إسلام ويب

وظيفة الإمام بين الصلاة والصيامللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اقتضت حكمة الله تعالى تفضيل بعض الأماكن والأزمان والأشخاص على بعض، ففضل المساجد على غيرها من البقاع، ورمضان على غيره من الأزمان، والأنبياء وعمار المساجد الصالحين على غيرهم من الناس. واختار للمسجد إماماً من بين الناس وحمله مسئولية القيام بحفظه وتعاهده، والعناية بمرتاديه والاهتمام بهم وبأحوالهم، فعليه القيام بها أحسن قيام؛ لأنها وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    نحمد الله تعالى إذ جمعنا بهذه الوجوه الخيرة النيرة في هذا الشهر الكريم في هذا المسجد المبارك، ونسأل الله تعالى أن يجعل هذه الوجوه جميعاً من الوجوه الناضرة الناظرة إلى وجه الله الكريم، وأن يجعلنا من المتحابين فيه الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله. أما بعد:

    اختيار المساجد وتفضيلها على بقية البقاع

    فمن المعلوم أن الله جل جلاله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ [القصص:68]، وقد اختار من الأماكن المساجد فنسبها إلى نفسه وحررها من الأغيار، وجعلها أحب البقاع إليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها )، وحررها الله سبحانه وتعالى من الأغيار؛ فقال تعالى: وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا [الجن:18]، وهذا التشريف للبقعة المكانية مكتوب قبل خلق السموات والأرض؛ فكل مدينة تؤسس يختار الله منها نقاطاً محددة يرفع عنها أيدي المخلوقين، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وهي مساجدها، تعمر بطاعاته ما نرى منها وما لم نر؛ ففيها ملائكة كرام مكلفون بها، وهم على أبوابها يكتبون الناس الأول فالأول.

    وهذا التشريف لهذه البقاع ليس راجعاً لبنائها؛ فهذا التشريف سابق على البنيان، كما قال العلامة محمد مولود ولد أحمد فال رحمة الله عليهما:

    ومسجد البدو وإن تخولف هل كسواه حرماً وشرفا

    لم ينف ذلك كونه بيت العلي أعد للصلاة والتبتل

    وذا هو الوجه الذي منه اكتسب الآخر ما اكتسب لا من الخشب

    اختيار شهر رمضان وتفضيله من بين الشهور

    وإذا أدركنا ذلك عرفنا أن هذا الاختيار الرباني الذي لا معقب له هو مثل الاختيار الزماني أيضاً؛ فقد اختار الله من الأزمنة مواسم الخير، ومنها شهر رمضان المعظم؛ فقد اختاره الله قبل خلق الزمان، وخصه بخاصية إنزال القرآن فيه، وبما خصه به من الخصائص الأخرى بأن جعل فيه الليلتين العظيمتين: ليلة العتق، وليلة القدر، وبأن جعل فيه العشر الأواخر منه، وبأن خص هذه الأمة بالشرف الكريم الكبير فيه، الذي تتمناه الأمم الأخرى؛ فالأمم الأخرى كانت أطول منا أعماراً وأقوى أبداناً، ولكن الله شرفنا بهذه الليلة التي يدرك بها الإنسان أربعة وثمانين سنة، يزداد بها عمره في ليلة واحدة، ينجو من مشاكلها وتعبها ونصبها وأمراضها وأسقامها وأعراضها، وينال خيرها وفضلها؛ لأن فائدة العمر ما رجح كفة الحسنات، ولا فائدة فيما سوى ذلك؛ فاتباع الشهوات تحسنه البهائم والأنعام، ولم يخلق الإنسان له إنما خلق لعبادة الله؛ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فإذا نجح في ذلك الامتحان فلا عبرة بما فاته مما سواه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087504169

    عدد مرات الحفظ

    772721493