إسلام ويب

الطاقات المهدرةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله تعالى قد أعطى البشر طاقات هائلة، فهم من خلالها يعمرون الأرض ويبنونها، وعلى البشر أن يستغلوا هذه الطاقات فيما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وعلى الأمة المسلمة في جانبها الرسمي والفردي مسئوليات جليلة لتحقيق الاستخلاف من خلال استغلال الطاقات وعدم إهدارها.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى خلق للإنسان ما في الأرض جميعاً، فجعل ابن آدم نقطة العالم، من أجله خلق الله كل ما في هذه الأرض، وذلك لثلاثة أوجه: إما انتفاعاً وإما اعتباراً وإما اختباراً.

    الانتفاع بما خلق الله

    فالانتفاع يتجه إليه ما ينتفع به الإنسان من المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات، وهذه الأربع هي أصول المنافع؛ لذلك تكفل الله بها لـآدم في الجنة فقال: إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى[طه:118-119]، ثم ما يكملها من محسناتها وحاجيتها الملحقة بها.

    الاعتبار بما خلق الله

    ثم بعد ذلك ما كان اعتباراً يغذي القلوب، فإن هذه القلوب لها تغذية، وتغذيتها إنما هي بالذكرى، وإذا عدمتها فإنها ستموت أو تمرض.

    والقلب كله على ثلاثة أقسام: إما أن يكون سليماً، وإما أن يكون سقيماً، وإما أن يكون ميتاً.

    فالقلب السليم هو الذي على الفطرة، يقبل الحق ويسمعه ويستجيب له، والقلب المريض هو الذي يسمع الحق، ولكن لا يستجيب له، والقلب الميت هو الذي لا يقبل سماع الحق أصلاً.

    ويحتاج الإنسان إلى تغذيةٍ لقلبه حتى لو كان سليماً فـإبراهيم عليه السلام أخبر الله أنه رزقه قلباً سليماً، ومع ذلك قال: وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي[البقرة:260]، فهو يحب أن يرى المواعظ ليزداد إيماناً ويقيناً، أما مرضى القلوب فهم أحوج الناس إلى العلاج قبل التغذية لقلوبهم، وأما موتى القلوب فهم أحوج كذلك إلى ما يحيي موات هذه القلوب، وينشرها بعد موتها لعلها تئوب إلى بارئها فيتوب عليها.

    وقد جعل الله في هذه الأرض كثيراً من المواعظ التي ينتفع الإنسان من مشاهدتها والتفكر فيها، لكن ذلك مختص بالذين يؤمنون بالله سبحانه وتعالى ويعتبرون في آلائه، كما قال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[آل عمران:190-191]، فهؤلاء هم الذين ينتفعون بهذه الآيات، فتتكاثر لديهم الآيات المسطورة والآيات المنظورة فيزدادون إيماناً ويقيناً، فأنتم تعلمون أن الآيات المستورة هي ما أنزله الله في كتابه من الآيات والمواعظ والذكرى، والآيات المنظورة هي ما في هذا الكون من إبداع الله ودلائل قدرته:

    وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد

    وهذه الآيات المنظورة تقوم بها الحجة في تصديق الآيات المسطورة، فهي تأكيد لما جاء في القرآن وبيان له، كما قال الله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ[فصلت:53]، (حتى يتبين) أي: يتضح بما لا يدع مجالاً للشك، (أنه) أي: أن القرآن هو الحق من عند الله، وهذا ما لا نزال نشهده في كل يوم من عجائب هذا الكون، ومن معجزات الله فيه التي تشهد بصدق الرسالة وبصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبصدق ما جاء في هذا القرآن، ولا يزال الناس يزدادون يقيناً أن هذا الكلام لا يشبه كلام المخلوقين، وأنه لا يمكن أن يساويه شيء من كلام الخلوقين، لا إعجازاً، ولا ترتيباً، ولا معنىً، ولا علماً، فهو المحيط بكل ذلك.

    ما خلقه الله للإنسان اختباراً له

    كذلك القسم الثالث: هو ما خلقه الله لمصلحة ابن آدم اختباراً يبتليه به، وذلك مثل السموم والأوبئة والأسلحة الفتاكة، وغيرها مما هو مجهز على الأعمار، أو مضر بالأبدان أو بالقلوب أو بالمنافع، فذلك كله ما خلقه الله عبثاً، وإنما خلقه ابتلاء لخلقه، وفيه منافع خفية أخرى، فلولا الموت لما حملت هذه الأرض بني آدم لكثرتهم، ولولا الموت لما استطاعت أرزاقها أن تكفيهم ولا مياهها؛ فلذلك كان الموت نعمة عظيمة على البشرية، لكن مع هذا ستر الله الآجال ليستقروا، وجعل لهم الآمال ليرغبوا في المستقبل، وكل ذلك من فضله ولطفه.

    فقد جعل الله سبحانه وتعالى كل ذلك لمصلحة ابن آدم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087504293

    عدد مرات الحفظ

    772722216