إسلام ويب

سلسلة الأسماء والصفات [5]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لله تعالى صفات مذكورة في الكتاب والسنة، وقد خالف في إثباتها المشبهة والمعطلة، وقد ذكر أهل السنة قواعد ترد على الفرقتين، وتبين الطريقة السليمة في إثبات صفات الله الذاتية والفعلية من غير انحراف.

    يقول الشيخ حفظه الله:

    [وما نقول في صفات قدسه فرع الذي نقوله في نفسه]

    الرد بالقاعدة على المشبهة والمعطلة

    هذا شروع في وضع قواعد لتوحيد الأسماء والصفات، وهذه القواعد أهمها قاعدتان:

    أولاهما: أن القول في الصفات كالقول في الذات، وهذه القاعدة هي التي نظمها في هذا البيت بقوله:

    (وما نقول في صفات قدسه فرع الذي نقوله في نفسه)

    أي: إن الكلام في صفاته مثل الكلام في ذاته، وهذه مزيلة لكل إشكال، سواء كان من جهة المعطلة أو من جهة المشبهة:

    أما من جهة المعطلة: فإنهم يثبتون له نفساً هي الذات عندهم، وهم يعرفون أن للمخلوق ذاتاً ومع ذلك لا يقتضي إثبات أن له ذاتاً وأن للمخلوق ذاتاً التشبيه قطعاً عندهم! فما الفرق بينها وبين الوجه واليدين والعين والقدم والساق؟! لا فرق، وهم إنما نفوا الصفات فراراً من التشبيه، فلماذا لم ينفوا الذات كذلك فراراً من التشبيه؟ وأما من ناحية التشبيه: فإن المشبهة سبب غلطهم هو فهمهم لهذه الصفات على مقتضى مشابهتها للمخلوق، ومع ذلك فهم يثبتون لله ذاتاً ولا يشبهونها بذوات المخلوق فما الفرق؟ أي: إذا كانوا يؤمنون بأن له ذاتاً لا تشبه ذوات المخلوقين، ولا ينبغي لها أن تشبه أي شيء، فلماذا يشبهون صفاته بصفات الخلق؟ فالقول في الصفات كالقول في الذات، فهذه القاعدة من أهم القواعد في هذا الباب؛ لأنها قاضية على الاتجاهين معاً، وهي أبلغ شيء في رد هذه الانحرافات التي تنشأ في هذا الباب.

    قوله: (فما نقول في صفات قدسه) أي: في صفاته المقدسة، والقدس بمعنى الطهارة والنزاهة، يقال تقدس بمعنى تطهر، ويطلق ذلك على الله سبحانه وتعالى للدلالة على تنزهه عن كل نقص، فهو المنزه عن كل نقص.

    وأضاف الصفات إلى القدس لتعظيمها؛ لأن هذه الصفات مقتضية لإثبات الكمال ولنفي النقص؛ فلذلك كانت صفات قدس.

    قوله: (فرع الذي نقوله في نفسه) أي: مرتب عليه فهو فرع عنه؛ لأننا إذا أثبتنا أن له نفساً مخالفة لأنفس المخلوقين، فكذلك نثبت له ما أثبته لنفسه من الصفات التي تخالف صفات المخلوقين، ولا تشبهها بوجه من الوجوه.

    ورتب على هذه القاعدة قوله:

    [فإن يقل جهميهم كيف استوى كيف يجيء فقل له كيف هو]

    أي: إذا قال المعطل وهو الذي يسمى بالجهمي نسبة إلى الجهم بن صفوان: كيف استوى؟ معناه: سأل عن الكيف في صفات الذات: كيف الوجه، أو اليدين، أو العين؟ أو سأل عن الكيف في الصفات الفعلية كالمجيء والاستواء والنزول ونحو ذلك؟ فجوابه أن يقال له: كيف هو؟ أي: لماذا لا تطلب الكيف في ذاته وتطلب الكيف في صفاته؟

    فهو لا يمكن أن يوجه إلينا سؤالاً عن كيفية ذاته؛ لأنه مؤمن بها مسبقاً، وإنما أشكل عليه إثبات هذه الصفات التي جنسها في الاسم ثابت للمخلوق؛ فلذلك إذا أعيد عليه السؤال فسئل عن كيفية ذاته فإنه يقول: أنا أؤمن بأن له ذاتاً لكني جاهل بكيفيتها، فيقال: كذلك آمنت بأن له هذه الصفات وأنت جاهل بكيفياتها.

    وكلام السلف في نفي الكيف المقصود به: نفي استيعابه وإدراكه، وإلا فالكيف من المقولات اللازمة لكل صفة.

    صفات المخلوقين تقتضي السؤال عن عشر مقولات والخالق بخلاف ذلك

    والصفات أياً كانت فإنها في إثباتها تقتضي عشر مقولات، هذه المقولات هي التي تسمى:

    مقولة الملك، ومقولة التملك، ومقولة الفعل، ومقولة الانفعال، ومقولة الكيف، ومقولة الكم، ومقولة الأين، ومقولة المتى، ومقولة الإضافة، ومقولة التصور، فهذه عشر مقولات وهي التي نظمها أحد المناطقة في قوله:

    زيد الطويل الأزرق ابن ملك في بيته بالأمس كان متكي

    في يده غصن لواه فالتوى فهذه عشر مقولات سوا

    فالكيف معناه: السؤال عن الهيئة.

    والكم معناه: السؤال عن القدر.

    والمتى معناه: السؤال عن الوقت.

    والأين: السؤال عن المكان.

    والتصور: السؤال عن الحقيقة.

    ومقولة الملك معناها: السؤال عن الحيازة.

    ومقولة الفعل معناها: السؤال عن التصرف.

    ومقولة الانفعال معناها: السؤال عن التأثر.

    ومقولة الإضافة معناها: السؤال عن نسبة غيره إليه.

    وهذه المقولات لا يمكن إدراك أي تصور إدراكاً كاملاً إلا بها، ولكن فيما لا يمكن أن يحاط به في التصور لا يمكن أن يؤتى بجواب هذه المقولات؛ فلذلك لا توجه إليه سبحانه وتعالى فإنه لا يسأل عن كيفه، ولا عن كمه، ولا عن متاه، ولا عن أينه، وإذا سئل عن الأين فالمقصود بذلك إثبات صفة العلو فقط، دون أن يزعم أن له جهة تحده وتحيط به فالإحاطة في حقه ممنوعة؛ لأنه هو الذي خلق الجهات، وكذلك الكم لا يسأل عنه فهو الكبير المتعال ولا يمكن أن يتصور المخلوق كمه؛ لكن لا يقتضي هذا أن ننفي هذه المقولات أصلاً، فلا يقال: لا كيف له، أو لا كم له، أو لا أين له، أو لا متى له، لكن يقال: لا يحيط به شيء من هذه المقولات ولا نعلمها نحن.

    لكن لو كشف الحجاب عنا فرأينا وجهه سبحانه وتعالى كما نرى القمر ليلة البدر لا نضام في رؤيته، فإن الكيف سيفهم بعضه، ولا يمكن أن تحيط به الرؤية لكن تعرف بعض الكيف؛ ولهذا فإن ما قاله الإمام أحمد فيما يتعلق بالكيف قال: (أمروها وأقروها ولا كيف ولا معنى)، فمقصوده بلا كيف: لا تسألوا عن الكيف، ومقصوده بلا معنى: لا تخوضوا في معناها، وإلا فلها معنىً ولها كيف، ولذلك قال مالك رحمه الله للذي سأله عن الاستواء: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا صاحب سوء، فأخرجوه عني) فأثبت الكيف ونفى العلم به، فالكيف موجود لكن المعنى نجهله.

    ( فإن يقل جهميهم ) أي: جهمي المعطلة المعترض منهم أياً كان ( كيف استوى؟ كيف يجيء؟) أو يسأل عن كيف أي صفة من الصفات، (فقل له: كيف هو؟) أي: اسأله عن كيف ذاته فإنه سيبهت بذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087509459

    عدد مرات الحفظ

    772759023