إن معرفة أسباب نزول الآيات لها أهمية عظيمة، إذ بها تتضح الأحكام وتنتفي الشبه، وكثير من آيات سورة البقرة نزلت في اليهود، وبعضها في المشركين، وأحكامها عامة لجميع أفراد الأمة.
الآية العشرون بعد المائة، قول الله عز وجل: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ[البقرة:120].
عن ابن عباس قال: إن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم، فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم، وأيسوا أن يوافقهم على دينهم؛ فأنزل الله هذه الآية.
يعني: ليست القضية مع اليهود والنصارى قضية القبلة، بل هي أعمق من ذلك، لو أنك يا مسلم وافقتهم في قبلتهم، وشاركتهم في بعض شعائرهم، وتشبهت بهم في أخلاقهم؛ فهذا كله لن يرضيهم، لن يرضى عنك هؤلاء إلا إذا تركت ملتك واتبعت ملتهم، وفي هذا درس لكثير من المسلمين الآن الذين يظنون أنهم إن وافقوا أهل الكتاب في بعض الأمور رضوا عنهم، وكفوا أذاهم عنهم.
الآية الثامنة والخمسون بعد المائة، قول الله عز وجل: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ[البقرة:158]، قد مضى عند الكلام عن أسباب النزول أن عروة بن الزبير لم يفهم هذه الآية على وجهها فظن أن الآية تنفي الجُناح عمن لم يسع بين الصفا والمروة، فالسيدة عائشة رضي الله عنها بينت له الصواب، وأن الآية نازلة في شأن الصحابة الذين تحرجوا من أن يسعوا بين الصفا والمروة بعد الإسلام؛ لأنه في الجاهلية كان عند الصفا صنم يقال له مناة، وعند المروة صنم يقال له هبل، وكانوا إذا سعوا تمسحوا بهما، فأنزل الله هذه الآية ينفي الجُناح عمن سعى، لأن الجاهلية قد مضت بشرورها وآثامها، وما داخل هذه المناسك من شعائر الشرك فإنه لا ينفي كونها حقاً وخيراً.