إسلام ويب

شمولية الإسلامللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الدين الإسلامي شامل كامل؛ كفيل بكل ما تحتاجه البشرية في الدنيا والآخرة، فهو الذي يعني بجانب العقيدة والعبادة، وهو الذي يهتم بجانب التعامل مع البشرية كلهم، سواء كانوا مسلمين أو غيرهم؛ فإذا كان كذلك فعلى المسلمين أن يتفهموا الإسلام، وأن يعملوا بكل جوانبه، وألا يغفلوا جانباً منه، وقد ضلت العلمانية حين اعتقدت أنه دين لجوانب معينة من الحياة؛ لأن الله هو الخالق، وهو يعلم ما يصلح عباده وما يضرهم، فله الحكم وإليه ترجعون.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى هو المشرع وحده لا يمكن أن يحل، ولا أن يحرم، ولا أن يأمر، ولا أن ينهى فيما يتعبد به إلا هو وحده؛ لأنه الذي إليه منتهى كل شيء, وهو الذي تصير إليه الأمور: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ [الشورى:53], علم كل شيء بيده سبحانه وتعالى؛ فلذلك هو وحده الذي يستطيع التشريع والإحلال والتحريم، ومن دونه لا يعلمون مآلات الأمور, فإذا رأوا مصلحة في وقتٍ من الأوقات، فيمكن أن تتغير تلك المصلحة في وقتٍ آخر, وإذا رأوا مفسدة في وقتٍ من الأوقات، فيمكن أن تنقلب تلك المفسدة مصلحة في وقتٍ آخر: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

    فلذلك لم يكل الله أمور الدين إلى اجتهادات البشر وآرائهم؛ بل شرعها الله سبحانه وتعالى وأنزل بها الوحي واختار له أمين الملائكة، وأنزله على أمناء البشر وهم الرسل المبلغون عن الله سبحانه وتعالى، وقد قامت الحجة على الثقلين الإنس والجن بما جاء به رسل الله من عند الله من الدين، ثم قفى على آثارهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فختم به الرسالة وأوضح به معالم الدين، وأنزل عليه في آخر ما أنزل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[المائدة:3].

    وسر ذلك أن الله علم أن جوارحنا محدودة محصورة، وأننا نتفاوت فيها ونحن مضطرون للتعايش في هذه الدار، وعقولنا ما هي إلا حاسة من حواسنا؛ فكما أن العين لها حدود إلى أدنى فلا تبصر ما في الجفن من الخطوط والعروق والألوان، ولها حدود إلى أقصى فللبصر منتهىً يقف عنده, وكما أن الأذن لا تسمع جريان الدم في العروق، ولا تسمع الأمواج المحملة المحيطة بها مع أن أصواتها كبيرة مزعجة؛ كذلك لها حدود إلى أقصى فتبلغ قوة الانفجار أو الصاعقة بحيث لا تسمعها الأذن ولا تستوعبها.

    وكذلك الأصابع في اليد فإن لها قدرة تستطيع أن تحمل الشيء الذي في طوق الإنسان حمله، ولكن لا تستطيع حمل أثقل من ذلك، كما أنها يشق عليها انتزاع الشيء اليسير الصغير الذي لا يمكن الوصول إليه وحده، كانتزاع الخربصيصة من الرمل، والخربصيصة: هي الهنة التي تتراءى في الرمل، فأخذ الإنسان لها بأصبعيه من الأمور الشاقة؛ لأنها أصغر من مدى طاقة الحمل.

    فكذلك العقل له حدود إلى أدنى، وحدود إلى أعلى، فحدوده الدنيا منها بداياته كالأوليات، والمشاهدات والحدسيات، والشعور الذي يشعر به الإنسان كشعوره باللذة والألم والرضا والغضب، هذه أمور لا يناقشها العقل ومنها يبدأ, ثم للعقل نهايات لا يمكن أن يتعداها وهي مواقفه كاجتماع الضدين، والنقيضين، وكارتفاع النقيضين، وكقلب الحقيقة، وكبطلان الحصر ونحو ذلك؛ فهذه الأمور يقف عندها العقل ولا يمكن أن يتعداها, فإذا كان العقل محصوراً فلا يمكن أن يكون حكماً؛ لأن الحكم لا بد أن يكون غير محصور؛ لأن الزمان غير محصور إلا بنهايته الحتمية التي تأتي وهي نهاية الدنيا.

    ولأن المكان غير محصور كذلك إلا بتنوع ما خلق الله من الأمثلة في هذه الأرض، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم؛ فكل ذلك يقتضي أن يكون التشريع خارجاً عن عقول البشر, فشرع الله سبحانه وتعالى للناس هذا الدين، وبناه أتم بنيان ورتب بعضه على بعض، وجعله جميعاً من عند الله, فلو اختلفت نظراتنا نحن إلى أهميته، ورأى بعضنا الاهتمام ببعضه دون بعض؛ فإنما ذلك لجهلنا بقيمة الجانب الذين نظنه أدنى، فما شرعه الله سبحانه وتعالى كله هو مصلحة البشر في الدنيا أو في الآخرة؛ فما عرفنا مصلحته في الدنيا هو الذي يسميه الناس بالتعللات، وما لم نعرف مصلحته في الدنيا وكانت مصلحته أخروية فهو الذي يسميه الناس بالتعبديات.

    والأحكام كلها إما تعليلية أو تعبدية, فالتعليلية: معناه ما أدرك البشر علاقته بالمصلحة الدنيوية كقطع يد السارق وجلد شارب الخمر ونحو ذلك، وكترتيب العقود من إيجاب وقبول، فهذه يعرف البشر مصلحتها فيرونها تعليلية.

    أما الجانب الثاني: فهو كترتيب أربع ركعات على زوال الشمس، وأربع ركعات على دلوكها، وثلاث ركعات على غروبها، وأربع ركعات على غيوب شفقها، وركعتين على طلوع فجرها, فهذه أمور لا يدركها العقل في هذه الحياة الدنيا.

    فمصلحتها أخروية فهي التي تسمى بالجانب التعبدي؛ لكن يؤمن الإنسان المؤمن أنها قطعاً هي المصلحة، فلا يمكن أن تكون الصلاة المناسبة لوقت الفجر مثلاً: أربع ركعات، أو ثلاث ركعات، وقد اختار الله أن تكون ركعتين, ولا يمكن أن تكون الصلاة المناسبة لهذا الوقت الذي صلينا الآن ركعتين وقد اختار الله أن تكون أربع ركعات, فما اختاره الله هو المصلحة.

    ولذلك فمن أراد أن يعرف قصور العقل فلينظر إلى عقول البشر؛ ولذلك لا يوجد اثنان على مستوىً واحد في العقل, وما من أحد إلا وهو راضٍ عن الله في عقله، وأقلهم عقلاً أرضاهم به.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087504064

    عدد مرات الحفظ

    772720563