إسلام ويب

وجوب العمل بالسنةللشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن منزلة السنة من الدين عظيمة، ومكانتها في الشريعة رفيعة، كيف لا وهي مصدر التشريع الثاني بعد القرآن، فما ثبت في سنة نبينا عليه الصلاة والسلام لزمنا العمل به امتثالاً لأمر الله القائل: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، ولو تأملنا حال الصحابة والتابعين الكرام لوجدناهم خير من قام بسنة رسول الله حق القيام.

    1.   

    مكانة السنة في التشريع

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وأصحابه أجمعين.. وبعد:

    اختير لهذا اللقاء أن تكون المحاضرة عن السنة ومكانتها في الإسلام وأصول التشريع.

    والسنة من المعلوم عند جميع أهل العلم أنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن مكانتها في الإسلام الصدارة بعد كتاب الله، فهي الأصل المعتمد بعد كتاب الله عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة، وهي حجة قائمة مستقلة على جميع الأمة، من جحدها أو أنكرها، أو زعم أنه يجوز الإعراض عنها والاكتفاء بالقرآن فقط؛ فقد ضل ضلالاً بعيداً، وكفر كفراً أكبر، وارتد عن الإسلام بهذا المقال، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد يكون قد كذب الله ورسوله، وأنكر ما أمر الله به ورسوله، وجحد أصلاً عظيماً، أمر الله بالرجوع إليه والاعتماد عليه والأخذ به، وأنكر إجماع أهل العلم، وكذب به وجحده.

    وقد أجمع علماء الإسلام على أن الأصول المجمع عليها ثلاثة:

    الأصل الأول: كتاب الله.

    والأصل الثاني: سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    والأصل الثالث: إجماع أهل العلم.

    وتنازع أهل العلم في أصولٍ أخرى أهمها: القياس. والجمهور على أنه أصل رابع إذا استوفى شروطه المعتبرة.

    أما السنة فلا نزاع ولا خلاف في أنها أصل مستقل، وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن الواجب على جميع المسلمين بل على جميع الأمة الأخذ بها، والاعتماد عليها، والاحتجاج بها إذا صح السند عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    وقد دل على هذا المعنى آيات كثيرات في كتاب الله، وأحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما دل على هذا المعنى إجماع أهل العلم قاطبة، على وجوب الأخذ بها والإنكار على من أعرض عنها أو خالفها.

    وقد نبغت نابغة في صدر الإسلام أنكرت السنة؛ بسبب تهمتها للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كـالخوارج ؛ فإن الخوارج كفروا كثيراً من الصحابة، وفسقوا كثيراً، وصاروا لا يعتمدون -بزعمهم- إلا على كتاب الله؛ لسوء ظنهم بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتابعتهم الرافضة فقالوا: لا حجة إلا فيما جاء من طريق أهل البيت فقط، وما سوى ذلك لا حجة فيه.

    1.   

    القرآنيون وموقفهم من السنة والرد عليهم

    ونبغت نابغة بعد ذلك تسمى هذه النابغة الأخيرة القرآنية ويزعمون أنهم أهل القرآن، وأنهم يحتجون بالقرآن فقط، وأن السنة لا يحتج بها؛ لأنها إنما كتبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، ولأن الإنسان قد ينسى وقد يغلط، ولأن الكتب قد يقع فيها غلط.. إلى غير هذا مما قالوا من الترهات والخرافات والآراء الفاسدة، وزعموا أنهم بذلك يحتاطون لدينهم، فلا يأخذون إلا بالقرآن فقط، وقد ضلوا عن سواء السبيل، وكذبوا وكفروا بذلك كفراً أكبر بواحاً. فإن الله عز وجل أمر بطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام واتباع ما جاء به، ولو كان رسوله لا يتبع ولا يطاع لم يكن للأوامر قيمة، وقد أمر أن تبلغ سنته، وكان إذا خطب أمر أن تبلغ السنة، فدل ذلك على أن سنته صلى الله عليه وسلم واجبة الاتباع، وعلى أن طاعته واجبة على جميع الأمة، كما تجب طاعة الله تجب طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام.

    الرد على القرآنيين من القرآن الكريم

    ومن تدبر القرآن العظيم وجد ذلك واضحاً.. قال تعالى في كتابه الكريم في سورة آل عمران: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:131-132] فقُرِنت طاعة الرسول بطاعته وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132] فعلق الرحمة بطاعة الله ورسوله. وقال في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] فأمر بطاعته وطاعة رسوله، وكرر الفعل في ذلك: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59] ثم قال: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ولم يكرر الفعل؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، وإنما تجب بالمعروف، حيث كان ما أمروا به من طاعة الله ورسوله، ومما لا يخالف أمر الله ورسوله.

    ثم بين أن العمدة في طاعة الله ورسوله، فقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] ولم يقل: لأولي الأمر منكم؛ بل قال: إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فدل ذلك على أن الرد في منازل النزاع والخلاف إنما يكون لله ولرسوله، قال العلماء: معنى (إلى الله) أي: إلى كتاب الله، ومعنى (والرسول) أي: إلى الرسول في حياته وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.

    فعلم بذلك أن سنته مستقلة، وأنها أصل متبع، قال جل وعلا: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف:158] وقبلها قوله جل وعلا: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157] فجعل الفلاح لمن اتبعه عليه الصلاة والسلام: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157] فذكر أن الفلاح لهؤلاء المتبعين لنبي الله عليه الصلاة والسلام دون غيرهم، فدل ذلك على أن من أنكر سنته ولم يتبعه فإنه ليس بمفلح وليس من المفلحين. ثم قال بعدها: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] فعلق الهداية باتباعه عليه الصلاة والسلام؛ فدل ذلك على وجوب طاعته واتباع ما جاء به من الكتاب والسنة عليه الصلاة والسلام.

    وقال عز وجل في آيات أخرى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54] عليه الصلاة والسلام، ثم قال جل وعلا في هذه السورة سورة النور: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، وقال في آخرها: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] فذكر جل وعلا أن مخالفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم على خطر عظيم من أن تصيبهم فتنة بالزيغ والشرك والضلال، أو عذاب أليم. نعوذ بالله!

    وقال عز وجل في سورة الحشر: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7].

    هذه الآيات وما جاء في معناها كلها دالة على وجوب اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، وأن الهداية والرحمة والسعادة والعاقبة الحميدة كلها في اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، فمن أنكر ذلك فقد أنكر كتاب الله، ومن قال: إنه يتبع كتاب الله دون السنة فقد كذب وغلط وكفر؛ فإن القرآن أمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبعه فإنه لم يعمل بكتاب الله، ولم يؤمن به، ولم ينقد له؛ إذ أن كتاب الله أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر باتباعه، وحذر من مخالفته عليه الصلاة والسلام، فمن زعم أنه يأخذ بالقرآن ويتبعه دون السنة فقد كذب؛ لأن السنة جزء من القرآن، طاعة الرسول جزء من القرآن، ودل على الأخذ بها القرآن، وأمر بالأخذ بها القرآن، فلا يمكن أن ينفك هذا عن هذا، ولا يمكن أن يكون الإنسان متبعاً للقرآن بدون اتباع السنة، ولا يمكن أن يكون متبعاً للسنة بدون اتباع القرآن، فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.

    الرد على القرآنيين من السنة النبوية

    ومما جاء في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: ما رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمة الله عليهما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني) وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) وهذا واضح في أن من عصاه فقد عصى الله، ومن عصاه فقد أبى دخول الجنة، والعياذ بالله!

    وفي المسند وسنن أبي داود وصحيح الحاكم بسند جيد، عن المقداد بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه -الكتاب أي: القرآن، ومثله معه أي: السنة الوحي الثاني- ألا لا يوجد رجل شبعان يتكئ على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه)، وفي لفظ: (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يحدث بأمرٍ من أمري مما أمرتكم به أو نهيتكم عنه، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه اتبعناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) عليه الصلاة والسلام.

    والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالواجب على جميع الأمة أن تعظم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن تعرف قدرها، وأن تأخذ بها وتسير عليها؛ لأنها هي الشارحة والمبشرة لكتاب الله عز وجل، والدالة على ما قد يخفى من كتاب الله، والمقيدة لما قد يطلق من كتاب الله، والخاصة لما قد يعم من كتاب الله، ومن تدبر كتاب الله وتدبر السنة عرف ذلك؛ لأن الله جل وعلا يقول: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44] فهو يبين للناس ما نزل إليهم عليه الصلاة والسلام، فإذا كانت سنته غير معتبرة ولا يحتج بها، فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم؟ هذا من أبطل الباطل، فعلم بذلك أنه مبين لما قاله الله، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله.

    وقال تعالى في آية أخرى في سورة النحل: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل:64] فبين جل وعلا أنه أنزل الكتاب عليه ليبين للناس ما اختلفوا فيه، فإذا كانت سنته لا تبين للناس ولا تعتمد بطل هذا المعنى، فهو سبحانه وتعالى بين أنه هو الذي يبين للناس ما نزل إليهم، وأنه عليه الصلاة والسلام يفصل النزاع بين الناس فيما اختلفوا فيه، فدل ذلك على أن سنته لازمة وواجبة الاتباع.

    وليس هذا خاصاً بأهل زمانه وصحابته رضي الله عنهم؛ بل هو لهم ولمن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة، فإن الشريعة شريعة لزمانه ولمن بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة، فهو رسول الله إلى الناس عامة .. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سـبأ:28] هو رسول الله إلى جميع العالم، إلى الجن والإنس، العرب والعجم.. الأغنياء والفقراء، الحكام والمحكومين إلى يوم القيامة، ليس بعده نبي، فهو خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام.

    وجب أن تكون سنته موضحة لكتاب الله وشارحة له، ودالة على ما قد يخفى من كتاب الله وسنته أيضاً، فقد جاءت بأحكام لم يأت بها كتاب الله، جاءت بأحكام مستقلة شرعها الله عز وجل ولم تذكر في كتاب الله سبحانه وتعالى.

    فمن ذلك: تفصيل الصلوات.. تفصيل الركعات.. تفصيل أحكام الزكاة.. تفصيل أحكام الرضاع، فليس في كتاب الله إلا الأمهات والأخوات من الرضاع، وجاءت السنة ببقية محرمات الرضاع: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وجاءت السنة بحكم مستقل في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وجاءت بأحكام مستقلة لم تذكر في كتاب الله في أشياء كثيرة؛ في الجنايات، والديات، والنفقات، وأحكام الزكوات، وأحكام الحج... إلى غير ذلك.

    1.   

    دفاع السلف الصالح عن السنة واعتناؤهم بها

    ولما قال بعض الناس في مجلس عمران بن حصين رضي الله عنه: دعنا من الحديث وحدثنا عن كتاب الله، غضب عمران رضي الله عنه واشتد نكيره، وقال: [لولا السنة كيف نعرف أن الظهر أربع، والعصر أربع، والعشاء أربع، والمغرب ثلاث؟] فالسنة بينت لنا تفاصيل الصلاة وتفاصيل الأحكام، ولم يزل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يرجعون إلى السنة ويتحاكمون إليها ويحتجون بها، ولما ارتد من ارتد من العرب قام الصديق رضي الله عنه وأرضاه ودعا إلى جهادهم، فتوقف عمر في ذلك، وقال: كيف نقاتلهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)؟ قال الصديق رضي الله عنه: [أليست الزكاة من حقها؟ -أي: من حق لا إله إلا الله- والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، قال عمر رضي الله عنه: فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق].

    ثم وافق المسلمون ووافق الصحابة واجتمع رأيهم على قتال المرتدين، فقاتلوهم بأمر الله ورسوله.

    ولما جاءت جدة تسأل الصديق قال: [لا أجد لك شيئاً في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن سوف أسأل الناس عما جاء في السنة، فسأل الناس، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى لها بالسدس، فقضى لها بالسدس رضي الله عنه وأرضاه].

    وهكذا عمر لما أشكل عليه إملاص المرأة إذا خرج الجنين ميتاً، ما حكمه؟ توقف حتى سأل الناس، فشهد عنده محمد بن مسلمة و المغيرة بن شعبة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة، فقضى بذلك.

    ولما أشكل على عثمان عدة حكم المعتدة من الوفاة: هل تكون في بيت زوجها أو تنتقل إلى أهلها؟ شهدت عنده الفارعة بنت مالك الخدرية أخت أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيتها، فقضى بذلك عثمان رضي الله عنه وأرضاه.

    ولما سمع علي رضي الله عنه عثمان في بعض حجاته ينهى عن المتعة ويأمر بإفراد الحج، أحرم علي رضي الله عنه بالحج والعمرة جميعاً، وقال: [لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس].

    ولما سمع ابن عباس بعض الناس ينكر عليه الفتوى بالمتعة، ويحتج عليه بقول أبي بكر و عمر أنهما يريان إفراد الحج؛ قال: [يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر! ].

    ولما ذكر للإمام أحمد جماعة يتركون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان الثوري، ويسألونه عما لديه وعما يقول، فتعجب وقال: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته -أي: عن الرسول صلى الله عليه وسلم- يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]!

    ولما ذكر عند أيوب رجل يدعو إلى القرآن ويثبط عن السنة قال: دعوه، فإنه ضال.

    المقصود أن السلف الصالح قد عرفوا هذا الأمر، ونبغت عندهم نوابغ بسبب الخوارج في هذا الباب، فاشتد نكيرهم عليهم، وضللوهم وحذروا منهم، مع أنه إنكار غير الإنكار الموجود الأخير، إنكار له شبهة بالنسبة إلى الخوارج وما اعتقدوه في الصحابة في بعضهم دون بعض.

    أما هؤلاء المتأخرون فجاءوا بداهية دهياء، ومنكر عظيم، وبلاء كبير، ومصيبة عظمى؛ حيث قالوا: إن السنة برمتها لا يحتج بها كلياً، لا من هنا ولا من هناك، وطعنوا فيها وفي رواتها وفي كتبها، وسار على هذا النهج وأعلنه كثيراً الرئيس القذافي المعروف، فضل وأضل، وهكذا جماعة في مصر وغير مصر ، قالوا هذه المقالة؛ فضلوا وأضلوا، وسموا أنفسهم بالقرآنيين.

    وقد جهلوا ما قام به علماء السنة، وقد احتاطوا كثيراً للسنة، تلقوها -أولاً- عن الصحابة حفظاً، ودرسوها وحفظوها حفظاً كاملاً دقيقاً حرفياً، ونقلوها إلى من بعدهم، ثم ألف العلماء في القرن الثاني، في رأس القرن الأول وفي أثناء القرن الثاني، ثم كثر ذلك في القرن الثالث؛ فقد ألفوا الكتب، وجمعوا فيها الأحاديث، حرصاً على بقائها وحفظها وصيانتها، فانتقلت من الصدور إلى الكتب المحفوظة المتداولة المتناقلة التي لا ريب فيها ولا شك، ثم نقبوا عن الرجال، وعرفوا ثقاتهم من كذابيهم من ضعفائهم، من شيئي الحفظ منهم، حتى حرروا ذلك أتم تحرير، وبينوا من يصلح للرواية ومن لا يصلح لها، ومن يحتج به ومن لا يحتج به، واعتنوا بما قد وقع من بعض الناس من أوهام وأغلاط سجلوها عليه، وعرفوا الكذابين والوضاعين، وألفوا فيهم وأوضحوا أسماءهم؛ فأيد الله بهم السنة، وأقام بهم الحجة، وقطع بهم المعذرة، وزال تلبيس الملبسين، وانكشف ضلال الضالين، فبقيت السنة بحمد الله جلية واضحة لا شبهة عليها ولا غبار.

    وكان الأئمة يعظمون ذلك كثيراً، وإذا رأوا من أحدهم أي تساهل بالسنة أو إعراض أنكروا عليه، فقد حدث ذات يوم عبد الله بن عمر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) فقال بعض أبنائه: والله لنمنعهن. عن اجتهاد، ومقصوده أنهن تغيرن، وقد يتساهلن في الخروج، وليس قصده إنكار السنة، فأقبل عليه عبد الله وسبه سباً سيئاً، وقال: [أقول لك: قال رسول الله، وتقول: والله لنمنعهن!].

    ورأى عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه بعض أقاربه يخذف، فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: إنه لا يصيد صيداً، ولا ينكأ عدواً، ثم رآه في وقت آخر يخذف، فقال: أقول لك: إن رسول الله نهى عن ذلك ثم تخذف، لا كلمتك أبداً).

    فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعظمون هذا الأمر جداً، ويحذرون الناس من التساهل بالسنة أو الإعراض عنها، أو الإنكار لها لرأي من الآراء أو اجتهاد من الاجتهادات.

    تعظيم الأئمة الأربعة وأهل العلم للسنة النبوية

    وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ورحمه في هذا المعنى: إذا جاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فعلى العين والرأس .. إلى آخر كلامه.

    وقال مالك رحمه الله: ما منا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام.

    وقال أيضاً: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها وهو اتباع الكتاب والسنة، وهكذا قال غيره من الأئمة.

    وقال الشافعي رحمه الله: إذا رأيتم حديثاً صحيحاً ثم رأيتموني خالفته فاعلموا أن عقلي قد ذهب.

    وفي لفظ آخر قال: إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولي يخالفه فاضربوا بقولي الحائط.

    وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: لا تقلدوني، ولا تقلدوا مالكاً ولا الشافعي وخذوا من حيث أخذنا.

    وسبق قوله رحمه الله: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان!

    فالأمر في هذا واضح، وكلام أهل العلم في هذا جلي ومتداول عند أهل العلم، وقد تكلم المتأخرون في هذا المقام كلاماً كثيراً؛ كـأبي العباس ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وغيرهم، وأوضحوا أن من أنكر السنة فقد زاغ عن سواء السبيل، وأن من عظم آراء الرجال فقد ضل وأخطأ، وأن الواجب عرض آراء الرجال مهما عظموا رحمة الله عليهم، يجب عرض آرائهم على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما شهد له منهما بالقبول قبل، وما لا فإنه يرد على قائله.

    ومن آخر من كتب في هذا الحافظ السيوطي رحمه الله، حيث كتب رسالة سماها: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة، وذكر في أولها أن من أنكر السنة وزعم أنه لا يحتج بها فقد كفر إجماعاً، ونقل كثيراً من كلام السلف في ذلك.

    1.   

    الرد على من رد أحاديث الآحاد ولم يعمل بها

    هذه منزلة السنة ومكانتها من الإسلام، وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأنها حجة مستقلة قائمة بنفسها يجب الأخذ بها والرجوع إليها، وأنه متى صح السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب الأخذ به مطلقاً، ولا يجب ولا يشترط في ذلك أن يكون متواتراً أو مشهوراً أو مستفيضاً، أو بعدد كذا من الطرق، بل ولو بطريق واحدة، متى استقام الإسناد وجب الأخذ بالحديث مطلقاً، بسند واحد، أو بسندين، أو بثلاثة أو بأكثر؛ سواء سمي خبر تواتر أو خبر آحاد، لا فرق في ذلك، كلها حجة يجب الأخذ بها، مع اختلاف ما تقتضيه من العلم الضروري أو العلم النظري أو الظني، هذا أمر آخر لا يتعلق بالأخذ بها، بل هذا أمر يتعلق بالقلوب يختلف فيه الناس، لكن العمل بها واجب الاتباع، واجب الأخذ بها مطلقاً، متى صح الإسناد وجب الأخذ بذلك، وتحكيم ذلك، وترك ما خالف ذلك.

    أما كونه متواتراً، أو كونه مشهوراً أو مستفيضاً، أو آحاداً غير مستفيض ولا مشهور، أو غريب، أو غير ذلك؛ هذه أشياء اصطلح عليها أهل السنة في أصول الحديث، وعرفوها في أصول الفقه أيضاً، وهذا يختلف بحسب اختلاف الناس في العلم، فإنه قد يكون هذا الحديث متواتراً عند زيد وعمرو وليس متواتراً عند خالد وبكر؛ لما بينهما من الفرق في العلم واتساع العلم، وقد يروي زيد حديثاً من عشر طرق، أو من ثمان أو من سبع أو من خمس أو ست، ويقطع بأنه متواتر؛ لما اتصل به رواته من العدالة والحفظ والإتقان والجلالة، وقد يروي الآخر حديثاً من عشرين سنداً، ولا يحصل له ما حصل لذاك من العلم اليقيني القطعي بأنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بأنه متواتر.

    هذه أمور تختلف بحسب ما يحصل للناس من العلم بأحوال الرواة، وعدالتهم، ومنزلتهم في الإسلام، وصدقهم، وحفظهم، وغير ذلك، وهذا شيء يتفاوت فيه الرجال حسب ما أعطاهم الله من العلم بأحوال الحديث ورجاله، وصفاتهم، وطرق الحديث، إلى غير ذلك.

    لكن أهل العلم أجمعوا على أنه متى صح السند وسلم من العلة وجب الأخذ به، وبينوا أن الإسناد الصحيح هو ما ينقله العدل الضابط عن مثله.. عن مثله.. عن مثله.. إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من غير شذوذ ولا علة ولا انقطاع.. هذا متى جاء الحديث بهذا المعنى، متصلاً لا شذوذ فيه ولا علة؛ وجب الأخذ به والاحتجاج به على المسائل التي يتنازع فيها الناس؛ سواء حكمنا عليه بأنه غريب، أو عزيز، أو مشهور، أو متواتر، أو غير ذلك؛ إذ الاعتبار والحجة في استقامة السند وصلاحه وسلامته، تعددت أسانيده أو لم تتعدد.

    هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا جميعاً الفقه في دينه، وأن يرزقنا الاستقامة على ما يرضيه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه جل وعلا جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.

    1.   

    الأسئلة

    أقسام الحديث الضعيف

    السؤال: ما هي أنواع الحديث الضعيف؟

    الجواب: الضعيف من الحديث له أنواع، وقد قسمها الحافظ ابن حبان إلى أنواعٍ كثيرة، إلى تسعة وأربعين نوعاً، ولكنها في الحقيقة تنقسم إلى قسمين: ضعيف يعتبر حسناً عند الترمذي وأشباهه، وضعيف غير متماسك لا تقوم به الحجة؛ لأن فيه متهماً بالكذب، وإما لأن فيه من هو فاحش الغلط، أو لأن فيه انقطاعاً شديداً، أو ما أشبه ذلك.

    فالضعيف الذي يعتبر حسناً في اصطلاح أبي عيسى الترمذي رحمه الله، وهو ما خف الضبط في رواته، وليسوا بالرواة الذين قد امتازوا بالحفظ، ولكنهم عدول، والحديث ليس بشاذ ولا منقطع، ولا معلول بعلة قادحة -يقال: معلل أفصح- هذا يحتج به كالصحيح عند أهل العلم.

    وكان الأولون يقسمون الحديث إلى قسمين: صحيح وضعيف، ويدخل الحسن في الصحيح، ثم رأى الترمذي وجماعة بعد ذلك تقسيمه إلى الأقسام الثلاثة: صحيح وضعيف وحسن، فصار الحسن عندهم ما خف الضبط في رواته، ليس ضبطهم بالكامل، فهذا يسمونه الحسن، إذا استقامت الأحوال الأخرى؛ من عدالة واتصال وعدم شذوذ وعلة.

    فهذا يحتج به، وهو خير من الآراء والقياس، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: الحديث الضعيف أولى من القياس والآراء البشرية. والضعيف هو المتماسك الذي يصلح للاحتجاج؛ لأنه متصل السند، غير معلل ولا شاذ، إلا أن رواته أو بعضهم ليسوا بكاملي الحفظ، بل عندهم في الحفظ نقص، وليسوا بفاحشي الغلط، ولكن يقع لهم أوهام وأخطاء.

    حكم من حكم بالقوانين الوضعية

    السؤال: هل نقول إن بعض الدول العربية المسلمة تحكم بغير القرآن، فهل يرتكبون بذلك ذنباً ويدخلون في مذهب العلمانية ؟

    الجواب: الذي لا يحكم بالشريعة الإسلامية يعتبر كافراً؛ لأن من عطل الشريعة، ورضي بالقوانين الوضعية وحكمها في رقاب الناس وأعمال الناس ومعاملاتهم، فقد رضي بغير الشريعة، وقد تنقص الشريعة، وزعم أنها غير صالحة للحكم بين الناس، فالذين أوجدوا القوانين والحكم القانوني بآراء البشر؛ من قوانين فرنسية، أو إيطالية، أو أمريكية، أو إنجليزية، أو سوفيتية، أو غير ذلك، هؤلاء قد نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، فلا يكونون على الإسلام ولا حكاماً مسلمين؛ لأن الله جل وعلا قال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45].. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] وقال سبحانه وتعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] وقال سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].

    فالذين لم يرضوا بالشريعة وحكموا القوانين الوضعية، معناه: أنهم لم تطب نفوسهم بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ورأوا أن في القوانين التي ارتضوها لأنفسهم مصلحة، أو أنها أولى من الشريعة، أو أنها مساوية، أو أنها أصلح.

    على كل حال هذا كفر وضلال.

    لكن قد توقف بعض الناس في كفرهم وقالوا: إنهم يزعمون ويرون أنهم مخطئون، وأن الواجب تحكيم الشريعة، ولكنهم لا يستطيعون أن يحكموها؛ لما لديهم من عناصر وجيوش لا ترضى بذلك، وأناس مطاعون لا يرضون بذلك، فهم كالمضطرين إلى تحكيم القوانين، وهم لا يعتقدون أن حكمها جائز، ولا يرضون بعزل حكم الله، ولكن لأسباب اضطرتهم إلى ذلك.

    وهذا محل نظر، والأصل عند أهل السنة والجماعة أن من حكَّم غير الشريعة، وهو يعلم أنه مخطئ، وأنه ظالم لنفسه، وأنه عاصٍ؛ فإنه لا يكفر بذلك، بل يقولون: هذا كفر دون كفر، كما قال ابن عباس، ومجاهد بن جبر التابعي الجليل، وطاوس بن كيسان وغيرهم، قالوا: إنما يكون كافراً وظالماً ظلماً أكبر. قال شيخ الإسلام : إذا استحل ذلك، إذا رأى أنه يجوز له تحكيم غير الشريعة، أما إذا حكّم غير الشريعة.. حكم بالقانون، أو بالرشوة، أو بكذا وكذا، وهو يعلم أنه عاصٍ، وأنه مخطئ، وأنه خاطئ ضال، ولكن حمله الهوى أو طاعة الرؤساء على أن حكم بغير الشريعة؛ فهذا يكون عاصياً وظالماً وكافراً كفراً دون كفر، وظلماً دون ظلم، وفسقاً دون فسق، ولا يخرج بهذا من الشريعة ويكون مرتداً.

    فهؤلاء الذين تولوا على أمور الناس الآن في غالب أمصار المسلمين، هل يقال فيهم: إنهم لم يستطيعوا حكم الشريعة؟ أو أنهم يعلمون أن الشريعة هي الحكم، وأنهم أخطئوا وعصوا بتحكيم القوانين، وأنهم يعلمون أنهم مخطئون وأنهم عاصون، ولكن تعمدوا ذلك لأسباب ولأهواء، فنقول في حقهم حينئذ: إنهم كفروا كفراً دون كفر، وظلموا ظلماً دون ظلم، وفسقوا فسقاً دون فسق؟ هذا محل نظر، والذي يظهر من تصرفاتهم وأحوالهم وميولهم إلى القوانين ورضاهم بها، الذي يظهر من أحوالهم عند الدراسة والتأمل يتبين أنهم راضون بها، وأنهم مطمئنون إليها، وأنهم يرونها أولى من تحكيم الشريعة، وأنسب للناس وأصلح لهم، أو أرفق بهم، هذا هو ظاهر حالهم، وهذا هو المتبادر من أحوالهم؛ لأنهم يحكمون بغير الشريعة، وهم مطمئنون ليس عندهم في ذلك تألم ولا تبرم لهذا الشيء، ولا تصريحاتهم بأنهم خاطئون وأنهم ظالمون، وسيعودون إلى حكم الشريعة، فالذي يظهر من حالهم هو أنهم راضون بحكم القوانين الوضعية، وأنهم غير راضين بحكم الشريعة، هذا ظاهر أحوالهم، والله أعلم بما في قلوبهم سبحانه وتعالى.

    والخلاصة: أن نعلم أن من زعم أن القوانين الوضعية، سواء كانت فرنسية، أو إنجليزية، أو إيطالية، أو هولندية، أو أمريكية، أو سوفيتية، أو غير ذلك، من زعم أنه يجوز الحكم بها، ولا بأس بالحكم بها بين الناس، وإن زعم أن الشريعة أفضل؛ فهو كافر ضال بإجماع المسلمين، فإن قال: إنها مساوية للشريعة فهو أكفر وأكفر، وإن قال: إنها أفضل من الشريعة وأولى من الشريعة؛ فهو أكفر وأشد ضلالاً.

    هذا ينبغي أن يعلم بإجماع المسلمين، حكم القوانين الوضعية كفر بالله وضلال إذا اعتقد صاحبها أنها جائزة، أو أنها مساوية للشريعة، أو أنها أفضل من الشريعة، فهو في هذه الأحوال الثلاث كافر ضال مطلقاً، أما إذا حكم بأي قانون أو لأي إنسان بحكم يخالف شرع الله، وهو يعلم أنه مخالف لشرع الله، ولكن فعل ذلك لهوىً، أو لرشوة، أو لأشياء أخرى من المقاصد الخبيثة؛ فهذا يكون ضالاً ويكون ظالماً ظلماً دون ظلم، وكافراً كفراً دون كفر، كما قال ابن عباس، ومجاهد، وطاوس، وغيرهم من الجمهور؛ لأنه لم يعتقد حل تحكيم غير الشريعة، وإن حكم بغير الشريعة لهوىً، كما قد يقع لبعض القضاة في المحاكم الإسلامية؛ فقد يضل عن السبيل، وقد يحكم بغير الشريعة لهوىً، إما لرشوة، وإما لقرابة، وإما لعداوة للمحكوم عليه؛ فيحكم عليه بغير الشريعة لهوىً أو لأسباب أخرى خاصة حكم بأسبابها، وهو يعلم أن حكمه يخالف شرع الله، ولكن حمله عليه هوىً وغرض فاسد، فهذا يكون عند أهل العلم ظالماً وعاصياً وفاسقاً، ولكن لا يكون كافراً كفراً أكبر؛ لأنه يعلم أنه عاصٍ، وأن حكم الله بخلاف قوله، وأنه خاطئ في ذلك ظالم فيه، فهو عند الجمهور ليس بكافر كفراً أكبر.

    وهذه مسألة عظيمة يجب أن نحكمها جيداً.

    حكم طواف الوداع للحاج والمعتمر

    السؤال: هل على المعتمر طواف وداع ولو كان آخر عهده بالبيت؟ وهل الحج مثل ذلك؟

    الجواب: أما الحج فالصحيح من أقوال العلماء أنه يجب فيه طواف الوداع، وهناك خلاف فيه، حيث ذهب جمع من أهل العلم إلى أن طواف الوداع سنة، ولهذا سقط عن الحائض والنفساء، وقال آخرون: بل يجب؛ ولولا أنه واجب لما سقط عن الحائض والنفساء فقط، ولكان ساقطاً عن الجميع، فالمقصود أن الصحيح أنه واجب في الحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحدٌ منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) رواه مسلم في الصحيح.

    حكم إقامة النوادي للنساء

    السؤال: وردت كثير من الأسئلة تسأل عن فتواكم في بعض الصحف عن إقامة نوادٍ للنساء إذا لم يطلع عليها الرجال، فما حقيقة هذه الفتوى؟ وهل هي صحيحة؟ مع علمنا بما يترتب عليها من أضرار..

    الجواب: سئلنا عن هذه المسألة، سألني مندوب الجزيرة في أيامٍ مضت عن مسائل، منها: النوادي التي للنساء، فقلت له: لا أرى مانعاً من نوادي النساء إذا كانت مصونة لا يغشاها إلا النساء، فلا بأس بذلك بهذه الشريطة، وهي أن تكون بين النساء وألا يغشاها إلا النساء، ثم بلغني أنها حملت على النوادي التي اعتادها الشباب، النوادي الخارجية التي يذهبون إليها للكرة وشبهها، فعقبت المقال بمقال آخر نشر في الجزيرة أيضاً، بينتُ مرادي بالنوادي، وأنه ليس مرادي بالنوادي نوادي الرجال أو ما يجانسها، لا، إنما أردت بالنوادي نوادي الخطب والمذاكرة بين النساء مع المدرسات والطالبات، زن المدرسة تقيم نوادي للمحاضرة أو المناقشة بين الطالبات أو بين المدرسات، هذا هو المقصود، أما نوادي مستقلة يذهب إليها النساء من بيوتهن ليجتمعن هناك للعب الكرة وما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز عندي؛ لأنه قد يفضي إلى شر كثير.. قد يفضي إلى الاختلاط، وقد يفضي إلى خروج النساء باسم النوادي، وهن يخرجن إلى شيء آخر، فالذي أرى منع ذلك، وبينته في مقال بعد المقال الأول بيومين أو ثلاثة مع مسائل أخرى.

    كتب الحديث وعلومه

    السؤال: ما هي الكتب التي تنصحوننا بقراءتها من أجل معرفة مراتب الأحاديث؟ وما رأيك في كتاب سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ؟

    الجواب: الكتب التي ينبغي لطالب العلم قراءتها كثيرة ولا سيما في هذا العصر، فإن المطابع صارت تخرج كتباً كثيرة، وهناك مخطوطات كثيرة لم تطبع، فالذي أرى أن كل طالب يعتني بما يتيسر له من الكتب التي في الحديث، ومن أخص ذلك العناية بـالصحيحين ، فإنهما أشرف الكتب على الإطلاق بعد كتاب الله، فالعناية بـالصحيحين من طلبة الجامعات، ومن طلبة الثانوية، ومن طلبة الدراسات العليا، لا شك أنها مهمة جداً، وكذلك شروحهما؛ كـفتح الباري، والعيني، والقسطلاني لشرح صحيح البخاري وشرح النووي لـصحيح مسلم، والمفهم للقرطبي إذا وجد، وما أشبه ذلك، هذه مفيدة جداً، كذلك الكتب المؤلفة في الأحاديث الموضوعة كـالفوائد المجموعة للشوكاني، وغيرها مما ألف في هذا، وأسنى المطالب وغير ذلك، وكذلك ما ألف في الأحاديث المشهورة كـالمقاصد الحسنة وكشف الخفا وغير ذلك، ومثل اللآلئ المصنوعة للسيوطي، والموضوعات لـابن الجوزي ، كل هذه الكتب مفيدة جداً، ومثل المنار المنيف لـابن القيم، هذه كتب مفيدة ونافعة، وكذلك زاد المعاد لـابن القيم في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بيان سنته عليه الصلاة والسلام، والتنبيه على بعض الأخطاء والأغلاط لـابن القيم .

    وأما كتب أخينا وصاحبنا الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني فهي كتب مفيدة، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وصحيح الجامع الصغير، وتخريج منار السبيل وغير ذلك، كل كتبه مفيدة، وليس معنى ذلك أنه لا يخطئ، كل منا يخطئ، قد يكون هناك أغلاط وأخطاء في بعض الأشياء، لكن كتبه في الجملة مفيدة ونافعة، فأنا أوصي بمطالعتها والاستفادة منها، مع الاستفادة من الكتب الأخرى الطيبة النافعة، فيما يتعلق بمصطلح الحديث، ومقدمة ابن الصلاح والباعث الحثيث وألفية العراقي وشرحها، والكتب التي ألفت في هذا الشأن ينبغي للطالب أن يكون له نصيبٌ منها، يطالعها ويعتني بها، ولو كان لا يقتني إلا بعضها، المهم أن يكون عنده منها شيء يستفيد منه.

    حكم مشاهدة التلفاز والفيديو

    السؤال: ما حكم مشاهدة التلفاز؟

    الجواب: التلفاز عندي خطير جداً، وأنا أوصي بعدم مشاهدته وعدم الجلوس عنده مهما أمكن، لكن إذا كان الإنسان عنده قوة يستفيد من الخير ولا يجره ذلك إلى الشر، فلا مانع إذا كان عنده قوة يعرفها من نفسه، فيسمع الشيء الطيب ويستفيد منه، ويبتعد عن الشيء الخبيث من الأغاني والتماثيل الخبيثة وما يضر المستمع فلا بأس، ولكن في الغالب أنه يجر بعضه إلى بعض، فلهذا أوصي بعدم إدخاله البيوت وعدم مشاهدته؛ لأنه يجر بعضه إلى بعض، ولأن النفس ميالة لمشاهدة الأشياء الغريبة بين يديها، وليس مثل الاستماع، فالاستماع أقل والمشاهد مع الاستماع تكون النفس إليه أميل والتعلق به أكثر.

    وأشر من هذا الفيديو فهو أخبث إذا سجلت فيه الأفلام الخليعة التي تداولها الناس -والعياذ بالله- الأفلام الخليعة التي في الفيديو هذه شرها عظيم ويجب الحذر منها، ويجب على العاقل إذا وجد شيئاً من ذلك أن يمزق الفيلم، أو يسجل عليه شيئاً يزيل هذا الخبث الذي فيه إذا كان يمكن ذلك، ويستفيد من أشرطته التي يسجل عليها شيئاً نافعاً.

    طاعة ولي الأمر بالمعروف

    السؤال: ورد أكثر من سؤال حول قول سماحتكم: طاعة الأمير واجبة (من أطاع الأمير فقد أطاعني)، ولكن هل نطيع الأمير في كل شيء؟

    الجواب: هذا حديث رواه الشيخان عن أبي هريرة : (من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني) والله يقول في كتابه العزيز: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] لكن هذا مطلق قيدته السنة، فإن السنة والقرآن يقيدان بعضهما بعضاً، فالمطلق في كتاب الله والسنة مقيدة، وهذه من المواضع التي قيدت في السنة، الله قال: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] وجاءت السنة: (إنما الطاعة في المعروف) فلا يطاع ولاة الأمور إلا في المعروف، ولا الوالد ولا الزوج ولا الأخ الكبير لا يطاعون إلا في المعروف، ولا شيخ القبيلة، كلهم مقيدون، وإن جاءت الأحاديث مطلقة والقرآن مطلق في ولاة الأمر، لكنه مقيد بالأحاديث الصحيحة الأخرى: (إنما الطاعة في المعروف) (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ولما قال صلى الله عليه وسلم: (إنه يلي عليكم أمراء تعرفون وتنكرون، قالوا: وما تأمرنا يا رسول الله؟ أفلا ننابذهم بالسيف؟ أفلا نقاتلهم؟ قال: لا. أدوا إليهم حقهم، واسألوا الله الذي لكم، إلى أن قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) وفي رواية: (ما أقاموا فيكم الصلاة) فالسمع والطاعة لولاة الأمور مقيدة بالمعروف.

    حكم صرف القلب عن سماع القرآن إلى سماع الغناء

    السؤال: أنا شاب في يوم رأيت إلى شابٍ يستمع للغناء، وأنا أعلم أنه حرام وأحببت أن أنصحه، وبعد أن نصحته سألني يقول: ماذا تستفيد من القرآن؟ فقلت: القرآن عبادة، وقال: أنا أستفيد مثل ما تستفيد من القرآن فما حكم ذلك؟

    الجواب: نسأل الله العافية! هذا كلام عظيم خطير، إذا كان يستفيد من الأغاني مثل ما يستفيد المؤمن من القرآن هذا ردة عن الإسلام، نعوذ بالله! يستفيد من الأغاني الفاجرة في حب فلانة وفلان، أو في العشق أو الخمر أو القمار أو ما أشبه ذلك من الأغاني.. تستفيد منها كما يستفيد المؤمن من القرآن! هذا الكلام مجمل وخبيث، فالقرآن كلام الله فيه الهدى والنور، يدل على الخير ويرشد إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، والجواب أن يقال: إذا قال: ما تستفيد من القرآن؟ يقول: أستفيد من القرآن ما فيه صلاحي وهدايتي، وما فيه نجاتي وصلاح قلبي وعملي، وما فيه سلامة ديني ودنياي.. أستفيد منه مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال التي ترضي الله وتقرب إليه، فإن القرآن الكريم يدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.. يعلمنا فرائض الله التي علينا، ويعلمنا ما نهى الله عنه، ويعلمنا طريق الرسل قبلنا، ويعلمنا صفات الأنبياء والمؤمنين وأخلاقهم .. يعلمنا صفات أهل الجنة وأخلاقهم، وصفات أهل النار وأخلاقهم، كل هذا في القرآن العظيم، وهل هناك فائدة أكبر من هذه الفائدة؟ هل في الدنيا شيء أفضل من هذه الفوائد؟ أن تعلم ما يرضي الله عنك وما يغضبه عليك، وأن تعلم صفات الأبرار والأخيار والمؤمنين حتى تأخذ بها، وأن تعلم صفات أهل الجنة حتى تأخذ بها، وأن تعلم صفات الأشرار والكفار حتى تحذرها، وأن تعلم صفات أهل النار حتى تحذرها، هل هناك شيء أكبر من هذا؟

    أما الغناء فمعناه أنه يستفيد منه مرض قلبه وانحرافه عن الهدى، وزيغه عن الحق، هذه الفائدة من الغناء، قال ابن مسعود رضي الله عنه -فيما صح عنه-: [الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل] هكذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والله يقول في كتابه العظيم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6] (من الناس) هذا ذم لبعض الناس (يشتري) يعتاض (لهو الحديث) قال أكثر المفسرين: معناه الغناء، وزاد بعضهم مع الغناء آلات الملاهي والطرب وكل صوت يصد عن الحق، كله داخل في الحديث، ثم قال بعده: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الحج:9] وقرأ بعضهم: (لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) فدل على أن اعتياد الأغاني فيه ضلال عن سبيل الله وإضلال عن سبيل الله، هذه عاقبة لهو الحديث، الضلال والإضلال، نسأل الله العافية.

    ثم من فوائده: أنه يتخذ آيات الله هزواً، أي: يدعوه بعد ذلك إلى الاستهزاء بالقرآن وعدم الأنس بقراءته، والاستكبار عن سماعه أيضاً، والعياذ بالله! وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا [لقمان:7] هذه فوائد الغناء: الضلال والإضلال، والسخرية بسبيل الله، والاستكبار عن سماع آيات الله، هذه العاقبة والعياذ بالله!

    حكم طواف الحائض

    السؤال: امرأة دخلت إلى المسجد الحرام وهي حائض فطافت وسعت وأكملت مناسك الحج، فما عليها؟

    الجواب: هذه عليها أن تعيد الطواف وتعيد السعي عند جمهور أهل العلم وتعيد التقصير، والصواب أنه لا يلزمها إعادة السعي، فإذا أعادت الطواف كفى، وإذا أعادت السعي خروجاً من الخلاف فحسن، ثم تعيد التقصير، تقصر من رأسها وتكون عمرتها صحيحة.

    السائل: وادعت يا شيخ وذهبت إلى بلدها؟

    الشيخ: إذا ذهبت إلى بلدها عليها أن ترجع إلى مكة وليس لزوجها قربانها، وعليها أن ترجع إلى مكة فتطوف وتسعى وتقصر حتى تكمل عمرتها؛ لأن طوافها الأول غير صحيح، فسعيها وتقصيرها لا يكفي، فعليها أن ترجع حتى تكمل أفعال عمرتها، هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم: اشتراط الطهارة في الطواف.

    السائل: لكن يا شيخ ولو عملت محظورات الإحرام؟

    الشيخ: ولو عملت ترجع، لكن إن وطأها زوجها تكون العمرة فاسدة عند الجمهور ولو أنها جاهلة، تكون العمرة فاسدة وتكملها فاسدة ثم تقضيها بعد ذلك.

    وقال بعض أهل العلم: إذا كانت جاهلة فلا تفسد عمرتها بالوطء، وعليها أن تكملها وتصح، ولكن جمهور أهل العلم على أن الوطء يفسدها مطلقاً كما يفسد الحج، مع النسيان ومع الجهل؛ لأن الصحابة الذين أفتوا بفساد حج من وطئ قبل عرفة أو بعد عرفة قبل الرمي، أفتوه بأنه فسد حجه ولم يستفصلوه، هل كان جاهلاً أم ناسياً؟ مع أن الظاهر أنه لا يقدم أحد على وطء إلا جاهلاً أو ناسياً، لا يقدم عليه مؤمن يؤمن بالله، عمداً قبل أن يفيض من عرفة، أو قبل أن يرمي جمرة العقبة، وإنما يقع في هذا غالباً الجهال والناسون.

    حكم الصلاة إلى النساء في الحرم وغيره

    السؤال: صليت ذات مرة في المسعى في الحرم المكي وأمامي نساء في المصابيح بعيداً عني قليلاً، فهل صلاتي صحيحة مع العلم أن بيني وبينهن حاجزاً وارتفاعه متران؟

    الجواب: لا يضر ذلك وصلاته صحيحة، إذا صلى وأمامه نساء في الصف حتى إن ولم يكن هناك حاجز، حتى ولو كن أمامه مباشرة فإن صلاته صحيحة، وهذا قد يقع في المسجد الحرام والمسجد النبوي أيام الحج للزحام، تكون صفوفهم مختلطة قهراً، فصلاته صحيحة وإن لم يكن هناك حاجز..

    أولاً: لأن الوقوف ليس مروراً، والذي يقطع هو مرورهن لا وقوفهن، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي وأمامه عائشة على السرير، عليه الصلاة والسلام ، إنما الذي يقطع الصلاة مرور المرأة بين يدي المصلي أو بينه وبين السترة.

    ثانياً: أن المأموم له حكم سترة إمامه، فلا يضره مرور المرأة إذا كان يصلي وهو مع الإمام، فإن كان منفرداً في صلاة نافلة أو فريضة وهي واقفة أمامه أو مضطجعة فلا يضره ذلك، إلا إذا مرت وقطعت الطريق بين يديه أو بينه وبين السترة، هذا هو الذي يقطع الصلاة على الراجح.

    لكن لا ينبغي أن تكون المرأة في الصفوف، بل الواجب أن تؤخر إلى ما وراء الناس، لكن قد يأتي في زحام وأمر لا طاقة لأحد به، إذا جاءت امرأة في الزحام لا يستطيع الجنود ولا غيرهم إخراجها أبداً؛ لأن إخراجها فيه بلاء عظيم، ونقلها من صف إلى صف فيه فساد أيضاً وشر، فجلوسها في الصف وبقاؤها فيه حتى ينفرج الناس أسهل وأيسر.

    حكم عدم الوفاء بالعهد

    السؤال: أنا شاب قد عاهدت الله على أن أقرأ من مختصر تفسير ابن كثير عدداً من الصفحات في اليوم ولكنني أوف بهذا العهد، علماً بأني قد حددت هذه المدة وقد انتهت، فماذا يجب علي؟

    الجواب: عليك أن تجتهد، إن كان العهد بلفظ والله فعليه كفارة يمين، وإن كنت قلت: أعاهد الله لأفعلن كذا، فعليك التوبة والاستغفار والرجوع إلى الحق والخير.

    أما الكفارة ففيها نظر؛ لأنها ليست بيمين، لكن إن كفَّرت احتياطاً فهو أحسن، ولكن لا يسمى هذا يميناً، العهد ليس بيمين، وإنما اليمين أن تقول: والله أو بالله أو تالله.

    الحاصل أن هذا ليس بيمين، وإذا قصرت في ذلك فينبغي لك أن ترجع إلى الخير، وأن تريح نفسك بقراءة الصفحات، ولكن لا يلزمك ذلك.

    حكم زواج أخي من أمي بأختي من أبي

    السؤال: إنني شاب طلق أبي والدتي وتزوج امرأة غيرها، وهي تزوجت رجلاً آخر، فأنجب والدي ولدين وبنتاً، وأنجبت والدتي ولداً وبنتاً، فأراد أخي من الأم أن يتزوج أختي من الأب، فهل يصح ذلك أم لا؟ نرجو إفادتنا فأنا في موقف محرج من هذا الموضوع.

    الجواب: ليس هناك حرج إذا تزوج أخو زيد من الأم أخته من الأب، لا بأس؛ لأنه ليس بينهما قرابة، ولم يكن بينهما رضاع.

    زيد له أخت من الأب وأخ من الأم، فأخوه من الأم ينكح أخته من الأب، لا بأس به؛ لأنه ليس بينهما قرابة.

    زيد له أخ من أمه فاطمة، فاطمة لها أولاد من خالد، وزيد ابن لمحمد وله أخت من محمد من زوجة أخرى غير أمه أجنبية اسمها حصة، هذه حصة التي هي بنت محمد أخت زيد من أبيه يريد أن ينكحها أخوه من أمه الذي ليس من أبيه بل من أمه فقط، هو أجنبي من حصة بنت محمد؛ لأنه هو من شخص آخر من أم زيد، فهذا الشخص الآخر الذي هو أخو زيد من أمه بعيد عن بنت محمد أخت زيد من أبيه.

    حكم الزواج بأخت الأخ من الرضاع

    السؤال: أرجو إخباري عن الحكم في السؤال المشكل عليَّ: لي أخ كبير ورضع من زوجة جاري مع بنت لها ثم أتت لهم بنت أخرى، فهل يصح لي أن أتزوج بها أم لا يصح؟

    الجواب: إذا كان أخوك الكبير هو الذي رضع من زوجة جارك أما أنت فلا شأن لك، أخوك الكبير رضع من زوجة جارك هو الذي لا يحل له أن يأخذ من بنات الجار من بنات الزوجة وزوجها؛ لأنه صار أخاهم، إذا كان رضاعه تاماً خمس رضعات فأكثر، أما أنت فليس لك دخل في هذا، لم ترضع من زوجة جارك، ورضاع أخيك الكبير لا يسري عليك ولا يتعلق بك، المقصود أن رضاع الإنسان لا يسري على أخوته ولا يعم إخوته، فإذا رضع زيد من زوجة محمد رضاعاً تاماً شرعياً، فزيد تحرم عليه بنات محمد من هذه الزوجة ومن غيرها، وتحرم عليه بنات امرأة محمد من هذا الزوج وغيره إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر، أما إخوة زيد فلا يضرهم ذلك، إخوة زيد لا بأس أن ينكحوا من بنات محمد؛ لأنهم لم يرضعوا من بنات محمد، وهم لم يرضعوا من أم المتزوج.

    حكم التصوير للضرورة

    السؤال: ما حكم التصوير إذا كان الإنسان مضطراً إلى ذلك؟ أفتونا أثابكم الله.

    الجواب: التصوير إذا دعت الحاجة إليه كصاحب تابعية ورخصة قيادة وما أشبه ذلك، فنرجو ألا يكون فيه شيء، إذا علم الله من قلب الإنسان كراهة ذلك وأنه لا يرضاه ولكن للحاجة فهذا من جنس المكره؛ لأنه يحار بينه وبين مصالح كبيرة، إذا لم يكن عنده تابعية أو ليس عنده رخصة يقود بها السيارة، فمضرته عظيمة، فهو أعظم من المكره، وأشد حاجة من المكره، فلا حرج عليه في ذلك، لكن عند التصوير لا يكون راضي القلب، بل يكون كارهاً من قلبه أثناء ذلك.

    بعض أحكام سجود السهو

    السؤال: هناك مسألة حدثت بالأمس ... أمنا إمام وصلى بنا الركعة الأولى والثانية، ثم سها فقام للثالثة من غير تشهد وذلك في صلاة الظهر، ثم سبحنا فجلس فتشهد التشهد الأول فأطال، فسبحنا فسجد للسهو ثم ارتج عليه، فتقدم إمام ليكمل الصلاة وصلى بنا، فسجد الإمام الأخير النائب للسهو، مع العلم بأن الأول سجد ثلاث سجدات للسهو؟

    الجواب: هذا شيء غريب! على كل حال هذا الذي ارتج عليه وجلس في التشهد الأول ولم يقم للثالثة والرابعة واشتبهت عليه الأمور وتردد، فقام إنسان ونوى الانفراد عن الإمام وكبر بالناس وكمل بهم، نرجو أن تكون صلاته صحيحة؛ لأنه أنقذ الموقف، وهذا الإمام اشتبهت عليه الأمور وحار ولم يدرِ كيف يفعل.

    الشيخ: هو سلم أم لم يسلم؟

    السائل: سلم قبل الإمام.

    الشيخ: الحمد لله، إذاً انتهى الأمر، مادام سلم قبل ما فيها إشكال، إذا سلم وقام واحد منهم وكمل بهم هذا لا إشكال فيه، أما إن كان لم يسلم فهو محل الإشكال، إذا سلم الأول جاز أن يقدم ويصلي بهم ويكمل بهم الصلاة أو يكملوا لأنفسهم، أما إذا كان الأول لم يسلم ارتج عليه وبقي حائراً هذا لو صبروا حتى ينتهي الأمر، لكن لو قدموا إنساناً لأنه ارتج عليه ولم يعرف كيف يفعل، فقدموا إماماً وصلى بهم البقية لا حرج في ذلك؛ لأنهم مضطرون إلى ذلك حتى يكملوا الصلاة، وعليهم أن يكملوها مع الإمام الأخير.

    السائل: سلام الإمام الأول كان بعد تكبير الإمام الثاني الذي انفرد بنا وصلى بنا.

    الشيخ: الذي ينبغي لو صبروا حتى ينبهوه حينما سلم ويقولون له: بقي لنا ركعتان، مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سلم لركعتين؛ فلما نبهوه قام وأتى بالركعتين، ثم سلم، ثم سجد للسهو صلى الله عليه وآله وسلم، وسلم، هذا ما ينبغي للجماعة، أنهم ينبهون الإمام بعدما سلم أنه ناقص، وأنه بقي عليه ركعتان فليقم يأتي بها، لو فعلوا هذا لكان هذا الذي ينبغي.

    السائل: سجوده للسهو الثاني؟

    الشيخ: الظاهر أنه يسجد سهو؛ لأنه حصل معهم سهو، حصل لبس من هذا الإمام الذي سلم من صلاته، تردد في الصلاة ولم يعرف كيف يفعل، وهذا الإمام الجديد الذي أنقذ الموقف وصلى بهم حصل في الصلاة نوع من النقص، فإن سجد للسهو لأجل سهو إمامه الذي أناب عنه فلا بأس - إن شاء الله - وإن لم يسجد فلا حرج؛ لأنه ما سها هو، الإمام هو الذي سها وانتهى وراح، لكن إن سجدوا لأن سهو إمامهم نقص عليهم فالظاهر لا حرج إن شاء الله؛ لأنهم مجتهدون في هذا ولا يضرهم.

    أهمية إرسال الدعاة لدعوة الناس وتعليمهم

    السؤال: أنا طالب حريص على طلب العلم ولكن لا يوجد في بلدنا علماء، فلماذا لا يتبنى فضيلتكم إرسال علماء إلى جهات المملكة حتى نطلب على أيديهم العلم الصحيح؟

    الجواب: هذا حق، وينبغي لمن ليس عنده أحد أن يكتب لهذا ويسأل؛ لأن الدعاة موجودون ولكنهم قليل، فبالإمكان أن يكتب للقاضي، وبالإمكان أن يرسل داعية يجلس لهم ويعلمهم، فينبغي لمن كان في قرية أو بلد ليس فيها أحد أن يكتب إليَّ مثلاً أو إلى الدولة يطلب منها أن تعمم على الجهات المسئولة بأن ترسل لهم من يعلمهم، لا مانع من هذا، والقضاة قد يقوموا باللازم، وقد يقوم داعية من الدعاة باللازم، فالحاصل أن الذي لا يجد في قريته من يتعلم منه ينبغي له أن يكتب إما إليَّ مثلاً أو إلى الدولة يطلب منها، أو إلى وزارة العدل يطلب منها إرسال قاضٍ حتى يعلم الناس، المهم ألا يسكتوا.

    علاج مشكلة إقامة لعب الكرة أثناء الصلوات

    السؤال: حضرت مباراة من قبل صلاة العصر ولم تنته إلا بعد صلاة العشاء والجمهور بكامله لم يصلِّ، فلماذا فضيلتكم لا يتبنى إيجاد علاج لهذا الشيء؟

    الجواب: هذا بلاء موجود من سنوات كثيرة، وقد عولج بشتى العلاج مشافهة وكتابة مني ومن غيري من العلماء وجماعات أيضاً، ليس مني وحدي، فمني ومن غيري من جماعات، ومن هيئة كبار العلماء، ومن جماعة من المشايخ، ولكن إلى الآن لم يتيسر السلامة من هذا البلاء، ونرجو من الله أن يسهل الخلاص منه، فهو بلاء كبير وانتشر في المملكة انتشاراً كبيراً، فنسأل الله أن يعين أهل العلم والدولة على علاج الموقف مما ينقذ الناس من هذا البلاء، لاشك أنه بلاء عظيم، ونحن لا شك أننا مقصرون، ولكن مع تقصيرنا قد عالجنا عدة معالجات.

    حكم أخذ الأموال الزائدة من العمال

    السؤال: لدي عمال قدمت بهم من بلدهم في مؤسسة لدي وعددهم اثنا عشر عاملاً، وراتب كل منهم ستمائة ريال في الشهر، وأنا أحصل من الواحد منهم في الشهر أكثر من ألف ريال، مع أني أسكنهم وهم تحت كفالتي وأنا في حيرة من المال الزائد، أرشدوني جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: إذا كان الرجل استقدم عمالاً على حسابه وكفالته براتب معلوم، ثم شغلهم في أعمال أخرى على حسابه، وصاروا يتقاضون رواتب أكثر فلا بأس عليه في ذلك؛ لأنه قد ملك منفعتهم بالعقد الأول، وتكلف استقدامهم ومشقة ما يترتب على ذلك، فهو في هذا لا حرج عليه إذا كان قد عاقدهم على أجرٍ معلوم ستمائة مثلاً، ثم صاروا يعملون برضاهم أعمالاً أخرى ليست عنده من جنس العمل الذي عاقدهم عليه أو من غير جنسه، ولكن قد رضوا به فلا بأس، والزيادة حل له ولا بأس، لأنه قد ملك منفعتهم بالعقد الأول، إنما المشكل ما يفعله بعض الناس وهو أن يستقدمهم للكفالة، ثم يعملون ويأخذ من أجورهم الثلث أو الربع أو شيئاً معيناً، هذا محل إشكال، وهذه مسألة لا تزال تدرس في اللجنة عندنا، وقد عرضت على مجلس هيئة كبار العلماء، وقد حصل فيها نظر، ثم تأجل البت فيها، فالحاصل أن هذه مسألة مشكلة، ونرجو أن تحل وبسرعة إن شاء الله، أما هذه التي سأل عنها السائل، وهي أنه استقدمهم على حسابه براتب معلوم، ثم شغلهم في أعمال برضاهم يسلمون له ما تحصلوا عليه ويعطيهم رواتبهم التي اتفق معهم عليها، فلا بأس بهذا.

    مصلحة الاستئذان من القضاة في الدعوة إلى الله

    السؤال: نحن نريد الدعوة والنصيحة للناس في المساجد أو في غيرها، ولكن لا يتم ذلك إلا بإذن، والإذن الحصول عليه صعب، فأنا لدي اقتراح لعل فضيلتكم يسعى به، وهو أن يوضع الإذن عند رئيس القضاة في كل بلد، والقاضي يتحرى فيمن يعطيه، والله سبحانه وتعالى يوفق الجميع.

    الجواب: يدرس إن شاء الله، هذا اقتراح جيد جزاك الله خيراً، اقتراح لا بأس به، يدرس إن شاء الله، ويشار به على المسئولين، ولعله ينفع إن شاء الله، نسأل الله أن يسهل أمر الجميع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768033839