إسلام ويب

الدعاء والتوسل والاستغاثةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله عباده أن يدعوه ووعدهم بالإجابة، وعلمهم الأسباب التي تجعل دعاءهم مستجاباً، ومنها التوسل إليه بأسمائه وصفاته وبالأعمال الصالحة ودعاء الصالحين، ولكن أدخل الناس في ذلك أموراً في التوسل بالأشخاص ونحو ذلك مما فيه خلاف، وأولى للمسلم اجتنابه لأنه قد يكون وسيلة إلى الشرك.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيقول الشيخ حفظه الله تعالى:

    (وبالربوبية وحدوه فهو الذي تعنو له الوجوه)

    تعريف الربوبية عند العرب

    هذا شروع في ذكر توحيد الربوبية، وهو على التقسيم الذي ذكرناه يُعَدُّ القسم الثالث من أقسام التوحيد، والمقصود به: إثبات الربوبية لله تعالى ونفيها عن كل ما عداه.

    والربوبية: مصدر صناعي من رَبَّ الشيء يَرُبُّهُ إذا كان مهيمناً عليه مسيطراً.

    والعرب تشتق من هذه المادة أربعة أفعال، فيقال: رَبَّهُ يَرُبُّهُ إذا استولى عليه، ومنه قول صفوان بن أمية يوم حنين: فلأن يربّني رجل من قريش خير من أن يربّني رجل من هوازن.

    ويقال: رباهُ يربِّيه لنفس المعنى؛ لكنها تشير إلى إيصاله إلى كماله بالتدريج شيئاً فشيئاً، ومنه قول الشاعر:

    وربيته حتى إذا تم واستوى كمخة ساق أو كمتن إمام

    قرنت بحقويه ثلاثاً فلم يزغ عن القصد حتى بصرت بدمام

    ويقال: رببه يرببه لنفس المعنى أيضاً، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :

    بيضاً مرازبة غلباً أساورة أسداً ترببن في الغيضات أشبالاً

    ويقال: ربته يربته. بإبدال إحدى الباءين تاءً مثناة، وهو الفعل الرابع، ومنه قول الشاعر:

    ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بجمهور حزوى حيث ربتني أهلي

    بلاد بها نيطت عليَّ تمائمي ومزقن عني حين تم بها عقلي

    (حيث ربتني أهلي) بمعنى: رباني أهلي.

    تعريف الربوبية في الاصطلاح

    والربوبية في الاصطلاح معناها: الخلق والتدبير، فنسبة الربوبية إلى الله معناها: نسبة كل الخلق إليه وتدبير ذلك الخلق، فلا خالق لشيء سواه، ولا مدبر له، ولا مالك له غيره، فلهذا قال: (وبالربوبية وحّدوه)؛ فهذا يقتضي إثبات الربوبية له، ونفي الربوبية عن كل ما سواه.

    ويطلق الرب على المهيمن والمسيطر مطلقاً في اللغة وفي الاصطلاح، ومنه يقال: رب البيت، وكذلك يطلق على الشهيد الذي يحفظ ولا يفوته شيء، ومنه قول الحارث بن حلزة اليشكري : وهو الرب والشهيد عليهم أي: الحافظ الذي يحفظ عليهم أعمالهم ولا يفوته شيء منها, وكل هذا من صفات الربوبية؛ لأن الربوبية تقتضي عدداً من الصفات منها:

    القِدم والبقاء والقيومية والتدبير والملك والجبروت والعظمة، وكذلك تقتضي الربوبية من الصفات السالبة المنفية: الوحدانية والغنى المطلق والمخالفة للحوادث، وأنه لا تأخذ سنة ولا نوم، فكل هذا تقتضيه الربوبية.

    العلاقة بين توحيد الربوبية وغيره من أنواع التوحيد

    والإيمان بالله سبحانه وتعالى بأنواع توحيده الثلاثة مترابطة بعضها يكمل بعضاً، فالربوبية من لوازمها توحيد العبودية الذي سبق، وكذلك توحيد الأسماء والصفات الذي سبق؛ لأن الربوبية تستلزم هذه المعاني التي ذكرناها، فلا يمكن أن يكون رباً لما سواه إلا إذا كان قديما باقياً موجوداً متصفاً بالصفات التي ذكرناها.

    (بالربوبية وحدوه) أي: أثبتوها له وانفوها عما سواه، فهذا يجمع بين النفي والإثبات.

    (فهو الذي تعنو له الوجوه) معناه: فهو وحده الذي تعنو له الوجوه، أي: يحشر الناس إليه يوم القيامة، فهو وحده الذي يقبض السماوات والأرضين بيمينه ويهزُّهن ويقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ولذلك قال الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[الزمر:67] ، وهذا هو غاية الربوبية، إذ غايتها إذعان الناس جميعاً إليه يوم القيامة بحيث لا يخالف أمره أي أحد، ولا يستطيع أحد أن يتأخر ولا أن يغيب ولا أن يعتذر بأي عذر من الأعذار، وهو سبحانه قبض السماوات والأرضين بيمينه وهزهن؛ فلذلك قال هنا: (فهو الذي تعنو له الوجوه).

    ولذلك حين ذكر الله سبحانه وتعالى مشاهد القيامة قال: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا[طه:111] ، وهذا يقتضي مذلة الوجوه لوجهه الكريم، ففي الدنيا إنما تذل له وجوه عباده الموحدين، فهم الذين يسجدون له، وأما يوم القيامة فتعنو له جميع الوجوه وتذل، فكل وجه يذل لوجه الله سبحانه وتعالى.

    وهذا دليل على تمام ربوبيته، لكنه كذلك مثبت لأمر آخر، ومشهد من مشاهد القيامة، وهو أن تعنو جميع الوجوه لله سبحانه وتعالى، وهو المذكور في قوله: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا[طه:111] ، وقد رتب الشيخ ذلك على الربوبية بقوله: (فهو الذي تعنو له الوجوه).

    والوجوه جمع وجه، وهو ما يقابلك ممن واجهته، فيشمل ذلك وجوه الخلائق كلها بهائمها والجمادات والأموات، ولهذا تقول: هذا وجه الجبل، وهذا وجه الكتاب، وهذا وجه فلان. فالمقصود به ما يواجهك أياً كان؛ ولذلك فهذا يشمل وجوه الكائنات الحية والجمادات وغيرها، فكل تلك الوجوه تعنو له.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087507838

    عدد مرات الحفظ

    772751574