الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد، ولم يترك شيئاً مما أمر به إلا بلغه، فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة، وبصرهم من العمى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم بإذن ربه إلى صراط مستقيم، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، و: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134] .
أيها المسلمون عباد الله! ( فإن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تنتهكوها، وسكت عن أمور رحمةً بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها ) ، و: ( إن الله تعالى يغار، وغيرة الله تعالى أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه ) .
أيها المسلمون عباد الله! الغيرة من الصفات الطيبات التي يتصف بها عباد الله المؤمنون، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وأصل الغيرة تغير القلب وهيجانه عند المشاركة فيما به الاختصاص، فما كان مختصاً بك، خالصاً لك، فإنك تغار أيها المؤمن أن يشاركك فيه غيرك، أو أن يطلع عليه سواك، وهذه خصلة طيبة يتصف بها عباد الله المؤمنون، بل من طيبها وحسنها وفضلها وجلالها أنه يتصف بها رب العزة جل جلاله.
أيها المسلمون! لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج فصلى بالناس ركعتين في كل ركعة ركوعان، ثم خطب فيهم خطبةً وجيزةً بليغة، وكان مما قاله صلوات ربي وسلامه عليه: ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فكبروا الله وصلوا وتصدقوا، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً ) ، هكذا نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن من أحد أغير من الله ) ، أي: لا أحد أغير من الله، فالله جل جلاله يغار أن تنتهك حرماته، يغار أن يعتدى على حدوده، فإنه سبحانه لا يقبل من عباده إلا أن يكونوا أهل طاعة وإذعان.
ولما نزلت آية القذف: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] ، قال سعد بن عبادة الخزرجي رضي الله عنه: ( يا رسول الله! أرأيت لو أني رجعت إلى بيتي، فوجدت امرأتي قد تفخذها رجل، أؤمهلهما حتى آتي بأربعة شهداء؟! والله لأعلونهما بالسيف غير مصفح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطباً أصحابه: أتعجبون من غيرة سعد ! فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني ) ، (أنا أغير منه)، رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت هذه الصفة لنفسه، (والله أغير مني) ، وغيرة الله عز وجل على ما يليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى.
فالله عز وجل يغار أيها المؤمن أن يعبد في الكون أحد سواه، لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله، والله عز وجل يغار أن يدعى غيره، يغار أن يستغاث بغيره، يغار أن يتوكل على غيره، يغار جل جلاله أن يطاف بغير بيته، يغار أن يذبح أو ينذر لأحد سواه، فالعبادة كلها لله وحده قال سبحانه: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62] ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54] ، وقال: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الروم:40] ، وقال: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [فاطر:3] ، فلا خالق إلا الله، ولا معبود إلا الله.
فلو أن إنساناً صرف شيئاً من العبادة لغير الله فقد أشرك بالله، والله جل جلاله يغار على مثل ذلك، والله سبحانه يغار أن تنتهك محارمه، ( يغار جل جلاله أن يزني عبده أو تزني أمته )، يغار سبحانه وتعالى أن يؤكل المال بالباطل، وأن يغتصب بغير حق، يغار جل جلاله أن تسري ألسنة الناس بألفاظ السب والشتم واللعن والفحش، أن يكون الكلام بغير ما يحبه الله عز وجل، أن تكون الفعال على غير ما يحبه الله عز وجل، هو سبحانه وتعالى يغار من هذا كله.
وقد طلب منك أيها المؤمن أن تكون غيوراً على حرمات الله، أن تكون غيوراً على حرماتك.
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل، ومنها ما يبغضه الله عز وجل، وإن من الاختيال ما يحبه الله عز وجل، ومنه ما يبغضه الله عز وجل، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة ) ، أي: إذا رأيت شيئاً ترتاب منه، فلو أن إنساناً رأى زوجه، أو رأى بنته، أو من ولاه الله أمرها، تخرج في غير الحجاب الذي أمر الله به، فالواجب عليه أن يغار، وكذلك لو أنك رأيت رجلاً مع امرأة في جنح الليل، في مكان مظلم، في وقفة أو جلسة تبعث على الريبة، فواجب عليك أن تغار، تغار على حرمات الله، ولو أنك رأيت إنساناً ينتهك محارم الله أو سمعت من يسب دين الله أو يهزأ بآيات الله، فواجب عليك أن تغار، فالغيرة التي يحبها الله هي الغيرة في الريبة.
قال: ( وأما الغيرة التي يبغضها الله، فالغيرة في غير ريبة ) ، مثلاً: من كان يمارس عملاً مباحاً، أو يقول قولاً مباحاً، أو توسع فيما أباح الله له، فما ينبغي لك أن تغار في مثل تلك الأحوال، ولا أن تنكر على من يتعاطى تلك الأفعال، لا تحجر واسعاً، لا تضيق ما وسعه الله عز وجل، ( وأما الاختيال الذي يحبه الله فاختيال المرء بنفسه في موطن القتال وعند الصدقة ) ، في موطن القتال إذا لقي عدوه فتبختر في مشيته، واختال في هيئته، فهذه خيلاء يحبها الله عز وجل، وكذلك لو أراد أن يتصدق من أجل أن يشجع غيره ويحملهم على مثل فعله، فهذا اختيال يحبه الله عز وجل، ( وأما الاختيال الذي يبغضه الله فالاختيال في الباطل ) ، في أمر باطل، في إنفاق مال في غير وجهه، فيما يصنعه بعض الناس من التسابق في معصية الله عز وجل والمسارعة إليها، فهذا اختيال يبغضه الله عز وجل.
يا أيها المسلمون! يا عباد الله! إن واجباً على ولي الأمر أن يغار على حرمات الله، إن واجباً على الإمام الأعظم الذي ولي أمر الناس أن يكون غيوراً على حرمات الله أن تنتهك، أن يكون غيوراً على محارم الله أن ترتكب، أن يكون غيوراً على شرع الله أن يعطل، أن يكون غيوراً إذا رأى الناس ينبعثون في معصية الله، واجب عليه أن يمنع هذا، وأن يحول دونه، وأن يغضب لله عز وجل لا لنفسه، وكذلك أنت يا رب الأسرة، يا مدير المدرسة، يا مدير المصلحة، يا عميد الكلية، يا وزيراً في وزارته، يا مسئولاً في مؤسسته، واجب عليك أن تغار على حرمات الله عز وجل، فما أعظمها من صفة وما أجلها.
فهذا أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حملته الغيرة على دين الله عز وجل أن يلطم يهودياً لما سمعه يقول: إن الله فقير ونحن أغنياء، ولو كان الله غنياً ما استقرضنا كما يزعم صاحبكم، فلطمه أبو بكر لطمةً منكرة وقال: والله يا عدو الله لولا ما بيننا وبينكم من العهد لضربت عنقك.
أسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها، لا يصرف سيئها إلا هو، توبوا إلى الله واستغفروه.
أسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها، لا يصرف سيئها إلا هو، توبوا إلى الله واستغفروه.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:
أيها المسلمون! فـ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102]، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] .
واعلموا أيها الإخوة في الله، أن فتنة تدور في أرض فلسطين، في أيامنا هذه فتنة تنزف على إثرها دماء وتزهق أرواح وتتلف ممتلكات، وتطير فيها رءوس، هذه الفتنة كانت نائمة أيقظها عملاء اليهود، وجواسيس اليهود ممن يأتمرون بأمر الأمريكان والصهاينة، وممن يسعون في الأرض فساداً، هؤلاء المنافقون كما سماهم الله عز وجل في كتابه، هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم مرض، سارعوا في إرضاء اليهود والصليبيين، ليس من اليوم ولا من الأمس ولا من سنة أو سنتين، بل من عشرات السنين، باعوا أنفسهم للشيطان من أجل إرضاء اليهود والأمريكان، عقدوا اتفاقات هزيلةً عميلةً، رضوا فيها وهم طائعون مختارون أن يتنازلوا عن أكثر من سبعين بالمائة من أرض فلسطين لليهود، وسلموا لهم بها.
ثم بعد ذلك ما بقي من أرض فلسطين أقاموا عليها سلطةً هزيلةً هي أشبه بما يسمى عندنا: بالمحليات، أو البلديات، لا اختصاص لهم إلا بجمع القمامة وتنظيف الطرقات، وما إلى ذلك، لكن ليس لهم من سيادة الدول شيء، ما يستطيعون أن يتحركوا إلا بأمر اليهود، لا يملكون جيشاً ولا مطاراً ولا غير ذلك من أجهزة مستقلة تمثل سيادة الدولة، ما يملكون إلا أجهزة أمنية أقيمت بمعرفة اليهود، وبتمويل الأمريكان للتضييق على المجاهدين والقبض عليهم واغتيالهم وتصفيتهم، وأحياناً تسليمهم لليهود، هكذا السلطة التي قامت على أرض فلسطين، هذا دورها وهذا شأنها.
ثم بعد ذلك، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لما توصل الأمريكان إلى قناعة كاذبة خاطئة، أن ذاك الذي حصل إنما هو بسبب الاستبداد والدكتاتورية، وأن الحل البديل هو إشاعة الديمقراطية كما يسمونها في بلاد المسلمين، والنتيجة أن أهل فلسطين انتخبوا أيد متوضئة، ناساً عرفوا عنهم الجهاد والصدق وبذل الأموال والأنفس، عرفوا أنهم أهل صفاء وطهر ونقاء، انتخبوهم ليشكلوا الحكومة، فما كان من الذين دعوا إلى الديمقراطية ودندنوا حولها من الأمريكان والأوربيون واليهود إلا أن أعلنوا أنهم لن يتعاملوا مع هذه الحكومة، ولن يسمحوا لها بالاستمرار، وبدءوا يحركون عملاءهم ويئزون شياطينهم من أجل أن يعيثوا في الأرض فساداً، ومن أجل أن يفتنوا بين الناس، والنتيجة هي ما نراه وما نلمسه في أيامنا هذه.
وهذا دليل أيها المسلمون على أن النفاق أشد خطراً وأعظم فتكاً بالإسلام وأهله من الكفار الأصليين.
أسوق إليكم هذا الكلام لأن بلادنا هذه أيضاً لا تخلو من منافقين ومنافقات، يثبطون همم الناس، يزرعون في قلوبهم اليأس، يأمرونهم بالمنكر وينهونهم عن المعروف، يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، هؤلاء إن لم ننتبه إليهم، ونأخذ حذرنا منهم، فالمصير هو المصير.
على أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المنافق: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون:8] ، وقال المنافق: لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المنافقون:7] ، وقال المنافق: ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي [التوبة:49] ، وقال المنافق غير ذلك من عبارات ساقها القرآن، وما أشبه الليلة بالبارحة، المعاني هي المعاني وإن اختلفت الألفاظ.
أسأل الله عز وجل أن يحقن دماء إخواننا في فلسطين، اللهم احقن دماء المسلمين في فلسطين، اللهم ألف بين قلوبهم، أصلح ذات بينهم، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اصرف عنهم كيد اليهود والأمريكان، وشر الأشرار ومكر الفجار، وشر طوارق الليل والنهار، اللهم من أراد بهم سوءاً فلا تمكنه، ومن أراد بهم شراً فخذه أخذ عزيز مقتدر.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، وأموالنا من الربا، وأرزاقنا من الحرام، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر