إسلام ويب

كيف نستقبل رمضان [3]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن رمضان شهر الخيرات، شهر أنزل فيه القرآن، واختص الله هذه الأمة بصيامه وقيامه، فعلى كل عاقل الحرص على استغلال الأوقات فيه بما ينفعه في الآخرة.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

    فإن الله تعالى جعل من الأوقات مواسم للخيرات، يضاعف الله فيها الحسنات، ويوفق فيها للتسابق إلى الخيرات، وقد جعل أعظم هذه المواسم في السنة موسم شهر رمضان المبارك، فشرفه بأنواع التشريف.

    نزول القرآن الكريم فيه

    فأنزل فيه القرآن كله، وابتدأ نزول القرآن فيه في ليلة القدر منه، ولذلك قال الله تعالى في بيان نزول القرآن في شهر رمضان: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].

    وقال في نزوله في ليلة القدر: بسم الله الرحمن الرحيم. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر:1-2].

    وقد اختلف أهل العلم في معنى نزوله جميعاً في رمضان، فقالت طائفة منهم: نزل إلى سماء الدنيا، ثم بعد ذلك نزل بالتدريج في ثلاث وعشرين سنةً إلى الأرض، وقالت طائفة: بل المقصود بذلك بداية نزوله، وعلى هذا فإن المقصود بنزوله في رمضان هو المقصود بنزوله في ليلة القدر فهي من رمضان قطعاً.

    عظم الأجر في صيام وقيام رمضان

    وقد شرف الله هذا الشهر بأن جعل صيامه ركناً من أركان الإسلام، وجعله سبباً لتكفير السيئات، وجعل قيام ليله كذلك سبباً لتكفير السيئات، وجعل قيام ليلة القدر وحدها منه خيراً من ألف شهر، أي: من عبادة ألف شهر، فالناس يحرصون على طول العمر، وفائدة طول العمر إنما هي ما يقرب من الله ويرجح كفة الحسنات على كفة السيئات، ولا فائدة في أيام العمر ولياليه التي تضيع في الملذات والشهوات، وما لا يعني، والانشغال بأمور الدنيا، وإنما فائدة العمر ما لا يندم عليه الإنسان منه يوم القيامة، وهو ما يجده في كفة حسناته يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:30].

    وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه باقتراب شهر رمضان كما أخرج النسائي في السنن بإسناد صحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم إذا أقبل رمضان: قد أطلكم شهر مبارك، تفتح فيه أبواب الجنان، وتوصد أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الشياطين )، وقد ثبت آخر هذا الحديث في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رمضان: ( تفتح فيه أبواب الجنة، وتوصد أبواب النار )، وفي رواية: ( تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتصفد فيه مردة الشياطين ).

    وهو شهر المغفرة، فلله تعالى في كل ليلة من لياليه عتقاء من النار، ثم يختمه الله بليلة ليست هي ليلة القدر، وإنما هي ليلة العتق، وهي آخر ليلة من ليالي رمضان يغفر الله فيها للصائمين والصائمات، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الله تعالى يغفر للصائمين والصائمات في آخر ليلة من ليالي رمضان. فقيل: يا رسول الله! أليلة القدر هي؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره عند نهاية عمله ).

    اختصاص أمة محمد بهذا الشهر

    وكذلك فإن من مزايا هذا الشهر وفضائله أن الله سبحانه وتعالى شرف به هذه الأمة المشرفة زيادةً في أعمارها، وتكثيراً لحسناتها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً عجيباً ضربه لهذه الأمة بين الأمم، ( ضرب لها مثلاً برجل استأجر أجراء على أن يعملوا له من الصباح إلى صلاة الظهر على قيراط قيراط، ثم استأجر أجراء على أن يعملوا له من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، ثم استأجر أجراء يعلمون له من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين )، فالذين استئجروا من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر اليهود، والذين من بعد الظهر إلى العصر النصارى، والذين من بعد العصر إلى المغرب هذه الأمة، وقد ضاعف الله لها الأجر فقالت اليهود والنصارى: لم؟ ( فقال: هل نقصتكم من حقكم شيئاً؟ -وفي رواية: هل ظلمتكم شيئاً؟- فقالوا: لا. فقال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء ).

    فهذا فضل الله الذي فضل به هذه الأمة وشرفها بين الأمم، فلذلك خصها من بين الأمم بهذا الشهر.

    تنوع الدرجات في شهر رمضان

    كذلك فإن من فضل هذا الشهر أيضاً أن الله سبحانه وتعالى جعله ثلاث درجات، فأدنى درجة فيه العشر الأوائل منه، وفيها خير كثير، ولكن العشر الأواسط أفضل منها، ثم بعدها العشر الأواخر وهي أفضل رمضان كله، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه اعتكف في العشر الأوائل من رمضان، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلبه أمامك. فاعتكف العشر الأواسط فـأتاه فقال: إن الذي تطلبه أمامك، فاعتكف العشر الأواخر من رمضان، ولم يزل يعتكفها ) بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

    غفران الذنوب

    وكذلك من فضائل هذا الشهر العظيم أنه أيضاً سبب لمغفرة السيئات الماضية، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أدرك رمضان فلم يغفر له فلا غفر له )، فبين أن من أدرك هذا الشهر فقد أتيحت له فرصة المغفرة لتكفير كل ما مضى من سيئاته؛ وذلك لأن صيامه غفران للذنوب، وقيامه غفران للذنوب، والصدقة فيه مكفرة مطفئة للخطايا كما يطفئ الماء النار، وقراءة القرآن فيه ذات أجر عظيم، وعمارة المساجد فيه محاكاة للملائكة، وتخلق بأخلاقهم، فهذا الفضل الجزيل العظيم من أدركه فلم ينل منه حظه كان مغبوناً، وقد حلت عليه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087502328

    عدد مرات الحفظ

    772706996