إسلام ويب

شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [11]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • طلب العلم من العبادات التي من أجلها بنيت المساجد، ولا يمكن أن يُمنع ذلك في المسجد؛ لأن المسجد مخصص للعبادة، ولا يمكن أن يعبد الله سبحانه وتعالى إلا بعد تعلم ما أمر به، فيشرع الجلوس في المسجد لطلب العلم وعادة السلف التحليق في وقت الطلب وللتحليق أداب منها: ألا يؤذي بعضهم بعضًا، وألا يزاحمه، وأن يكون السابق بادئًا. ويجوز الاستلقاء، وهو: الاضطجاع على الظهر، ويشرع البقاء في المسجد والمكث فيه، ولو لم يكن الإنسان في صلاة.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعد:

    فيقول البخاري رحمه الله: باب: الحلق والجلوس في المسجد.

    عقد هذا الباب للجلوس في المسجد لطلب العلم والتحلق فيه، وهذا معنى (الحلق)، و(الحلق) جمع (حلْقة) بالإسكان، وهذا الفصيح فيها، وقد تحرك؛ أي: قد تفتح، يقال: (حلَقة) نادرًا، والفصيح أن يقال: (حلْقة)، وجمعها (حلقات) بالتحريك، وهي المستدير من المجلس، أو من الجماعة، أو من الحديد، فالحلقة المفرغة معناها: التي لا يدرى أين طرفاها، والمقصود بذلك: أن المسجد بني لهذا، فطلب العلم هو من العبادة التي من أجلها بنيت المساجد، ولا يمكن أن يُمنع ذلك في المسجد؛ لأن المسجد أصلًا مخصص للعبادة، ولا يمكن أن يعبد الله سبحانه وتعالى إلا بعد تعلم ما أمر به؛ ولذلك قال الغزالي رحمه الله: (ما عصي الله إلا عن جهل به، أو بشرعه)، فالمعصية أصلها إما الجهل بالله، كمعصية الذين يعرفون الأحكام، فيتجاسرون على المعاصي، فهم جاهلون بالله؛ ولذلك تجاسروا على معصيته، أو عن جهل بشرعه، كحال عوام الناس وأكثرهم؛ لأنهم يجهلون الأحكام، فمن أجل ذلك وقعوا في المعاصي.

    وقد عرف في تاريخ الإسلام تحلق الناس لطلب العلم، وذلك أنهم جميعًا في الطلب سواء، فلا يكون بعضهم وراء بعض إلا عند الضرورة وضيق المكان، وقد ورد في ذلك عدد من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فقد كان يومًا جالسًا، تحلق أصحابه عليه في المسجد، فجاء ثلاثة نفر؛ فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس وراءهم، وأما الثالث فرجع، (انصرف)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله، فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض، فأعرض الله عنه)، والذي أوى إلى الله فآواه الله: هو الذي دخل في الصف، وهذا يدل على أن صفوف العبادات هي مثل صفوف الصلاة، فوصلها مطلوب، ومن المطلوب أن يجعل الإنسان نفسه مع العابدين الذاكرين الله، فإنه إذا اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، تحفهم الملائكة، وتتنزل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، كما ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم، وغيره: (ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، وهذا يشمل دراسة الأحكام؛ لأن مأخذها من القرآن، فالسنة كلها داخلة في القرآن في قول الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[الحشر:7]، وكذلك العلم كله، ما لدينا من العلم- ونحن في هذه الأمة الأمية- كله مأخوذ من كتاب الله؛ فلذلك كل علوم الدين هي من تدارس القرآن، ما كان منها مأذونًا فيه شرعًا أو مطلوبًا، أما ما كان منهيًا عنه شرعًا، فلا يدخل في حيز ذلك، ومن ذلك الفلسفات المضلة، وما كان فيه اعتداء وتجاوز.

    والمقصود بالجلوس في المسجد؛ أي: لطلب العلم، وقد ورد في الحديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087504169

    عدد مرات الحفظ

    772721498