بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى المهاجرين والأنصار.
أما بعد: إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء، أسأل الله سبحانه أن يجعلني وإياكم ممن يقولون الحق وبه يعدلون، وممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وقد تقدم معنا الكلام في حلقات مضت عن الطهارة، وبعض أحكامها في بيان النجاسات وأعيانها، وكيفية تطهيرها، وآداب قضاء الحاجة، وخصال الفطرة، والكلام عن الوضوء، وموجباته، وفرائضه، وسننه، وفضائله، ومكروهاته.
وبقي معنا الكلام في هذه الحلقة إن شاء الله عن نواقض الوضوء، أو كما يسميها بعض الفقهاء بموجبات الوضوء، أو كما يسميها بعضهم بمبطلات الوضوء، فالنواقض والمبطلات والموجبات مترادفات، ومراد بها الأحداث والأسباب التي توجب نقضاً للطهارة الصغرى، وهذه النواقض على نوعين: إما أحداث، وإما أسباب، والأحداث جمع حدث، والمراد به ما يكون ناقضاً للوضوء بذاته، بأن ينقض الوضوء بنفسه، أما الأسباب فليست ناقضة بذاتها، وإنما هي مظنة للنقض، يعني: مثلاً النوم ليس ناقضاً بذاته، لكنه مظنة لخروج الريح، وكذلك اللمس ليس ناقضاً بذاته، لكنه مظنة لخروج المذي الذي هو حدث ناقض.
أما الأحداث فهي تتمثل في أمور ستة، وبعضهم أوصلها إلى ثمانية، اثنان يخرجان من الدبر وهما: الغائط، والريح، قال الله عز وجل: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، وقد أجمع المسلمون على أن الإنسان إذا تغوط فإن وضوءه قد انتقض، وأما الريح فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، ولما سأل رجل من حضرموت أبا هريرة رضي الله عنه راوي هذا الحديث، قال له: ما الحدث يا أبا هريرة ؟ ففسره رضي الله عنه بخروج الريح، قال علماؤنا: نبه بالأدنى على الأعلى، إذا كان خروج الريح ناقضاً فمن باب أولى الغائط.
وأما الأحداث التي تكون من القبل فأولها: البول، فلو أن الإنسان بال فقد انتقض وضوءه باتفاق المسلمين.
ثانياً: خروج المذي، والمذي هو الماء الأبيض الخاثر الذي يخرج عند الملاعبة، أو عند التذكر، إذا تذكر الإنسان الجماع وما يتعلق به فهذا أيضاً ناقض للوضوء يوجب أمران:
الأول: غسل الذكر كله من أصله إلى رأسه، الثاني: الوضوء؛ لأن علياً رضي الله عنه قال: ( كنت رجلاً مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت رجلاً فسأله. فقال: اغسل ذكرك وتوضأ ) ، وفي لفظ ( اغسل مذاكيرك وتوضأ ).
ثالثاً: الودي وهو ماء خاثر، يخرج في إثر البول، يجب منه ما يجب من البول.
رابعاً: دم الاستحاضة لو أن المرأة أصابها النزف، وهو: الدم الذي يأتي في غير وقت الحيض، والذي بين النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ركضة من الشيطان ) وهو دم علة وفساد، فهذا لا يوجب غسلاً، وإنما يوجب الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها.
خامساً: المني إذا كان خارجاً على غير اللذة المعتادة، يعني: ربما يخرج بسبب برد، أو بسبب خوف، أو بسبب مرض، فلا يوجب غسلاً، وإنما يوجب الوضوء.
سادساً: الهادي، وهو: ماء أبيض يخرج من المرأة قبيل الولادة، وهذا أيضاً ناقض للوضوء.
فتحصل من مجموع ذلك أن الأحداث الناقضة للوضوء ثمانية: اثنان من الدبر، وهما: الغائط والريح، وستة من القبل، وهي: البول، والمذي، والودي، ودم الاستحاضة، والمني إذا كان على غير اللذة المعتادة، والهادي وهو الماء الذي يخرج من المرأة قبيل الولادة.
ثم بعد ذلك هناك أسباب تقدم معنا الكلام في أنها ليست ناقضة بنفسها لكنها مظنة للنقض:
أول هذه الأسباب: زوال العقل بنوم مستثقل، أو إغماء، أو سكر، أو جنون، أو صرع، أو تخدير، طال أم قصر، هذه كلها مزيلة للعقل.
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوضوء واجب من زوال العقل، فثبت عنه في الحديث أنه قال: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا نام ذهب عقله حتى لا يدري ما يكون في أثناء نومه، وثبت أيضاً من حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه أنه قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن, إلا من جنابة، لكن من بول ونوم وغائط ) فسوى بين البول والغائط والنوم بجامع أن الكل ناقض للوضوء، وكذلك في سنن أبي داود : ( العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ ) ، وفي لفظ: ( فإذا نامت العينان استطلق الوكاء ) ، لكن المعتبر أن يكون النوم ثقيلاً، أما إذا كان نوماً خفيفاً فإنه لا ينقض الوضوء؛ لأن أنساً رضي الله عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم) -يعني: وهم جلوس رضوان الله عليهم كانت تخفق رءوسهم- ( ثم يصلون ولا يتوضئون )، يعني: لا يجددون الوضوء، لكن علماءنا يقولون: يستحب لإمام المسجد إذا خفق رأسه أن يتوضأ؛ لأنه قدوة لغيره، ولربما لو رآه غيره تخفق رأسه ثم يقوم للصلاة من غير وضوء ظن أن النوم ليس بناقض.
لكن ما هو ضابط النوم المستثقل؟ قالوا: هو الذي لا يشعر بما يحدث حوله، ربما سقطت مسبحته، وربما سقط الكتاب من يده، وربما سال ريقه ولا يشعر بشيء من ذلك، هذا هو النوم المستثقل الذي يوجب الوضوء.
السبب الثاني للنقض: لمس من يلتذ به عادة إذا قصد اللذة أو وجدها، لو أن إنساناً لمس زوجته مثلاً وقصد بذلك اللمس لذة، أو وجد لذة؛ فإن هذا يكون ناقضاً للوضوء، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43] قال علماؤنا رحمهم الله: ولم يذكر ربنا جل جلاله المس، وإنما ذكر اللمس، واللمس فيه معنى زائد على المس، كما قال ربنا جل جلاله: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [الأنعام:7] أي: لتبين ما فيه من معنى، وما فيه من مضمون، فاللمس يحمل معنى فوق المس؛ ولذلك قيدوه بوجود اللذة أو قصدها، أما إذا كان مجرد لمس من غير قصد للذة أو وجود لها فإنه لا يعد ناقضاً، ودليل ذلك حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضة بين يديه، فكان إذا سجد غمزني فطويت رجلي، فإذا قام بسطتها )، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يلمسها وهو في الصلاة، كذلك أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( افتقدت رسول الله في ليلة ظلماء، فقمت التمسه في الظلام، فوقعت يدي على بطن رجله، وهو ساجد يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك )، فأمنا رضي الله عنها مست رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمادى في صلاته صلوات ربي وسلامه عليه، فدل ذلك على أن مجرد اللمس ليس بناقض، وإنما النقض يحصل إذا قصد اللذة أو وجدها.
السبب الثالث: مس الذكر، جاء في حديث طلق بن علي رضي الله عنه: ( من مس ذكره فليتوضأ ) ، وفي لفظ: ( إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره من غير ساتر ولا حجاب فليتوضأ )، أما إذا كان من فوق الساتر أو من فوق الثياب فإنه لا يعد ناقضاً من نواقض الوضوء، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من مس ذكره ) يدل على أن من مس ذكر غيره كما لو كان طفلاً صغيراً تغسله أمه؛ فإن هذا لا يعد ناقضاً للوضوء، وهذا يكثر سؤال الناس عنه.
السبب الرابع: من الأسباب الناقضة -عياذاً بالله-: الردة، والردة هي الرجوع عن دين الإسلام، إما بقول مكفر، أو فعل مكفر، أو اعتقاد مكفر، فالقول المكفر كمن سب الله، أو سب أحداً من الأنبياء المجمع على نبوتهم، أو سب دين الله. والفعل المكفر كمن مزق المصحف، أو طرحه، أو ألقاه في قاذورة. والاعتقاد المكفر - والعياذ بالله - كمن اعتقد أنه لا بعث بعد الموت، أو اعتقد أن هناك نبوة بعد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه ردة ناقضة للوضوء، بل هي محبطة للعمل كله، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] كما قال أهل التفسير: هذا من باب اللف والنشر المرتبين، فذكر الله فعلين ورتب عليهما عقوبتين فيها، ورتب على ذلك حبوط العمل والخلود في النار، قالوا: حبوط العمل في مقابل الردة، والخلود في النار في مقابل الموت على الكفر -والعياذ بالله-، لكن من ارتد ثم تاب تاب الله عليه.
وكذلك ذكر علماؤنا رحمهم الله ها هنا مسألة وهي قضية الشك، والذي عليه جمهور العلماء أن الشك ليس بناقض للوضوء؛ لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم لما شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة, قال: لا ينصرفن عنه حتى يسمع صوتاً, أو يجد ريحاً )، فلم يعول على الشك، وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بالتيقن، والقاعدة المتفق عليها: أن اليقين لا يزول بالشك، لكن علماءنا رحمهم الله فرقوا بين الشك الذي يكون قبل الصلاة، والشك الذي يكون طارئاً في أثناء الصلاة، فأعملوا الأول وأهملوا الثاني، فقالوا: الشك الذي يكون قبل الصلاة يكون مؤثراً؛ لأن الطهارة ثابتة في الذمة بيقين فلا تزول إلا بيقين، أما الشك الذي يكون في داخل الصلاة فقالوا: هو الذي ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ينصرفن حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ).
أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من التوابين، وأن يجعلنا من المتطهرين.
المتصل: عندي سؤال: ما قول أهل العلم في السدل في الصلاة؟
الشيخ: نجيبك إن شاء الله.
المتصل: عندي سؤال: ما حكم اللعب بالبلايستيشن، مع العلم أن المغلوب يدفع والغالب يأخذ، وما حكم إعانة الأولاد على ذلك؟
الشيخ: طيب، سنجيبك.
المتصل: أستفسر يا شيخ عبد الحي ! بالنسبة لصلاة المسبوق هل فيها قولان؟ لو مثلاً فاتتني ركعتان من صلاة العشاء هل آتي بالركعتين الاثنتين سراً بالحمد؟
الشيخ: نجيبك إن شاء الله.
المتصل: في سورة البقرة يقول الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30] وهو في هذا الوقت لم يخلق ابن آدم بعد، فمن أين عرفوا أنه سيسفك الدماء؟
الشيخ: بالنسبة لسؤال أخينا فتح الرحمن من القولد عن السدل في الصلاة.
فنقول: إذا كان يقصد بالسدل في الصلاة أن يقف الإنسان غير قابض، فنقول: ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ( كان إذا كبر للصلاة وضع يمناه على يسراه )، ولربما قبض بيمناه على يسراه، وهذا الذي عليه جماهير العلماء، أما الإمام مالك رحمه الله ففي رواية ابن القاسم أنه قال: لا أعرفه. فأول علماؤنا رحمهم الله هذه الكلمة من مالك رحمه الله وقالوا: معناها: أنه لا يعرف قبضها عند النحر، كما يفعل بعض الناس يضعها عند نحره، أو مؤولة (لا أعرفه) أي: لا أعرف وجوبه، يعني: أن مالكاً رحمه الله لا يقول بالوجوب. وقد روى القبضة عن مالك أحد عشر رجلاً من أصحاب مالك رحمه الله ورضي عنه؛ ولذلك أقول لأخينا فتح الرحمن بأن سنة نبينا عليه الصلاة والسلام التي تواترت عن أصحابه الكرام بأنه كان يقبض في حال قيامه في الصلاة، صلوات ربي وسلامه عليه.
الشيخ: أما أخونا عبد الحفيظ من بور سودان فهذا الذي يفعله الصبية هو عين الميسر، حيث إن الصبية يأتون على صالة البلياردو أو إلى البلايستيشن أو حتى في كرة القدم، ثم يتواطئون على أن المغلوب يسقي الغالب، أو أن المغلوب يدفع تذكرة الغالب، نقول: هذا هو عين الميسر؛ لأن الميسر أو القمار: كل عقد تردد بين الغرم والغنم، يعني: إما أن تخرج غانماً أو تخرج غارماً، فهذا هو عين القمار الذي حرمه ربنا جل وجلاله بقوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219] ، وهو من أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال ربنا: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188]، والواجب على صاحب المحل، أو صاحب طاولة البلياردوا ألا يمكنهم من هذا الصنيع، بل يتأكد قبل بداية اللعبة بأن يأخذ من كل واحد قيمة تذكرته؛ من أجل أن يكون قد اتقى الله ما استطاع، ولا يدخل على نفسه حراماً.
الشيخ: أما أخونا سليمان من العشرة، فنقول له: صلاة المسبوق قد مضى الكلام عنها مراراً، وسيأتي الكلام عنها تفصيلاً إن شاء الله، لكنني أقول لك بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا ) فإذا فاتتك ركعتان من العشاء فاعتبر ما حضرته مع الإمام أولى صلاتك، الأولى والثانية، ثم بعد سلامه قم فأتِ بالثالثة والرابعة بالفاتحة سراً، وأما رواية ( فاقضوا ) فهي محمولة على التمام أي: فأتموا أو فأدوا؛ لأن القرآن الكريم أطلق القضاء على الأداء، قال الله عز وجل: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ [الجمعة:10]، وقال: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا [النساء:103] فَإِذَا قَضَيْتُمُ [النساء:103] أي: إذا أديتم صلاتكم فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103] ، وقد قال أهل الحديث بأن رواية ( فأتموا ) رواتها أكثر، وهذا من أسباب ترجيحها على رواية ( فاقضوا ) .
الشيخ: أما أختنا سلمى من مدني فقد سألت عن قول ربنا جل جلاله على لسان الملائكة حين قال لهم: (( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا )) أي الملائكة أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30] تقول: كيف عرفت الملائكة أن ذرية آدم سيكون منهم فساد وسفك للدماء ولم يخلق آدم بعد؟ نقول: العلماء رحمهم الله قالوا: عرفوا ذلك بواحدة من ثلاث وسائل.
الأولى: بأنهم اطلعوا على ذلك في اللوح المحفوظ، فاطلعوا على ما سيكون؛ لأن ( الله عز وجل كتب المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة )، فكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة، كتب ما سيكون من فساد، وسفك للدماء، وإزهاق للأنفس، وتخريب للممتلكات، وما سيكون من بني آدم كذلك من الإصلاح وعبادة الله وعمارة الأرض بطاعته، كل هذا مكتوب في اللوح المحفوظ، فالملائكة اطلعت على ذلك في اللوح المحفوظ.
الثانية: أن الجن سكنت الأرض قبل آدم وذريته، فحصل منهم فساد وسفك للدماء، فغلب على ظن الملائكة أن كل من يسكن الأرض سيكون بتلك الصفة.
الثالثة: أنهم فهموا ذلك من لفظة الخليفة؛ لأن الخليفة جعل ليقضي في الخصومات، ويفصل في النزاعات، فعلمت الملائكة أنه ما دام سيجعل في الأرض خليفة، فمعنى ذلك أن سكان الأرض سيكون منهم نوع من الخصومات، والنزاعات، والمشاجرات، وسفك الدماء، والاعتداء، وما إلى ذلك، والعلم عند الله تعالى.
المتصل: عندي سؤالان:
السؤال الأول: عندنا إمام في جامع يصلي بنا الجمعة، لكنه يصلي الجمعة في مسجد آخر مأموماً، ثم يأتي ويصلي بنا الجمعة؟
السؤال الثاني: أنا كنت مريضاً، ونذرت بعدما أشفى إن شاء الله أن أقوم بذبح بهيمة، كرامة، وإلى الآن ما وفقني الله لذلك، فما الحكم في هذه الحالة يا شيخ؟
الشيخ: نجيبك.
المتصل: عندي أربعة أسئلة:
السؤال الأول: لي صديق توفيت والدته، وعليها قضاء واحد وعشرين يوماً من أيام رمضان، هل يقضي عنها أولادها، أو يتصدقون أو تسقط؟
السؤال الثاني: حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء ) ما معنى هذا الحديث؟ ومن هم الغرباء؟
السؤال الثالث: إذا كان في المسجد قبر فهل تصح الصلاة فيه؟ مع العلم أن أقرب مسجد لهذا المسجد يمكن أن يستغرق المشي إليه عشرين دقيقة من الزمن.
السؤال الرابع: عندنا شخص قتل قطاً كان يؤذيه وهو ندمان على ذلك، فماذا يفعل؟
الشيخ: طيب، سنجيبك.
المتصل: ما حكم قطع الرحم من أجل مشكلات حصلت بين العائلة؟
الشيخ: نجيبك إن شاء الله.
المتصل: عندي ثلاثة أسئلة:
السؤال الأول: أحياناً أكون في الحمام، وأقوم أقرأ في نفسي اسم الجلالة أو أي آية قرآنية أخرى، فما الحكم؟
السؤال الثاني: هل يجوز للشخص أن يصلي بالفاتحة، ويقرأ معها مثلاً آية واحدة مثل: يس [يس:1] أو الم [البقرة:1]؟
السؤال الثالث: أنا أصلي وأكون مغمضة عيناي، فهل التغميض فيه شيء؟
المتصل: عندي ثلاثة أسئلة:
السؤال الأول عن تقويم الأسنان: هناك أناس يقولون: إنه حرام، فما الحكم؟
السؤال الثاني: أختي كانت حاملاً قبل رمضان وما صامت؛ لأن الدكتور منعها من الصيام في رمضان، ففاتها رمضانان وما قضت، ثم صامت الشهر كاملاً لكن بعد مرور عامين، فماذا تعمل، وهل عليها كفارة؟ السؤال الثالث: أسأل عن المناكير مع الوضوء.
الشيخ: طيب، نجيبك إن شاء الله.
الشيخ: بالنسبة لأخينا مصعب من كريمة، فقد ذكر أن إنساناً يصلي الجمعة مأموماً، ثم يأتي فيصلي بالناس إماماً. نقول: هذا الفعل لا ينبغي بحال من الأحوال؛ لأن الجمعة الثانية في حقه ستكون نفلاً، وبعض أهل العلم كالحنفية والمالكية لا يجيزون إمامة المتنفل للمفترض، والخروج من الخلاف مطلوب ما أمكن، ولا ضرورة في فعله، يعني: لو كان يصلي وهو إمام في مسجدين بحكم أن الناس لا يجدون من يصلي بهم ربما كنا نجد لفعله مندوحة، أما أن يصلي مأموماً ثم يرجع فيصلي بالناس إماماً فهذا يدخل الناس في شك، وصلاتهم تكون باطلة عند جماعة من أهل العلم، والخلاف في هذه المسألة معتبر، فما ينبغي له أن يفعل ذلك.
الشيخ: وأما نذرك يا مصعب ! وقولك: بأنك كنت مريضاً فنذرت إن شفيت أن تتقرب إلى الله ببهيمة. فنقول لك: هذا النذر يجب الوفاء به؛ لأن الله عز وجل قال: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج:29]، وأثنى على الأبرار فقال: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7]، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ). لكن يا أخي! لا تفعل ذلك مرة أخرى، لا تنذر، ( فإن النذر لا يغير من قدر الله شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل )، كما قال نبينا الأمين عليه الصلاة السلام، لا تنذر، وإنما إن شفيت فتقرب إلى الله بما تستطيع من صدقة، أو من صيام، أو من صلاة، أو من غير ذلك دون أن تلزم نفسك بشيء معين.
الشيخ: أخونا عبد الرحمن ذكر أن رجلاً توفيت والدته رحمة الله عليها، وقد أفطرت من رمضان واحداً وعشرين يوماً، فماذا يجب؟
نقول: النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )، فلو أن هذا الإنسان صام عن والدته برئت ذمتها إن شاء الله، ولو أنه أطعم عنها برئت ذمتها إن شاء الله، والمالكية يقولون: الإطعام أفضل؛ لأن نفعه متعد، يعني: لو أن إنساناً أطعم عن والدته التي توفيت عن كل يوم مسكيناً، لكل مسكين سبعمائة وخمسين جراماً من قمح أو من تمر، فإن ذمتها تبرأ إن شاء الله، لكن لو أنها كانت مريضة ثم ماتت عقيب رمضان وما تمكنت من القضاء، فلا يجب عليه شيء أصلاً، لا قضاء، ولا إطعام؛ لأنها ما تمكنت من القضاء.
الشيخ: أخونا عبد الله من عطبرة، سأل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء )، نقول: تكملة الحديث قال: ( هم النزاع من القبائل، الذين يصلحون إذا فسد الناس ) ، وفي رواية: ( يصلحون ما أفسد الناس )، يعني: هؤلاء الغرباء يا عبد الله ! جعلني الله وإياك منهم، يكونون في زمان كثر فيه الفساد، وعم فيه البغي، وهم قوم صالحون مستمسكون بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وهم كذلك ساعون في الإصلاح، يعني: هم في أنفسهم صالحون، وكذلك هم مصلحون، يصلحون حال فساد الناس، ويصلحون ما أفسد الناس؛ ولذلك تجدهم غرباء، مثلما كان الأولون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فإن الأنبياء كانوا غرباء في أقوامهم، وكان أغلب الناس ضدهم، معارضون لدعوتهم، وأتباعهم ليسوا إلا قلة قليلة، فكذلك أتباع الأنبياء حال فساد الزمان يكونون غرباء في الأرض.
الشيخ: أما ذكره أن المسجد القريب من بيته قد ضم قبراً، والمسجد الذي يليه يستغرق الوصول إليه عشرين دقيقة، فأقول بأن وجود القبر في المسجد مخالفة شرعية وبدعة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور، ونهى عن إدخال القبور في المساجد، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك )، ونهى صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور، وعن البناء عليها، فالمقصود بأن المسجد الذي فيه قبر فيه مخالفة شرعية، لكن الصلاة فيه صحيحة عند جمهور العلماء.
فما دام أن المسجد الذي يليك بعيد، ولا تستطيع أن تصل إليه إلا بمشقة فصل في هذا المسجد، و لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].
الشيخ: وأما صاحبك الذي قتل الهرة المضرة فلا شيء عليه، فكل ما كان ضرره متعدياً فالشريعة أباحت قتله؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدواب الخمس الفواسق اللاتي يقتلن في الحل والحرم، ذكر صلى الله عليه وسلم: ( الحدأة، والغراب الأبقع، والكلب العقور، والحية، والعقرب )، وقال: ( اقتلوا الأسودين ولو في الصلاة )، وذكر صلى الله عليه وسلم الفأرة، والجامع بين هذه كلها هو الأذى، فالغراب مؤذ، والفأرة مؤذية، والعقرب والحية والكلب العقور أيضاً كلها مؤذية، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها، بل حتى الدواب التي نهى عن قتلها كالنمل، والنحل، والهدهد، والصرد، قال علماؤنا: إلا إذا كانت مؤذية. يعني: إذا كان النمل مؤذياً، مثلاً يأكل السكر الذي في البيت، أو إذا كان من النوع الذي يلدغ، فمثل هذا يقتل ولا حرج، كما قال القرطبي رحمه الله؛ لأن حرمة المسلم أعظم عند الله من حرمته، فما عليك شيء يا من قتلت الهرة!
الشيخ: أميرة من مدني ذكرت أن بين الأهل مشاكل، وبأن بينهم تدابراً وتقاطعاً، لكنني أقول بأن هذه في الغالب هي سمة الأهل، يعني: دائماً الأهل يكون بينهم مشاكل، هكذا طبع الله الناس، حتى نبينا صلى الله عليه وسلم ما سلم من أذى بعض أرحامه، كعمه أبي لهب وزوجته حمالة الحطب، لكنه عليه الصلاة والسلام كان يقابل الإساءة بالإحسان، وكان يقابل الجفاء بالعفو، وقد قال الله له: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وقال له جبريل: ( إن الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك ) فيا أميرة ! صلي أهلك، واصبري على أذاهم، وإن شاء الله لن يضيع الله أجرك، فقد سأل صحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إن لي أرحاماً أصلهم ويقطعونني، وأعطيهم ويحرمونني، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال له عليه الصلاة والسلام: إن كنت كذلك فكأنما تسفهم المل، ولا يزال لك من الله نصير ما دمت على ذلك ).
الشيخ: منيرة من مدني ذكرت بأنها حين تكون في الحمام فإنه يأتي في نفسها اسم الجلالة، الاسم الأعظم، وكذلك بعض آيات القرآن. نقول: ما عليك حرج، طالما أنك ما تلفظت بها فما عليك حرج قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عفا لأمتي عما حدثت به نفسها ) يعني: حديث النفس لا يؤاخذ الله به.
الشيخ: وأما سؤالها أنها بعد الفاتحة تقرأ يس [يس:1] وتركع، أو الم [البقرة:1] وتركع. نقول: مثل هذا لا ينبغي، وإنما الواجب أن تقرئي سورة، أو تقرئي آيات أو آية، أو بعض آية يحصل بها معنى؛ فإما أن يقرأ الإنسان سورة من قصار المفصل مثلاً: وَالضُّحَى [الضحى:1] أو ما بعدها، وإما أن يقرأ آيات من سورة، أو يقرأ آية واحدة يكون فيها معنى تام، أو حتى بعض آية لا بأس، مثلاً لو أن إنساناً قال: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] آمين، ثم قال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وركع، فهذه ليست آية، بل بعض آية، لكن المعنى فيها تام، كذلك لو قرأ مثلاً وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم:42] ثم ركع فهذه أيضاً لا بأس بها، لكن لو قرأ الم [البقرة:1] أو يس [يس:1] أو قرأ مثلاً وَالضُّحَى [الضحى:1] لم يدر السامع ما المقسم عليه، فمثل هذا لا ينبغي، نقول: الصلاة صحيحة ولكن الفعل مكروه.
الشيخ: وأما تغميض العيون في الصلاة فهو خلاف السنة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يغمض عينيه، وإنما كان يرمي ببصره نحو موضع سجوده عليه الصلاة والسلام، اللهم إلا إذا كان هناك شيء يشغل فأغمض الإنسان عينيه لئلا يتشاغل عن صلاته فلا حرج إن شاء الله.
الشيخ: وأما أنت يا هدية يا من اتصلت من الكلاكلة فأقول لك: تقويم الأسنان لا حرج فيه إن شاء الله؛ لأنه علاج، وليس تغييراً لخلق الله، والله عز وجل على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نلتمس العلاج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تداووا عباد الله! ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء )، والله عز وجل قال لأيوب: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ [ص:42] فأمره بأن يستعمل الماء ويشرب منه ليذهب ما في باطنه من المرض، وأن يغتسل به ليذهب ما في ظاهره من الداء الذي أصاب جلده، فطلب العلاج مشروع، وتقويم الأسنان كذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم لما لعن النامصة، والمتنمصة، والواصلة، والمستوصلة، والواشرة، والمستوشرة، والواشمة، والمستوشمة. قال: ( والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله ) فبين عليه الصلاة والسلام أن اللعن مقيد بما كان فيه تغيير لخلق الله عز وجل.
المتصل: عندي سؤالان:
السؤال الأول: أسأل عن النوم بعد صلاة الصبح قبل الشروق، وهل هذه الساعة تقسم فيها الأرزاق؟
السؤال الثاني: أنا كنت أستعمل كلمة: (لا قدر الله) كثيراً، فقال لي بعضهم: هذه الكلمة لا ينبغي أن تستعمل، يعني: لا تقل: لا قدر الله، ولكن قل: ربنا يستر، أو أي شيء آخر، فأريد أن أتأكد منك؟
المتصل: عندي سؤالان:
السؤال الأول: إمام كان يصلي صلاة الظهر، وفي الركعة الأخيرة بدل أن يجلس قام مباشرة، والمصلون كانوا قاعدين، فما حكم هذه الصلاة، وهل يجلس المصلون أم يقومون وراءه؟
السؤال الثاني: بعض الناس عندهم أذكار معينة كثيرة غير الصلاة الإبراهيمية وغير الاستغفار.
الشيخ: بالنسبة للحامل التي ما صامت، حيث كانت قبل رمضان حاملاً، ثم بعد ذلك أفطرت بسبب الحمل بأمر الطبيب، ثم أجلت القضاء وقضت بعد سنتين، فنقول: لا حرج إن شاء الله، ما عليها شيء؛ لأنها كانت مرضعة، وليس عليها سوى القضاء، وقد أتت به.
الشيخ: أما المناكير يا هدية ! فهي لا تصلح مع الوضوء، ولا تصلح مع الغسل، والمرأة تستعمل المناكير، إما في الفترة التي لا صلاة عليها، كأن تكون حائضاً أو نفساء، أو تستعمل المناكير بعد الوضوء، ثم إذا أرادت أن تتوضأ وتغتسل فلا بد من إزالتها؛ لأن هذا حائل، وقد مضى معنا الكلام في أن من شروط صحة الوضوء عدم الحائل، والحائل هو كل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة مما يكون له قشرة إذا يبس وجف كالعجين وطلاء الأبواب والحيطان، وكذلك المناكير هذا كله لا يصلح، أما الأشياء التي لا تعد حائلاً كالأحبار والمداد والحناء والزيوت وأنواع الأدهان فهذه لا تؤثر إن شاء الله.
الشيخ: أختنا إيمان من بور سودان سألت عن النوم بعد صلاة الصبح؟
نقول: ينبغي للإنسان أن يجتنب النوم قبل الشروق؛ لأنها ساعة تقسم فيها الأرزاق، وينبغي للإنسان أن يتعرض لرحمة الله عز وجل في تلك الساعة.
الشيخ: وأما قول: لا قدر الله. فإذا كان على سبيل الدعاء فلا حرج؛ فإنه أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بأن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل )، ( وأنه لا يرد القدر إلا الدعاء )، يعني: الإنسان لو دعا الله عز وجل وكان هذا الدعاء أقوى من القدر فإنه يدفعه، وإذا كان القدر أقوى فإنه ينزل، وإذا تعادلا تصارعا، فحين أقول: (لا قدر الله) ليس هذا من باب الخبر، وإنما هو من باب الدعاء، أدعو الله بألا يقدر هذا الأمر المكروه بالنسبة لي.
الشيخ: أخونا جعفر من السوكي قال: إن إماماً صلى الظهر فقام إلى خامسة، فبقي المأمومون جلوساً وسبحوا له، نقول: فعلهم هذا صواب، الإمام قام إلى خامسة ساهياً، أما المأموم فقد تيقن أن الصلاة قد تمت وما ينبغي له أن يتابع الإمام في هذه الخامسة، ولو فعل فإنه يكون قد تعمد زيادة في الصلاة، وتعمد الزيادة يبطل الصلاة، فالواجب عليهم أن يبقوا، ثم إذا سلم الإمام سلموا، وبعد الصلاة يسجد الإمام للسهو ويسجدون كذلك معه، وصلاة الكل صحيحة إن شاء الله.
الشيخ: وأما بالنسبة للأذكار فأنت مصيب يا جعفر ! في نهيك أولئك القوم عن اختراع أذكار ما أنزل الله بها من سلطان، وقد علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام بعد الصلاة أن نستغفر الله ثلاثا،ً وأن يقول أحدنا: ( اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ). ثم يأتي بالتهليلات: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد )، ثم يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ثم يقرأ آية الكرسي، والإخلاص، والمعوذتين، مرة مرة، إلا بعد الصبح والمغرب فإنه يقرأ الإخلاص والمعوذتين ثلاثاً، ويهلل عشراً بعد الصبح والمغرب كذلك، والسعيد الموفق من واظب على هذه الباقيات الصالحات دبر الصلوات المكتوبات، أما إنسان يعرض عن هذه، ويخترع أذكاراً من عنده فهذا قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وجعل من نفسه نداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، نعوذ بالله من ذلك، فالمفروض أن يذكر بعضنا بعضاً، وأن ينصح بعضنا بعضاً، ونسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.
السؤال: هل يجوز متابعة مباريات كرة القدم؟
الجواب: أنا لا أدري السائل رجل أم امرأة؟ لكن نقول: بأن مباريات كرة القدم إذا خلت من المحاذير فلا حرج إن شاء الله في متابعتها، وأعني بالمحاذير هاهنا قضية كشف العورة، خاصة إذا كان المشاهدة امرأة، فمعلوم بأن اللاعب إذا سقط أرضاً وهو يلبس ذلك الرداء القصير فتكاد عورته المغلظة أن تكون بادية للناس، وكذلك متابعة مباريات كرة القدم ينبغي أن تقيد بألا يضيع بها حق لله، ولا حق للناس، فبعض الناس قد يتابع المباريات ويضيع الصلاة، وبعضهم قد يتابع المباريات ويهمل السعي على المعاش.
السؤال: ما حكم ختان البنات؟
الجواب: إذا كان الختان الفرعوني فهو ممنوع، وأما الختان السني فإنه مطلوب، وهو من خصال الفطرة التي أمر بها نبينا صلى الله عليه وسلم.
السؤال: ما رأي الدين في سماع المديح النبوي مصحوباً بالموسيقى؟
الجواب: المعازف محرمة، وهي أشد إذا اقترنت بذكر الله، أو بمدح النبي عليه الصلاة والسلام فإن الحرمة هاهنا أشد، وهذا من اتخاذ الدين لعباً ولهواً.
السؤال: ما حكم النوم بعد العصر؟
الجواب: لا بأس، من احتاج إلى النوم بعد العصر فلا حرج عليه، أما الحديث الذي يذكر بأنه ( من نام بعد العصر فأصابه برص أو جنون أو جذام فلا يلومن إلا نفسه )، فلا يصح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن النوم قبل العشاء، ونهى عن الحديث بعدها.
السؤال: كيف يكون مكر الله المذكور في الآية: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30]؟
الجواب: قال علماؤنا: مكر الله بطشه، وبطشه أي: إنزاله العقوبة بهؤلاء المخالفين وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] وقال عن قوم صالح: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا [النمل:50-52].
السؤال: أسأل عن الساحر؟
الجواب: الساحر عدو الله ورسوله، ومرتكب لكبيرة، والسحر قرين الكفر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين السبع الموبقات لما سئل قيل له: ( وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر )، فجعل السحر بعد الشرك، وقبل قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والساحر إذا ثبت عليه هذا العمل فإنه يقتل، جاء في الحديث: ( حد الساحر ضربة بالسيف )؛ لأن السحر لا يتأتى إلا بالكفر والعياذ بالله تعالى.
إلى هنا نصل إلى ختام هذه الحلقة، أسأل الله أن يتقبل منا أجمعين، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة، إنه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، والسلام عليكم ورحمة الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر