الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال المصنف رحمه الله: [ الرهون.
باب.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم قال: حدثني الأسود عن عائشة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل، وأرهنه درعه ).
وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي, وفي هذا جواز التعامل في البيع مع اليهود أهل العهد والذمة, وكذلك أيضاً التعامل مع من يتعامل بالحرام إذا تعاملت معه بحلال, ومعلوم أن اليهود يتعاملون بالربا, ويأخذون الرشوة, وغير ذلك من الأمور المحرمة, فإذا كان العقد بينك وبين من يتعامل بالحرام حلالاً, فإن المنظور إليه هو ما بينكما.
وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تعامل مع اليهودي مع أن كثيراً من أصحابه من أصحاب القدرة واليسار والغنى والسعة, ومع ذلك تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع يهودي, وهذا أيضاً فيه إشارة إلى السعة في هذا الباب, وفي معنى آخر أراه, وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما تنكب التعامل مع أصحابه إلى غيرهم, خشية أن يبخسوا أنفسهم, لمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوسهم، وذلك أن الإنسان إذا اشترى منه أحد يعظمه ويجله فإنه يبخس حقه تعظيماً له.
ولهذا نقول: إن الإنسان إذا عظم منزلة فينبغي له ألا يتعامل مع من يستحي منه, وأن يتعامل مع غيره حتى ينصفه من جهة سلعته وحقه, وألا يضع له لأجل منزلته, وهذا من رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفقه بأصحابه, وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الصالح والعالم والداعية والمصلح أيًّا كان, ألا يبيع من جاهه ودينه وعلمه في أمور السلع, حتى توضع له من قيمها, فيتعامل في التعامل لصلاحه أو لدينه, أو لعلمه أو لدعوته, أو لمنصبه, سواء كان والياً أو أميراً أو قاضياً أو غير ذلك من أنواع الولايات, فهذا يشتري بولايته وبعلمه، ولهذا ينبغي لأصحاب الولايات والجاه ألا يتعاملوا مع أحد يبخس حقه لأجلهم.
ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام تعامل في مثل هذا مع اليهود لأن اليهود لا يجاملون في أمور المال, لا يجاملون أنفسهم ولا أقرب الناس إليهم لعظم المال في نفوسهم.
قال: [ حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثني أبي قال: حدثنا هشام عن قتادة عن أنس قال: ( لقد رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي بالمدينة، فأخذ لأهله منه شعيراً ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بطعام ).
حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي قال: حدثنا ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه رهن عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الرهن مركوب ومحلوب.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن زكريا عن الشعبي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الظهر يركب إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب نفقته ) ].
وهذا لا خلاف فيه, وهو أن الرهن إذا كان ينتفع منه, كالمركوب كالذي يرهن مثلاً سيارة, أو يرهن دابة أو شاة, أو بقرة أو نحو ذلك فعليه النفقة ولا حرج عليه من الانتفاع بالمعروف ويضمن، وذلك لانتفاعه منه.
قال المصنف رحمه الله: [ باب لا يغلق الرهن.
حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا إبراهيم بن المختار عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يغلق الرهن ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب أجر الأجراء.
حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره ) ].
ومما لا يختلف فيه عند السلف الصالح في الصدر الأول هو مسألة الضمان في الرهن، فالضمان في الرهن هو الذي عليه عمل الصحابة عليهم رضوان الله, كما حكى ذلك أبو بكر الجصاص.
قال: [ حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي قال: حدثنا وهب بن سعيد بن عطية السلمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) ].
يعني أنه يعطى الحق في نهاية العمل ولا يؤجل بعد ذلك, وفي هذا بيان لموضع إعطاء الحق وهو في نهاية العمل لا قبله ولا يسوف بعده، إلا إذا كان ثمة مصالحة على أن يكون الحق في ذلك بعد انقضاء العمل بشهر أو بشهرين أو ثلاثة أو نحو ذلك، فحينئذ لا حرج بتأجيله.
قال المصنف رحمه الله: [ باب إجارة الأجير على طعام بطنه.
حدثنا محمد بن المصفى الحمصي قال: حدثنا بقية بن الوليد عن مسلمة بن علي عن سعيد بن أبي أيوب عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح قال: سمعت عتبة بن الندر يقول: ( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: طسم[القصص:1]، حتى إذا بلغ قصة موسى قال: إن موسى أجر نفسه ثماني سنين، أو عشراً، على عفة فرجه وطعام بطنه ).
حدثنا أبو عمر حفص بن عمرو قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سليم بن حيان قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لـابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أحطب لهم إذا نزلوا، وأحدو لهم إذا ركبوا، فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الرجل يستقي كل دلو بتمرة ويشترط جلدة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس قال: ( أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم خصاصة، فبلغ ذلك علياً، فخرج يلتمس عملاً يصيب فيه شيئاً ليغيث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى بستاناً لرجل من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلواً كل دلو بتمرة، فخيره اليهودي من تمره سبع عشرة عجوة، فجاء بها إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ).
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حية عن علي قال: كنت أدلو الدلو بتمرة، وأشترط أنها جلدة.
حدثنا علي بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة قال: ( جاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله! ما لي أرى لونك منكفئاً؟ قال: الخمص, فانطلق الأنصاري إلى رحله، فلم يجد في رحله شيئاً، فخرج يطلب، فإذا هو بيهودي يسقي نخلاً، فقال الأنصاري لليهودي: أسقي نخلك؟ قال: نعم، قال: كل دلو بتمرة، واشترط الأنصاري ألا يأخذ خدرة ولا تارزة ولا حشفة، ولا يأخذ إلا جلدة، فاستقى بنحو من صاعين، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب المزارعة بالثلث والربع.
حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبو الأحوص عن طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة. وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرعها، ورجل منح أرضاً فهو يزرع ما منح, ورجل استكرى أرضاً بذهب أو فضة ).
حدثنا هشام بن عمار ومحمد بن الصباح قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: ( سمعت ابن عمر يقول: كنا نخابر فلا نرى بذلك بأساً، حتى سمعنا رافع بن خديج يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فتركناه لقوله ).
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني عطاء، قال: ( سمعت جابر بن عبد الله يقول: كانت لرجال منا فضول أرضين يؤاجرونها على الثلث والربع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت له فضول أرض فليزرعها، أو ليزرعها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه ) ].
وأشهر التعاملات على الأرض هي المزارعة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أشهر تعاملات الصحابة فيما بينهم، وكذلك تعاملات النبي عليه الصلاة والسلام مع اليهود وغيرهم، ولهذا يقول ابن تيمية رحمه الله: هي سنة رسول الله, وإجماع أصحابه, يعني من جهة العمل واستفاضتها من جهة الاسترزاق من الأرض.
قال: [ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، فإن أبى، فليمسك أرضه ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب كراء الأرض.
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبدة بن سليمان وأبو أسامة ومحمد بن عبيد عن عبيد الله- أو قال: عن عبد الله بن عمر- عن نافع: ( عن ابن عمر أنه كان يكري أرضاً له مزارع، فأتاه إنسان فأخبره عن رافع بن خديج: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع، فذهب ابن عمر وذهبت معه، حتى أتاه بالبلاط، فسأله عن ذلك، فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع، فترك عبد الله كراءها ).
حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب عن مطر عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها، ولا يؤاجرها ).
حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا مطرف بن عبد الله قال: حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد أنه أخبره, أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة ).
والمحاقلة: استكراء الأرض ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الرخصة في كراء الأرض البيضاء بالذهب والفضة.
حدثنا محمد بن رمح قال: أخبرنا الليث بن سعد عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس: ( عن ابن عباس أنه لما سمع إكثار الناس في كراء الأرض، قال: سبحان الله، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا منحها أحدكم أخاه. ولم ينه عن كرائها ).
حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه، خير له من أن يأخذ عليها كذا وكذا, لشيء معلوم ).
فقال ابن عباس: هو الحقل، وهو بلسان الأنصار المحاقلة.
حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن حنظلة بن قيس قال: سألت رافع بن خديج قال: ( كنا نكري الأرض على أن لك ما أخرجت هذه، ولي ما أخرجت هذه، فنهينا أن نكريها بما أخرجت، ولم ننه أن نكري الأرض بالورق ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب ما يكره من المزارعة.
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني أبو النجاشي أنه سمع رافع بن خديج يحدث عن عمه ظهير قال: ( نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا رافقاً، فقلت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصنعون بمحاقلكم؟ قلنا: نؤاجرها على الثلث والربع والأوسق من التبن والشعير. فقال: فلا تفعلوا، ازرعوها أو أزرعوها ).
حدثنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن منصور عن مجاهد عن أسيد بن ظهير ابن أخي رافع بن خديج عن رافع بن خديج قال: ( كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أعطاها بالثلث والربع والنصف، ويشترط ثلاث جداول، والقصارة وما سقى الربيع، وكان العيش إذ ذاك شديداً، وكان يعمل فيها بالحديد وبما شاء الله، ويصيب فيها منفعة، فأتانا رافع بن خديج فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم عن أمر كان لكم نافعاً، وطاعة الله وطاعة رسوله أنفع لكم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن الحقل، ويقول: من استغنى عن أرضه فليمنحها أخاه، أو ليدع ) ].
وفي هذا تفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم للأرض, وكذلك حث أصحابه على عدم إبقائها على ما هي عليه, وأهمية الانتفاع بها, فهي إما أن تزرع أو تزارع أو تمنح، وألا تبقى على حالها، ولهذا تعطليها في ذلك تفويت لحق الفقير والمحتاج, وكذلك التاجر والآكل, فإنهم ينتفعون بذلك، وربما يكون صاحب الأرض غنياً عنها, ولا ينظر إلى حاجة الناس في ذلك ممن يريد الانتفاع، وهذا أيضاً من حق الناس على الحاكم أن يتفقد مواضع الأرض التي لا ينتفع منها, وخاصةً ما يتعلق بالزراعة، أن يحث أصحابها على زرعها، أو مزارعتها, أو منحها, ولو إلى آجال قريبة, لمن ينتفع منها بدلاً من تركها على ما هي عليه.
قال: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا إسماعيل بن علية قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق قال: حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير قال: ( قال زيد بن ثابت: يغفر الله لـرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه، إنما أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم وقد اقتتلا، فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع. فسمع رافع قوله: فلا تكروا المزارع ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الرخصة في المزارعة بالثلث والربع.
حدثنا محمد بن الصباح قال: أخبرنا سفيان بن عيينة: ( عن عمرو بن دينار قال: قلت لـطاوس: يا أبا عبد الرحمن لو تركت هذه المخابرة فإنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه. فقال: أي عمرو, إني أعينهم وأعطيهم، وإن معاذ بن جبل أخذ الناس عليها عندنا، وإن أعلمهم- يعني: ابن عباس- أخبرني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها وقال: لأن يمنح أحدكم أخاه، خير له من أن يأخذ عليها أجراً معلوماً ).
حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري قال: حدثنا عبد الوهاب عن خالد عن مجاهد عن طاوس: ( أن معاذ بن جبل أكرى الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع، فهو يعمل به إلى يومك هذا ).
حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي و محمد بن إسماعيل قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس قال: قال ابن عباس: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لأن يمنح أحدكم أخاه الأرض، خير له من أن يأخذ خراجاً معلوماً ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب استكراء الأرض بالطعام.
حدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج قال: ( كنا نحاقل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزعم أن بعض عمومته أتاهم، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له أرض فلا يكريها بطعام مسمى ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من يزرع في أرض قوم بغير إذنهم.
حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة قال: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وترد عليه نفقته ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب معاملة النخيل والكرم.
حدثنا محمد بن الصباح وسهل بن أبي سهل وإسحاق بن منصور قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بالشطر مما يخرج من ثمر أو زرع ).
حدثنا إسماعيل بن توبة قال: حدثنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر أهلها على النصف، نخلها وأرضها ).
حدثنا علي بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فضيل عن مسلم الأعور عن أنس بن مالك قال: ( لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أعطاها على النصف ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب تلقيح النخل.
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن سماك: ( أنه سمع موسى بن طلحة بن عبيد الله يحدث عن أبيه قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل، فرأى قوماً يلقحون النخل فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قالوا: يأخذون من الذكر فيجعلونه في الأنثى، قال: ما أظن ذلك يغني شيئاً. فبلغهم فتركوه فنزلوا عنها، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما هو ظن إن كان يغني شيئاً فاصنعوه، فإنما أنا بشر مثلكم، وإن الظن يخطئ ويصيب، ولكن ما قلت لكم: قال الله، فلن أكذب على الله ).
حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا ثابت عن أنس بن مالك وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصواتاً فقال: ما هذا الصوت؟ قالوا: النخل يؤبرونه، فقال: لو لم يفعلوا لصلح, فلم يؤبروا عامئذ فصار شيصاً، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كان شيئاً من أمر دنياكم فشأنكم به, وإن كان شيئاً من أمر دينكم فإلي ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب المسلمون شركاء في ثلاث.
حدثنا عبد الله بن سعيد قال: حدثنا عبد الله بن خراش بن حوشب الشيباني عن العوام بن حوشب عن مجاهد
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار، وثمنه حرام ).
قال أبو سعيد: يعني الماء الجاري ].
ذهب غير واحد إلى أن الماء يحرم بيعه, يعني: الماء الذي يكون في فلاة, أو يكون في موضع لا يزاد على كونه ماء، فقد نص على ذلك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، جاء النهي عن ذلك عن عبد الله بن عمرو وعن أبي هريرة وغيرهم.
بل منهم من يقطع باتفاق الصحابة على منع ذلك، وظواهر النصوص تدل عليه، ولهذا ابن حزم الأندلسي رحمه الله لما مر على هذه المسألة في كتاب المحلى، قال: جاء هذا عن إياس بن عبد وعن أبي هريرة وعن عبد الله بن عمرو, ولا مخالف لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن نقول: إن النهي في ذلك متحقق إذا كان الماء على حاله, ولا مئونة في إخراجه، فالقيمة تكون للمئونة لا لذات الماء، أما إذا كان على غدير أو في أرض أو نهر جار أو عين نابعة أو نحو ذلك, فيحرم حينئذ بيعه.
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار ) ].
ويدخل في حكمه الرعي أنه يحرم على الإنسان أن يأخذ منه شيئاً؛ لأن الإنسان لا نفقة له على الكلأ, وإنما يخرجه الله عز وجل من الأرض بماء السماء, وكذلك الحطب فهو يتعلق به، ولهذا قال: ( الكلأ والنار ), ويحرم على الإنسان أن يبيعه إلا إذا تكلف في جمعه وإخراجه, فإنه يأخذ على مئونته تلك، أما أن يبيعه شجراً في الفلاة فهذا محرم وليس له ذلك.
قال: [ حدثنا عمار بن خالد الواسطي قال: حدثنا علي بن غراب عن زهير بن مرزوق عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب: ( عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء والملح والنار، قالت: قلت: يا رسول الله! هذا الماء قد عرفناه، فما بال الملح والنار؟ قال: يا حميراء! من أعطى ناراً، فكأنما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار، ومن أعطى ملحاً، فكأنما تصدق بجميع ما طيبت تلك الملح، ومن سقى مسلماً شربة من ماء حيث يوجد الماء، فكأنما أعتق رقبة، ومن سقى مسلماً شربة من ماء حيث لا يوجد الماء، فكأنما أحياه ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب إقطاع الأنهار والعيون.
حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال: حدثنا فرج بن سعيد بن علقمة بن سعيد بن أبيض بن حمال قال: حدثني عمي ثابت بن سعيد بن أبيض بن حمال عن أبيه سعيد: ( عن أبيه أبيض بن حمال: أنه استقطع الملح الذي يقال له: ملح شذّا بمأرب فأقطعه له، ثم إن الأقرع بن حابس التميمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني قد وردت الملح في الجاهلية، وهو بأرض ليس بها ماء، ومن ورده أخذه، وهو مثل الماء العدّ، فاستقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض بن حمال في قطيعته في الملح. فقال: قد أقلتك منه على أن تجعله مني صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو منك صدقة، وهو مثل الماء العدّ، من ورده أخذه. قال فرج: وهو اليوم على ذلك، من ورده أخذه. قال: فقطع له النبي صلى الله عليه وسلم أرضاً وغيلاً بالجوف، جوف مراد، مكانه حين أقاله منه ) ].
والإقطاع جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء عن الخلفاء الراشدين, وللحاكم أن يقطع الناس سواء كان من أمر أرض للزراعة, أو للبيوت وغير ذلك ولكن بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون ذلك بقدر حاجته.
الشرط الثاني: ألا يكون فيه إضرار بغيره, فإذا انتفى أحد هذين الشرطين فالإقطاع حينئذ محرم, ويرجع فيه إلى بيت مال المسلمين.
قال المصنف رحمه الله: [ باب النهي عن بيع الماء.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال: ( سمعت إياس بن عبد المزني ورأى ناساً يبيعون الماء فقال: لا تبيعوا الماء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع ).
حدثنا علي بن محمد وإبراهيم بن سعيد الجوهري قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب النهي عن منع فضل الماء ليمنع به الكلأ.
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يمنع أحدكم فضل الماء، ليمنع به الكلأ ).
حدثنا عبد الله بن سعيد قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن حارثة عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يمنع فضل الماء، ولا يمنع نقع البئر ) ].
وذلك أن العرب يأتون إلى مواضع الماء بعد الأمطار ويحمونها, ولا يستطيعون حماية الأرض لوجود الخضرة والكلأ فيها.
فالناس إذا جاءوا بماشيتهم وأكلت من العشب فإنها تتعب وتحتاج إلى الماء، وحينئذ يختصرون الطريق فلا يمنعون من الكلأ ويمنعون من الماء, وتبعاً لذلك لا يستطيع أصحاب الماشية أن ينزل في أرض أو في وادٍ فيه كلأ ولا يوجد فيه ماء، فيذهبون إلى منع الماء حتى يمنعوا تبعاً لذلك الكلأ, فنهى الله عز وجل عن بيع الماء ومنع الناس منه, وكذلك من باب أولى منع الكلأ.
وإنما قل ذكر الكلأ في النهي باعتبار استفاضة أمره, وصعوبة ومشقة منع الناس منه، وإنما الماء هو محصور ومحدود, فيستطيع الإنسان أن يمنعه لأنه يكون نبعاً قي موضع, أو يكون غديراً يستطيع الإنسان أن يحوطه بنفسه وبغيره.
قال المصنف رحمه الله: [ باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء.
حدثنا محمد بن رمح قال: أخبرنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن الزبير: ( أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه، فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير! ثم أرسل الماء إلى جارك, فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا زبير! اسق، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر, قال: فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) [النساء: 65] ).
حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا زكريا بن منظور بن ثعلبة بن أبي مالك قال: حدثني محمد بن عقبة بن أبي مالك عن عمه ثعلبة بن أبي مالك قال: ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور، الأعلى فوق الأسفل، يسقي الأعلى إلى الكعبين، ثم يرسل إلى من هو أسفل منه ) ].
في هذا جواز أن يقضي القاضي بأدنى الحقين اجتهاداً تخفيفاً, وإذا رأى التشديد على أحد الخصمين فهذا مما لا حرج فيه، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام قضى قضاءين وكلها حق، فقضى أولاً بناءً على التيسير, ثم شدّد رسول الله صلى الله عليه وسلم للمصلحة التي رآها في ذلك.
وكذلك فيه إشارة إلى أنه لا حرج على القاضي أن يقضي مع الغضب اليسير الذي لا يخل بأصل الحكم, ولا تضطرب معه نفس الإنسان، فالنبي عليه الصلاة والسلام وإن كان معصوماً, إلا أنه عليه الصلاة والسلام مشرع لأمته, وفي هذا إشارة إلى أنه يجوز للإنسان أن يقضي بين اثنين, أحدهما من قرابته إذا تراضيا في التخاصم إليه, وإلا الأصل في ذلك ألا يقضي دفعاً للظنة.
قال: [ حدثنا أحمد بن عبدة قال: أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن قال: حدثني أبي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور، أن يمسك حتى يبلغ الكعبين، ثم يرسل الماء ).
حدثنا أبو المغلس قال: حدثنا فضيل بن سليمان قال: حدثنا موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في شرب النخل من السيل: أن الأعلى فالأعلى يشرب قبل الأسفل، ويترك الماء إلى الكعبين، ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه، وكذلك حتى تنقضي الحوائط أو يفنى الماء ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب قسمة الماء.
حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا أبو الجعد عبد الرحمن بن عبد الله عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تبدّأ الخيل يوم وردها ).
حدثنا العباس بن جعفر قال: حدثنا موسى بن داود قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الإسلام، فهو على قسم الإسلام ) ].
إذا فتح المسلمون بلداً فيجعلون الأمور على ما قسمت عليه ولو قسمت بجاهلية, أو قسمت بحرام, فيبقون الأمور على ما هي عليه من أمور الأموال, ولو كانت الأموال من جهة أصلها ربا تقاسموها, أو تقاسموها بقمار، أو غير ذلك, فيقال حينئذ بإبقائها على ما هي عليه.
وإبقاء الأنكحة كذلك وهي أشد، الأنكحة والعقود تبقى على ما هي عليه، وهذا من التيسير على الناس, ثم أيضاً أنه ليس بعد الكفر ذنب، فإذا دخل الإنسان في الإسلام فإنه حينئذ يعاملون على أمر الله عز وجل فيما بعد ذلك.
قال المصنف رحمه الله: [ باب حريم البئر.
حدثنا الوليد بن عمرو بن سكين قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى (ح)
وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، قالا: حدثنا إسماعيل المكي عن الحسن عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من حفر بئراً فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته ).
حدثنا سهل بن أبي الصغدي قال: حدثنا منصور بن صقير قال: حدثنا ثابت بن محمد عن نافع بن أبي غالب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حريم البئر مد رشائها ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب حريم الشجر.
حدثنا عبد ربه بن خالد النميري أبو المغلس قال: حدثنا الفضيل بن سليمان قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: أخبرني إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في النخلة والنخلتين والثلاثة للرجل في النخل، فيختلفون في حقوق ذلك، فقضى أن لكل نخلة من أولئك من الأرض مبلغ جريدها حريم لها ).
حدثنا سهل بن أبي الصغدي قال: حدثنا منصور بن صقير قال: حدثنا ثابت بن محمد العبدي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حريم النخلة مد جريدها ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من باع عقاراً ولم يجعل ثمنه في مثله.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير عن سعيد بن حريث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من باع داراً أو عقاراً، فلم يجعله في مثله، كان قمناً ألا يبارك فيه ).
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث عن أخيه سعيد بن حريث عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله.
حدثنا هشام بن عمار وعمرو بن رافع قالا: حدثنا مروان بن معاوية قال: حدثنا أبو مالك النخعي عن يوسف بن ميمون عن أبي عبيدة بن حذيفة عن أبيه حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من باع داراً، ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له فيها ) ].
وفي هذا عظم بركة الأرض, وتشوف الشريعة إلى بيع المحسوس أكثر من المعنويات, فإن المعنويات هي أكثر زوالاً بخلاف الماديات, وكذلك فإن الماديات على ما تقدم نوعين: منقولة وثابتة، والثابت في ذلك أرسخ وأعظم بركة.
ولهذا نقول: أعظم بركة التجارة هي الأرض, سواء كان ذلك عقاراً في دور أو نحو ذلك أو زراعة, وقد جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله: أن الرجل إذا تاجر في شيء فخسر فيه ثلاثاً أن يتحول إلى غيره.
خسر في المضاربة الأولى فيه, ثم حاول ثانية ثم ثالثة, يتحول بعد الثالثة إلى تجارة أخرى، كالذي يتاجر في الماشية فيخسر في الأولى ثم الثانية ثم الثالثة, يتحول إلى شيء آخر, كالأرض أو الذهب أو التجارة في الطعام والشراب وغير ذلك.
نقف على هذا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر