إسلام ويب

مصدر عزة المسلم [2]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من أبرز صفات أهل العزة بالله أنهم لا يتأثرون بأي ضغط من الضغوط، كما أنهم لا ينساقون وراء الأعداء، ويجسدون الحقائق الإيمانية واقعياً في أعمالهم، بالإضافة إلى تعرفهم إلى الله في الرخاء كما يتعرفون إليه في الشدة، وذلك من مقتضى موالاة الله

    1.   

    مقتضى موالاة الله

    الذين ذاقوا طعم هذا الإيمان، وأدركوا أن الاتصال بالله سبحانه وتعالى به تحصل العزة، لا يمكن أن يتأثروا بأي ضغط من الضغوط، ولا أن ينساقوا وراء أي عدوٍ من أعداء الله سبحانه وتعالى، وقد قال العلامة مولود بن أحمد الجواد رحمه الله في أبياته المشهورة:

    أستودع الحافظ المستودع الوالي ديني ونفسي وإخواني وأموالي

    وأسأل المتعالي أن يوفقني وأن يسدد أفعالي وأقوالي

    أنا الضعيف فذاك الضعف يرحمه ربي القوي فكان الضعف أقوى لي

    ما ذل ما ذل من بالله عز وكم ذل العزيز بأعمام وأخوالِ

    وكم رأينا ذليلاً بعد عزته من عزه بالموالي أو بالا موال

    متى تفز بموالاة الإله يد فعاد يا أيها المخلوق أو والي

    إن موالاة الله سبحانه وتعالى تقتضي من الإنسان أن يعلم أنه لا نافع ولا ضار إلا هو وحده، وأن يسلك منهجه الذي ارتضى له، وأن يعلم أنه معه أين ما كان، فالله سبحانه وتعالى قال لـموسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، وقد خاطب المؤمنين بقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، وقال تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ [المجادلة:7].

    التعرف إلى الله في الرخاء

    إن الذي يريد معية الله سبحانه وتعالى ونصرته وتمكينه، لا بد أن يكون مع الله في كل أحواله، ولا بد أن يعلم أنه في حال جلوته مثله في حال خلوته، وأنه ينبغي أن يكون إقباله على الله في حال السراء مثل إقباله عليه في حال الضراء، ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة )، فالذي يتعرف إلى الله في الرخاء هو الذي ينال مثل هذه المواقف ومثل هذا التشريف بالثبات العظيم في وقت الاحتكاك والمحن، أما الذي لا يعرف الله سبحانه وتعالى إلا في وقت الشدة، فحاله حال المشركين الذين إذا مسهم الضر في البحر ضل من يدعونه إلا الله، وحينئذٍ يرفعون عقائرهم بالدعاء يدعون الله كحال فرعون عندما أدركه الغرق: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ [يونس:90]، آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ [يونس:91].

    فلا بد من التعرف إلى الله في الرخاء، حتى ينال الإنسان ذلك التثبيت وذلك النصر في الشدة، لا بد أن يكون الإنسان مع الله سبحانه وتعالى في حال النعمة، إذا أنعم عليه كان معه في حال النعمة، فلم تغوه هذه النعمة ولم يطغ من أجلها، إن العبد الذي لا يعرف الله إلا في حال مرضه وفي حال ضعفه وفي حال مسكنته وفقره، يلجأ إلى الله فقط في تلك الأوقات، لا يمكن أن ينال ذلك الفرج الذي يناله الموحدون الصادقون الذين عرفوا الله في الرخاء فتعرف إليهم في الشدة، إن على الإنسان منا أن يتذكر أن الله سبحانه وتعالى جعل على هذا الطريق عقبات كثيرة، وأنها أمامه تنتظره، ما لم يصبه اليوم سيصيبه غداً وبالتالي فهو يفكر في ثباته أمام هذه الصدمات، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمرأة التي وجدها تبكي عند قبر صبي لها: ( يا أمة الله اتق الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمثل مصيبتي، فقيل لها: ويلكِ إنه رسول الله، فجاءت تعتذر إليه وقالت: يا رسول الله والله ما عرفتك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى)، فلا بد أن يستحضر الإنسان أن الصبر عند الصدمة الأولى، ولذلك قال علي رضي الله عنه عندما سئل عن الشجاعة قيل: ما الشجاعة؟ قال: صبر ساعة، أن يوطن الإنسان نفسه على الصبر في مواطن اللقاء، وأن يعلم أن تلك المصائب قد أصابت من هو خير منه، وأنها إذا أصابته هو فلا ضرر، أليس نوح عليه السلام قد صبر على المصائب والمحن والأذى ألف سنة إلا خمسين عاماً، أليس أكرم على الله منا نحن، أليس إبراهيم قد رمي به في النار، أليس محمد صلى الله عليه وسلم قد لقي من أنواع الأذى الشيء الكثير، فقد جعل عقبة بن أبي معيط السلا على ظهره بين كتفيه وهو ساجد لربه، وجاء هو و أبو جهل فجعل حبلاً في عنقه وتجاذباه، وهو يصلي، حتى جاء أبو بكر فضربهما بمنكبيه وهو يقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ لقي من أنواع الأذى الشيء الكثير، فلذلك لا بد أن نعرف نحن أننا سالكون لطريقه، وأننا لا بد أن نلقى بعض ما لقي، فقد قال الله تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران:186]، فلذلك لا تتوقعوا أن أمور الدين ستبقى هكذا يجلس الإنسان في الظل مستريحاً في مسجد يسمع محاضرة مثلاً، ويكون بهذا من أنصار الله، بهذا القدر فقط، بل لا بد أن تتذكروا قول الله تعالى : فَاسْتَجَابَ لَهمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [آل عمران:195]، هذه شروط رب العزة، فَاسْتَجَابَ لَهمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ [آل عمران:195]، وقد قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2]، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3]، فلا بد أن يستشعر الإنسان أن أمامه كثيراً من الفتن والبلايا في طريق الحق، وأنه مستعد للصبر والمصابرة على هذا الطريق، كما قال الحكيم:

    يمثل ذو اللب في لبه مصائبه قبل أن تنزلا

    فإن نزلت بغتة لم ترعه لما كان في نفسه مثلا

    وذو الجهل يأمن أيامه وينسى مصارع من قد خلا

    فإن دهمته صروف الزمان ببعض مصائبه أعولا

    فلا بد أن يستحضر الإنسان طريق الذين سلكوا هذا الطريق قبله، وأنها ليست محفوفة بالورود، بل هي مليئة بالأشواك، وهذا الصراط الدنيوي الذي نسير عليه، هو تمثيل للصراط الأخروي، الذي هو أرق من الشعر وأحد من السيف، وعليه كلاليب كشوك السعدان، يتفاوت الناس عليه بحسب أعمالهم، ومن كان أثبت على هذا الصراط الدنيوي كان أثبت على الصراط الأخروي.

    فلذلك علينا جميعاً أن نحرص على تحسين علاقتنا بالله سبحانه وتعالى، والاتصال به والتوكل عليه والتعرف عليه في الرخاء، وأن نستحضر أن أمامنا كثيراً من المحن على هذا الطريق، وأن نوطن أنفسنا على الصبر عند مجيء المصائب، وأن نعلم أنها ليست في أيدي المخلوقين وإنما هي في يد الله، فالمخلوق لا يستطيع أن يرفع شيئاً لا يستطيع أن يرفع ضرراً ولا أن ينزله، إنما ذلك كله بيد الله سبحانه وتعالى وأمره.

    تجسيد الحقائق الإيمانية واقعياً في الأعمال

    إن هذه الحقائق التي نؤمن بها لا بد أن نجسدها واقعياً في أعمالنا، فلا يكفي أن تقول: أنا مؤمن بالقدر خيره وشره، مؤمن بأنه رفعت الأقلام وجفت الصحف، حتى تأتي إلى نتيجة الإيمان بالقدر، فقد ذكر الله القدر في آية وذكر نتيجته في آية بعدها، فقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ [الحديد:22]، هذا القدر، ثم قال: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ [الحديد:23]

    فهذه نتيجة الإيمان بالقدر، وهي: (لكي لا تأسوا على ما فاتكم)، والأسى: الحزن، (ولا تفرحوا بما آتاكم): فإذا حقق الإنسان هذه النتيجة فعلاً كان مؤمناً بالقدر خيره وشره، أما إذا لم يحققها فسيكون مثل الذين يلهجون بقول لا يدركون حقيقته ولا معناه، كالذي يلقن كلاماً، فيعيده كالببغاء.

    إن علينا أن نعلم أن الذين نالوا هذه العزة بالاتصال بالله سبحانه وتعالى في المواقف العظيمة، إنما كانوا أولياء الله في حال الرخاء، وكانوا من المطيعين لأوامره، المجتنبين لنواهيه، فالله سبحانه وتعالى حقق لهم الموعود؛ لأنه علم من قلوبهم الصدق، ولذلك فلابد أن نصدق مع الله سبحانه وتعالى في شأننا كله، وأن نعلم أن العزة بدينه هي العزة الحقيقية، فالأنساب والأحساب التي يتعزز بها الناس كلها منقطعة ولا معنى لها، فالناس لـآدم و آدم من تراب، ومن كان يتعزز بنسب في هذه الحياة الدنيا، أليست هذه الحياة فانية قصيرة، وذلك النسب سينقطع بمجرد النفخ في الصور، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [المؤمنون:102]، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون:103]، تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [المؤمنون:104].

    ترك التعذر بغير المشروع

    إن التفاخر بأنساب الدنيا ووظائفها لا معنى له، فهو منقطع زائل في أسرع الأوقات، ولذلك انظروا إلى الذين يدفنون في هذه الأرض، فالقطع المتجاورة تجد فيها قبر الملك وقبر السوقة، وقبر الغني وقبر الفقير، وقبل العالم وقبر الجاهل، وهم سواء، قبورهم جميعاً سواء، قد انقطعت أخبارهم بمجرد مواراتهم في التراب، فنعلم أن القبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة، وإما أن يكون حفرة من حفر النار، ولا يمكن أن يعرف ذلك من خلال ظاهره وما نراه فوقه، فالقبر الذي توضع فوقه الفسيفساء أو يوضع عليه الزخارف أو تغرس عليه الأشجار، والقبر الذي ليس فوقه علامة سواء، فليست العبرة بظاهر الأرض، بل الإنسان في باطنها، وقد عرض عليه مصيره هنالك: وَبَدَا لَهمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47].

    إن الإنسان إذا أدرك هذا عرف أن ما يتعزز به الناس من شئون هذه الدنيا ليس له أثر في العزة، وعرف أن العزة الحقيقية هي عندما يبيض الله وجهه حتى يسير في النور مسيرة خمسمائة عام، ويعطيه كتابه بيمينه تلقاء وجهه، ويجوّزه على الصراط كالبرق الخاطف، ويحول بينه وبين أعدائه بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، ثم بعد ذلك يدخله جنات النعيم، فهذا هو الفوز العظيم، وإذا ناله الإنسان فوالله لا يضره ما فاته من أمور الدنيا، بل ابيض وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وأخذ كتابه بيمينه فوالله لا يضره احتقار الناس له في الدنيا، أو أنه عاش فقيراً أو عاش ضعيفاً أو محتقراً في هذه الحياة الدنيا فلا يضره ذلك.

    أعمار الإنسان الخمسة

    وقد بينت لكم أن أعمار الإنسان خمسة: عمره الأول: عمر الذر، عندما مسح الله ظهر آدم فأخرج ذريته، فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، وهذا العمر طويل والتكليف فيه فقط للتوحيد: ألست بربكم، أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس:60]، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:61].

    والعمر الثاني: عمر الإنسان فوق هذه الأرض، وهو أقصر أعماره وهو عمر التكليف.

    والعمر الثالث: عمره في البرزخ في بطن الأرض، وهو طويل إذا ما قورن بعمره فوقها.

    والعمر الرابع: عمره على الساهرة في المحشر، وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47].

    والعمر الخامس: هو العمر الأبدي السرمدي في جنة أو في نار، فإذا كان الإنسان يعلم أن مدة مذلته وهوانه هي مدة هذا العمر الدنيوي القصير، وحتى كل ما فيه لا يدوم، حتى المذلة فيه لا تدوم، والنعيم فيه لا يدوم، إذا أدرك الإنسان ذلك هان عليه هذا في مقابل ما يرجوه عند الله سبحانه وتعالى، في الموقف عندما يجعل الله المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، وكذلك عندما يدخلون الجنة فيتجلى لهم الباري سبحانه وتعالى من فوقهم فيقول: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]، فلا بأس عليهم حينئذٍ ولو لقوا من أنواع الأذى ما لقوا في هذه الحياة الدنيا.

    التخلص من التعززات الشيطانية الباطلة

    إن علينا جميعاً أن نتعزز للانتماء لله سبحانه وتعالى والامتثال لدينه، وأن نتخلص من كل ما يلقيه الشيطان علينا من أنواع التعززات الباطلة، فالتعزز بالقبيلة من أمر الجاهلية، وقد كان أهل الجاهلية يتعززون بقبائلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعزى عليكم بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا)، وكانوا كذلك يتعززون بالأموال والأولاد، فقال الله سبحانه وتعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا [المدثر:11]، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا [المدثر:12]، وَبَنِينَ شُهُودًا [المدثر:13]، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا [المدثر:14]، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ [المدثر:15] كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا [المدثر:16]، سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا [المدثر:17]، وصعود: جبل من جبال النار، ويرهقه: يحمل على ظهره يوم القيامة، نسأل الله السلامة والعافية، سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا [المدثر:17]، فلذلك لا بد أن نتخلص نحن من أغلال الجاهلية كلها، فلا بد أن نعلم أن الفضل بين الناس إنما هو بتقوى الله، فمن يخاف الله عز وجل ويخشى عقوبته ويتقي سخطه هو الذي يستحق العزة، ومن لا يخاف الله لا خير فيه، فالبهائم خير منه، فإنها على الأقل غير مكلفة فليست عاصية، ومكانة البهيمة خير منه، فلا شك أنه لا يمكن أن يتعزز، من كان حماره خيراً منه، كيف يتعزز!

    إدراك أن القيم الحقيقية هي القيم المشروعة

    إن علينا أن ندرك أن القيم الحقيقية هي ما بينه الله في كتابه، فقد قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، فمن كان أتقى لله فهو الأكرم الأرفع عند الله سبحانه وتعالى ولا نبالي بنسبه، فسيفر الناس جميعاً من آبائهم وأمهاتهم وأزواجهم وأولادهم يوم القيامة: يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ [عبس:34]، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ [عبس:35]، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:36]، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37]، يَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ [المعارج:11] وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ [المعارج:12]، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ [المعارج:13]، وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ [المعارج:14]، فإذا عرف الإنسان ذلك هان عليه كل هذه الأمور التي يتعزز بها للناس في الحياة الدنيا، وكذلك إذا تذكر سرعة زوالها فكم رأينا من عزيز في الدنيا قد أصبح مدفوعاً بالأبواب، ألا تذكرون أن كثيراً من الرؤساء والملوك الذين كان لهم الأمر النافذ، وكان الناس يرهبونهم في المكاتب، ها هم اليوم يردون عن المكاتب التي كانت تابعة لهم، وكانوا يعينون علينا من شاءوا ويصرفون عنها من شاءوا، وها هم اليوم يدفعون عنها على الأبواب.

    ألا ترون أن الذين كانوا أغنياء وبالأخص الذين كانوا يأخذون المال من غير حله، قد منع كثير منهم من ذلك فلم يستفيدوا منه أي شيء، بل عاش كثير منهم فقراء، لا يملكون شيئاً بعد أن كانوا أغنياء، إن من عرف ذلك أدرك أن ما يتعزز به الناس من أمور هذه الدنيا ليس شيء منه باقياً، وأن البقاء للباقيات الصالحات، كما قال الله تعالى: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46]، وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا [مريم:76]، والباقيات الصالحات: هي الحسنات التي يتقبلها الله سبحانه وتعالى، فهي الباقية التي لا تذهب كذهاب أمور الدنيا، وهي صالحة لأنها لا تمرض ولا تصاب بالمصائب، فهي موفورة كاملة عند الله سبحانه وتعالى.

    نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يعزنا بدينه وأن يعز دينه بنا، وأن يجعلنا في قرة عين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يلزمنا التمسك بسنته عند فساد أمته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلة وأصحابه أجمعين، وسأستقبل بعض الأسئلة.

    1.   

    الأسئلة

    دخول الحائض حائط المسجد

    السؤال: هل يجوز للحائض الدخول حائط المسجد؟

    الجواب: أن البقعة التي بني فيها المسجد ليست كلها مسجداً، بل المسجد هو المبني وما سواه يجوز للحائض دخوله، ولا يحيا، فمن جاء وقد امتلأ المسجد وغص بأهله فجلس في رحبة المسجد، فليس عليه تحية ويجوز فيه ما لا يجوز في المسجد.

    المجاهدة للوصول إلى مقام التوكل وعلاج العجز والفتور

    السؤال: قلتم: إن العزة لا ينالها من المؤمنين إلا من جاهد نفسه حتى يصل إلى مقام التوكل على الله، فبم تكون مجاهدة النفس؟ وكيف تكون؟ وما هو علاج العجز والفتور؟

    الجواب: أن مجاهدة النفس إنما تكون بحملها على طاعة الله سبحانه وتعالى، ومراقبة زلاتها، وأن يجعلها الإنسان في قفص الاتهام دائماً، وأن يحذر من غوائلها، وأن يسعى كل يوم للزيادة من الطاعات، وإذا عرضت عليه أية معصية حفظ سمعه وبصره وصان نفسه عن الوقوع فيها بوجه من الوجوه، وتذكر قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202]، فإذا تذكر الإنسان ذلك أقبل على الله سبحانه وتعالى واجتهد في الطاعة، واجتنب معصية الله بالكلية، وحينئذٍ سيسدده الله ويوفقه، وسيجعل من نفسه بالبداية صبياً صغيراً، يحاول تربيته بالهدوء وبالتي هي أحسن؛ لئلا تنفر ثم إذا انقادت له بعد ذلك استطاعت الاستمرار على هذا المنهج دون تكلف.

    أما علاج العجز فهو التعوذ بالله سبحانه وتعالى منه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في كل يوم: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)، فلا بد أن يستعيذ الإنسان من العجز، وأن يعلم أنه صفة ذميمة، فالعاجز هو الذي يتبع نفسه هواها ويرضى بأقل القليل، وهذا العجز واقعه أنه رضا بالدناءة والتردي فقط، وإلا فالإنسان قد آتاه الله سبحانه وتعالى من الملكات والأوقات ما يمكن أن يوصل به نفسه إلى المقامات العلا، ويمكن أن يلتحق بصفوف أولئك الذين عبدوا الله سبحانه وتعالى على بصيرة فنالوا المقام الرفيع.

    أما علاج الفتور فهو: أن يعلم الإنسان أن سبب الفتور الغالب إنما هو أن يبذل الإنسان أكثر مما يستطيع، فالإنسان إذا بذل أكثر من طاقته، كثيراً ما يصاب بالفتور، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم، من المبالغة والإيغال، فقد قال البخاري في الصحيح: حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: أخبرنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيءٍ من الدلجة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون)، فلا بد أن يدرك الإنسان أن لنفسه إقبالاً وإدباراً، وأن لبدنه طاقةً فلا يتعدى تلك الطاقة وليأخذ ذلك الإقبال.

    كذلك فإن للفتور أسباباً أخرى منها: تعلق الأمل بالأسباب، فعلى الإنسان أن لا يعلق أمله بالأسباب، وليعلم أنها قد تخيب، إذا تعلّق بسبب من الأسباب، فإنه كثيراً ما يصاب بإحباطٍ إذا لم يتأدَّ مؤدى ذلك السبب، فإذا عرف أن الأمر كله إنما ينظر فيه إلى القصد والإخلاص ولا ينظر فيه إلى النتيجة فهي بيد الله، فإنه لا يصاب بذلك الإحباط إذا لم يتحقق مراده، كذلك أن يعيش الإنسان حياته في التعبد لله، بأن يجعل الدنيا كلها محراباً كبيراً للتعبد، فإذا كان في سوقه فهو في عبادة، وإذا كان في مدرسته فهو في عبادة، وإذا كان في عمله ووظيفته فهو في عبادة، فليست العبادة مقصورة على الجلوس في المسجد، فإذا عاش الإنسان ذلك وتذوق طعم العبادة في شأنه كله، وكان صادقاً عندما يقرأ قول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:163]، وكان يقول ما قال أبو الدرداء : (إني لأحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي)، فإنه بذلك يزول عنه هذا الفتور.

    وكذلك في منافسة السائرين في طريق الحق، إذا تذكر أن لله عباداً آخرين قطعوا المسافات الشاسعة وضحوا التضحيات الجسام، وأن عليه أن يلحق بهم فإن ذلك سبب لإزالة الفتور بالكلية، أليس الإنسان الذي يشعر بالمسابقة والمنافسة يجد ويجتهد، حتى في أمور الدنيا، فكذلك ينبغي للمؤمن أن يحس بهذه المنافسة، وقد أرشد الله إليها في عدد من آيات كتابه فقد قال تعالى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89]، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]، وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، وقال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الحديد:21]، فلا بد أن يحس الإنسان بالمسابقة والمنافسة فذلك مقتضٍ منه للاجتهاد، وبالأخص حين يستشعر أن أقواماً قد سلكوا هذا الطريق من معاصريه واستمروا عليه، فهو ينافسهم في ليلهم ونهارهم، فكل يوم يمضونه يقطعون به مرحلة في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قال ابن الجوزي رحمه الله: (إن لله عباداً منذ استيقظوا ما ناموا، ومنذ قاموا ما وقفوا، فهم في صعودٍ وترقٍ، كلما قطعوا شوطاً نظروا فرأوا قصور ما كانوا فيه فاستغفروا)، فإذا تذكر الإنسان حال أولئك القوم، فذلك مقتضٍ منه إزالة الفتور بالكلية، ثم إن صحبة أهل الخير أيضاً من علاج الفتور، إذا صحب الإنسان أهل الخير الذين يعينونه إذا ضعف ويذكرونه إذا غفل، ويعلمونه إذا جهل، فذلك من أسباب إزالة الفتور عنه بالكلية.

    مواقف نسائية في العزة

    السؤال: إذا كان الموضوع هو عزة المسلم، فلماذا لا تذكر أمثلة من ذلك عن النساء؟

    الجواب: أن للنساء تضحيات كبيرةً أيضاً، تحقق هذه العزة في كل العصور، وقد كان للمهاجرات في صدر الإسلام اللواتي خرجن من مكة على أرجلهن إلى المدينة، وأبرزن أنهن آمن بالله وصدقن محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تكن المسافة ولا البعد والفقر ولا الضعف ليحول بينهن وبين الوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد كان ذلك مقاماً سامياً من مقامات العزة، وكذلك الحال بالنسبة لخطيبة النساء، وهي فاطمة بنت يزيد بن السكني الأنصارية ، التي قتل ثمانية من رجالها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد يدافعون عنه، وهم: زوجها، وولداها، وأبوها، وأخواها، وعمها، وعم أبيها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جاءت هذه المرأة تريد أن تنظر في وجهه، فأراد الناس ردها عن رسول صلى الله عليه وسلم فقال: (دعوها فقد قتل بين يدي من رجالها ثمانية)، فلما نظرت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، كل مصيبة بعد رؤيتك جلل، فهذه المرأة تعززت بالعزة الحقيقية، فلم تر عزة بزوجٍ ولا بأولاد ولا بأبٍ ولا بإخوة ولا بأعمام، بل عرفت بأن علاقتها بالله هي العزة الحقيقية، وكفاها ذلك، وكذلك فإن أسماء رضي الله عنها عندما هاجر أبوها أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلمها جدها وهو كبير السن أعمى، فقال: ماذا ترك أبو بكر للعيال؟ فأخذت صرة كبيرة من الحجارة فقدمتها إليه، فقالت: ترك لنا هذا المال، فحمل الصرة فعجزت عنها يده، فقال: هذا مال كثير، فقنع الشيخ بذلك ورضي به، وقد كان كفيفاً أعمى، فهذه أسماء لم تلم والدها أن خرج عنها في هجرته ولم يترك لها ولا لعياله أي مال ولا أية نفقة، بل احتالت على جدها حتى تثبته بهذه الحيلة.

    ظن العزة في الفن والرئاسة

    السؤال: كثير من الناس يظن أن العزة ينالها الإنسان بأن يكون فناناً أو رئيساً فكيف ذلك؟

    الجواب: أن العزة المطلوبة التي يرغب فيها الناس أول مقوماتها: الحرية، أن يكون الإنسان حراً من الأغيار عبداً لله سبحانه وتعالى، ثم بعد الدوام والاستمرار، هذا المقوم الثاني من مقومات العزة، فالشيء المنقطع لا ثبات له، فالفنان الناجح قد تتعلق به قلوب بعض الرعاع والضعفاء، والمشغولين بمفاتن الدنيا، لكنهم لا يحبونه لذاته وإنما يحبونه ليستغلوه، وليجعلوه خادماً لهم، وكذلك الرئيس الذي يحبه بعض الناس فيما يظهرون له، لا يحبونه لذاته وإنما يحبونه طمعاً فيما تحت يده من المال، أو السلطان، ولذلك إذا زال عنه السلطان وزالت عنه الرئاسة، هل يلتفت إليه أحد منهم، فهذا كله منافٍ لما ذكرناه في العزة.

    الفرق بين العزة بالله والكبر والعجب

    السؤال: ما الفرق بين العزة بالله والكبر والعجب والرياء؟

    الجواب: أن العزة هي: أن يتعلق الإنسان بالله سبحانه وتعالى فلا ينال منه مخلوق ولا يكون مؤثراً عليه بوجه من الوجوه، فلا يتأثر بالضغط، ولا يتأثر بالخوف، ولا يتأثر بالطمع، ويكون صامداً على موقف الحق لا يبالي، فإذاً هذه هي العزة الحقيقية، أما أن الإنسان يدعي العزة ويتكبر بذلك بمجرد إيمانه، فهذا إنما تعزز كعزة أهل الجاهلية، ولذلك يوصله هذا إلى الكبر والعجب، وهذا منافٍ للعزة بالله سبحانه وتعالى، فالعزة به تقتضي أن يكون الإنسان سائراً على منهج الله لا يحيد عنه يميناً ولا شمالاً، فلا بد أن يترك كل ما حرّمه الله سبحانه وتعالى.

    وسائل العزة

    هذا السؤال: عن وسائل العزة؟

    وقد ذكرنا عن وسائل العزة، هي الاتصال بالله سبحانه وتعالى، والتوكل عليه، ومحبته، وعدم الخنوع لغيره.

    غربة متدين بين زملاء العمل

    السؤال: كثيراً ما يكون أحدنا يعمل في أحد المكاتب أو الشركات مع غيره ممن هو غير ملتزم بشعائر الإسلام، فيجد الإنسان عزلة وغربة بينهم وبعض المضايقات بالتزامه في بعض أمور دينه، فما هو التوجيه في مثل هذه المواقف؟

    الجواب: أن الإنسان إذا نال ذلك فليحمد الله أن جعله من عصبة يسيرة قليلة وفقها لأن تكون من عباده الذين لا يخافون فيه لومة لائم، وليحمد الله أنه لم يسلطه على نفسه ولم يحمله بالمعصية، وليحمد الله أن جعله غريباً، فقد بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، وعلى الإنسان حينئذٍ أن لا يتأثر بالضغوط أياً كانت تلك الضغوط، وأن يعلم أنه إنما يؤدي حينئذٍ ما من أجله خُلق، وما من أجله أُهبط إلى هذه الأرض، وما من أجله أنعم الله عليه بأنواع النعم، وما من أجله أُرسل إليه الرسول، وما من أجله هُدي إلى الصراط المستقيم، فهذه قناعته الكاملة، فلا يمكن أن يستحي من أدائها بوجه من الوجوه، إنما يستحي الإنسان من الوقوع في المعصية، فالذي يُستحيى هو الوقوع في معصية الله، أما فعل طاعة الله فلا يستحي منه الإنسان على وجه من الوجوه.

    العمل في دكان يبيع بعض المحرمات

    هذا يقول: إني أعمل في دكان مع رجلٍ يرفض ترك بيع منتجات كوكاكولا، وكذلك الدجاج المستورد من البلاد الكافرة، وقد علمت حرمة هذه الأشياء، لكنني دفعني إلى العمل معه دين يطالبني به، فهل يجب عليّ الاستقالة من عمله أم لا؟

    الجواب: لا، بل يجوز له العمل في هذا المحل، لكن لا يباشر بيع شيء من تلك الأمور المحرمة، لا يحل له بيع شيء من تلك الأمور المحرمة، لكن يبيع ما سواها، ويخدم في العمل الآخر.

    جلسة الاستراحة والتكبير لها عند الخفض والرفع

    هذا السؤال: عن جلسة الاستراحة، إذا صح أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها، فهل لها تكبيرة خاصة؟ وكذلك هل لها تكبيرة في الرفع أم لا؟

    الجواب: أن الجلوس في الأوتار ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية عدد من أصحابه أنه كان يجلس إذا أراد القيام إلى الركعة الثانية والثالثة من الرباعية، يجلس جلسة خفيفة تفصل بين السجود والقيام، وهذه الجلسة سماها جمهور أهل العلم بجلسة الاستراحة، وجعلوها من الأفعال الجبلية، أي: راحة بين السجود والقيام، مثلما ينهض الإنسان إذا كان يشكو ألماً في الظهر، فيستريح قليلاً وهذه الاستراحة لا تصل إلى ثوانٍ معدودة، يعني ليست مثل الجلوس الذي يجلس له الإنسان حتى يستطيع أن يكبر له تكبيراً في الجلوس وتكبيراً في النهوض، لا بل هي جلسة خفيفة جداً، وقد ذهب الشافعي إلى أنها من سنن الصلاة، والجمهور على أنها ليست من سنن الصلاة؛ لأن الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فرض الصلاة عليه وعاشوا معه بعد ذلك، لم يروه يفعلها ولم يعلمها الناس في صلاتهم، كل الأحاديث التي فيها تعليم لهيئات الصلاة ليس فيها بيان لهذه الجلسة، فلذلك لا يلام من فعلها، ولا يلام من لم يفعلها، ولا هي من سنن الصلاة المستقرة التي عليها اتفاق أهل العلم، وليس لها تكبيرة في الجلوس ولا تكبيرة في الرفع، وليس فيها دعاء ولا ذكر، بل هي جلسة خفيفة جداً.

    الخروج مع ترك الزوجة والبنات عند بعض الأقارب

    هذا السؤال: ما حكم خروج رجلٍ له زوجة وبنات يتركهن مع بعض أقاربه في أكثر الأحيان هنا في نواكشوط، هل يعتبر هذا الرجل مفرطاً أم لا؟ مع أن خروجه له فيه فائدة ولهم من الناحية الدينية؟

    الجواب: إذا كان المقصود خروجه في سبيل الله، فليحاول أن يخرج بزوجه وأهله، وأن يعلمهم ما يتعلمه هو، فذلك أولى بهم؛ لأنه تجب عليه نفقتهم وتجب عليه حضانتهم وإذا كان يخشى عليهم من الضياع في النفقات أو في الخلق أو في الدين، فلا بد أن يأخذهم معه ولا يحل له ترك أمانة الله التي ائتمنه عليها من أجل أمر مندوب، فلذلك لا بد أن يصطحبهن معه في خروجه، أو أن يكون خروجه قريباً بحيث تكون عينه عليهن، أو يستخلف من ينوبه فيهن.

    تعليم البنات في المدارس النظامية

    هذا السؤال: ما حكم تعليم البنات في المدارس النظامية مع أن كثيراً من الأماكن إذا لم يتعلموا فيها في المدارس يبقين جاهلات؟

    الجواب: أن الصغيرات من البنات اللواتي لم يبلغن حد المراهقة، لا حرج في إدخالهن في المدارس لكن لا بد مع ذلك من تعليمهن آداب الشرع، وذلك من سن السادسة إلى التاسعة، فإذا بلغت البنت التاسعة فلا بد من إخراجها من المدرسة، ولا بد من تعليمها أمور دينها في أول بلوغها، فإذا تجاوزت ذلك واستقامت على أمر الله وبلغت مستقيمة ملتزمة ولم يخشَ، فإن وجدت مدارس ليس فيها اختلاط في هذه الفترة فلا بأس في إدخالها فيها، وإن لم توجد إلا المدارس المختلطة فلا بد من انتزاعها من المدرسة إذا بلغت التاسعة إلى أن تصل إلى ما فوق الخامسة عشر، حتى تلتزم وتتحصن بالدين والخلق، أما ما فوق ذلك أُيس من ضياعها وعرف بأنها تعلمت أمور الدين والتزمت بالأخلاق والآداب وكانت عاقلة، فحينئذ لا حرج في دراستها في الثانوية أو الجامعة بعد أن تتجاوز مرحلة المراهقة وأول البلوغ، فهذه السن ذات خطر عظيم، وإذا كانت البنت تدرس في هذه المدارس المختلطة، فلا يمكن أن تصلح بعد ذلك بوجه من الوجوه، لا بد أن تنشأ على جسارة على أمور الدين وعلى سوء الخلق وعلى الاختلاط المذموم، فهذه السن من التاسعة إلى الخامسة عشرة أو السادسة عشرة سن ذات خطورة عظيمة في تربية الأولاد والبنات.

    حفظ اليمين

    هذا السؤال: ما حكم من حلف يميناً أن لا يفعل كذا -كي يرضي زوجته- كأن لا يشرب الشاي مثلاً؟

    الجواب: بالنسبة لليمين لا بد من حفظها، وقد قال الله في كتابه: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89]، فعلى الإنسان ألا يحلف إلا على أمر يعلم أنه سيجتنبه بالكلية، وإذا حلف على أمر فلا بد أن يحفظ يمينه غاية الحفظ، فقد أمر الله بذلك في كتابه، ولا بد أن يعظم الإنسان ربه سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن يحلف به على أمر لا يريد الوفاء به، ولذلك فلا يمكن أن يتصور أن مسلماً يحلف بالله سبحانه وتعالى على الكذب، فهذه اليمين هي الموبقة التي نسأل الله السلامة والعافية منها، ولذلك أخرج ابن ماجة في السنن بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من حُلف له بالله فليرضى )، فاليمين بالله إذا صدرت من مسلم يعظم الله سبحانه وتعالى ويؤمن به، فهو يعلم عظمها وكبر أمرها، فلا بد أن يحفظ يمينه وأن لا يقع أبداً في حنثٍ.

    التزام النساء بالأماكن المخصصة لهن

    هذا يقول: أطلب منكم توجيه نصيحة أو طلب من هؤلاء الأخوات اللواتي يجلسن بالقرب من باب الرجال، مما يؤدي إلى الاختلاط أن يجلسن في جانب النساء من المسجد، ومع الأخوات الفاعلات من جانب الرجال؟

    الجواب: للنساء في الأعلى ومكان خلف المسجد، فعلى الأخوات أن يلتزمن بالمكان المخصص لهن، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الرجال أن لا ينصرفوا حتى ينصرف النساء، وجعل للنساء باباً وللرجال باباً في مسجده، وكان ينهى الرجال عن باب النساء، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر النساء أن لا يرفعن أبصارهن حتى يجلس الرجال، وكان يأمر الرجال أن لا ينصرفوا حتى ينصرف النساء، فلا بد من الالتزام بذلك، وقد أمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يخططن الطرق، وأن يطفن من وراء الرجال.

    إزالة اللحية للمثلة

    السؤال: من نبتت لحيته من جانب واحد هل له أن يحلق ذلك الجانب وحده لتستوي أو يقصه قليلاً؟

    الجواب: إذا كان ذلك عيباً تتعلق به سمعة، بأن كان الناس جميعاً ينظرون إليه على أنه مشوه في خلقته أو نحو ذلك، واستطاع أن يتخذ دهاناً ينبت الشعر يعجل نبات الشعر في الجانب الآخر، فليستعمل ذلك الدهان ولا يأخذ من شعره، فإن لم يجد فليأخذ منه حتى يستوي ولا حرج في ذلك لأن فيه إزالة للمثلة.

    جلوس الرجل في مكان فيه أجنبية والعكس

    السؤال: هل يجوز للرجل الجلوس في مكان فيه أجنبية؟ وهل لها الجلوس في مكان فيه أجانب؟

    الجواب: نعم، أن الرجال يجوز لهم الجلوس في مكان فيه النساء، والنساء يجوز لهن الجلوس في أماكن فيه الرجال، لكن بشرط أن يكن النساء متسترات، وأن يكون الرجال غاضي أبصارهم عن ما لا يحل لهم النظر إليه، وأن لا يكون ذلك في ريبة ولا معصية، وأيضاً هذا محله في الجمع، أما الانفراد فلا تحل الخلوة بالمرأة الواحدة الأجنبية في مكان ليس معها فيه غيرها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767982119