إسلام ويب

الإسلام عقيدة وشريعةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل قد أرسل الرسل إلى خلقه لإقامة الحجة عليهم، وأنزل عليهم شرائع تنظم علاقاتهم مع الله، وعلاقتهم فيما بينهم، فبينوا لهم الحكمة من خلقهم وبينوا لهم أنواع التوحيد وأنواع الشرك وحذروهم من المخالفة وما جزاء من خالف منهم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن الله عز وجل قد أرسل الرسل إلى خلقه لإقامة الحجة عليهم, وأخبر عما أرسلهم به بقوله جل من قائل: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48], وفي صحيح البخاري معلقاً عن عبد لله بن العباس رضي الله عنهما أنه فسر هذه الآية فقال: شرعةً ومنهاجاً، سبيلاً وسنةً.

    فالسبيل: هو الشريعة ومعناه: الأحكام التي تنظم علاقات العباد مع ربهم، وعلاقاتهم فيما بينهم.

    والسنة: هي العقيدة التي يؤمنون بها ولا تتعلق بالعمل الظاهري. وهذا المصطلح كان شائعاً في صدر الإسلام, وقد دأب المؤلفون الأوائل على تسمية العقيدة بالسنة, ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى لما سئل عن مالك و ابن عيينة قال: إن مالكاً إمام في السنة والحديث، وإن ابن عيينة إمام في الحديث. فـمالك إمام في السنة والحديث معناه إمام في العقيدة وفي الحديث, و ابن عيينة إمام في الحديث, ولكن لعل بعض أمور العقيدة وتفاصيلها قد لا يكون متخصصاً فيها, ولذلك ألف كثير من المؤلفين كتباً بعناوين السنة، منهم عبد الله بن الإمام أحمد ألف كتابه: السنة, جمع فيها بعض الآيات والأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفاصيل العقيدة, وكذلك ألف الحميدي أبو بكر عبد الله بن الزبير الأسدي المكي القرشي شيخ البخاري ، أول من حدث عنه في صحيح, وتلميذه سفيان بن عيينة ألف كتاباً سماه: أصول السنة, وهو ملحق بآخر مسنده مطبوع في آخره, وكذلك ألف اللالكائي كتابه: شرح أصول السنة، ويقصد به جمع عقائد أهل السنة والجماعة.

    وكثير من المؤلفين يعقدون كتاباً للاعتصام بالسنة في كتبهم ويقصدون بذلك العقائد، مثل: البخاري في صحيحه عقد كتاباً في آخره للاعتصام بالسنة، والمقصود بذلك التمسك بالاعتقاد.

    وأما السبيل: فهو الصراط الذي يسير الناس عليه وينظم علاقاتهم بربهم وعلاقاتهم فيما بينهم، وهو المحجة البيضاء التي تركنا عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, وهي مثال للصراط الأخروي, الذي هو جسر منصوب على متن جهنم، عليه كلاليب كشوك السعدان، يتفاوت الناس عليه بحسب أعمالهم، فناجٍ مسلمٌ ومخدوش مرسل، ومكردس في نار جهنم.

    وكذلك هذا الصراط الدنيوي وهو صراط الله المستقيم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, هو أيضاً دقيق كالصراط الأخروي وعليه كلاليب وامتحانات, ولا يمكن أن يسلم الشخص في سلوكه من المحن؛ لأن الله تعالى يقول: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3], فهذا الصراط الدنيوي بقدر استقامة الشخص عليه يكون ثباته على الصراط الأخروي.

    فالذي يثبت عليه ولا ينحرف يمنة ولا يسرةً ويستقيم على المنهج الذي لا يرضي الله سواه, ويسلك سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم, يرجى أن يثبته الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27], والذي لا يمسك نفسه فتغلبه يمنةً تارةً ويسرةً تارةً أخرى، ويدخل في بنيات الطريق, فهذا يخشى عليه عدم الثبات على الصراط الأخروي.

    ولذلك كان في ختام الوصايا العشر التي أوصانا الله تعالى بها في خواتيم سورة الأنعام، وهي من آخر السور التي نزلت بمكة، التي ليس بها كثير من التشريع وإن كان فيها بعضه، وهي ملخصُ كل ما نزل بمكة من القرآن.

    فالمكي من كتاب الله تعالى اثنتان وثمانون سورة, وملخصها كان في سورة الأنعام, ولذلك نزلت دفعة واحدة, وكان من ملخصها هذه الوصايا العشر التي في آخرها من قوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام:151]، إلى قوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].

    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ( خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خطاً، وخط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وخطوطاً عن شماله، ثم وضع أصبعه على الخط الأول فقال: هذا صراط الله مستقيماً, وأشار إلى الخطوط الأخرى فقال: وهذه سبل على كل واحدة منها شيطان يدعو إليه, ثم قرأ هذه الآية: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] ).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087504243

    عدد مرات الحفظ

    772721852