إسلام ويب

إن الدعاء هو العبادةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله غني عن عباده، وهم فقراء إليه، وقد أمرهم أن يسألوه ويدعوه، وفتح لهم أبواب رحمته، وعلمهم كيف يدعونه وبما يدعونه، فما على العباد إلا أن يطرقوا أبواب رحمته، ويطلبوه من فضله.

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء:1] .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب:70-71] .

    أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    الدعاء عبادة

    عباد الله! إن الله سبحانه وتعالى أمركم أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، فقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[البقرة:186] .

    وقال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ[النمل:62] .

    وقال تعالى: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ[النساء:32] .

    وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[غافر:60] .

    وإنه سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الدعاء هو العبادة).

    آداب الدعاء

    فاجتهدوا في الدعاء لله سبحانه وتعالى، وتأدبوا بالآداب التي شرع الله لكم في الدعاء، فإن الله سبحانه وتعالى شرع لكم في الدعاء أن يفتتح بالثناء على الله سبحانه وتعالى، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يختم بذلك.

    وألا يكون بإثم، ولا بقطيعة رحم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم، ولا قطيعة رحم)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله حيي كريم؛ يستحيي إذا مد العبد إليه يديه أن يردهما صفراً)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم كذلك أنه قال: (إن الله حيي كريم؛ لا يمل الإجابة حتى تملوا الدعاء)، فاجتهدوا في الدعاء لله سبحانه وتعالى، واعلموا أن هذا الدعاء هو تحقيق العبادة لله.

    والأنبياء فيه لهم مقامات: فمنهم من يدعو بالتعريض، كما حصل لأيوب عليه السلام فإنه قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[الأنبياء:83] ، ومنهم من يصرح بالدعاء، كما كان إبراهيم عليه السلام يدعو.

    والنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالحالين، فتارة يصرح، وتارة يعرض.

    وكذلك فإن من آداب الدعاء التي شرعها الله سبحانه وتعالى الإلحاح بالدعاء والضراعة بين يدي الله سبحانه وتعالى؛ فإن المتضرع بين يديه لا يمكن أن يُرد.

    وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث دعوات مستجابات أقسم عليهن: دعوة المسافر حتى يعود، ودعوة الوالد على ولده، ودعوة المظلوم)؛ فهذه الدعوات الثلاث يقسم عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهن مستجابات لا ترد.

    وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم كذلك أنه قال: (للصائم دعوة لا ترد)، وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب).

    فضل الضراعة إلى الله

    وإن الله سبحانه وتعالى يقدر ما شاء من قدره؛ ليرفع إليه عبيده أيديهم بالضراعة، وهو الحكيم الخبير؛ فكل أمره إنما هو لحكمة بالغة: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23] ولابد من الإيمان بقدره اللازم، ولابد أن يجأر إليه العباد بالضراعة في كل الأحوال، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إذا أحس العباد بالاستغناء؛ فإن الاستغناء سبب لحصول ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال الله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى[العلق:6-7] ، وقال تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ[الشورى:27] .

    وإن الله سبحانه وتعالى ينبه عباده على الضراعة إليه ودعائه وذكره بما يبتليهم به من أنواع البلاء، فإذا مدوا أيدي الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى، حقق ما كان قدر، وإنه هو الحكيم الخبير: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23] .

    وكثيراً ما يحال بين المرء وبين الرزق وغير ذلك مما يقدره الله، حتى يجأر إلى الله ويدعوه، وقد قال الله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأنعام:43] .

    وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة في الصحيحين أنه قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبَّان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم.

    ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ لا إله إلا الله يفعل ما يريد!!).

    فلابد من إخلاص العبودية لله سبحانه تعالى والضراعة إليه بالدعاء وذلك سر استجابته، وإن الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وإن عطاءه غير محظور، وقد قال فيه: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا[الإسراء:20] ، يعطي عبده قبل المسألة، ويعطيه إذا سأل، ويضاعف له بما لا تبلغه فكرته، وقد قال تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[السجدة:17] .

    وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، فهذا لا يمكن أن يدعو العباد به ولا أن يسألوه؛ لأنه لا يخطر على قلوبهم، ولا يمكن أن تراه أعينهم، ولا أن تسمع به آذانهم، لكن الله يبتدئهم بكرمه وجوده وإحسانه سبحانه وتعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087498114

    عدد مرات الحفظ

    772681188