إسلام ويب

كان خلقه القرآن [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرف الله هذه الأمة بخير الرسل، وأنزل إليها أفضل الكتب، وقد تكفل بحفظه من بين سائر الكتب، حتى إذا زال أهله من الأرض ولم يبق إلا شرار الخلق رفعه إليه، فما كان ليدعه بدار هوان، وإذا عاش الإنسان في ظلاله فإنه سيجد أنساً لوحشته، وطيباً لحياته، وشفاعة بعد مماته، فإذا أصابه شيء تذكر الأنبياء وقرأ قصصهم فيه فزادته صبراً، وإذا مرض استشفى به فجاءه الشفاء، فهو كلام رب العالمين، ونور للبشرية أجمعين

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله تعالى شرف هذه الأمة من بين الأمم، فأرسل إليها أفضل الرسل، وأنزل إليها أفضل الكتب، وشرع لها خير شرائع الدين، ختم بها الأمم، وختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فجاء على فترة من الرسل بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأيده الله بهذه المعجزة الخالدة الباقية التي هي هذا الكتاب الذي يحفظ في الصدور، ويتلى في السطور، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]، أحدث الكتب بالله عهداً، وأبينها بياناً، وأوضحها حلالاً وحراماً، فيه خبر ما قبلكم، وفصل ما بينكم، وخبر ما يأتي من بعدكم، وقد ارتضاه الله سبحانه حكماً على البشرية، وتعهد بحفظه بنفسه، وكانت الكتب السابقة يوكل حفظها إلى حفظتها وأهليها، فتولى الله حفظ هذا القرآن بنفسه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

    وقد بين الله سبحانه وتعالى شمول هذا القرآن، واحتواءه على كل ما يحتاج إليه الناس، فقال: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، وقال: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، فهو تبيان أي: إيضاح لكل شيء، أي: مما يحتاج إليه الناس، فكل ما يحتاج إليه الناس من أمور دنياهم ومعاملاتهم، أو من أمور أخلاقهم، أو من أمور عباداتهم وتعاملهم مع الله جل جلاله، أو من أمور عقائدهم، أو حتى من أمورهم الدنيوية البحتة كل ذلك في القرآن أصوله وجوامعه، وهو من جوامع الكلم التي لا يمكن أن تنقضي فيها العجائب، ولذلك قال فيها علي رضي الله عنه: إن القرآن حمال كثير الوجوه، لا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، فهو مائدة الله في الأرض.

    ومن هنا فقد جاءت أساليبه متنوعة، جاء فيه ما هو واضح الدلالة يفهمه الذين أنزل إليهم فهماً كاملاً، وجاء منه ما هو دون ذلك في الخفاء حتى يصل الخفاء إلى المتشابه الذي يزول عنه التشابه بالتدريج مع مضي الوقت، حتى يفهم أهل كل عصر منه ما يحتاجون إليه؛ لأنه لو فهمه الصحابة جميعاً واستوعبوه لم يبق لنا نحن حظ فيه كأنه لم ينزل إلينا، وقد أنزل تشريفاً لنا جميعاً، فلذلك لا بد أن ينال أهل كل عصر من معانيه وتدبره حظهم ونصيبهم، وإذا رجعتم إلى المكتبة الإسلامية تجدون أن تفسير القرآن كان الشغل الشاغل لعلماء هذه الأمة من عهد الصحابة إلى عصرنا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087504243

    عدد مرات الحفظ

    772721858