إسلام ويب

فقه الأسرة [3]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله لعباده النكاح، وجعل له شروطاً كالصداق ومعرفة رضى الثيب، وقد يشترط الناس في النكاح شروطاً هي محل خلاف بين العلماء؛ كاشتراط المرأة عدم التعدد، وهذا لا ينبغي لأنه مخالف لشرع الله تعالى الذي أباحه، ويعد طعناً في رسول الله وصحابته الذين عددوا الزوجات، وهو ما يسعى إليه أعداء الإسلام لإفساد الأسرة المسلمة، وللتعدد في الزوجات فوائد كثيرة يجهلها كثير من النساء.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:

    فقد تحدثنا على أركان النكاح, وما لتلك الأركان من شروط, وقد ذكرنا بعض شروط النكاح العامة، وسيكون الحديث اليوم أيضاً -إن شاء الله- عن الشروط في النكاح، وما يتعلق بذلك.

    كون الصداق مالاً متمولاً مملوكاً منتفعاً به

    أما تلك الشروط العامة الباقية؛ فمنها ما يتعلق بالصداق فإنه يشترط أن يكون مالاً متمولاً، فإن كان غير متمول كالخمر والخنزير ونحو ذلك مما لا نفع شرعي فيه؛ فاختلف أهل العلم في النكاح هل يبطل بذلك أم يكون النكاح صحيحاً والشرط باطلاً؟

    وإذا كان الصداق من مال لا يجوز تملكه كالخمر والخنزير, وكالمحرم الأكل كالحمار ونحوه مما لا يحل أكله إذا أشرف على الموت، فقد اختلف في هذا النكاح هل هو صحيح، فيصحح العقد، بصداق آخر غير الصداق المشروط، أو يبطل العقد أصلاً لأنه سبق أن الصداق ركن من أركان النكاح؛ لقول الله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24] فالأصل فيها الإنفاق ويمكن أن تكون لتعدية، وسوف يكون النكاح حينئذٍ مما لا يمكن أن يتصور إلا منها.

    وكذلك: إذا كان الصداق مما يجوز تملكه؛ لكن لا انتفاع به، لا لذاته ولكن لقلته كالأرز مثلاً، أو نحو ذلك، فهذا من تمول مملوك لكن لا انتفاع به لقلته لا لتحريم عينه.

    فكذلك اختلف هل يصحح النكاح بأن يجعل العقد على أقل الصداق، وقد سبق أنه ثلاثة دراهم عند الجمهور، أو يبطل النكاح أصلاً لأن العقد لم يكن على منتفع به.

    كذلك: إذا كان الصداق ديناً، فإن كان مؤجلاً إلى أجل يبلغه عمرهما عادةً صح النكاح قطعاً، كما إذا كان الصداق ديناً لسنة أو سنتين أو نحو ذلك ويبلغه عمرهما عادةً، بخلاف ما إذا كان الصداق بأجل لا يبلغه عمرهما عادة أو أحدهما، كما إذا كان إلى ثلاثين سنة، وعمر الزوج أو الزوجة قد وصل إلى الستين، أو السبعين مثلاً؛ فحينئذٍ لم يختلف أهل العلم في أن العقد يصحح بصداق آخر إلا بصداق المثل أو لأقل صداق، فصداق المثل يختلف باختلاف النساء، فصدقاتهن على اعتبار نظائرهن فينظر إلى أواسط نظائرهن في البلد من ناحية القرابة والسن، فتقاس على أواسط أهل بلدتها وقرائبها، وإذا صحح بأقل الصداق فقد سبق الخلاف فيه, والترجيح أنه ثلاثة دراهم وهو النصاب المحدد كذلك في قطع يد السرقة كما سبق.

    رضا المرأة الثيب

    كذلك من هذه الشروط العامة: أنه يشترط رضا المرأة إذا كانت ثيباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الثيب أملك لنفسها من وليها )؛ ولأنه قال: ( البكر تستأمر وإذنها صماتها، والثيب أملك لنفسها من وليها )؛ فلذلك لا يمكن أن تجبر وهي ثيب، والثيب تُعْرِب أي: تصرح برغبتها أو رفضها؛ فإن رضيت صح النكاح وإلا كان النكاح كعقد ... وقد سبق البحث فيه، إذاً الراجح: بطلانه إلا إذا كان... كما سبق في حديث عائشة في نكاحها لابنة أخيها عبد الرحمن بن أسعد بن الزبير رضي الله عنهم.

    وإذا رفضت البكر، وأراد والدها تزويجها بغير رضاها فهو كذلك مكروه، ولكن الراجح صحة النكاح حينئذٍ؛ لأنها قد تؤثر عليها العاطفة في وقت ثم يزول عنها ذلك فيما بعد، وهو أدرى بمصلحتها، وعليها الاستجابة له إذا اختار الأب على أساس مصلحتها هي لا على أساس مصلحته هو، وإن علم أنه قدم مصلحة نفسه على مصلحة المرأة فيعتبر حينئذٍ عاضلاً، ويرفع القاضي يده عن الولاية، ومثل ذلك ما لو عضلها أو منعها من النكاح بكفء؛ فتعدد ذلك، والتعدد مختلف فيه وهذه قاعدة عامة، بم يحصل التعدد؟ أو بم يكون الشيء عادة؟ ففي قول المالكية وهو رواية عن الحنابلة: أن التعدد المقصود به المرة الثانية، فإذا حصل مرة أولى لن يعتبر ذلك عادةً فإن عاد فوقع على نحو ما وقع أولاً كثر تعدده.

    وقالت طائفة أخرى: بل المقصود التكرر ثلاثاً بأن يحصل في المرة الثالثة؛ فلا يكون التعدد إلا بذلك، ونظير هذا، العادة في الثيب، فالمرأة إما أن تكون مبتدئة وإما أن تكون معتادة، فالمبتدئة هي التي تحيض لأول مرة أو لثاني مرة، على القول: بأن التعدد يشترط له ثلاث، والمعتادة هي التي تكرر عليها حول في نفس الوقت، ثلاث مرات، أو مرتين على القول: الوارد، ونظير ذلك ما خلافه في العزم أيضاً بم يحصل التعدد فيه، فإذا عضلها عن كفء واحدٍ فلا ترفع يده عن ولايتها، واحتمال أن يكون هو يعرف في ذلك الكفء ما لا يستطيع التصريح به من العيوب، فإن تعدد ذلك نزعت ولايته عنها ويزوجها فيها القاضي بغير إذن ذلك الولي.

    وبعض العلماء قد يخالف في هذا الأمر، فيمنع موليته، يعضلها لمصحته هو لا لمصلحتها هي، وذلك مخالف للشرع، وهو خيانة للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وغش بها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الصحيحين أنه قال: ( ما من والٍ يوليه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )؛ ولذلك لا بد من نصيحة من ظهر منه هذا الأمر، ولا بد أن يبين له الحكم الشرعي فيه، وأن يزجر عن مخالفته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087498113

    عدد مرات الحفظ

    772681182