إسلام ويب

تراث الأمة بين التنزيه والتشويه [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تراث الأمة مصطلح طارئ وهو يطلق على ما أنتجته عقولها مما له صلة بالمدنية والثقافة. وتراث كل أمة إنما يرتقي ويسمو باعتبار ما لها من الأثر. والحضارة بشقيها: المدنية والثقافية؛ إنما هي إنتاج لعقول البشر؛ فكل طائفة ارتقت وكل حضارة تقدمت فإنها تسعى لتطويرها، فإذا وصلت إلى نهايتها سلمتها لمن بعدها. وتراث هذه الأمة تميز عن غيره من تراث الأمم السابقة بميزات متعددة، منها: ارتباطه بالوحي واستنارته به، والشمول، والحفظ. وغيرها.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن التراث مشتق من "الإرث" وهو حوز الإنسان لما كان يحوزه ويملكه غيره بعد موته أو جلائه وانقطاع خبره، وتراث الأمة مصطلح طارئ وهو يطلق على ما أنتجته عقولها مما له صلة بالمدنية والثقافة، فما له صلة بالمدنية كأدواتها؛ مثل: آلات الإنتاج والصناعة ونحو ذلك فهذا يعتبر من التراث، ومثل ذلك الملابس التي تميز شخصيتها وترمز لبعض الأمور فيها، والمراكب والمساكن ونحو ذلك من آثار المدنية؛ فكل هذا داخل في التراث، وكذلك يدخل فيه الإنتاج الثقافي، سواء كان علمياً أو أدبياً؛ فالاجتهادات العلمية في أمور الدنيا وأمور الدين وتطوير حياة الناس ومعاشهم كل ذلك داخل في التراث، وكذلك الإنتاج الأدبي والفني بمختلف أنواعه، كل ذلك يدخل في تعريف التراث.

    ولا يدخل في تعريف التراث ما لم يكن من نتاج العقل البشري؛ كالوحي المنزل، فالقرآن والسنة اللذان أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم لا يدخلان في مفهوم التراث؛ لأنهما ليسا من إنتاج عقول هذه الأمة ولا من إنتاج عقول البشر عموماً، وإنما هما وحي منزل من عند الله سبحانه وتعالى، والوحي قسيم للعقل لا قسم منه؛ كما قال الغزالي رحمه الله: (الوحي عقل من الخارج والعقل وحي من الداخل) فكلاهما تنوير نور الله به البشر؛ فالعقل صبه الله في نطاق الإنسان وقال به؛ فبه يدرك ما يحيط به من حوله، ويختزن به تجاربه، ويتطلع به لمستقبله؛ فيجد تصوراً للمشكلات التي تعرض له وحلولاً لها، والوحي تنوير جاءه من الخارج وليس ناتجاً عن محيطه وبيئته وظرفه، فلا يتقيد بالضغوط الاجتماعية ولا بالضغوط السياسية ولا بالضغوط الاقتصادية؛ فهو متحرر من ذلك كله؛ ولذلك كان الوحي صدقاً صرفاً، ليس فيه مجال للمواربة بخلاف العقل؛ فإن العقول تتفاوت، وأهلها متفاوتون في مقتضياتها، وما من أحد إلا وهو راض عن الله في عقله، وأقل الناس عقلاً أرضاهم به.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087496434

    عدد مرات الحفظ

    772674840