إسلام ويب

عباد الرحمن [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القرآن ذو عظات وعبر كثيرة ينبغي للمسلم مراجعتها وتذكرها، وذلك لاجتناب المحظور وامتثال المأمور، ومن ذلك التحلي بأخلاق صفات عباد الرحمن المقتضية للتواضع ومناجاة الله في جوف الليل والخوف من عذابه والرغبة فيما عنده، واجتناب نواهي الله، والوسطية في التعامل مع نعم الله وتجنب الأخلاق الذميمة من شهود الزور ولغو في الكلام وغير ذلك ليكون الجزاء عظيماً يوم القيامة.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن القرآن كلام الله جعل الله تعالى فيه الهدى والنور، وجعله مائدته في الأرض، وآخر الكتب المنزلة من عنده؛ فلا تفنى عجائبه ولا تنقضي علومه ولا يشبع منه العلماء، ومن تركه من جبار قصم الله ظهره، وقد نزله الله تعالى ليعمل به في النهار ويقام به في الليل؛ ليكون حكماً على الناس مهيمناً عليهم أجمعين، وليقام به في الليل فيتقرب إلى الله تعالى بتلاوته وتدبره وتعاهده، وقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك في كثير من الأحاديث وحض الله تعالى على تدبره في كثير من الآيات، وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث سهيل بن أبي صالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ).

    التدبر والتفهم للقرآن

    وإن سماع كلام الله تعالى يقتضي منا التدبر فيه والتفهم وأن نعلم أنه كلام الله فنحبه؛ لأنه آت من الله؛ ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون هذا القرآن حباً شديداً، حتى إن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه عندما حضره الموت أخذ المصحف، فكان يمره على خده ويبكي ويقول: (كتاب ربي.. كلام ربي). وإن كل متعامل مع كتاب الله عليه أن يستيقن أنه كتاب، أي: رسالة أرسلها الله إليه هو بالخصوص، فيتشرف بذلك ويحاول تطبيقه تماماً، فإذا سمع منه أمراً عرضه على نفسه، فإن كان ممتثلاً؛ فليحمد الله على ذلك، وإن كان غير ممتثل بادر إلى الامتثال قبل أن يسخط الله عليه، وإن وجد فيه نهياً عرضه على نفسه، فإن كان منتهياً عنه مجتنباً له حمد الله على ذلك واستمر عليه، وإن كان غير مستند لهذا النهي بادر بالتوبة إلى الله قبل أن يسخط عليه، وإن سمع فيه وعظاً اتعظ به؛ فكثير من القلوب لا يجد الوعظ إليها سبيلاً؛ فتكون مختوماً عليها ميتة، فيقرأ عليها القرآن الذي يقول الله فيه: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَهمْ يَتَفَكَّرُونَ[الحشر:21]، ومع ذلك لا تخشع القلوب لشدة قسوتها.

    الاعتبار بقصص السابقين

    وكذلك إذا وجد فيه قصصاً من أخبار السابقين أيقن صحتها، وعلم أنها درس وعبرة لمن يعتبر بها، فإن كانت في قصص الصالحين سأل الله أن يلحقه بالصالحين وأن يجعله منهم، وحاول الامتثال بما في تلك القصص من أحوال الصالحين؛ ولذلك قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: (حكايات الصالحين جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب عباده). ومصداق ذلك من القرآن قول الله تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ[هود:120].

    كذلك إن كان فيه من أحوال أعداء الله تعالى الذين انتقم منهم وأيام الله تعالى ومثله في السالفين، فعلى الشخص أن يخاف منها وأن لا يقول: أنا مسلم أشهد أن لا إله إلا الله، وهؤلاء القوم الذين أهلكهم الله كانوا يكفرون بالله؛ لا، بل عليك أن تخاف مكر الله؛ فما أمن مكر الله مؤمن، عليك أن تخاف مكر الله على كل حال، وأن تعلم أن هؤلاء القوم لم يهلكوا لمجرد كفرهم؛ فالكفار كثير، وإنما أهلكوا بسبب المكر الذي أتوا به زيادة على ذلك؛ فالأمم التي أبادها الله وأهلكها كان إهلاكها بسبب الكفر وبسبب غيره من الأعمال الزائدة، فيمكن إذا لم يكفر الشخص ولكنه اقترف بعض الأعمال التي اقترفتها تلك الأمم، أن يواجه سخط الله فينتقم الله منه، وحينئذ يحل به مقت الله الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

    لهذا كان علينا إذا سمعنا القرآن أن نتفهم فيه ونتدبره كما أمرنا الله؛ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[محمد:24]، ثم بعد ذلك إذا فهمنا منه شيئاً عملنا به وإذا لم نفهمه آمنا به، وهذه حقيقة التعامل مع القرآن أن ما فهمته منه عملت به وطبقته، وما لم تفهم منه آمنت به وصدقته وأحببته.

    ويجب عند الاستماع إلى القرآن أن يتذكر الشخص عظمة الله عز وجل الذي وجه إليه هذا الكلام، وأن يعلم أن ما فيه كله لمصلحة الناس؛ قال ابن عباس : (إذا سمعت الله يدعوك؛ فاعلم أنه إما إلى خير يقدمك إليه أو إلى شر يصرفك عنه) فإذا سمعت: (يا أيها الذين آمنوا)، ( يا أيها الناس)؛ فاعلم أن الخطاب موجه إليك من ربك الذي خلقك وسواك، فبادر إلى التفهم والتلقي عن الله؛ لهذا فإن المستمع إليه ينبغي أن يعتقد أنه يستمع من ربه عز وجل، ولهذا يثاب المستمع لتلاوة القرآن حتى لو لم يقرأ هو، والذي لا يحفظ شيئاً من القرآن إذا استمع إلى قارئ بقصد العبادة كتب كالقارئ، وإذا سجد القارئ في موضع سجدة يأتم به؛ لأنه بمثابة القارئ؛ فهو أحد القارئين، فلهذا كان مستمعه كقارئه، فلا ينبغي أن يلغو ولا أن يلهو، وعليه أن يتحلى بالسكينة والوقار عند سماع كلام الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087504243

    عدد مرات الحفظ

    772721854