إسلام ويب

شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [4]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الفروق بين المستحاضة والحائض، أن المستحاضة لا يحرم عليها ما يحرم على الحائض من دخول المسجد والصلاة والاعتكاف والصيام، ولا يحرم وطؤها، بل يجوز وطؤها، ويجوز أن تصلي وأن تصوم وأن تعتكف، وأما الحائض فلا تقضي ما فاتها من الصلوات؛ لأن الحائض سقطت عنها الصلاة أداء وقضاء، وسقط عنها الصوم أداء فقط، فتقضي الصوم دون الصلاة، وعلة ذلك أن الصلاة متكررة، فيشق قضاؤها.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد:

    فقد وصلنا في شرح الأحاديث أحاديث التجريد الصريح إلى قوله: باب: اعتكاف المستحاضة:

    عقد هذا الباب لبيان الفرق بين المستحاضة والحائض، فالمستحاضة هي: التي خرج من قبلها دم، هو دم علة وفساد، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم سببه، وأنه ركضة من الشيطان، وهذا الدم ليس مثل دم الحيض، وقد سبق التفريق بينهما من ناحية اللون والتألم وغير ذلك؛ فالمستحاضة لا يحرم عليها ما يحرم على الحائض من دخول المسجد والصلاة والاعتكاف والصيام، ولا يحرم وطؤها، بل يجوز وطؤها، ويجوز أن تصلي وأن تصوم وأن تعتكف؛ فلذلك قال: باب اعتكاف المستحاضة؛ أي: باب يجوز للمستحاضة الاعتكاف، والاعتكاف مصدر (اعتكف)؛ أي: عكف على العبادة؛ أي: قصر نفسه على العبادة وحبس نفسه لها، وذلك بملازمة المسجد للتعبد الخاص فيه، وهو الصلاة وقراءة القرآن، والاعتكاف سيأتينا بيانه إن شاء الله تعالى في كتاب مستقل.

    قال: عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه، وكانت مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم)، هذا الحديث ترويه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه؛ أي: في بعض ما كان يعتكفه هو من الاعتكاف، وقد كان يعتكف في البداية العشر الأوائل من رمضان، فقيل له: إن الذي تطلبه أمامك، فاعتكف العشر الأواسط، فقيل له: إن الذي تطلبه أمامك، فاعتكف العشر الأواخر من رمضان، ولم يزل يعتكفها حتى لقي الله، وكان نساؤه يعتكفن معه في مسجده، فيتخذن أخبية في مؤخرة المسجد، وكانت إحدى نسائه تجد الاستحاضة، وهي زينب بنت جحش رضي الله عنها، فكانت بنات جحش ثلاثًا، كل واحدة منهن تستحاض، وهن: حمنة وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وحبيبة وتسمى أيضًا أم حبيبة، وزينب، فالثلاث كن يجدن الاستحاضة، فـزينب أم المؤمنين رضي الله عنها كانت تجد هذا الدم، ومع ذلك لا يمنعها من الاعتكاف، فاعتكفت مع النبي صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة: (اعتكف معه بعض نسائه)؛ أي: إحدى نسائه، و(بعض) يطلق على القليل والكثير على الراجح، فيطلق على نصف الشيء وما فوقه وما دونه، بدلالة قول الشاعر:

    داينت سلمى والديون تقضى فمطلت بعضًا وأدت بعضا

    فإما أن تكون قسمت الدين فمطلت نصفه وأدت نصفه، وإما أن تكون أدت أكثره وتركت أقله، أو العكس؛ فكل ذلك أطلق عليه بعضًا، فدل هذا على أن البعض يطلق على القليل والكثير، والمقصود به هاهنا واحدة من نسائه، (وهي مستحاضة)؛ أي: وهي مصابة بداء، يخرج منها دم، وهذا الدم ليس دم حيض كما ذكرنا؛ فلذلك قالت: (ترى الدم)؛ أي: ربما نزل منها دم، وليس ذلك باستمرار كما يفهم من قولها: (ترى الدم)، فمعنى ذلك أنها ربما نزل منها دم ويقع ذلك في بعض الأحيان دون بعض، (فربما وضعت الطست) تحتها من الدم؛ أي: ربما كثر الدم حتى وضعت الطست، وهو إناء يتخذ من النحاس ونحوه، يتوضأ فيه، (ربما وضعت الطست تحتها من الدم)؛ أي: عند فورته وشدته.

    وهذا الحديث يؤخذ منه جواز اعتكاف المستحاضة؛ لأن ذلك حصل بمحضر النبي صلى الله عليه وسلم من بعض أزواجه، ولا يمكن إلا أن يكون قد علم فأقر، وإقراره دليل على المشروعية، والإقرار هو القسم الثالث من أقسام السنة كما سبق، وهو ينقسم إلى قسمين: إلى إقرار بالاستحسان، وإقرار بالسكوت، فالإقرار بالاستحسان يدل على الندب، والإقرار بالسكوت يدل على الإباحة، الإقرار بالاستحسان مثل ما جاء في حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها مسرورًا تبرق أسارير وجهه، فقال: أما علمتِ أن مجزز المدلجي رأى أسامة وزيداً قد لبسا كساءً فغطيا رءوسهما، فرأى أرجلهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض)، فقد سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ لأن المنافقين كانوا يطعنون في نسب أسامة بن زيد؛ لأن أسامة كان شديد السواد، وكان أبوه زيد شديد البياض، فجاء مجزز، وهو من قبيلة مدلج، وكانوا أهل قيافة، يعرفون الأثر والشبه، فرأى أقدام أسامة وأبيه زيد قد خرج من كساء، فقال: (إن هذه الأقدام بعضها من بعض)، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فكان هذا إقرارًا بالاستحسان.

    والإقرار بالسكوت مثل الأمور التي يعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم ويسكت عنها، لا ينكرها، وهي تحت سلطانه وفي دولته، أما الأمور التي علم بها وليست تحت سلطانه ولا في دولته فكانت من شأن المشركين أو أهل الجاهلية، فلا يعد سكوته عنها إقرارًا؛ لأنه لا يستطيع تغييرها، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها؛ فلذلك إنما يعتبر الإقرار فيما كان داخلًا تحت يده، ولدينا نوع آخر من الإقرار، وهو إقرار الله سبحانه وتعالى، فما حصل في عصر النبي صلى الله عليه وسلم في وقت نزول الوحي من الأمور ولم يرد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحي بالنهي عنه دل ذلك على إباحته، ومن ذلك قول جابر رضي الله عنه: (كنا نعزل والقرآن ينزل)، فدل هذا على جواز العزل عن النساء؛ لأن هذا العزل كان يقع في وقت نزول القرآن فلم ينهوا عنه، فدل ذلك على إباحته؛ لأنه لو كان منهيًّا عنه لنزل الوحي بتحريمه، فالله مطلع عليه عالم به قطعًا، فلما لم ينهَ عنه دل ذلك على إباحته.

    والحديث يؤخذ منه أن المصاب بسلس دائم أو نحوه لا ينتقض وضوءه بسلسه، سواء كان السلس ببول أو ريح أو دم، ويدل أيضًا على أن صاحب السلس إذا كان لا يخشى تلوث فرش المسجد يجوز له المقام في المسجد، إذا كان لا يؤذي الناس، ولا يخاف تلوث المسجد وفرشه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087504102

    عدد مرات الحفظ

    772720993