الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقسم هو مأخوذ من عادة الله تعالى في إنزاله وخطاب الخلق به، ومعاملته لهم بالرفق والحسنى من جعله عربياً يدخل تحت نيل أفهامهم، مع أنه المنزه القديم، وكونه تنزل لهم بالتقريب والملاطفة والتعليم في نفس المعاملة به، قبل النظر إلى ما حواه من المعارف والخيرات، وهذا نظر خارج عما تضمنه القرآن من العلوم، ويتبين صحة الأصل المذكور في كتاب الاجتهاد، وهو أصل التخلق بصفات الله والاقتداء بأفعاله ].
هذه المسألة السابعة، وهي: العلوم المضافة إلى القرآن، وقد ذكر الإمام رحمه الله تعالى أنها تنقسم إلى أقسام، وهو في قضية العلوم المضافة إلى القرآن يريد أن يبين ما هي العلوم التي يمكن أن يقال: إنها علوم القرآن، وما هي الأشياء التي تنسب إلى علوم القرآن، وهي خارجة عنه.
ذكر من العلوم ما يكون كالأداة لفهمه، وذكر في ذلك ستة علوم، وهي: علم العربية، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم الأسباب، وعلم المكي والمدني، وعلم القراءات، وعلم أصول الفقه، ومما قال: (فهذا لا نظر فيه هنا)، فهو يريد أن يذكر العلوم التي تضمنها الكتاب نفسه.
ثم ذكر القسم الثاني، وهو المأخوذ من جملته من حيث هو كلام، وهو يريد في هذا القسم الاحتجاج لإعجاز القرآن: كون القرآن معجزاً.
ثم ذكر هنا القسم الثالث، وهو: (المأخوذ من عادة الله في إنزاله وخطاب الخلق به، ومعاملته لهم بالرفق والحسنى، من جعله عربياً يدخل تحت نيل أفهامهم)، وهذه قضية مهمة ينتبه لها في كون الله سبحانه وتعالى تكلم بهذا الكلام وسمعه منه جبريل، ثم نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أسمعه الصحابة، فهذه قضية يحسن التنبه لها في عظمة ما يحصل للمسلم من أنه يقرأ كلام الله سبحانه وتعالى الذي تكلم به في عليائه، ومع أنه كلامه سبحانه وتعالى إلا أنه في مقدور فهم البشر، وهذا يدل على أنه لا يوجد في كلام الله سبحانه وتعالى ما لا يفهم معناه، بل كل ما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه فإنه معلوم المعنى، وهذا من باب الفائدة.
والذي أراد أن ينبه عليه المؤلف هو أن هذا النظر خارج عما تضمنه القرآن من العلوم، يعني من كونه نزل عربياً، ومن كونه يدركه المسلم ويفهم معناه، وما ذكره الآن وما سيذكره بعد قليل من المسائل التي أدخلها في هذا سنلاحظ أن أغلبها يدخل في باب الاستنباطات.
وذكر في هذا أن هذه المسألة تتبين من كتاب الاجتهاد من أصل التخلق بصفات الله والاقتداء بأفعاله، وهذه العبارة التي هي عبارة (التخلق) فيها إشكال من جهة المصطلح، وكذلك فيها إشكال من جهة الاقتداء بأفعال الله أو التخلق بصفات الله، كما قرر بعض العلماء في التعليق على هذه العبارة أن الأولى في ذلك -كما هو موجود عندنا في الحاشية- أن العبارة المطابقة إما التعبد، أو تؤخذ العبارة المطابقة للقرآن وهي الدعاء المتضمن للتعبد والسؤال، يعني دعاء العبادة ودعاء المسألة.
وهذا التخلق إذا أخذناه بمفهوم الإمام الشاطبي هل أمر الله سبحانه وتعالى بالتخلق بصفاته والاقتداء بأفعاله، وهل أوصى بهذا أو أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذا أيضاً من الأشياء التي تشكل على هذه العبارة، وإنما المأمور به من حيث العموم والاقتداء هو أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه.
فهذه العبارة، التي هي: التخلق بصفات الله، ممن ذكرها الإمام الغزالي في كتابه، الذي هو في الأسماء الحسنى، وقد قيل في ذلك إنه أخذها من أصل عند الفلاسفة، وهذا الأصل عند الفلاسفة هو التشبه بالإله قدر الطاقة، وتعلمون أن الفلاسفة ليس عندهم وحي؛ ولهذا يقع عندهم من الضلال في هذا الباب الشيء الكثير، والأصل في باب الإلهيات عندهم هو الضلال؛ لأنه ليس عندهم شيء يهتدون به ويقتدون، وغاية ما يحصل عندهم من العلم إن حصلوا على ذلك شيء من إثبات علم الربوبية لا غير، لكن عندهم هذا المبدأ، الذي هو: مبدأ التشبه بالإله؛ فأخذه الغزالي من هذا الأصل الذي عندهم وعبر فيه بهذه العبارة؛ ولهذا كل اسم من أسماء الله إذا قرأتموه في كتابه تجدونه يحاول أن يذكر ما يمكن للعبد أن يتخلق به من هذا الاسم، حتى إنه ذكر في بعض الأسماء التي هي ممنوعة مثل: الجبار والمتكبر، وأمثالها، كيف يتخلق بها العبد، ولا شك أن هذه الصفة مذمومة، وهي في حق الله سبحانه وتعالى فقط.
قال رحمه الله: [ ويشتمل على أنواع من القواعد الأصلية، والفوائد الفرعية، والمحاسن الأدبية؛ فلنذكر منها أمثلة يستعان بها في فهم المراد:
فمن ذلك: عدم المؤاخذة قبل الإنذار، ودل على ذلك إخباره تعالى عن نفسه بقوله: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]؛ فجرت عادته في خلقه أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل، فإذا قامت الحجة عليهم فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، ولكل جزاء مثله.
ومنها: الإبلاغ في إقامة الحجة على ما خاطب به الخلق؛ فإنه تعالى أنزل القرآن برهاناً في نفسه على صحة ما فيه، وزاد على يدي رسوله عليه الصلاة والسلام من المعجزات ما في بعضه الكفاية.
ومنها: ترك الأخذ من أول مرة بالذنب، والحلم عن تعجيل المعاندين بالعذاب، مع تماديهم على الإباية والجحود بعد وضوح البرهان، وإن استعجلوا به.
ومنها: تحسين العبارة بالكناية ونحوها في المواطن التي يحتاج فيها إلى ذكر ما يستحيا من ذكره في عادتنا؛ كقوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ [النساء:43]، وقوله: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ [التحريم:12]، وقوله: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:75].
حتى إذا وضح السبيل في مقطع الحق، وحضر وقت التصريح بما ينبغي التصريح فيه؛ فلا بد منه، وإليه الإشارة بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]، لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ [الأحزاب:53].
ومنها: التأني في الأمور، والجري على مجرى التثبت، والأخذ بالاحتياط، وهو المعهود في حقنا؛ فلقد أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوماً في عشرين سنة؛ حتى قال الكفار: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً [الفرقان:32]، فقال الله: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ [الفرقان:32]، وقال: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً [الإسراء:106]، وفي هذه المدة كان الإنذار يترادف، والصراط يستوي بالنسبة إلى كل وجهة وإلى كل محتاج إليه، وحين أبى من أبى من الدخول في الإسلام بعد عشر سنين أو أكثر بدءوا بالتغليظ بالدعاء، فشرع الجهاد لكن على تدريج أيضاً، حكمة بالغة، وترتيباً يقتضيه العدل والإحسان، حتى إذا كمل الدين، ودخل الناس فيه أفواجاً، ولم يبق لقائل ما يقول: قبض الله نبيه إليه، وقد بانت الحجة، ووضحت المحجة، واشتد أس الدين، وقوي عضده بأنصار الله؛ فلله الحمد كثيراً على ذلك ].
هذه الأمثلة -وسيأتي إن شاء الله تتمة الأمثلة لها- كما ذكر تشتمل على قواعد أصلية وفوائد فرعية ومحاسن أدبية.
أغلب هذه كما نلاحظ أخذها على أنها قواعد مستنبطة من خطاب الله سبحانه وتعالى في كتابه؛ على سبيل المثال لو سئلت مثلاً عن عدم المؤاخذة بالذنب قبل الإعذار، هل ورد في القرآن ما يدل على ذلك؟ تجد ذلك في قوله سبحانه وتعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]؛ فكأنه يقول: جرت عادته في خلقه ألا يؤاخذ في المخالفة إلا بعد إرسال الرسل.
هذه المعلومة وما شابهها مما سيأتي بعدها ليست من علوم القرآن التي يريدها الشاطبي ، وإنما هي معروفة من عادة الله تعالى في إنزال خطابه.
كذلك قضية الإبلاغ في إقامة الحجة على ما خاطب به الخلق، وقضية التحدي بالقرآن الذي هو المعجز، ثم إن الله سبحانه وتعالى أقام أيضاً على يدي رسوله صلى الله عليه وسلم من مثل هذه المعجزات ما فيه الكفاية لأن يؤمن به الناس.
كذلك ترك الأخذ من أول مرة بالذنب، ويحلم عن تعجيل المعاندين، فكل هذه المسائل التي ستأتي إذا تأملناها نجد أنها مستنبطة من الآيات.
وأيضاً مسألة تحسين العبارة بالكناية في المواطن التي يحتاج فيها إلى ذكر ما يستحيا من ذكره، ولكن إذا كان في موطن آخر؛ فإنها قد تذكر ولا يكنى بها، فهذه أيضاً كمعلومة مستنبطة من عادة الله سبحانه وتعالى في خطابه، كقوله: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ [النساء:43]، فبدلاً من أن يذكر الجماع ذكر لفظ الملامسة، كذلك قوله تعالى: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:75]، فهو إشارة إلى أن من يأكل يحتاج إلى الإخراج، وهذا كله أدب في الخطاب.
يقول: لكن إذا احتاج الأمر إلى التصريح فإنه يصرح، وذكر مثال ذلك بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]؛ فنفى الاستحياء هنا مع أنه في المواطن الأخرى لم يذكر مثل الجماع أو غيره من باب تحسين العبارة.
كذلك التأني في الأمور والتثبت فيها، والأخذ بالاحتياط، ذكر مثلاً لذلك وهو قضية تنزيل القرآن نجوماً، وأن هذا داخل ضمن هذا الباب، وهو باب التأني وعدم العجلة في الأمور؛ للتثبت.
وكل هذه التي يذكرها وما بعدها إذا لاحظنا وجدنا أنها قواعد وفوائد عامة مستنبطة من القرآن، لكنها أيضاً ليست من علوم القرآن التي يريد أن ينص عليها الإمام رحمه الله تعالى.
قال رحمه الله: [ ومنها: كيفية تأدب العباد إذا قصدوا باب رب الأرباب بالتضرع والدعاء، فقد بين مساق القرآن آداباً استقرئت منه، وإن لم ينص عليها بالعبارة؛ فقد أغنت إشارة التقرير عن التصريح بالتعبير، فأنت ترى أن نداء الله للعباد لم يأت في القرآن في الغالب إلا بـــ (يا) المشيرة إلى بعد المنادي؛ لأن صاحب النداء منزه عن مداناة العباد، موصوف بالتعالي عنهم والاستغناء، فإذا قرر نداء العباد للرب أتى بأمور تستدعي قرب الإجابة:
منها: إسقاط حرف النداء المشير إلى قرب المنادى، وأنه حاضر مع المنادي غير غافل عنه؛ فدل على استشعار الراغب هذا المعنى؛ إذ لم يأت في الغالب إلا (ربنا)، (ربي) كقوله: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا [البقرة:286]، وقوله: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا [البقرة:127]، وقوله: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي [آل عمران:35]، وقوله: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260].
ومنها: كثرة مجيء النداء باسم الرب المقتضي للقيام بأمور العباد وإصلاحها؛ فكان العبد متعلقاً بمن شأنه التربية والرفق والإحسان، قائلاً: يا من هو المصلح لشئوننا على الإطلاق أتم لنا ذلك بكذا، وهو مقتضى ما يدعو به، وإنما أتى (اللهم) في مواضع قليلة، ولمعان اقتضتها الأحوال.
ومنها: تقديم الوسيلة بين يدي الطلب؛ كقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:5-6].. الآية، وقوله: رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا [آل عمران:16]،
رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ [آل عمران:53]، وقوله: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ [آل عمران:191]، وقوله: رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً [يونس:88].. الآية، وقوله:
رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ [نوح:21] إلى قوله: وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً [نوح:28]، وقوله: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا [البقرة:127].. إلى غير ذلك من الآداب التي تؤخذ من مجرد التقرير.
ومن ذلك أشياء ذكرت في كتاب الاجتهاد في الاقتداء بالأفعال، والتخلق بالصفات، تضاف إلى ما هنا، وقد تقدم أيضاً منه جملة في كتاب المقاصد.
والحاصل أن القرآن احتوى من هذا النوع من الفوائد والمحاسن التي تقتضيها القواعد الشرعية على كثير يشهد بها شاهد الاعتبار، ويصححها نصوص الآيات والأخبار ].
كما نلاحظ هذه فوائد وقواعد استقاها من خلال القرآن، وليست من علوم القرآن التي يريد الشاطبي أن يتحدث عنها.
وبعد أن يقرر ما هي علوم القرآن، سنرجع وننظر إلى هذه الأشياء التي أخرجها، لماذا أخرجها؟ فمصطلح علوم القرآن الذي أراده الشاطبي غير مصطلح علوم القرآن الذي يتحدث عنه السيوطي أو يتحدث عنه الزركشي أو يتحدث عنه أيضاً البلقيني وغيرهم.
قال رحمه الله: [ وقسم هو المقصود الأول بالذكر، وهو الذي نبه عليه العلماء وعرفوه مأخوذاً من نصوص الكتاب منطوقها ومفهومها، على حسب ما أداه اللسان العربي فيه، وذلك أنه محتو من العلوم على ثلاثة أجناس هي المقصود الأول:
أحدها: معرفة المتوجه إليه، وهو الله المعبود سبحانه.
والثاني: معرفة كيفية التوجه إليه.
والثالث: معرفة مآل العبد ليخاف الله به ويرجوه.
وهذه الأجناس الثلاثة داخلة تحت جنس واحد هو المقصود، عبر عنه قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]؛ فالعبادة هي المطلوب الأول، غير أنه لا يمكن إلا بمعرفة المعبود؛ إذ المجهول لا يتوجه إليه ولا يقصد بعبادة ولا بغيرها، فإذا عرف -ومن جملة المعرفة به أنه آمر وناه، وطالب للعباد بقيامهم بحقه- توجه الطلب، إلا أنه لا يتأتى دون معرفة كيفية التعبد، فجيء بالجنس الثاني.
ولما كانت النفوس من شأنها طلب النتائج والمآلات، وكان مآل الأعمال عائداً على العاملين، بحسب ما كان منهم من طاعة أو معصية، وانجر مع ذلك التبشير والإنذار في ذكرها أتى بالجنس الثالث موضحا لهذا الطرف، وأن الدنيا ليست بدار إقامة، وإنما الإقامة في الدار الآخرة ].
قال عن هذا القسم: هو المقصود الأول بالذكر، ولو رجعنا إلى الأقسام، فأول قسم الذي يقال: إنه كالأداة في فهمه واستخراج ما فيه من الفوائد، والمعين على معرفة مراد الله منه، وذكر العلوم الستة هذه، ثم قال عنها: (فهذا لا نظر فيه هنا).
ولما جاء إلى القسم الثاني وهو مأخوذ كما قال: من جملته من حيث هو كلام، لا من حيث هو خطاب بأمر أو نهي، قال: (وهذا القسم أيضاً لا نظر فيه هنا، وموضعه كتب الكلام)، ولما جاء إلى القسم الثالث أيضاً قال: (وهذا نظر خارج عما تضمنه القرآن من العلوم).
إذاً فهذه الأقسام الثلاثة الأولى كلها أخرجها، ولما جاء إلى القسم الرابع قال: (هو المقصود الأول بالذكر، وهو الذي نبه عليه العلماء، وعرفوه مأخوذاً من نصوص الكتاب، منطوقها ومفهومها، على حسب ما أداه اللسان العربي).
ثم ذكر أنه محتوٍ على علوم ثلاثة، هذه العلوم الثلاثة هي: معرفة الله، وكيفية عبادته، ومعرفة مآل من عبد الله ومن عصى الله، فهذه ثلاثة علوم، وهذه قد ذكرها غيره من العلماء.
فهذه العلوم التي جعلها هي الأصل، هل هي نفس ما يتكلم عنه من كتب في علوم القرآن من المتقدمين أو من المتأخرين؟ لا شك أنها ليست هي.
إذاً: كأننا أمام مصطلح خاص بعلوم القرآن عند الإمام الشاطبي؛ لأنه قال في أول المسألة: العلوم المضافة إلى القرآن؛ فكل هذه العلوم هي مضافة إلى القرآن، لكن ما هي العلوم التي يريدها هو ويرى أنها هي المقصودة؟ هي هذه الثلاثة الأجناس التي ذكرها.
ثم نبه على أن كل هذه الأجناس راجعة إلى جنس واحد منها، وهو المقصود الأول، الذي هو العبادة، واستدل بقوله سبحانه وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ثم ذكر بالطريقة المنطقية كيف أنها ترجع إلى هذا المقصود الأول.
وعلينا أن ننتبه إلى حديث العلماء عن علوم القرآن، فحين يقول الشاطبي : هذا ليس هو المقصود هنا، فهو لا ينفي أن تكون من علوم القرآن، لكن ما هو المقصود بالنظر الأول إلى علوم القرآن؟ هو هذه الثلاثة، وإلا فهو حين قال: العلوم المضافة إلى القرآن؛ فهذا يعني أن هناك من أضاف هذه العلوم إلى القرآن، أما هو فيقول: هذه ليست هي المرادة؛ فهل كل علم أضيف إلى القرآن يلزم أن يكون من علوم القرآن؟ نلاحظ في المسألة الأولى لما ناقش الرازي في قضية إدخال علم الهيئة على أنه وسيلة لفهم القرآن.
وكذلك لما تعقب ابن رشد الحفيد في كتابه (فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال) في كون علم الفلسفة من العلوم المطلوبة لفهم الشريعة؛ فهو اعترض عليه، واعترض على الرازي في هذا، واعترض على ابن رشد ؛ لأنه قال: إن هذه أصلاً ليس لها علاقة بعلم الشريعة، وفهمها لا يلزم منه فهم القرآن، فأخرجها جملة من ذلك، لكن العلوم الأخرى بين أنها أداة، أما هذه فقال: إن بعض الناس يدعي أنها وسيلة وهي ليست بوسيلة؛ ولهذا لما جاء إلى كتاب ابن رشد قال: إنه زعم أنها مطلوبة لفهم الشريعة، يقول الشاطبي: (ولو قال قائل: إن الأمر بضد ما قال لما بعد في المعارضة)، يعني أنها لا يحتاج إليها أصلاً، وهذا هو الصحيح أنه لا يحتاج إلى علم الفلسفة لفهم الشريعة.
فإذاً: كأن عندنا علوماً أضيفت إلى القرآن فهو لا ينفيها جملة ولكنه يريد أن يقول: إن الأحق بالمقصود الأول من علوم القرآن هو هذه الأجناس الثلاثة.
قال رحمه الله: [ فالأول يدخل تحته علم الذات والصفات والأفعال، ويتعلق بالنظر في الصفات أو في الأفعال النظر في النبوات؛ لأنها الوسائط بين المعبود والعباد، وفي كل أصل ثبت للدين علمياً كان أو عملياً، ويتكمل بتقرير البراهين، والمحاجة لمن جادل خصماً من المبطلين.
والثاني: يشتمل على التعريف بأنواع التعبدات من العبادات والعادات والمعاملات، وما يتبع كل واحد منها من المكملات، وهي أنواع فروض الكفايات، وجامعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنظر فيمن يقوم به.
والثالث: يدخل في ضمنه النظر في ثلاثة مواطن:
الموت وما يليه، ويوم القيامة وما يحويه، والمنزل الذي يستقر فيه، ومكمل هذا الجنس الترغيب والترهيب، ومنه الإخبار عن الناجين والهالكين وأحوالهم، وما أداهم إليه حاصل أعمالهم.
وإذا تقرر هذا تلخص من مجموع العلوم الحاصلة في القرآن اثنا عشر علماً، وقد حصرها الغزالي في ستة أقسام، ثلاثة منها هي السوابق والأصول المهمة، وثلاثة هي توابع ومتممة.
فأما الثلاثة فهي: تعريف المدعو إليه، وهو شرح معرفة الله تعالى، ويشتمل على معرفة الذات والصفات والأفعال، وتعريف طريق السلوك إلى الله تعالى على الصراط المستقيم، وذلك بالتحلية بالأخلاق الحميدة، والتزكية عن الأخلاق الذميمة.
وتعريف الحال عند الوصول إليه، ويشتمل على ذكر حالي النعيم والعذاب، وما يتقدم ذلك من أحوال القيامة.
وأما الثلاثة الأخر؛ فهي تعريف أحوال المجيبين للدعوة، وذلك قصص الأنبياء والأولياء، وسره الترغيب، وأحوال الناكبين وذلك قصص أعداء الله، وسره الترهيب، والتعريف بمحاجة الكفار بعد حكاية أقوالهم الزائغة، وتشتمل على ذكر الله بما ينزه عنه، وذكر النبي عليه الصلاة والسلام بما لا يليق به، وادكار5 عاقبة الطاعة والمعصية، وسره في جنبة الباطل التحذير والإفضاح، وفي جنبة الحق التثبيت والإيضاح، والتعريف بعمارة منازل الطريق، وكيفية أخذ الأهبة والزاد.
ومعناه محصول ما ذكره الفقهاء في العبادات والعادات والمعاملات والجنايات.
وهذه الأقسام الستة تتشعب إلى عشرة، وهي: ذكر الذات، والصفات، والأفعال، والمعاد، والصراط المستقيم، وهو جانب التحلية والتزكية، وأحوال الأنبياء، والأولياء، والأعداء، ومحاجة الكفار، وحدود الأحكام ].
هذه التقسيمات كما نلاحظ تقسيمات استقرائية، تحتاج إلى استقراء، وقد ذكر كلام الغزالي في تقسيم علوم القرآن من كتابه (جواهر القرآن).
والسؤال: كيف نستفيد من كلام الإمام الشاطبي في استنباط بحث فيما يتعلق بموضوعات القرآن؟ والجواب: أن نقول: يمكن لواحد من الباحثين أن يأخذ هذه التقسيمات وينظر في آيات القرآن، وما هي الآيات التي تنصرف إلى كل قسم من الأقسام؟ هذا جانب، وهو جانب مفيد ومهم يفيدنا في قضية معرفة الموضوعات التي طرقها القرآن.
وهنا لفتة قلنا: إنها استطرادية في قضية الموضوعات، بما أن الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى ذكرها وهي مرتبطة بقضية المعاني التي جاء بها القرآن، والمعاني التي كان يذكرها الشعراء في أشعارهم أو غيرهم من الناس؛ لكي نعلم أيضاً كيف أن العرب ميزوا هذا الكلام، وعلموا أنه ليس من جنس كلام البشر، حتى في المعاني، ليس فقط في النظم، بمعنى أننا عندما نأتي إلى علوم البشر، علوم العرب التي كانوا يطرقونها، سواءً في كلامهم النثري وأعلاه كما هو معروف في الخطب والأمثال، أو كان في كلامهم المنظوم مثل الشعر، وما هي المعاني التي كانوا يتطرقون إليها، لو عددنا هذه المعاني فسنجدها معان معروفة ومتداولة عندهم، ولما جاءت موضوعات القرآن جاءت بشيء لا يعرفونه، وهذه قضية أنا أرى أن إبرازها مهم، ولها جانب فيما يتعلق بقضية الإعجاز، وقضية التحدي أيضاً.
فإذاً: المقصد من ذلك أن التأمل في الموضوعات التي كان يطرقها مثلاً الشعراء في شعرهم، والموضوعات التي جاء بها القرآن تبين الفرق الواضح بين كلام البشر وبين كلا الله سبحانه وتعالى، فهذا جانب يمكن أن يدخل في الاستفادة من كلام الشاطبي .
وهذه القضية وهي قضية الموضوعات التي يتطرق إليها القرآن قد تكلم عنها بعض العلماء مثل العز بن عبد السلام ، وتكلم عنها كذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى، وتكلم عنها كذلك ابن القيم وغيرهم كثير؛ فبعض العلماء نصوا على مثل هذه العلوم التي ترجع إليها موضوعات القرآن.
قال رحمه الله: [ المسألة الثامنة:
من الناس من زعم أن للقرآن ظاهراً وباطناً، وربما نقلوا في ذلك بعض الأحاديث والآثار؛ فعن الحسن مما أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما أنزل الله آية إلا ولها ظهر وبطن.. ) بمعنى ظاهر وباطن ( وكل حرف حد، وكل حد مطلع ).
وفسر بأن الظهر والظاهر هو ظاهر التلاوة، والباطن هو الفهم عن الله لمراده؛ لأن الله تعالى قال: فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء:78]، والمعنى: لا يفهمون عن الله مراده من الخطاب، ولم يرد أنهم لا يفهمون نفس الكلام، كيف وهو منزل بلسانهم؟! ولكن لم يحظوا بفهم مراد الله من الكلام، وكأن هذا هو معنى ما روي عن علي أنه سئل: هل عندكم كتاب؟ فقال: لا؛ إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. الحديث، وإليه يرجع تفسير الحسن للحديث؛ إذ قال: (الظهر هو الظاهر والباطن هو السر) ].
قوله: (من الناس من زعم أن للقرآن ظاهراً وباطناً)، إذا أثبتنا الظاهر كما ذهب إليه الإمام رحمه الله تعالى، فما هو الظاهر وما هو الباطن؟
هنا يحسن أن ننتبه إلى قاعدة مهمة، فنحن نعلم أن الباطن قد دخل فيه أقوام، وهم الذين يسمون: الباطنية، وفسروا القرآن بتفسيرات لا ينقضي عجب العالم منها.
وعندنا قاعدة وهي: كل باطن خالف الظاهر فهو مردود، وكذا كل باطن يخل بأي شيء في الشريعة فهو مردود، ونعرف ذلك من خلال فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، على سبيل المثال: عندما يأتي بعض الباطنية ويقول: إن الحج هو الحج مثلاً إلى مشايخهم! فنقول: من أين أخذ من الشريعة؟ فالشريعة الحج فيها معروف، وقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ووضحه أمام ملأ من أصحابه، وتنوقل حج النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أين جاء تفسير الحج بأنه قصد مشايخهم وزيارتهم والتبرك بهم؟! فإذاً هذا مخالف للشريعة.
كذلك لو خالف الظاهر الباطن؛ فهو مردود أيضاً.
لما أخذنا استنباط ابن عباس لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3]، قلنا: بأن الظاهر من الآيات لا يخالفه الباطن؛ فإن الباطن موافق للظاهر وليس بينهما مخالفة؛ فإذاً هذه قاعدة مهمة في هذه القضية.
فلما ذهب هو إلى تفسير الظاهر بأنه هو ظاهر التلاوة، والباطن هو الفهم عن الله لمراده، فهذا المعنى صحيح إذا أخذنا بمصطلح الظاهر والباطن؛ لأن الله سبحانه وتعالى لما نعت الكفار المنافقين قال: فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء:78]، لا يعني أنهم لا يعلمون معنى الخطاب العربي، فهم يعلمون معنى الخطاب العربي، لكن المراد منه: النتيجة هذه قد غفلوا عنها؛ فجعل غفلتهم عن نتيجة هذا الكلام ومآله الذي هو التطبيق بمنزلة من لا يفقه؛ فقال: فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء:78].
قال رحمه الله: [ وقال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82]؛ فظاهر المعنى شيء وهم عارفون به؛ لأنهم عرب والمراد شيء آخر، وهو الذي لا شك فيه أنه من عند الله، وإذا حصل التدبر لم يوجد في القرآن اختلاف ألبتة، فهذا الوجه الذي من جهته يفهم الاتفاق وينزاح الاختلاف هو الباطن المشار إليه.
ولما قالوا في الحسنة: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [البقرة:79]، وفي السيئة: هذا من عند رسول الله بين لهم أن كلاً من عند الله، وأنهم لا يفقهون حديثاً، لكن بين الوجه الذي يتنزل عليه أن كلاً من عند الله بقوله: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ [النساء:79].. الآية، وقال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]؛ فالتدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد، وذلك ظاهر في أنهم أعرضوا عن مقاصد القرآن؛ فلم يحصل منهم تدبر ].
فقوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [محمد:24]، لا يتصور أن الله سبحانه وتعالى يطلب من الناس أن يتدبروا ما لا يعلمون معناه، فلما قال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) دل على أنهم قد فهموا المعنى.
فإذاً فهم المعنى ليس فيه إشكال فهذا أيضاً من الظاهر، لكن الإشكال في الباطن الذي هو المراد والنتيجة كما قال الله سبحانه وتعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82]، فبين الله سبحانه وتعالى أن هؤلاء لو تدبروا كلام الله سبحانه وتعالى لوجدوا أنه لا يوجد فيه اختلاف، وما دام أنه لا يوجد فيه اختلاف فالنتيجة المفترضة هي أن يؤمنوا بهذا الكتاب.
وهذه القضية التي هي قضية النظر إلى المقاصد لما قال: (التدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد، وذلك ظاهر في أنهم أعرضوا عن مقاصد القرآن فلم يحصل منهم تدبر) هذه قضية علمية مهمة، وقد أشرنا إلى جزء منها، وهي أن عندنا النظر الأولي والنظر الثانوي:
النظر الأول: الذي هو فهم المعنى.
والنظر الثاني: الذي هو المراد من هذا الكلام.
فمثلاً: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32]، تفسير المعنى: أن الله سبحانه وتعالى ينهى عن القرب عن الزنا، لكن بعد ذلك المراد التطبيق، فالذي يقرأ ولا يطبق يكون بمثابة هؤلاء المنافقين الذين قال عنهم الله سبحانه وتعالى: لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء:78]، وقال عنهم: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، فكأنهم خرجوا بعدم تطبيقهم إلى منزلة هؤلاء؛ لأنه المقصد، الأهم بعد فهم المعنى هو التطبيق.
قال رحمه الله: [ قال بعضهم: "الكلام في القرآن على ضربين:
أحدهما: يكون برواية؛ فليس يعتبر فيها إلا النقل.
والآخر: يقع بفهم؛ فليس يكون إلا بلسان من الحق إظهار حكمة على لسان العبد" وهذا الكلام يشير إلى معنى كلام علي ].
هذا الكلام الأخير في قضية الفهم إن كان يريد به ما سيأتي لاحقاً من قضية التفسير الإشاري، فهو في الحقيقة جزء مما يقع بالفهم، وليس هو كل ما يقع بالفهم؛ لأنه حتى معرفة المعنى تحتاج إلى الفهم، لكن كأنه أراد أن يقول: إن عندنا قسماً مما يتعلق بالقرآن، قسم منقول، وهذا القسم المنقول عنده لم يحدد، ولو أردنا أن نناقش قضية المنقول فسنجد المنقول على قسمين:
هناك منقولات بحتة لا يتدخل فيها المفسر؛ مثل المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم من التفسير، أو أسباب النزول، والمكي والمدني وغيرها، فهذه كلها تعتبر منقولات فيما يتعلق بالقرآن.
والقسم الثاني، الذي هو القصص والغيبيات؛ فهذا أيضاً داخل ضمن المنقول، لكن هناك نقل نسبي، بحيث إنه بالنسبة للمفسر الأول يعتبر رأياً، لكن بالنسبة لمن جاء بعده يعتبر نقلاً؛ فهذا يمكن أن يشمله مصطلح المنقول، ويأتينا الآخر الذي هو أن يقع بفهم وهذا هو الاستنباط، والاستنباط لا يختص فقط بالإشارة، بل قد يكون في غير ذلك، لكن عبارة (بلسان من الحق إظهار حكمة على لسان العبد) كأن فيها إشارة إلى ما سيأتي في التفسير الإشاري، لكن أقول: إنه أيضاً أوسع مما ذكره، إن كان هذا هو المراد.
قال رحمه الله: [ وحاصل هذا الكلام أن المراد بالظاهر هو: المفهوم العربي، والباطن هو: مراد الله تعالى من كلامه وخطابه، فإن كان مراد من أطلق هذه العبارة ما فسر فصحيح ولا نزاع فيه، وإن أرادوا غير ذلك فهو إثبات أمر زائد على ما كان معلوماً عند الصحابة ومن بعدهم؛ فلا بد من دليل قطعي يثبت هذه الدعوى؛ لأنها أصل يحكم به على تفسير الكتاب، فلا يكون ظنياً، وما استدل به إنما غايته إذا صح سنده أن ينتظم في سلك المراسيل، وإذا تقرر هذا فلنرجع إلى بيانهما على التفسير المذكور بحول الله ].
إذاً الظاهر هو: المفهوم من الكلام العربي، الذي يمكن أن نقول نحن عنه: التفسير، والباطن هو: مراد الله تعالى من كلامه وخطابه، الذي يدخل ضمن التطبيق، فنحن فهمنا ما هو المراد منا بعد أن فهمنا المعنى، فالمراد منا التطبيق، فكأنه جعل التطبيق هو الباطن.
أما أن أريد إثبات أمر زائد على ما كان معلوماً عند الصحابة ومن بعدهم، مثل ما ذكره الغزالي ، في جواهر القرآن، أو كذلك بعض الباطنية الذين فسروا القرآن بتفسيرات غير معروفة؛ فهذا كما قال فيه إثبات أمر زائد، وهذا الأمر الزائد لا بد فيه من دليل قطعي يدل على هذه التفسيرات الباطنة، وأنها المقصودة بقولهم: الظاهر والباطن، ولا شك أنه لا سند لها، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين، ولا عن أتباع التابعين، ولا عن علماء الدين.
قال رحمه الله: [ وله أمثلة تبين معناه بإطلاق، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يدخلني مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له عبد الرحمن بن عوف : أتدخله ولنا بنون مثله؟ فقال له عمر : إنه من حيث تعلم. فسألني عن هذه الآية: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، فقلت: إنما هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه، وقرأ السورة إلى آخرها؛ فقال عمر : والله ما أعلم منها إلا ما تعلم.
فظاهر هذه السورة أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسبح بحمد ربه ويستغفره إذ نصره الله وفتح عليه، وباطنها أن الله نعى إليه نفسه.
ولما نزل قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3].. الآية؛ فرح الصحابة وبكى عمر ، وقال: ما بعد الكمال إلا النقصان مستشعراً نعيه عليه الصلاة والسلام فما عاش بعدها إلا واحداً وثمانين يوماً.
وقال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ [العنكبوت:41].. الآية، قال الكفار: ما بال العنكبوت والذباب يذكر في القرآن؟! ما هذا كلام الإله؛ فنزل: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]؛ فأخذوا بمجرد الظاهر، ولم ينظروا في المراد، فقال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26].. الآية، ويشبه ما نحن فيه نظر الكفار للدنيا، واعتدادهم منها بمجرد الظاهر الذي هو لهو ولعب وظل زائل، وترك ما هو مقصود منها، وهو كونها مجازاً ومعبراً لا محل سكنى، وهذا هو باطنها على ما تقدم من التفسير ].
الأمثلة التي ذكرها كما نلاحظ أمثلة تدل على نفس الفكرة التي أشار إليها؛ ولهذا قال: إن كان الظاهر والباطن كما فسره الآن هو فتوجد أمثلة تجري على هذا وهي صحيحة، وذكر مثالاً سبق قبل قليل، وهو مثال فهم ابن عباس لقوله سبحانه وتعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1].. الآيات؛ حيث فهم ابن عباس من هذه الآيات أنها تدل على قرب أجل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا يعتبر الباطن، وكون فيها أمر مباشر للرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يعتبر الظاهر؛ فالصحابة لما سألهم عمر عنها أجابوا بالظاهر، و ابن عباس أجاب بالباطن، ولو تأملنا فإننا لا نجد خلافاً بين الظاهر والباطن.
كذلك قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3]، فـعمر لما سمع هذا بكى؛ لأنه ذهب إلى أن الشيء إذا اكتمل يبدأ في النقصان؛ لكن الظاهر هو إنعام الله سبحانه وتعالى على عباده بإكمال الدين، والباطن هو الإشارة إلى انتهاء مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما دام انتهت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم فمعنى ذلك أنه قرب أجله.
وكذلك قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ [العنكبوت:41]، الكفار قالوا: ما بال العنكبوت والذباب يذكر في القرآن؟! وهذا الذي ذكروه هو من باب المخاصمة والمماحلة، وإلا فهم قد يذكرون مثل هذا في أمثالهم، ولكن هم أخذوا بظاهر الألفاظ وتركوا المقاصد التي جيء بها، فمثلاً ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً ببيت العنكبوت لمن اتخذ آلهة من دونه، فبيت العنكبوت لو أخذت قشية صغيرة وأدخلتها في وسط هذا البيت وحركتها، فإنها ستجمع كل بيت العنكبوت على هذه القشة وتفسده، فالعنكبوت يأوي إلى هذا البيت، فإذا كان هذا البيت من المهانة والضعف بدرجة أن قشة يمكن أن تفسده، فكذلك من اتخذ من دون الله إلهاً فهو كالعنكبوت التي اتخذت هذا البيت الذي لا يقوى أمام ريح ولا أمام مثل هذه القضايا الصغيرة جداً. فهذا هو الباطن المراد.
قال رحمه الله: [ ولما قال تعالى: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:30] نظر الكفار إلى ظاهر العدد؛ فقال أبو جهل , فيما روي: لا يعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم، فبين الله تعالى باطن الأمر بقوله: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً [المدثر:31] إلى قوله: وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً [المدثر:31].
وقال: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون:8]؛ فنظروا إلى ظاهر الحياة الدنيا.
وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8].
وقال تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6].. الآية؛ لما نزل القرآن الذي هو هدىً للناس، ورحمة للمحسنين، ناظره الكافر النضر بن الحارث بأخبار فارس والجاهلية وبالغناء؛ فهذا هو عدم الاعتبار لباطن ما أنزل الله.
وقال تعالى في المنافقين: لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ [الحشر:13]، وهذا عدم فقه منهم؛ لأن من علم أن الله هو الذي بيده ملكوت كل شيء، وأنه هو مصرف الأمور؛ فهو الفقيه، ولذلك قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الحشر:13]، وكذلك قوله تعالى: صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [التوبة:127]؛ لأنهم نظر بعضهم إلى بعض: هل يراكم من أحد؟ ثم انصرفوا.
فاعلم أن الله تعالى إذا نفى الفقه أو العلم عن قوم؛ فذلك لوقوفهم مع ظاهر الأمر، وعدم اعتبارهم للمراد منه، وإذا أثبت ذلك؛ فهو لفهمهم مراد الله من خطابه، وهو باطنه ].
كما نلاحظ هذه الأمثلة كلها تجري على المجرى الذي ذكره الإمام في الفرق بين الظاهر والباطن.
وهذا الموضوع يمكن أن يستنبط منه دراسة متعلقة بالتفسير وهي أن ما ذكر الشاطبي في قضية الظاهر والباطن يمكن أن نجعله أصلاً ونجريه على كثير من الآيات، وننظر فيها إلى الظاهر والباطن، بل هذا هو المقصود الأعلى في قضية: لماذا أنزل الله سبحانه وتعالى كلامه عربياً مفهوماً؟ ثم بعد مرحلة الفهم المراد منا قضية التطبيق، معرفة القضايا العملية أو العلمية، وتطبيق هذه القضايا العملية أو العلمية؛ فهذا إذا أجريناه فسنجد أن المقصد الأكبر من القرآن ليس هو قضية فهم المعنى فقط، وإنما فهم المعنى موصل إلى المقصد الأكبر، الذي هو التطبيق.
وهذا الملحظ أيضاً يحسن أن يبحث؛ لأن بعض الناس قد ينظر إلى التطبيق على أنه هو المقصد، ويغفل الفهم الذي هو الطريق إلى هذا المقصد.
إذاً: عندنا وسيلة وغاية؛ فمحاولة النظر إلى الغايات دون النظر إلى الوسائل، التي هي الوسيلة لفهم المعاني، هذا فيه نوع من عدم الاعتداد بالظاهر أو الوسيلة، وإعلاء من شأن المقصد، وكذلك العكس، لو أن إنساناً اعتنى بالوسيلة فقط، الذي هو فهم المعنى وترك المقصد؛ فهذا فيه نقص، فالتوازن هو المطلوب: نعرف المعنى ثم ننتقل بعد ذلك إلى المقصد الذي هو التطبيق، فإذا قلنا: المعنى هو الظاهر، والتطبيق هو الباطن فهذا صحيح، سواءً كان كما قلنا من الجهة العلمية أو من الجهة العملية.
من الجهة العلمية مثل حديث ابن عباس لما فسر السورة على أنها قرب أجل الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه قضية علمية، ومن الجهة العملية عندنا أمثلة كثيرة ذكرها الإمام ويمكن أن تطبق على أشياء كثيرة، فهو اعتبر المنافقين في قوله: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون:8] وقفوا مع الظاهر؛ ووقوفهم مع الظاهر مخالف لقوله سبحانه وتعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]؛ فلو علموا يقيناً بهذا؛ لما قالوا هذا القول.
إذاً الخلل الذي وقع عندهم أنهم لم ينتبهوا إلى المقصد النهائي في خطابهم هذا حين تكلموا به، وأنه ليس بصحيح ولا يوافق المقصد الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في كون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
كذلك أيضاً ما فعله النضر حين قال الله سبحانه وتعالى عنه: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6]؛ فهذا لا شك أنه وقوف على معان ظاهرة، وإلا فالقرآن إنما نزل أصلاً للهداية، وليس المقصود من ذكر القصة أنها مثل قصص هؤلاء، فالقصة في القرآن الظاهر منها هو المعنى المسوقة فيه، لكن الباطن هو المراد من هذه القصة، فمثلاً لما يذكر لنا الله سبحانه وتعالى قصة نوح عليه السلام وصبره في دعوته، ثم نأتي نبين أن نوحاً عليه السلام صبر وأنه دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فأهم المرادات من ذلك: أن الداعية يتحلى بالصبر، فهذا الذي نحن نقول عنه: العبرة والاعتبار بقصص القرآن، فهذا هو الباطن المراد، لكن لا يعني ذلك إغفال الظاهر الموصل إلى الباطن.
فلو أخذ هذا الموضوع بطريقة ما، ونوقش بطريقة ما، بحيث يقال: ما هو الظاهر أو الفهم في هذا المعنى؟ وما هي المقاصد الصحيحة التي يؤول إليها؟ فسنجد أننا نذكر كثيراً من المقاصد المهمة المعتبرة، من خلال معرفة المعنى، ومعرفة ما يؤول إليه من المقاصد الصحيحة.
وذكر المؤلف قاعدة مهمة في ألفاظ القرآن حين قال: إن الله إذا نفى الفقه أو العلم عن القوم فذلك لوقوفهم مع ظاهر الأمر، وعدم اعتبارهم بالمراد منه، وإذا أثبت ذلك فهو لفهمهم مراد الله من خطابه، وهو باطنه.
السؤال: هل يلزم أن كل آية لها ظاهر وباطن؟
الجواب: هذا يحتاج فيه إلى استقراء.
أما كونه يمكن أن يستنبط مقاصد فممكن، فالذي يمكن أن يسمى هو الباطن بناءً على كلام الشاطبي في هذا المقام؛ والذي ذكره هو أمثلة قد تكون من عنده ليست منقولة، لكن نحن نقول: إن المنقول هذا أصل نستند إليه في هذه المسألة، كالمنقول عن ابن عباس أو ما قيل عن علي ، قال: أو فهماً يؤتيه الله أحداً في كتابه.
فهذا كله يعتبر أصلاً نبني عليه مثل هذه المسألة.
لكن هناك حساسية في قضية الظاهر والباطن، ومعروف إشكالية علم الظاهر والباطن وغيره؛ فقد يؤثر.
ولهذا الشاطبي رحمه الله تعالى أراد أن ينبه عن المراد الباطن مباشرة، بحيث ما يكون هناك نزاع أو مشاكلة، فالظاهر الذي هو: فهم المعنى، ظاهر التلاوة، والباطن: المقصود من الآية، وهذا ممكن أن يأتي به كثير من الناس.
السؤال: هل ممكن أن يوجد أكثر من باطن، يعني أكثر من مقصد؟
الجواب: نعم؛ ما دامت الآية تحتمل فيمكن أن يكون هناك أكثر من مقصد؛ لأن استنباط المقاصد قد لا يقف عند حد معين، فيمكن أن يستنبط منها فلان كذا، ويستنبط منها آخر كذا، وكل هذه الاستنباطات تكون صحيحة، والاستنباطات إذا تعددت فإنها تعتبر مما لا يتزاحم في الفهم من خلال هذه الآية، كما يقول صاحب روح المعاني الألوسي يقول: والنكت لا تتزاحم، يعني قد تكون اللفظة الواحدة لها أكثر من مدلول بلاغي كلها صحيحة، فلا يكون أحدها إذا قيل مناف للآخر، فكذلك الحال في المقاصد، إذا قلنا: من مقاصد هذه الآية كذا، فلا يعني أنه ليس لها مقصد آخر؛ فقد يكون لها أكثر من مقصد.
وما يذكره الألوسي من التفسيرات الإشارية أغلبه في الباطن الباطل، الذي قلنا عنه: إنه يخالف الظاهر؛ يعني لا بد أن يدل عليه الظاهر.
وسيأتي إن شاء
الله في التفسير الإشاري الإشارة إليه، بإذن الله.
السؤال: يقول البنا رحمه الله: النصوص الشرعية تجرى على ظاهرها، ألا يناقض هذا التقسيم؟
الجواب: لا ما يناقضه، فالنصوص الشرعية تجرى على ظاهرها هذا صحيح، وهذا يوافق نفس الكلام؛ لأن المراد فهم المعنى.
فإذا جاء باطن أجريت على غير الظاهر فهذا يحتاج إلى دليل، فالمراد بالظاهر: فهم المعنى، ظاهر التلاوة، والمراد بالباطن: ما يستنبط من المقاصد المذكورة في هذه الآية، فهذا ليس له علاقة بذلك.
السؤال: هل الظاهرية ينفون أن للقرآن باطناً؟
الجواب: يبدو أن هذا ما له علاقة بقضية الظاهرية، بالعكس الظاهرية يذهبون إلى الباطن بالمفهوم الذي ذكره الشاطبي يذهبون إلى المقاصد، ليس هناك أحد من الفقهاء لا يذهب إلى المقاصد؛ فيبدو أنه ما يقال في الكتاب يقال في السنة، فالسنة بناءً على هذا الفهم يكون لها ظاهر وباطن، وهذا واضح جداً؛ فالنص الشرعي سواء كان عن الله سبحانه وتعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم يشمل هذا وهذا.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر