إسلام ويب

الإخلاصللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ارتبط صلاح الإنسان واستقامته بقلبه، وذلك بتحقيق الإخلاص والنية فيه، والمقصود بالإخلاص أن يكون العمل لوجه الله وحده لا شريك له، ولكن قد يعترض هذا الإخلاص عوارض كثيرة منها: قصد الناس بالعمل، وترك المداومة عليه أو عمله في وقت دون وقت كما يمر الإخلاص بمزالق منها: اتهام النية زيادة ونقصاناً ووساوس الشيطان، هذا ولزيادة الإخلاص وسائل منها: التعرف على الله، والحفاظ على العبادة، ومصاحبة أهل الخير.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بُعث رحمه للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

    فإنكم تعلمون أن صلاح الإنسان مرتبط بصلاح قلبه، وقد أخرج البخاري و مسلم في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).

    وهذه العناية بالقلب وارتباط الجوارح به، وارتباط صلاح الإنسان بصلاحه، كلها تقتضي أن عمل القلب أفضل من عمل الجوارح، فلا مقارنة بين عمل قلب الإنسان وعمل جوارحه؛ لأن عمل القلب هو شرط دخول الجنة، فلا يمكن أن يدخل أحد الجنة إلا بإيمانه.

    درجات أعمال القلب

    وعمل القلب ثلاث درجات:

    الدرجة الأولى: هي النية، وهي الإرادة، وهي شرط لجميع الأعمال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)، فلا يمكن أن يقبل عمل، سواء كان بدنياً أو مالياً، وسواء كان من الواجبات أو من المندوبات إلا بهذه النية.

    والدرجة الثانية من أعمال القلب: هي الإخلاص لله تعالى أي قصد وجهه الكريم بالعمل، وهي من الاعتقاد، وهي كذلك شرط لقبول العمل، فكل عمل لم يخلص فيه صاحبه لله فهو مردود عليه، فقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).

    والدرجة الثالثة من عمل القلب: هي حضور الإنسان له، وهي بإحسانه كالخشوع في الصلاة والخشوع في العبادات كلها، فهي نماء وزيادة، وإن كانت مشروطة في بعض العبادات، فقد لا تكون مشروطة في غيرها.

    الخشوع وحضور القلب في الأعمال

    فالخشوع مثلاً واجب في الصلاة على الراجح، لكن لا يجب في كل ركنٍ من أركانها، بل يكفي إذا وقع في ركنٍ واحد، كما قال محمد مولود رحمه الله: وأي الأركان به كان كفى.

    لكن الخشوع مطلوب أيضاً في الدروس، ومطلوب في طلب العلم، وحتى في مجرد المشي في الطريق يُطلب من الإنسان أن يكون خاشعاً، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)، وفي رواية: (وعليكم السكينة والوقار).

    أما رواية: (وعليكم السكينة والوقار)، فالجملة حالية معناها: حال مشيكم عليكم السكينة والوقار، فالسكينة والوقار مبتدأ، والخبر عليكم جار ومجرور سد مسد الخبر، فالخبر متعلق بالمحذوف، أي: عليكم تستقر السكينة والوقار، وأما رواية النصب وهي: (وعليكم السكينة والوقار)، أي: والزموا السكينة والوقار، وهذه جملة معطوفة على الجملة السابقة التي هي: (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون)، فعطف الأمر على النهي، فالنهي لا تأتوها وأنتم تسعون، والأمر وأتوها وعليكم السكينة والوقار، أي: والزموا السكينة والوقار، وعليكم هنا ليس جار ومجرور، وإنما هي اسم فعل بمعنى: الزموا.

    وكل ذلك يقتضي أن الإنسان في مشيه إلى الصلاة ينبغي أن يلزم هذا الخشوع الذي يتضمن أمرين:

    أحدهما: السكينة، وهي التأني وعدم العجلة، والوقار: وهو غض البصر، وخفض الصوت.

    أما السكينة فهي بالتأني وعدم الفعل الذي لا يعني

    وخفض صوت ثم غض البصر هو الوقار عندهم في الأشهر

    فيطالب الإنسان بجمع هذا، وهذا هو الاقتصاد في المشي الذي أمر الله به في قوله: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لقمان:19]، فالقصد في المشي أن يظهر على الإنسان الخشوع بالتأني والوقار.

    وبهذا يعلم أن الإخلاص لله سبحانه وتعالى من عمل القلب، وهو أشرف من عمل الجوارح كلها، وأنه من مقاصد الشرع المهمة، ولذلك رُبط به الثواب وبه أرسل الأنبياء، فالأنبياء جميعاً إنما أُرسلوا بالإخلاص لله، كما قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، وما أمروا: أي ما أمر الناس جميعاً، إلا ليعبدوا الله، أي: إلا بعبادته، (مخلصين له الدين): أي في حال إخلاصهم له الدين كله، وكذلك قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:11]، فهذا يقتضي أن العبادة مربوطة بالإخلاص لله تعالى، ولا يمكن أن تتم إلا بذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087509735

    عدد مرات الحفظ

    772761362