إسلام ويب

شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [2]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • غسل الجنابة ليس على الفور، ولذلك يجوز للجنب أن يرقد دون أن يغتسل، وكذلك الوضوء من الحدث أيضاً، إذا أحدث الإنسان لا يجب عليه الوضوء على الفور، بل هو على التراخي، إنما يجب عليه عند قصد الصلاة أو الطواف أو ما يشترط له الوضوء، وكذلك الغسل لا يجب على الإنسان إلا عند قصد ما يجب له الغسل؛ كالصلاة والطواف وقراءة القرآن.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    الترجمة التي بين أيديكم كتب فيها: (باب: مبيت الجنب إذا توضأ)، وليست هذه الترجمة من تراجم البخاري في الصحيح، ولعل الإخوة وجدوها في بعض الطبعات وليست هي من تراجم الصحيح، فالترجمة هي: (باب: نوم الجنب)، أورد فيها البخاري هذا الحديث الذي بين أيديكم، وهو من حديث ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد جاء ما يدل على أنه من رواية ابن عمر، عن عمر، فيكون من مسند عمر، وجاء في بعض الروايات: (عن ابن عمر، أن عمر سأل) وهي التي بين أيديكم، فيكون من مسند ابن عمر لا من مسند عمر.

    عن ابن عمر: (أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب)، هذا الحديث- كما ذكرنا- جاء من رواية ابن عمر، عن عمر، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون من مسند عمر بن الخطاب، وجاء في هذه الرواية التي بين أيدينا: عن ابن عمر، أن عمر سأل... وظاهرها في السياق أن ابن عمر شهد عمر حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فيكون في مسند عبد الله بن عمر، ولا فرق من ناحية الصناعة أو من ناحية الصحة بين ما لو كان من مسند عمر أو كان من مسند ابنه عبد الله.

    ترجمة عمر بن الخطاب

    وعمر بن الخطاب رضي الله عنه هو: أبو حفص عمر بن الخطاب بن عمرو بن نفيل بن عبد الله بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن قيدار بن نبت بن حمل بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر بن فالغ بن عابر بن أرفخشذ بن متوشلخ بن سام بن نوح بن لامك بن إزلائيل بن يارد بن أخنوخ بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام، وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن عامر بن فهر بن مالك... إلى آخر النسب.

    وقد كان من سادة بني عدي في الجاهلية، وهم قادة قريش وسفراؤها الذين يكلمون الملوك، وكان من الذين ناصبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العداء عند أول بعثته، وكان شديداً على المسلمين، فهداه الله للإسلام فأسلم، وقد أسلم قبله من رجال مكة أربعون رجلاً، فأسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك في دار الأرقم، وكان إسلامه على يد أخته فاطمة بنت الخطاب، وهي زوجة ابن عمه سعيد بن زيد رضي الله عنهم أجمعين، ومنذ ذلك الوقت أعز الله الإسلام بـعمر بن الخطاب، وكان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أصدقهم إيماناً، وقد جاء وصفه في القرآن بصالح المؤمنين، كما قال الله تعالى: إِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ[التحريم:4]، وهذه تزكية من الله سبحانه وتعالى لـعمر بن الخطاب، وهو من السابقين الأولين من المهاجرين، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره مع نفسه وأبي بكر دائماً، كما في حديث ابن عباس في صحيح البخاري: (أنه كان ممن حمل جنازة عمر، فإذا رجل وضع يده على منكبي وقال: رحمك الله، لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خرجت أنا وأبو بكر وعمر، وأتيت أنا وأبو بكر وعمر)، وكذلك شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان في غيبته، فقد حدث أصحابه: (أن رجلًا كان يحرث على بقرة فقالت: ما خلقت لهذا، فقال الناس: سبحان الله! بقرة تكلمت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكني أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر)، وشهد له بالجنة بالتعيين في كثير من المشاهد، شهد له فيها بها- أي: بالجنة- في جملة أهل بدر، وفيمن بايع تحت الشجرة، وفي العشرة المبشرين، وهو أفضل هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وهذا محل اتفاق بين أهل السنة لا يختلفون فيه، وقد تولى الخلافة بعد أبي بكر بترشيح منه وبيعة من المسلمين، ومكث في الخلافة عشر سنين وأشهراً، وحمدت سيرته وضاعف الرقعة ونصر الملة، وتحقق به ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ثلاث مرائي مبشرات لـعمر بن الخطاب:

    الرؤيا الأولى: قال: (رأيت أني واقف على فم بئر وبيدي دلو بكرة، فنزعت بها ما شاء الله أن أنزع، ثم تناولها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبًا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يرحمه، ثم تناولها ابن الخطاب فاستحالت غربًا، فلم أر عبقريًّا يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن).

    والرؤيا الثانية: هي قوله صلى الله عليه وسلم: (رأيت أني أعطيت قدحًا من لبن، فشربت منه حتى رأيت الري يخرج من تحت أظافري، ثم ناولت فضلي عمر بن الخطاب، قيل: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم).

    والرؤيا الثالثة: هي قوله صلى الله عليه وسلم: (رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قيل: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين)، فتحققت رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمر حين أخذ الدلو فاستحالت غرباً فلم أر عبقريّاً يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن.

    وهو من أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر أهل العلم ستة من الصحابة اجتمع فيهم علم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: رووا عنه علمه، ومنهم عمر بن الخطاب، وهو من الذين بلغوا رتبة الاجتهاد من الصحابة، وهم ثمانية عشر ما بين رجل وامرأة عند ابن حزم، وقد أوصلهم النسائي إلى اثنين وعشرين، قال: (كل من روي عنه الإفتاء أو الاجتهاد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعدون اثنين وعشرين)، وقد عدهم النسائي في رسالته، وعدهم ابن حزم ثمانية عشر ما بين رجل وامرأة.

    وابن عمر سبقت ترجمته، وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأمه زينب بنت مظعون، وسبق أنه أسلم بمكة قبل الهجرة وهو صغير، وهاجر به أبواه إلى المدينة، وكان من أشد الناس اتصالاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحبه حبّاً شديداً، وقد شهد له بالجنة، وزكاه فقال: (نعم العبد عبد الله، لو كان يقوم من الليل)، فلم يترك عبد الله بعد قيام الليل، وكان من أشد الصحابة تمسكاً بالسنة، ومن أشدهم حرصاً على كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثق به، ويكل إليه الأمور، وهو قد عمر حتى لم يبق على وجه الأرض أفضل منه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن الصحابة الكبار الذين شهدوا بدراً قد ماتوا جميعاً في حياته، فعاش هو بعدهم، وهو بايع تحت الشجرة، ولكنه لم يشهد بدراً، وترتيب الفضل في هذه الأمة هو الذي نظمه السيوطي رحمه الله في الكوكب الساطع إذ قال:

    وأفضل الأمة صديق يلي

    أي: يلي النبي صلى الله عليه وسلم.

    فعمر فالأموي

    وهو عثمان.

    فعلي

    فسائر العشرة

    أي: بقية العشرة المبشرين.

    فالبدرية

    أي: الذين شهدوا بدراً.

    فأحد

    أي: الذين شهدوا أحداً.

    فالبيعة الزكية

    أي: أهل بيعة الرضوان.

    وابن عمر استصغر يوم بدر، وكان عمره إذ ذاك أربع عشرة سنة، ورد النبي صلى الله عليه وسلم كل من كان دون الخامسة عشرة من عمره، وشهد ابن عمر ما بعد أحد من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتخلف عنه في غزوة غزاها بعد ذلك.

    نوم الجنب بدون اغتسال

    وعمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أيرقد أحدنا)؛ أي: ينام، (وهو جنب...)؛ أي: لم يغتسل من جنابته، قال: (نعم)؛ أي: قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم)، فأقره على ذلك؛ أي: يجوز للجنب أن يرقد دون أن يغتسل، وهذا يدل على أن الغسل من الجنابة ليس على سبيل الفور، بل يجوز تأخيره، ومثل ذلك: الوضوء من الحدث أيضاً، إذا أحدث الإنسان لا يجب عليه الوضوء على الفور، بل هو على التراخي، إنما يجب عليه عند قصد الصلاة أو الطواف أو ما يشترط له الوضوء، وكذلك الغسل لا يجب على الإنسان إلا عند قصد ما يجب له الغسل؛ كالصلاة والطواف وقراءة القرآن.

    و(نعم) جواب للذي قبلها، وهو هنا إثبات، ومعنى ذلك أنه يحل للجنب أن ينام، ثم قال: (إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب)، هذا استئناف وهو جملة مستقلة، ليست تابعة لسابقتها، والفرق في المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم لو قال: (نعم إذا توضأ) كان هذا شرطاً في نومه؛ أي: لا يحل له أن ينام إلا إذا توضأ، لكنه عندما فصل تلك الجملة فقال: نعم، ثم استأنف جملة أخرى، فقال: (إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب)، وهذه جملة مستأنفة دلت على أنه يُندب له الوضوء لأجل النوم، ولأجل الأكل، ولكن لا يجب عليه، فليست مرتبة ترتيب الجواب على الشرط، بل هي جملة مستقلة قال فيها: (إذا توضأ أحدكم..)، وهو الوضوء كالوضوء للصلاة، ولكنه لا يرفع حدثاً، ولا يستباح به شيء مما يستباح بالغسل أو نحوه، وهذا الوضوء هو لتخفيف الجنابة، وقد اختلف أهل العلم هل الحدث يتجزأ أم لا؟ كمن غسل وجهه فقط بنية رفع الحدث عن وجهه، ثم انقطع عن وضوئه، فهل ارتفع الحدث عن وجهه فقط؟ وهكذا في كل أجزائه، هذا محل خلاف بين الفقهاء، ومعتمد الذين يرون تجزئة الحدث هذا الحديث؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب أن يتوضأ، ومن المعلوم أن الوضوء لا يرفع الجنابة، لكنه يخففها ويقللها.

    ومع ذلك فهذا الوضوء له خصائص عن غيره من الوضوء، من أعظم خصائصه: أنه لا ينقضه شيء من النواقض إلا الجماع؛ لأنه وضوء لتخفيف الجنابة فقط؛ فلذلك لا ينقضه البول ولا النوم ولا أي ناقض آخر إلا الجماع، كذلك منها: أنه إذا توضأ ثم غسل فرجه لم ينتقض وضوءه بالاتفاق بين الذين يرون أن مس الفرج ناقض للوضوء والذين لا يرون ذلك، وقد سبق ذكر الخلاف في هذه المسألة، (إذا توضأ أحدكم فليرقد)؛ أي: فلينم إن شاء، (وهو جنب)؛ أي: جنابته باقية عليه لا يرفعها هذا الوضوء.

    وإن كان عاجزاً عن الوضوء، فهل يتيمم للنوم؟ جمهور أهل العلم يرون أنه يتيمم للنوم؛ لأن الله جعل التيمم بدلاً عن الوضوء في حق فاقد الماء والعاجز عن استعماله، فقد قال الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ[المائدة:6]، فقد جعل الله التيمم بدلاً عن الوضوء في حق فاقد الماء والعاجز عن استعماله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087496382

    عدد مرات الحفظ

    772674514