إسلام ويب

مقدمات في العلوم الشرعية [40]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الآداب الشرعية ما يتعلق بالعادات التي يتعود عليها أهل الأمصار وأهل المناطق، وتنقسم إلى قسمين: عادة مقبولة شرعاً، وهي التي لا تخالف أمراً شرعياً، وهذه لا حرج فيها لكنها غير ملزمة للناس، ولا ينبغي أن يؤسر بها الإنسان أسراً، فيكون عبداً لها، والقسم الثاني: ما خالف أصلاً شرعياً أياً كان، فهذا منبوذ مردود أصلاً، ولا يوجد من جمع الآداب الشرعية كلها، ولكن التوجه اليوم السائد، هو وضع الموسوعات العلمية في الفنون المختلفة، وأما الكتب التي تضع القواعد والضوابط لكسب الأصدقاء، والتأثير في الناس، ونحو ذلك، وأكثرها مترجمة من كتب الغربيين، فهذه ترجمتها فيها فوائد، لكن مع ذلك لا ينبغي الإيغال فيها وتسليم كل ما فيها من الأمور، فلنا بدائل شرعية كثيرة عنها.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    ولا زلنا في الآداب الشرعية، ونتناول هنا العادات، والعادات التي يتعود عليها أهل الأمصار وأهل المناطق تنقسم إلى قسمين: عادة مقبولة شرعاً، وهي التي لا تخالف أمراً شرعياً، وهذه لا حرج فيها لكنها غير ملزمة للناس، ولا ينبغي أن يؤسر بها الإنسان أسراً، فيكون عبداً لها مملوك بها، فذلك من تشريع ما لم يأذن به الله، وقد قال الله تعالى: أَمْ لَهمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ [الشورى:21].

    القسم الثاني: ما خالف أصلاً شرعياً أياً كان، فهذا منبوذ مردود أصلاً، كما قال العلامة محمد مولود رحمه الله:

    فالعرف إن صادم أمر الباري وجب أن ينبذ بالبراري

    إذ ليس بالمفيد جري العبد بخلف أمر المبدئ المعيدي

    فجريان العادة بما يخالف أمر المبدئ المعيد ليس بمفيد.

    والنوع الأول الذي هو العادة الجائزة: منها ما يكون محكماً شرعاً، وهو ما يتعلق بالتعامل، فما جرت به عادة التجار من الشروط، وما يفعله البائع من تجهيز المبيع وحمله، أو أدائه، فذلك كالمشروط شرطاً، وهذا معنى القاعدة: العادة محكمة، ليس المقصود به كل عادة، ولا في كل الظروف إنما المقصود به فيما يتعلق بالتعامل بين التجار، بين الناس والبيع والشراء، فما كان يدخل في شبه الشرط أصبح معهوداً مألوفاً بين الناس يصبح كالشرط فيكون ملزماً، وهذا محله ما لم يخالف الشرع.

    بالنسبة للإيغال في مثل هذا النوع هو بحسب النية إلا محالة، إذا كان الإنسان يغشى البيئات المترفة جداً، ويريد التأثير فيها، وكان يأتيها بشكل مقزز عندهم يعرضون عنه، هذه لا شك أنه من المنكرات التي لا تجوز هذا المقصود، وهذا الذي يتكلم عنه الدعاة فيما يتعلق بآداب الهيئة، ونحو ذلك مثل هيئة اللباس، وهيئة ترتيب الأمور، فإنما يتكلمون عن ذلك فيما يتعلق بتلك البيئات التي أسرفت في هذا النوع، ولو أتاها الإنسان بما هو مقزز عندهم ومخالف للسائد لديهم سيكون منفراً لهم، فلابد أن يغشاهم الإنسان في زيهم، وأن يأخذ لهم ذلك، ومن دخل وهو...، كما قال العرب، لكن مع ذلك لابد أن يعلم الإنسان أن هذه الأمور هي لأهل الدنيا المؤمنين فيها، الذين ما لهم في الآخرة من خلاق، ومن هنا فلا ينبغي أن يتساهل هو مع نفسه، فيما يتعلق باللون، ولون النظارة، ولون الساعة، ولون الجزمة، وانسجام الجميع.

    فكل ذلك إلى زوال، أليس سيوضع في الأكفان يدرج فيها، ويوضع في الغبراء تحت الجنادل والتراب، فلذلك لابد أن ينظر الإنسان إلى الدينا بنظرة مقتصد، نعم لا شك أن الجمال والنظافة أمور محمودة شرعاً لكن بقدرها، فأجمل الناس وأنظفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعرفون لباسه، وتعرفون فراشه، وحتى الغرف التي كان يسكن فيها إذا وقف الرجل لامست يده سقفها، وكان يضطجع على حصير يؤثر فيه في جنبه.

    فلذلك لابد أن نعلم أن هذه الدنيا لابد فيها من اقتصاد، والإيغال فيها مضرته على القلوب، لا حصر لها ولا نهاية.

    بالنسبة للذين يعملون في المكاتب ويعملون في التدريس ونحو ذلك من المهم جداً أن يستعملوا الآلات والوسائل التكنلوجية والآلات المبتكرة الحديثة التي تستغل، ومثل ذلك ترتيب المكاتب وهيئاتها، وهو داخل في جنس النظافة المحمودة شرعاً، فذلك لا يدخل فيما نتكلم فيه من الإيغال في الدنيا، ولهذا يقول أحد العلماء:

    لا ألوم من لا يملك راحلة، لكني ألوم من لا يملك نعلاً لسهولة إدخال النعلين، ولا ألوم من لا يملك ثوباً جديداً، لكن ألوم من يدع ثوبه متوسخاً؛ لأنه يستطيع تغيير ذلك وإزالته، ومن هنا فالقدر الوسط من هذا هو المطلوب شرعاً، محمد مولود رحمه الله يقول في اللباس:

    ثم لباس الشرع تعتريه الأحكام حتم منه ما يقيه.

    إلى أن يقول:

    لباس موسر لباس معسري شح

    وضد سرف ثوب السري على الدري خيلاء

    والضد مهانة والمستجاب القصد وسط

    والعلماء يندب حسن زي لهم ليعظموا لكف الغي

    وحسنه يندب للمصلي

    أي للإمام

    ولمؤذن وذات البعلي.

    فهذه آداب مرعية شرعاً منصوصة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087498185

    عدد مرات الحفظ

    772681610