إسلام ويب

الولاء والبراء ومقتضياتهماللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بنيت لا إله إلا الله على ركائز ومقتضيات من أهمها: الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والولاء يعني تمام المحبة مع تمام العداوة لما يضادها، ومحبة الله وموالاته تقتضي الطاعة الكاملة لأوامره، ومحبة ما يحبه ومن يحبه، ومرتكز العلاقة بين المؤمنين على المحبة والولاء، فمن مقتضيات محبة الله أن تحب عباده المؤمنين، ومع ذلك لا بد من التفريق بين المحبة الدينية العقدية وصرفها في محلها، وبين المحبة الطبعية الجبلية في الإنسان والتحكم بها وضبطها بشرع الله تعالى.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    نستحضر الآن النية للتلقي عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاءنا به رسولنا صلى الله عليه وسلم من عند ربنا من مقتضيات ما يجب على الإنسان اعتقاده وما يترتب على ذلك من العمل.

    فمن ذلك: الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من كل من عادى الله جل جلاله، فذلك تقتضيه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي أربعة أمور:

    المقتضى الأول: ألا يصرف شيء من العبادة إلا لله جل جلاله؛ فلا يستحق أن يعبد إلا هو، فلا يمكن أن يصرف شيء من الصلاة ولا من الصوم ولا من النذر ولا من الصدقة ولا من غير ذلك من أنواع العبادات إلا لله وحده.

    والمقتضى الثاني: ألا يصرف شيء من الدعاء إلا لله جل جلاله؛ فالتوكل عليه وحده، والتماس الحوائج منه وحده، وقد قال تعالى: ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[فاطر:13-14].

    والمقتضى الثالث: ألا يشرع إلا الله جل جلاله، ومعناه: ألا يحكم بإيجاب ولا بتحريم ولا بندب ولا بسنة ولا بكراهة، ولا يأمر ولا ينهى إلا الله جل جلاله؛ لأنه وحده الذي يعلم الخفيات؛ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ[الشورى:53]، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الملك:14]، فهو الذي يعلم مآلات الأمور؛ ولذلك إذا شرع شيئاً فمعناه أنه المصلحة المتمحضة، فإذا أمر بشيء على وجه الوجوب فمعناه أنه لا يكون أبداً إلا مصلحة، وإذا أمر به على وجه الندب فمعناه أن الغالب أنه مصلحة، وقد لا يكون مصلحة في حق بعض الناس؛ فلذلك لم يوجبه، وإذا نهى عن شيء على وجه التحريم فمعناه أنه مفسدة دائماً في كل الظروف، وإذا نهى عنه على وجه الكراهة فمعناه أن أغلب أحواله يكون مفسدة، وقد تكون المفسدة فيه منتفية إذا زاحمتها مصلحة أخرى في بعض الأحيان؛ فلذلك لم يحرمه، ولذلك قال الله تعالى: أَمْ لَهمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ[الشورى:21]؛ فإذاً لا يشرع إلا الله جل جلاله.

    أما المقتضى الرابع: الولاء لله، بمعنى: تمام المحبة لله جل جلاله، أن نحب الله حباً شديداً، وقد قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ[البقرة:165]، وهذا الحب مكتسب، ولا بد أن يحرص كل إنسان منا ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً على زيادة حبه لله جل جلاله، وحب الله إنما يزداد بحسب معرفتك بالله جل جلاله، كلما ازددت معرفة بالله؛ كلما ازددت حباً له، إذا عرفته بأنه هو المتصف بجميع صفات الكمال، وأن كل نقص عليه محال، وأنه هو المنعم المتفضل في جميع الأحوال، وأنه باق جل جلاله لا تعروه الحوادث والآفات؛ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ[البقرة:255]، وأنه هو قيوم السموات والأرضين، وأنه هو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وهو الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ[فاطر:41]، والسموات السبع والأرضون السبع قبضة يمينه يوم القيامة؛ وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[الزمر:67]، وتذكرت ما أنعم به عليك أنت بالخصوص من نعمة الخلق والرزق والهداية للإيمان، والتوفيق للأعمال الصالحة، وما آتاك من السمع والبصر والقوة؛ فإنه قدر فهدى، وأنعم عليك بأنواع النعم التي لا تحصيها؛ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا[إبراهيم:34]، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللهِ[النحل:53]، إذا عرفت جزءاً من نعمته عليك فتذكر أن ذلك يضرب في أمثاله على والدك ووالدتك، ثم على أمثال ذلك في والد ووالدة والدك، ووالد ووالدة والدتك.. وهكذا إلى آدم عليه السلام؛ فالله أمرنا أن نشكر نعمته علينا وعلى والدينا فقال: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ[النمل:19]؛ وذلك مما يزيد معرفتنا بالله ومحبتنا له جل جلاله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087504064

    عدد مرات الحفظ

    772720567