن تفعل ما تشاء في هذا البلد، لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1]، وأنت مقيم في هذا البلد، كلها ليس فيها إشكال من جهة السياق، فيبقى فقط إثبات صحة (حل) بمعنى: حال، ولكنه لم يرد عن السلف، أما ثبوته عن العرب فالأمر فيه سهولة ويمكن أن يرجع إلى أحد الكتب، ولكن ثبوته عن السلف، لم يرد عنهم إلا هذا أو هذا.

    تعارض المعنى المشهور الأغلب مع القليل الشاذ والمقدم منهما

    إذاً هذا التنبيه الأول فيما يتعلق بأن تكون اللفظة المفسرة صحيحة.

    وفائدة أخرى متعلقة بهذا: إذا وردت كلمة لها في لغة العرب معان، ولكن لها معنى أشهر وأوضح، ومعنى آخر أقل أو نادر، فيحمل الكتاب في هذه الحالة على الأشهر الأعرف، والمثال الوارد من تفسير الطبري في قوله تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً [النبأ:24]، المعنى: لا يذوقون فيها هواءً بارداً ولا شراباً؛ لأنهم في الحميم والعياذ بالله، فهم لا يذوقون فيها هواءً بارداً ولا يذوقون فيها شراباً، فإذاً البرد أول ما يتبادر إلى الذهن والمعنى الظاهر من اللفظ هو الهواء البارد، وورد البرد بمعنى النوم في لغة العرب، لكنه استعمال قليل.

    يقول أبو جعفر النحاس: إنما احتيل لتسمية النوم برداً؛ لأنه يبرد الجسم، يعني: أن الإنسان إذا نام برد جسمه، فالآن من جهة صحته في اللغة هو صحيح ولكن المشكلة ليست في صحته في اللغة إنما في قضية أيهما أكثر وأشهر البرد بمعنى الهواء البارد أو بمعنى النوم؟ الهواء البارد، فيقدم الهواء البارد، لكن افترض من باب الفائدة التفسيرية لو قال قائل: أنا أريد أن أعمل القاعدة التي بدأت بها أولاً؛ وهي ما دامت المعاني صحيحة، ويحتملها اللفظ ولا تعارض فيعمل بها ولو كان قليلاً في لغة العرب هل يصح هذا؟ نقول: يصح، فلو أن المفسر قدم الهواء البارد نقول: طريقته صحيحة، ولو أنه قال: لا، أنا أقول: إنهم لا يذوقون برداً ولا يذوقون نوماً، فنقول: أيضاً هذا طريق صحيح، والمسألة في مثل هذا فيها سعة، وليس فيها تقديم لقول باطل أو غيره، فكلها أقوال محتملة، لكن لو رجح مرجح بأن هذا هو الأشهر وهو المقدم في التفسير لكان صواباً.

    مراعاة السياق للمفسر عند تفسيره

    وفائدة أخرى وهي مراعاة السياق، قال: [ فلا يختار إلا ما يتناسب معه ]، وهذه المسألة واسعة، ولكن نريد أن ننتبه إليها، وأنه حينما تأتينا اللفظة في السياق، ولها في هذا السياق معنى، فالسياق يدلك على هذا المعنى مباشرةً، فالأولى أن يؤخذ المعنى الذي يدل عليه السياق أولاً، وإن كان للفظة شيء من اللوازم أو من المتضمنات التي قد يذكرها السلف، ولكن أولى ما يقدم هو ما يكون السياق دالاً عليه مباشرةً، مثلاً (المور) بعضهم قال: مورها: تشققها، (والمور) بمعنى التشقق ليس وارداً في لغة العرب، أي: أن مار لا ترد بمعنى تشقق، ولكن أخذ المفسر المور بمعنى التشقق من الآيات الثانية الدالة على حدوث التشقق، فالتشقق يحدث بعد المور، فصار التشقق من اللوازم، فالأولى في مثل هذا أن تفسر اللفظة بالمدلول الأول لها الذي هو مدلول المور، ثم بعد ذلك تذكر مثل هذه اللوازم.

    ملابسات النزول وبيان المعنى به

    نأتي للقضية الرابعة التي هي: [ أن يعرف ملابسات النزول إذا احتاجها عند تفسير لفظة ما؛ لكي يعرف المراد بها في الآية ]، في مثل قوله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ[التوبة:37]، فلو أخذنا المدلول اللغوي فقط، فقلنا: (إِنَّمَا النَّسِيءُ) بمعنى: إنما التأخير زيادة في الكفر، وهذا النوع من التأخير هو تأخير الأشهر نأخذه من قصة الآية.

    ولدينا مثال آخر قد يكون أوضح في قوله سبحانه وتعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الأنفال:11]، تثبيت الأقدام إما أن يراد به تثبيت القدم التي يمشي عليها الإنسان، وإما أن يراد: أفرغ علينا الصبر، يعني: اربط على القلب وأفرغ علينا الصبر؛ لكيلا ننهزم.

    فالمعنى الثاني وهو أفرغ علينا الصبر من جهة اللغة هو معنى صحيح، وتثبيت القدم التي يمشي عليها الإنسان صحيح أيضاً، ولكن إذا نظرنا إلى سبب النزول، أو قصة الآية، فإنها تدل على تثبيت الأقدام التي يمشي عليها، والمقصد من ذلك أن معرفة ملابسات النزول من الأسباب أو القصص يحدد المدلول اللغوي المراد بالآية، وهذا لغةً صحيح، وهذا لغةً صحيح، ولكن هذا هو الصواب؛ لأن سياق الآية، أو قصة الآية، أو مناسبة الآية، أو سبب نزولها يدل على هذا المعنى دون الثاني، وهذا المقصود من قضية معرفة ملابسات النزول.

    تعارض المعنى الشرعي والمعنى اللغوي

    الخامس: فيما لو تعارض المعنى الشرعي والمعنى اللغوي، والتعارض بمعنى أنه إما أن نقدم هذا وإما أن نقدم هذا؛ لأن القرآن إنما عني ببيان الشرع، فإذا تعارض عندك هذا المعنى وذاك فإنك تقدم المعنى الشرعي، ومن الأمثلة الواردة قوله سبحانه وتعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً [التوبة:84]، (لا تصل) بمعنى: لا تدع محتمل، و(لا تصل) بمعنى: لا تصل صلاة الجنازة محتمل أيضاً، فنقدم صلاة الجنازة؛ لأن هذا هو المعنى الشرعي.

    كذلك الإيمان وقول المرجئة فيه، هل المراد به التصديق، أو المراد به الإيمان الشرعي؟ إذا تعارضا

    فإنه يقدم الإيمان الشرعي، وقس على هذا غيره من الأمثلة.

    تنبيهات في تفسر القرآن باللغة

    نأتي الآن إلى التنبيهات:

    أول تنبيه: قال: [ يعد بعض الباحثين أبا عبيدة معمر بن المثنى و الفراء و الزجاج أئمة التفسير اللغوي.. ] إلى آخره، وهذا صحيح، ولكن الإشكالية التي تقع هي أن بعض من كتب في تاريخ المفسرين، أو في مناهج المفسرين، أو في تراجم المفسرين من المعاصرين يتكلم عن هؤلاء على أنهم أئمة اللغة، وإذا جاء عند ابن عباس وعند مجاهد يجعلهم أئمة التفسير بالمأثور، والإشكالية هنا أن هؤلاء الذين تجعلهم من أئمة التفسير بالمأثور هم أولى بكونهم أئمة اللغة؛ لأنهم ممن تُحكى عنهم اللغة، فهذا لبس علمي يحتاج إلى إزالة، ويبدو -والله أعلم- أن سببه هذه التقسيمات المعاصرة التي جعلت بعض الناس لا ينتبه إلى هذه، فيجعل هؤلاء مقدمون، والذي سينتج أنه لو وقع خلاف بين تفسير أهل اللغة وتفسير السلف فيمكن أن يأتي واحد ويقول: في البحث العلمي يرجع إلى المتخصصين، و أبو عبيدة و الفراء و الزجاج وأمثالهم هؤلاء هم متخصصون، فإذاً نقدم قول المتخصص على غير المتخصص، وقد نقول هذا افتراضاً، ولكن ما ندري هل وقع؟ ولكنه قد يورد مثل هذا الإشكال، فهؤلاء غفل عن أنهم بالفعل هم أئمة اللغة الصحابة والتابعون وأتباع التابعين.

    تفسير أبي عبيدة وما يؤخذ عليه

    الفائدة الثانية المذكورة هنا: [ أن أبا عبيدة معمر بن المثنى فسر القرآن معتمداً على اللغة فقط، غير ناظر إلى أسباب النزول وملابساته، فجعل القرآن نصاً عربياً مجرداً ].

    هذه العبارة فيها نظر، وفي الحقيقة وقعت لي من خلال قراءة في بعض من تكلم عن منهج أبي عبيدة ، لكن الذي تبين لي من خلال قراءة تفسير أبي عبيدة أنه لم يكن كذلك.

    أولاً: أن في كتابه مجاز القرآن شروح مرتبطة بالسنة وغيرها، وإن كانت قليلة مع أنه لم يكمل هذا، ولكن منهجه اتجه إلى بيان عربية القرآن؛ لأنه قصد في هذا الكتاب أن يرد على طائفة ممن يقول: إن في القرآن كلاماً أعجمياً، فاتجه هذه الوجهة، وهذا من الأشياء المفيدة وهي أننا ننتبه إلى مقصد التأليف عند المؤلف، ولا شك أنه قد يكون فيه شيء من الخطأ في النتائج، لكن نراعي له حقه، أو ننظر إلى أنه قصد أن يبين هذه الحيثية، ولهذا هو في بداية الكتاب قال: من قال: إن في القرآن ما ليس من كلام العرب فقد أعظم الفرية؛ لأنه يريد أن يرد على هذا الصنف، فلما اتجه هذا الاتجاه وقعت عنده بعض الإشكالات المذكورة عنه، وهي معدودة ليست كثيرة، ومن الإشكالات التي وقع فيها أنه لما أراد أن يفسر قوله سبحانه وتعالى: وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً [يوسف:31]، بعض السلف قال: المتكأ هو الأترج، فقال عفا الله عنه وهذا من أبطل الباطل على وجه الأرض، وهذا غير صحيح؛ لأنه قد فسر بعض السلف المتكأ بالأترج، ولذلك وجه في التفسير ليس هذا محله، ولكن المقصد أن من أسباب وقوعه في هذا: أنه لم يعتمد تفسير السلف على أنه مصدر في اللغة، ولو اعتمده مصدراً في اللغة ما وقع في هذا الإشكال، ولهذا لما جاء عند قوله سبحانه وتعالى: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [الواقعة:29]، قال: (الطلح): شجر ضخام ذات شوك عند العرب، قال: وزعم المفسرون أنه الموز، والمفسرون الذين زعموا هذا يجمعون على أن المراد بالطلح الموز، إلا رواية فيها إشكال عند مجاهد كأنه يميل فيها إلى الطلح المعروف ذي الشوك، لكن حتى لو كان مجاهد يقول بهذا فجمهور السلف على أن المراد بالطلح الموز، وأهل اليمن كما قال ابن زيد يطلقون الطلح على الموز.

    ذكر من انتقد منهج أبي عبيدة في تفسيره

    وهذا المسلك مسلك أبي عبيدة عموماً وانتهاجه الذي انتهجه انتقده معاصرون له، مثل الأصمعي ، فقد حكي عنه إنكار لهذا، ويذكرون في ذلك قصة، وهي أن أبا عبيدة لما أنكر عليه الأصمعي قال: دلوني على الأصمعي وهو في البصرة، فذهبوا به إلى مسجده، والقصة طويلة في هذا، وفي ثبوتها إشكال.

    أيضاً ممن أنكر عليه أبو حاتم السجستاني في كتاب الأضداد، فإن له مواقفاً مع أبي عبيدة ، وأحياناً يكل الأمر إلى أبي عبيدة ويشك فيه، يقول: زعم هذا أبو عبيدة ، وهو طبعاً ممن تلقى عنه، كذلك الفراء ذكرت له رواية أيضاً تحتاج في الحقيقة إلى تأمل قال: لو حمل إلي أبو عبيدة لضربته عشرين سوطاً؛ بسبب كتاب المجاز، و الفراء كتب كتاب معاني القرآن، فما أدري لماذا سيضربه عشرين سوطاً؟ وما الإشكالية؟ فالخبر مجمل، وأيضاً مشكلة مثل هذه الأخبار أنه ليس لها أسانيد، بحيث نعرف على الأقل أنها ثبتت عن فلان أو غيره.

    و أبو عمر الجرمي أيضاً أوردوا عنه أنه حمل كتاب المجاز لـأبي عبيدة ، وقال له: من أين جئت بهذا؟ إنه ليس على تفسير الفقهاء، قال: أخذته من الأعراب البوالين على أعقابهم، فإن شئت فخذه، وإن شئت فذره. قصده أن هذا تفسير على لغة العرب، والفقهاء مصطلح يراد به العلماء من المفسرين وغيرهم.

    والطبري له مواقف أيضاً من أبي عبيدة في بعض المواطن، ولذا وصفه مرة بقوله: قال بعض أهل الغباء، وهو يقصده رحمهم الله جميعاً، والمقصد من هذا أن نشير إلى أن هذا المنهج الذي سلكه أبو عبيدة لم يكن مرضياً، وإن كان الكتاب فيما بعد صار إماماً في فنه الذي هو فن علم غريب القرآن، لكنه لما ظهر كان يحوم حوله مثل هذه الأشياء، والمقصد أن هذا الكتاب يستفاد منه إلا في أخطاء معروفة ومدونة، والباقي بالعكس اعتمده العلماء حتى عصرنا هذا، ولا زال الكتاب يعتبر من نفائس الكتب.

    منزلة فهم السلف للقرآن من حيث الحجية

    المسألة الثالثة والأخيرة: أن [ فهم السلف للقرآن حجة يحتكم إليه لا عليه ]، وهذه مسألة مهمة، وذلك حينما يفهم السلف الآية على وجه وعلى معنى، فهذا الفهم الذي فهموه حجة، بمعنى أنه يجب قبوله أولاً. وثانياً: أنه لا يجوز رده. لكن الإضافة تجوز عند عدم المناقضة، سواء كان الذي ذكروه في الآية أكثر من قول، أو كان قولاً واحداً، فلا يرد شيء من أقوالهم إلا بحجة، وإذا كان لشيء من أقوالهم وجه من جهة الصحة فإنه يحمل عليها، ولو كان ذلك الوجه ضعيفاً؛ احتراماً لمقامهم في العلم، فإن قال قائل: إذا اختلفوا فهل يلزم أني أقبل كل الأقوال؟ أقول: لا، إذا اختلفوا فإن كان اختلافهم من باب التنوع، وجاز حمل الآية على المعاني التي ذكروها قبلناها جميعاً، وإن وقع في بعض أقوالهم إشكال فإنه يقبل الصحيح منها، ويرد غير الصحيح بدليل، ولكن لا يعرض عن جميع أقوالهم، والإشكالية هنا أنه يقع الإعراض عن جميع أقوالهم، وهذا هو الذي نراه اليوم في عصرنا الحاضر من أصحاب ما يسمى بالنص المفتوح، أو من أصحاب ما يسمى بالتفسير العلمي، فتجد عندهم إعراضاً تاماً عن أقوال السلف، وهذا غير سديد؛ لأن من لم يجعل كلام السلف حجة كيف سيفهم القرآن؟ كيف سيفهم هذه الآيات؟ ما المصدر الذي سيرجع إليه؟ يرجع إلى اللغة، فأصحاب ما يسمى: بالنص المفتوح يريدون أيضاً كسرها، وأن اللغة ليست مصدراً، والمصدر عندهم عقل الإنسان الذي يفسر كما يريد، فيجب أن ننتبه إلى هذه الحيثية.

    ومن المهم جداً لطالب العلم أن يعرف ما هي الأصول التي يجب أن يعرفها وأن يتعلمها؟ حتى لا تختلط عليه المسألة، وأذكر واحداً يحكي أنه في ورقة عمل في إحدى الأمسيات التي يسمونها إثنينية وثلاثية، أنه ألقى كلاماً ويقول: لماذا نلتزم دائماً بقول السلف؟ وهو ما انتبه للإشكالية هذه، فبدأ يتكلم عن هذه الحيثية، ويقول: وقد ظهرت بعدهم أقوال و و.. إلى آخره، وهي أقوالهم صائبة؟ فلما انتهى من النقاش، يقول: فخرجت بعده ونبهته أننا عندما نقول: نلتزم بقول السلف لا يعني أننا لا نقبل غيرها، ولكن الذي لا نقبله أن نرد جميع أقوال السلف، ونأتي بشيء جديد، وهذا هو الصحيح، فنحن لا نعني ذلك، ولكن أقوالهم يجب أن تكون في المقام الأول، ثم بعد ذلك يضاف عليها ما يضاف من المعاني الصحيحة.

    نضرب مثالاً في قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ [يوسف:24]، معروفة الآية والإشكال الذي فيها، و أبو حيان وهو من علماء النحو واللغة الأجلاء يقول: والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب؛ لأنهم قدروا جواب (لولا) محذوفاً، ولا يدل عليه دليل؛ لأنهم لم يقدروا بها، ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط؛ لأن ما قبل الشرط دليل عليه، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه، ويريد أبو حيان من هذا الكلام أن التقدير في قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ [يوسف:24] لفعل، وهذا قول السلف، وهو يقول: لا، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ [يوسف:24]، فلما رأى برهان ربه لم يقع الهم، وهذا ملخص القول، والسؤال الذي نريده: هل صحيح أن الذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب؟ ومن هم السلف الذين روي عنهم هذا؟ فيهم ابن عباس ، ويكفي ابن عباس ، والرواية عنه صحيحة، و ابن عباس كلامه في فهم كلام الله من جهة العربية يعتبر حجة، ولو أن إنساناً سأل قريةً من القرى عن لفظة يتكلمون بها ما معناها؟ فقالوا: معناها كذا، ثم فسرها له آخر ليس من أهل القرية، أيهم يقدم؟ يقدم قول أهل القرية؛ لأنهم أفهم، فنفس القضية هنا، ابن عباس يفسر كلام الله على ما يعرف هو من لغته، وهو أدرى بلغته ففسر بهذا التفسير، فهو من جهة العربية صحيح، وقد يقول قائل: فمن أين أتي أبو حيان في قوله: لا يساعد عليه كلام العرب؟ تأتي الإشكالية في تقعيد النحو، وهذا أشير إليه إشارة، فالبصريون رحمهم الله لما قعدوا القواعد صاروا يقيسون عليها كلام العرب. السؤال الآن: أيهم أسبق قواعد النحاة أم كلام العرب؟

    الجواب: كلام العرب، وهذه القواعد لا يمكن أن تحوي جميع كلام العرب؛ أصحاب التقعيد لو جاءهم من كلام العرب ما يخالف قياسهم قالوا: نعتبره شاذاً، فصارت فيه هذه الإشكالية، وهذا التقعيد للمسائل مع ما فيه من ضبط للعلم إلا أنه وقع فيه هذه الإشكالية، إشكالية رد كلام السلف، وإشكالية رد القراءات القرآنية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومشهور كلام النحاة في قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1] (والأرحام) بالكسر على قراءة حمزة وهي مشهورة جداً، والسبب في ردها أنهم جعلوا الأقيسة النحوية مصدراً يحتكمون إليه، وأقول: إن هذا الأسلوب في التقعيد النحوي مثل أسلوب المعتزلة في التقعيد العقلي، بحيث أنهم قعدوا قواعد عقلية، وحاكموا النصوص إليها، وهؤلاء قعدوا قواعد نحوية وحاكموا كلام العرب الوارد عنهم والقراءات الواردة وكلام السلف عليها، فيقع الإشكال من هنا، ومن هنا أتي أبو حيان أو غيره، والصواب أن ما ورد عن السلف يعتبر حجة من جهة اللغة، ومن قرأ في تفسير الطبري يلحظ هذا الملحظ، فـالطبري يجعل كلام السلف حجة من جهة اللغة، ولا يقبل من تأويلات النحاة إلا ما وافق تفسير السلف، وهكذا كان منهجه رحمه الله في هذه المسألة.

    وهذا باختصار ما يتعلق بمسألة أن كلام السلف حجة.

    مسألة عصمة الأنبياء

    وفائدة علمية أخرى: الملاحظ فيمن تكلم في عصمة الأنبياء أنه انتهج النهج العقلي المجرد، وأنه استنبط مدلول العصمة استنباطاً عقلياً، وهو يزعم أن النبي لا يجوز عليه كذا، ولا يمكن أن يفعل كذا، من الذي قال: إنه لا يجوز عليه كذا أو لا يمكن أن يفعل كذا؟ من أين جئتم بهذا؟ من العقل، لما جئت بهذه العصمة العقلية وجئت للنصوص وجدتها تخالفك، فلما اختلفت مع أصلك في العصمة أولت النصوص، هذا الذي وقع عند المتكلمين في العصمة وقع فيه أبو حيان رحمه الله، ووقع فيه الشوكاني ، وقع فيه مجموعة من علماء التفسير؛ لأنهم ذهبوا بالعصمة مذهباً عقلياً، وهي نفس الفكرة التي قلناها عن المعتزلة: أنهم يقعدون قواعد عقلية ثم يحكمون النصوص عليها، ولو جئت إلى العصمة، في كون النبي لا يمكن أن يقع منه خطأ من جهة النبوة أي: من جهة التبليغ، وأيضاً جانب العصمة من جهة أن النبي إذا وقع في ذنب فإن الله سبحانه وتعالى يخبره، ثم يستغفر منه النبي، لوجدت أن هذا لا يتأتى لأحد إلا للأنبياء، وارجع إلى سيرة الأنبياء تجد هذا واضحاً عندهم.

    القضية الثالثة المهمة هي ما يتعلق بشرية الأنبياء وهي التي يقع فيها الإشكال، ولا يجوز إثبات شيء في الأنبياء لم يثبت لهم؟ فلو أن أحداً قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يطير في السماء كما يطير الطير، وهذا نوع من الكمال، فإذا أثبته نقول له: ما الدليل؟

    لكن لو قلت لك: إن النبي صلى الله عليه وسلم كانت رائحة عرقه مسكاً، وهذا كمال بشري وله دليل، فإذاً لا تثبت الكمالات البشرية إلا بدليل، فالنبي يحب ويرضى ويسخط.. إلى آخره مما يعمله جميع البشر، فهو مثل البشر تماماً، إلا ما ميزه الله سبحانه وتعالى به، فتأتي هذه القضايا هل النبي معصوم عنها أو غير معصوم؟ والآية في سورة الفتح: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ..[الفتح:2] تدل على وقوع شيء من هذا، فنثبت ما أثبتته الآيات فقط، ولا نتعدى، وفتنة داود عليه السلام وقعت له، واستغفر ربه وأناب منها، وهي واضحة جداً، وفتنة سليمان عليه السلام واستغفر ربه وأناب منها، وابتلي أيوب عليه السلام، ثم بعد البلاء أنعم الله سبحانه وتعالى عليه.. إلى آخره، والمقصد من هذا أننا لا نثبت أو لا ندخل في هذه المسائل بالقضايا العقلية، إنما نتتبع النصوص، ولعل ابن عباس أعلم منا في هذا.

    1.   

    التفسير بالاجتهاد والرأي

    وننتقل إلى التفسير بالاجتهاد وسنأخذ منه جزءاً، وقضية التفسير بالاجتهاد والرأي، عندنا فيها مصطلحات تتكرر: وهي الرأي، والاجتهاد، والاستنباط، والعقل، هذه المصطلحات متقاربة، ويعمل بأحدها مكان الآخر عند الذين كتبوا في علوم القرآن من المعاصرين، وتجد أحياناً من يقول: الاستنباط العقلي، أو يقول: الاستنباط، أو يقول: التفسير العقلي، أو يقول: التفسير بالرأي، أو يقول: الاجتهاد بالتفسير، في عبارات أو مصطلحات متقاربة، وإن غلب عندهم أن العقلي المراد به الانحراف في التفسير.

    الخلاف في جواز التفسير بالرأي

    مسألة: هل وقع خلاف في جواز التفسير بالرأي؟ هنا قضية علمية، ومن الملاحظ في العصور المتأخرة أن تشقيق المسائل والتفنن في إيرادها مطلب عند بعض من يكتب في العلم، خصوصاً لما بدأت قضية الحواشي وغيرها.

    وهنا أسأل سؤالاً: وهو: هل يجوز التفسير بالرأي أو لا يجوز؟ الكلام المطلق لا يصح، فنقول: ما المراد بالرأي؟ لأن الرأي هذا على نوعين: رأي محمود وهو ما كان عن علم، ورأي مذموم وهو ما كان عن جهل أو هوى وبهذا الوضوح، انتهت المسألة، فإن كان الرأي الذي يكون عن علم فهو مقبول وجائز، وإن كان الرأي الذي يكون عن جهل أو هوى فهو مذموم ومحرم، لكن بعضهم يقول: بجواز القول بالرأي، وبعضهم يقول: بعدم جواز القول بالرأي، والقول المختار هو التوسط بين القولين، ولا يوجد أصلاً خلاف، والمسألة محسومة من قبل، فالذين تكلموا من السلف في النهي عن الرأي أرادوا الرأي المذموم، وهم أنفسهم تكلموا بالرأي، والرأي عندهم هو الرأي المحمود، مثلاً أبو بكر لما سئل عن الكلالة قال: أقول فيها برأيي، فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان.

    ولما سئل عن الأب وإن كانت الرواية فيها انقطاع قال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم. فنبه على أن القول على الله بغير علم يدخل في الرأي المذموم.

    قد يقول قائل من باب الفائدة: ما الفرق بين هذه وتلك؟ ولماذا أجاب في الكلالة ولم يجب في الأب؟

    نقول: الكلالة مسألة تحتاجها الأمة ولا بد فيها من رأي واجتهاد، وهي قضية مرتبطة بعمل، ومرتبطة بالفرائض، أما الأب فلو جهلها جمهور الأمة فلا يؤثر ذلك، ولو لم يعرف كيف يتعامل مع الكلالة سيبقى إشكال في قضية حكمية، و عمر رضي الله عنه ورد عنه قول بالرأي، وورد عنه النهي عن الرأي.

    ابن مسعود ورد عنه القول بالرأي، والنهى عن الرأي. فنعلم أن الذي قالوا به هو الرأي المحمود، والذي نهوا عنه هو الرأي المذموم، وقد نبه على ذلك ابن عبد البر في جامع بيان أهل العلم وفضله.

    تورع أهل المدينتين عن القول في كتاب الله

    وهنا قضية تورع بعض السلف في التفسير، وهذا التورع يلاحظ أنه كان في مدينتين، وفي جيل واحد، وهو جيل التابعين من أهل المدينة، وجيل التابعين من أهل الكوفة، ولم يكن عندهم كلهم، إنما كان في بعضهم، فمثلاً عبيد الله بن عمر يقول: لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليغلظون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله ، و القاسم بن محمد ، و سعيد بن المسيب ، و نافع ، هؤلاء الأئمة الذي ذكرهم من علماء المدينة، لكن كان فيهم زيد بن أسلم ، وكان فيهم محمد بن كعب القرظي ، وهم من أشهر مفسري المدينة.

    أيضاً: سعيد بن المسيب الذي ذكره كان إذا سئل عن قرآن سكت كأن لم يسمع، وإذا سئل عن فقه أجاب، وعندما ترجع إلى التفسير تجد له روايات في التفسير، فدل على أنه يسكت عما لا يعلم، ويتكلم فيما يعلم، فإذا سكت دل على أنه لا يعلم فيسكت، ولو كان عنده علم لقال به، وإن كان مما يفهم عنه أنه كان لا يحب أن يتكلم في القرآن، صحيح أنه تكلم لكن كان لا يحب أن يتكلم في القرآن، ولذا لما جاء إليه رجل يسأله عن آية وهو في المسجد قال: اذهب واسأل الذي يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء، يقصد عكرمة، فالمقصد من هذا أن نعلم أن بعضهم لم يرد عنه شيء ألبتة في التفسير من خلال المرويات عندنا، وبعضهم ورد عنه مع أنه كان يكره القول في التفسير.

    وفي طبقة أهل الكوفة تلاميذ ابن مسعود كثير منهم كان لا يفسر القرآن، وإن كان ورد عن بعضهم، وهذا الصنيع الذي هو صنيع علماء السلف ظاهر، وفيه قال: [ ويظهر أن هذا المسلك صنيع عديد من الأئمة الذين كتبوا التفسير كـعبد الرزاق الصنعاني ]، وهل كان متورعاً في التفسير أو كان هذا منهجه أنه يروي فقط؟ لا يلزم، وكونهم كتبوا مرويات لا يعني أنهم تورعوا عن التفسير.

    1.   

    الأسئلة

    اعتبار تفسير القرآن بالإعجاز العلمي قولاً آخر

    السؤال: تفسير الآيات في العصر الحاضر بالإعجاز العلمي هل يعتبر قولاً آخر؟

    الجواب: هذا صحيح لا شك أنه قول آخر.

    السبب في اعتماد تفسير السلف

    السؤال: لماذا اعتمد المفسرون على أقوال السلف وجعلوها هي الأصل؟ وكأن السلف لا يخطئون؟

    الجواب: نتكلم نحن عن جمهور تفسير السلف أنهم لا يخطئون، لكن أفرادهم يخطئون، ولم أقل: كل ما قاله مجاهد فهو صحيح، وكل ما قاله ابن عباس فهو صحيح، بل نتكلم عن جمهور تفسير السلف، وهذا لا شك أنه حجة، وكونه قد يقع في بعض أقوالهم ما فيه نظر هذا يجب أن ينتبه إليه.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765797601