إسلام ويب

كونوا عباد الله إخواناًللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان العرب قبل الإسلام متناحرين، تدوم بينهم الحروب لعشرات السنين لأسباب تافهة؛ فجاء الإسلام وأزال هذه الصفة التي تضعف وتفرق الأمة الواحدة؛ فآخى رسول الله بين أصحابه، وجعل ذلك من أولى ما يقوم به، وعلمهم حقوق بعضهم على بعض، وحذرهم من أسباب القطيعة كما بينها الله في كتابه؛ وذلك لأن الاجتماع قوة والتفرق ضعف.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد: فإن الله تعالى قد أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة ليبين للناس ما يرتضي منهم خالقهم سبحانه وتعالى، وليرشدهم إلى طريق الجنة، فكان مما جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومما ابتدأ به دعوته وركز عليه في أمره كله تآخي المسلمين، وقد جعل ذلك نصب عينيه من بداية دعوته، فسعى لإزالة كل الفوارق بين المسلمين وإذابتها، وسعى لأن يكونوا على قلب رجل واحد، وأنزل الله إليه من الوحي ما يقتضي إزالة تلك الفوارق التي هي من أمر الجاهلية، وما يقتضي ذلك ترسيخ عرى هذه الأخوة وتقويتها، فإنه صلى الله عليه وسلم أول ما بدأ دعوته بمكة وجد الناس أهل جاهلية، ليس لهم انتماء ولا ولاء إلا على أساس القبيلة والعرق والنسب، ووجد الغريب ذليلاً أياً كان، ووجد الناس يقتتلون قتالاً شديداً يدوم ثلاثين سنةً وأربعين سنة لمجرد الانتصار لفرس سبقت في سباق، أو لأن ناقةً وطئت بيضة عمامة فكسرتها، ووجد الحروب تقوم على الثارات بين القبائل؛ فأزال الله به هذه الغمم كلها، فأصبح أهل الإيمان يتآخون بهذه الشهادة التي يشهدون بها، ويوالون ويعادون على أساس ذلك التآخي، فموالاتهم ومعاداتهم كلها نابعة من اعتقادهم؛ لذلك بدأ بأمرين عظيمين بينهما الله عز وجل في دعوات كل الرسل وهما قول الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا [الشورى:13]، كلمتان وهما: أن تقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه.

    أما الكلمة الأولى فتقتضي توحيد المنهج الذي ينطلقون منه، وأما الكلمة الثانية فتقتضي الاستمرار على هذا المنهج؛ لأن حصول الاختلاف يقتضي إزالة هذا المنهج بالكلية، وأن يزايله الناس ويفارقوه؛ فالفرقة تقتضي ضلالاً وخروجاً عن الطريق المستقيم، فما دام الناس يسيرون على الطريق المستقيم لن تختلف قلوبهم، ولن تتفرق أهواؤهم، وسيكونون يداً على من سواهم، كما حصل في صدر الإسلام، فقد كانت الكلمة الواحدة من كلام أهل الجاهلية يقولها الرجل المسلم المؤمن التقي، فتعد نبوةً ويعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم عليها، فهذا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه يخاطب أخاً له في الله من أهل الإسلام، فيقول له: ( لم فعلت يا ابن السوداء؟ فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية ).

    فكل ما يؤدي إلى هذه الفرقة، أو يؤدي إلى الاختلاف قد حسم بهذا الإسلام وأزيل بالكلية، ثم بعد ذلك بنيت الأخوة الإيمانية العميقة التي أساسها تحقيق الألفة وإزالة الكلفة، والأخوة محصورة فيهما في تحقيق الألفة بين المسلمين، وفي إزالة الكلفة التي تقتضي أن يكون الإنسان صاحب تطفيف، أي: أن يكون مطففاً يريد أخذ حقوقه ولا يؤدي إلى الآخرين حقوقهم كاملة، وقد قال الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:1-6].

    وقد قال مالك رحمه الله في الموطأ: يقال لكل شيء: وفاء وتطفيف، أي أن كل شيء يوجد فيه الوفاء ويوجد فيه التطفيف؛ ولذلك فإن عمر رضي الله عنه حين تأخر أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فجاء والإمام يخطب قال له: ما هذا التأخر؟ قال: ما هو إلا أن كنت في عملي، فسمعت المؤذن فتوضأت وأتيت فقال: والوضوء أيضاً؟ قد طففت.

    لذلك لا بد من العودة إلى هذا المنهج الصحيح، ولا بد من تحقيق هذه الأخوة بعد أن نرجع إلى المنهج الصحيح.

    إن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب المؤمنين بهذه الكلمات الخالدات؛ فقال: ( لا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تباغضوا، ولا تناجشوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يحقره، ولا يخذله، ولا يكذبه، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاثاً، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه ).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087504102

    عدد مرات الحفظ

    772720993