إسلام ويب

فضل العشر الأواخرللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خص الله تعالى شهر رمضان بالتنافس بين المحبين إليه بالأعمال الصالحة، وخص العشر الأواخر منه بمزيد عناية؛ ففيه ليلة القدر، من وفق لقيامها فقد ازداد عمره وغفر ذنبه، ومما يؤدي إلى إتقان هذا التنافس إدراك الإنسان لحال السلف الصالح في هذه العشر، وعلى رأس هؤلاء النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان إذا دخلت العشر أحيا ليله وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

    فإن المؤمن المصدق بوعد الله تعالى وبمصيره إليه محب لحسن الخاتمة، ولا يرضى أن يكون من الذين يردون إلى أرذل العمر أو يقلبون في شر منقلب، بل يريد أن يكون من الذين ختامهم أحسن من بدئهم؛ ولذلك لابد أن يحرص على الازدياد من الخير في أخريات العمر، ومثال ذلك أخريات المواسم ونهاياتها، فقد صح في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وكان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها )؛ ولذلك خص الله تعالى هذا الموسم العظيم الذي هو شهر رمضان بهذا التنافس بين المحبين لما عند الله والراغبين فيما عنده، والمتقربين إليه بالأعمال الصالحة.

    وخص العشر الأواخر منه بمزيد عناية؛ ففيها ليلة القدر كما صح في الصحيح: ( أن عدداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت أنها في السبع الأواخر من رمضان، فمن كان يلتمسها فليلتمسها في السبع الأواخر منه )، وفي الصحيح كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان )، وفي صحيح مسلم أنه قال: ( التمسوا ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر من رمضان )، وهذا كله يدل على أن أرجى أوقاتها هذه العشر، وأن أرجى العشر أيضاً السبع الأواخر منها، وأن أرجاها الأوتار، فأوتارها هي أرجاها؛ ولذلك هي ربح عظيم؛ لأن الإنسان حريص على زيادة العمر؛ ولهذا يتعالج إذا مرض ويجري العمليات الجراحية المعقدة من أجل الشفاء من أي مرض لرغبته في زيادة عمره ولو بمدة يسيرة.

    وليلة القدر من وفق لقيامها فإنه يزداد عمره بمدة طويلة، وهذه المدة أقلها ثلاث وثمانون سنة وستة أشهر؛ لأنها خير من ألف شهر، فأقل ما تزيد به ليلة القدر العمر ثلاث وثمانون سنة وستة أشهر، وهذا في حق أقل الناس تضعيفاً، أما من سواهم فيمكن أن يضرب له هذا في ألف مثلاً؛ فيكون عمره كأعمال الأولين كأعمار الذين في عصر نوح ومن قبله، ويكون كالذي أنفق عمره كله في طاعة الله، ولم يجعل شيئاً منه في غير ذلك.

    وقد صح في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؛ فذكر أنها أخفيت، وأن ذلك عسى أن يكون خيراً لهذه الأمة، وما ذلك إلا لطلب المنافسة؛ فيقصد أن يتنافس الناس في طلب الخير؛ ولهذا أخفى الله ليلة القدر، وكان بالإمكان أن يجعلها بارزة بالنص، وأن يعينها، لكنه أخفاها ليزداد التنافس بين المؤمنين الراغبين فيما عند الله، وليصدقوا عزمهم ويصدقوا إيمانهم، فهذا العزم وهذا الإيمان إذا لم يصحبه عمل يصدقه ذهبت به الريح، ولذلك لابد أن يكون الإنسان مصدقاً لزعمه ولدعواه، وتصديق ذلك لا يكون إلا بالعمل الجاد، وقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ[المؤمنون:60-61].

    وقد أخرج الترمذي وغيره بإسناد حسن عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ( أرأيت لو وفقت لليلة القدر ما أقول فيها؟ فقال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )، وفي رواية زيادة الثناء: ( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو، فاعف عني )، وقد ورد عن فاطمة رضي الله عنها أيضاً سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دعاء تقوله في ليلة القدر إذا وفقت لها؛ فقال لها مثل ما قال لـعائشة :( اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني ).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087498113

    عدد مرات الحفظ

    772681182