فقد انتشر الإسلام في فجاج الأرض بدعاته العاملين به، وإنما يتقبل الله عمل العاملين بما وقر في قلوبهم من إيمان وتصديق، وبما بذلوا من جهود في سبيل الله.
فقد تصيب بعض العاملين للإسلام ودعاته أمراض يتوقف بها ثوابهم وعطاؤهم في بعض الأحيان.
وسأحاول في حديثي هذا أن ألقي ضوءاً على أحد هذه الأمراض التي قد تصيب دعاة الإسلام والعاملين للإسلام، وحديثي إنما هو تذكير لنفسي، وتذكير لإخواني، فالدين النصيحة.
فأقول: إن هناك ما يسميه بعض الناس بالجفاف الروحي، أو الهزال الذي يصيب روح الإنسان فيصبح آلة صماء تتحرك وتسعى ولكن من غير قلب.
وهذا مرض خطير، إذا أصاب الإنسان فقد العمل قيمته، وأصبح العمل الذي يبذله إما عديم الفائدة أو قليل الفائدة.
وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون الإنسان مخلوقاً من قبضة من طين، فشكله ونفخ فيه من روحه، فالإنسان يتكون من هذين العنصرين، فلقبضة الطين -وهي الجسد- مقتضياتها، وللروح التي تسري في كياننا متطلباتها ومقتضياتها، والناس منذ القديم بين إفراط وتفريط.
ففريق من الناس يفرطون في إعطاء الجسد متطلباته والعناية به عناية كبيرة تجعلهم يهملون الروح، وفريق غالى في الجانب الآخر.
فجاء دين الله سبحانه وتعالى الذي هو الإسلام الذي أنزل للناس منذ أن أُرسل نوح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ليجعل الإنسان ينتظم في منهج واحد، فليس هناك انشقاق أو انقسام في حياة الإنسان، وإنما هو طريق وسبيل واحد، فانتظمت مطالب الجسد والروح في هذا المنهج، فالذي أوجده هو خالق الإنسان، فمنزل القرآن ومنزل الإسلام هو خالق الإنسان.
وقلوب الناس إنما تحيا بهذا الإسلام وتستنير استنارة هذه المصابيح الكهربائية التي نشاهدها عندما تتصل بمصدرها، وكذلك هذه القلوب عندما تتصل بخالقها وبالنور الذي أنزله الله سبحانه وتعالى فعند ذلك يشرق قلب الإنسان وتشرق نفسه وتضيء.
قال الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ [النور:35] أي: مثل نوره في قلب عبده المؤمن كمشكاة فيها مصباح.
والقلوب فيها مصابيح، فإذا ما استمدت من كتاب الله ومن سنة رسول الله استضاءت استضاءة حقيقية لا شكلية، وأصبحت حياة الإنسان لها معنى، ولها قيمة ولها طعم، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجد الإنسان في قلبه حلاوة للإيمان يتذوقها، فهل نريد أن نصل إلى هذه الدرجة، وأن نستشعر الإيمان في قلوبنا، وأن يكون إيماننا إيماناً حقيقياً نحسه في ذوات أنفسنا، ونجد نداوته وحلاوته في قلوبنا؟
فإذا بقي العمل للإسلام عملاً ظاهرياً لا يغزو أعماقنا ولا يستقر في قلوبنا فسيكون حظنا من الإسلام قليلاً وضئيلاً.
فقسوة القلوب تجعل الإنسان لا يستطيع أن يتحرك بإسلامه وبدينه، وإن تحرك فحركته بطيئة آلية لا تغني كثيراً.
وأنا لا أعني أن يشتغل الإنسان بالدنيا، فتلك طبيعة الإنسان، وذلك منهج الله، فنحن نعمل في الدنيا للآخرة، ونأخذ حظنا من الدنيا، ونأخذ حظنا من الآخرة، ولكن لا نريد أن تنشغل هذه القلوب بحيث تتعلق بالدنيا تعلقاً يعبِّدها لهذه الدنيا.
والرسول صلى الله عليه وسلم سمى هذا الانشغال عبودية فقال: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة)، ونحن كلنا نلبس ونحرص على أموالنا، والقرآن أمرنا بذلك، فليست القضية أن يشتغل الإنسان بالدنيا، وإنما أن يتعلق قلبه بها فتصبح هي مدار حياته يدور بها كما يدور الحمار بالرحى.
وقد يقوم هذا الإنسان ببعض الأعمال للإسلام لكن قلبه متعلق بالدنيا، هي التي تسيِّره وهي التي توقفه، إن أعطي منها رضي، وإن لم يعط منها سخط، فدنياه ذات تأثير كبير عليه أكثر من تأثير دينه عليه.
فهذا الإنسان في خطر كبير، وينبغي أن يتدارك نفسه فيعالجها، وذلك بأن يعلم قيمة الدنيا كما وصفها الله في كتابه، ويعلم قيمة الآخرة، وينظر في قصر الدنيا وفي طول الآخرة كما بينه القرآن الكريم، ومن ذلك على سبيل المثال قوله جل وعلا: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:14-16].
حتى إن الانشغال الدنيوي الذي ليس فيه شغل قلبي قد يقسي القلوب، ففي بعض الأحيان يحتاج القلب إلى علاجه السريع، وهو ألا يغفل المسلم عن ربه وعن ذكره وعبادته.
(لقي
والشاهد: أن الإنسان حين ينشغل بهذه الأمور يجف أحياناً ما يستشعره من إيمان، فيقسو قلبه شيئاً ما، فهذا شيء طبعي، لكن ينبغي له أن يعالج.
ولذلك شرع الله لنا أن نعمل في دنيانا ثم نعود إلى الصلاة، وهذا من حكمته سبحانه، فما يكاد الإنسان ينشغل في الدنيا حتى يعود إلى صلاة الظهر، ثم يعود إلى صلاة العصر، ثم يعود إلى صلاة المغرب، ثم إلى صلاة العشاء، وهو مع ذلك يذكر الله في أثناء عمله فلا يدع قلبه يقسو ويتأثر تأثراً كبيراً بالدنيا.
وينبغي أن يدمن المسلم العبادة وطاعة الله عز وجل، فهذه العبادة التي نتوجه بها إلى الله سبحانه وتعالى -والله غني عنها- ذات تأثير كبير في إصلاح النفوس والقلوب، وفي صلاح القلب صلاح للإنسان، وفي الحديث: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
ومن أعظم ما يصلح القلوب: منهج التزكية في الإسلام ومن أعظمه: هذه العبادات التي جاء بها الإسلام من صلاة، وصيام، وذكر، ودعاء، واستغفار، وحج، وعمرة، وغير ذلك من العبادات التي شرعها الإسلام، فهي من أهم ما يصلح النفوس ويربيها، وحسبنا في ذلك قول الله عز وجل: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، والطمأنينة شيء عظيم عندما يفقده الإنسان يصبح في حياته كثير من الشقاء، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة)، فالذكر والاستغفار يذهب هذا الذي يصيب القلب من قسوة.
والمقصود: أن يستشعر المسلم من الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصد أن يذكر الله، وأن يحرص على الذكر بالسبل التي شرعها الله، ومن جملة ذلك الاستغفار.
فما يفعله الإنسان وما يتكلم به أحياناً إذا كان فيه شيء من البعد عن منهج الله أو شيء من الخطأ قد يصيب الإنسان فيغشي قلبه نوعاً ما، فالاستغفار يذهب ذلك، والدعاء كذلك.
ومن جملة هذا أن الصلاة والعبادة والدعاء والاستغفار حصن يقي الإنسان من وساوس الشيطان التي تؤثر تأثيراً سيئاً على قلب الإنسان.
فالحرص على العبادة كما شرعها الله سبحانه وتعالى غذاء ودواء للقلب، ولعله مر على كثير منا مقولة المجاهد الكبير ابن تيمية رحمه الله عندما كان يجلس من الفجر إلى الضحى وهو يذكر الله، والتي ينقلها عنه ابن القيم أنه كان يقول: هذا زادي أي: هذه الجلسة زادي فلو فقدتها فلن أستطيع أن أستمر بقية يومي!
فوصف الله أولي الألباب بأنهم الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، ويصلون إلى النتيجة من هذا التفكر وهي قولهم: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191]، والآيات التي تأمر بالتفكر والتذكر كثيرة، وعلى الإنسان أن يتفكر في أصل خلقته قال تعالى: فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ [الطارق:5]، وأن يتفكر في طعامه: فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا [عبس:24-26]، وأن يتفكر في مخلوقات الله: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:17-18] وهذا منهج واضح في كتاب الله ينبغي أن يحرص المسلم عليه حرصاً شديداً.
ثم إن التدبر في الآيات القرآنية المتلوة، لا يكون بإقامة حروف القرآن وتحسين تلاوته فقط، مع أن ذلك شيء طيب وجميل ومطلوب، لكن ينبغي أن ننظر فيما وراء الألفاظ، وأن ننظر في المعاني، وفيما ترشد إليه هذه الآيات فنعتبر ونستغفر.
ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (سيأتي أقوام يقيمون هذا القرآن إقامة القدح ثم لا يجاوز حناجرهم)، وهؤلاء هم الخوارج، فالقرآن لا يجاوز حناجرهم، فهم يحسنونه ويتلونه ويقومون به آناء الليل والنهار، ولكنهم لا يفقهون هذا الكتاب فقهاً حسناً.
فنحن مطالبون بأن نتدبر القرآن، وأن نتبصر فيه وفق المقاييس التي وضعها السلف الصالح في فهم القرآن الكريم، يقول جل وعلا: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].
فالله سبحانه وتعالى ذم هذا الفريق وهذا الصنف من الناس الذي لا يتدبر هداية الكتاب، فالقرآن الكريم نور وهداية، يكشف الظلمات، وهو روح في نفس الوقت كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].
فهو نور وروح يحيي موات القلوب، وهو نور يكشف ظلمات النفس والكفر والشرك والباطل، ويكشف حقيقة أهل الضلال والزيغ والطغاة والظالمين، ويكشف أعمالهم، وهو نور لا يستغني عنه الإنسان، فإنه يبصره بربه، ويعرفه بمنهجه وبحقيقته، فنحن في سبيل إزالة هذا المرض لابد أن نحرص على الإكثار من هذا المنهج الذي ذكره الله سبحانه وتعالى، وأن نتفكر في آيات الله الكونية المشاهدة المنظورة، وأن نتفكر في آيات الله المتلوة المنزلة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، ويدخل في ذلك فهم الأحاديث والتدبر في معانيها.
ففي زحمة الأعمال والأشغال تتداخل الأهداف وتتصارع، وإذا غفل الإنسان عن نفسه فسيجد أن كثيراً من أعماله -إن كان صادقاً مع نفسه- لم يقصد بها الله سبحانه وتعالى، ولم يرد أجره وجنته، ولم يخف من ناره، وإنما عمل ذلك من أجل نيل شهرة أو رياءً أو شيئاً من ذلك، وهذا الأمر خطير، ونحن نعلم مدى خطورة هذا الشيء، فأصحاب هذه الأعمال لا قيمة لعملهم عند الله سبحانه وتعالى، فالثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار هم: مجاهد ومتصدق وعالم، كانت أعمالهم لغير الله، ما فتشوا في نفوسهم وسألوها: لم فعلتِ هذا العمل؟ وما صبروا على أن يكون العمل خالصاً، فهذا يحتاج إلى جهاد، وإلى أن يبذل الإنسان في سبيل ذلك جهداً، وكلنا نحتاج إلى هذا، فالصحابة رضي الله عنهم احتاجوا إلى هذا التوجيه، ونحن بحاجة إليه، يقول أحد الصحابة: ما علمت أن فينا أحداً يريد الدنيا حتى أنزل الله قوله: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152].
فنحن بحاجة إلى أن نفتش دائماً في نفوسنا ونسألها: لم نعمل هذا العمل؟ فهذا هو أول الدين كما يقول العلماء: أول الدين وآخره الإخلاص في العمل، وهو مضمون قول لا إله إلا الله، بل إن أصل الدين الذي هو محور القرآن الكريم ومحور دعوة الرسل جميعاً ومحور الرسالات السماوية: أن يكون الدين لله، وأن تكون العبودية لله، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له، وفي اللحظة التي تتداخل الأهداف وتصبح عند الإنسان غايات مختلفة غير هذه الغاية يفتر كثيراً، وقد يخطئ في كل شيء.
فالدين لابد أن يكون خالصاً لله تعالى، عند ذلك يكون العمل مثمراً وخيراً، ويكون قليل العمل مباركاً، فالعمل القليل يصبح بالإخلاص عملاً كبيراً مباركاً؛ ولذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، فشق التمرة بالإخلاص ينفع، والعمل الكثير بدون الإخلاص لا خير فيه ولا بركة.
وفي المقابل جعل على الأمور التي يندفع إليها الإنسان وهي مكروهة في الشرع العقاب الشديد؛ ولذلك فنحن بحاجة إلى أن نذكر أنفسنا باستمرار بما جعله الشارع من ثواب على الأفعال التي يحبها والتي طلبها منا.
فقد خلق الله تعالى نفس الإنسان بهذا الشكل، فنحن نحب الخير لأنفسنا، ولذلك نجد الحافظ المنذري يكتب ثلاثة مجلدات في الترغيب والترهيب، وقد بين القرآن وبينت السنة تفاصيل الأعمال التي يعملها الإنسان، والتي يحب الله من الإنسان أن يعملها، والأجر العظيم المترتب عليها، فالإنسان عندما يتفكر في الأجر المترتب عليها يندفع لعملها، فعندما يقرأ آكل الربا قول الله عز وجل: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]، وعندما يقرأ آكل مال اليتيم قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10]، وعندما يقرأ الذين يكنزون المال قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35]، وعندما نقرأ جزاء الكافرين في قوله سبحانه: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:19-22]، ثم نقرأ ثواب المؤمنين: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [الحج:23-24]؛ نجد أن النفوس والقلوب تميل وتقبل على العمل، وعندما تقرأ في الثواب والأجر تحاول أن تتخذ الوسيلة التي شرعها الله سبحانه وتعالى للحصول على هذا الثواب.
فعندما يسمع المسلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، ويسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقوله: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)؛ يقبل على هذا، ويتخذ الوسيلة التي تؤدي إلى هذه الغاية الكبيرة.
وعندما يسمع ما أعد الله للكافرين يهرب ويفر من هذا العمل الذي سيوصله إلى غضب الله وسيوقعه في هذا البلاء العظيم، فنحن بحاجة إلى أن نعلم أن آيات القرآن امتلأت بذكر الوعيد، وبذكر ما يناله المؤمنون في الدنيا وفي الآخرة وما يناله الأتقياء والصالحون، فهذا ليس عبثاً، وتكوين الإنسان بهذا الشكل ليس عبثاً، والذين حاولوا أن يغفلوا هذا الأمر أضروا بالمسلمين ضرراً بالغاً، مثل الصوفية الذي يقول قائلهم: ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك!
فالذين ما عبدوه لأجل هذا، أضروا بالناس ضرراً كبيراً، وأصبح بسطاء المسلمين يحاولون أن يصلوا إلى هذه المثالية المزعومة فيجدون نفوسهم تأبى ولا تستطيع أن ترتفع حتى لا تطلب جنة ولا تهرب من نار، ثم إذا أهملوا الجنة وأهملوا النار فترت عزائمهم وضعفت نفوسهم وأصبحوا لا يتقبلون المواعظ وتركوا العمل.
فهذا أحدث شرخاً في تاريخ المسلمين وفي نفوسهم، وهذا مناقض لمنهج الله سبحانه وتعالى، فلو عقلوا لما اختاروا شيئاً ما اختاره الله سبحانه وتعالى لهم، أما المنهج الذي يصف الله به رسله وأنبياءه والصالحين وأمر عباده أن يسلكوه وبصرهم به: هو أن يعبد الله بالخوف والرجاء، وما ذلك إلا لأن الإنسان بغير هذا لا يندفع إلى العمل الصالح.
فالجدل إذا أصبح سمة للإنسان وسمة للأمة وأصبح مظهراً لازماً، لا يجلس الناس مجلساً إلا وكان لهم فيه جدل؛ فهذه علامة مرض، والجدل يفرق ويقسي القلوب.
وأنا لا أعني ألا يكون هناك أي جدل، فقد أمر الله رسوله فقال: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، إنما الذي أعنيه ألا يصبح مظهراً يشغلنا عن كتاب الله وعن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعن ذكر الله وطاعته.
وأنا لا أعني أن نترك الحوار الذي يؤدي إلى الحق، ولكن لا أريد أن يتعمق هذا بحيث يفرق ويقسي قلوبنا، إنما يكون الجدل للوصول إلى الحق، فإذا استعصت المسألة فهناك متسع من الوقت للبحث والتنقيب والدراسة، وأخيراً نصل إلى الحق إن شاء الله.
والجدل إذا ما تعمقت جذوره فهو علامة مرض خطير، وما ابتعد الناس عن الهدى إلا ألقي عليهم الجدل، وهذا ليس على إطلاقه، بل يجب أن نحاور أهل الباطل ونجادلهم ونبين لهم، ونحن فيما بيننا نتفاهم ونتشاور في المسائل التي تهمنا، وفي معالجة أمور ديننا، وهذا مما أمرنا به الإسلام، لكن لا نريد أن يصل الأمر إلى أن يشغل الناس بالجدل وبالقضايا الخلافية فقط، بل ينبغي أن يكون الهم دائماً تفهم الإسلام والقرآن، وزيادة الإيمان وتجديده، وتزكية النفوس، وفي أثناء ذلك تأتي قضايا قد لا يعلمها البعض أو يغفل عنها، لكن لا يكون الجدل همنا فنضيع الأصول بسبب الجدل، فهناك فرق بين هذا وبين ذاك، ونحن نسير في الطريق علماً وفهماً وعملاً، فهذا هو المنهج، وهذا هو الأصل، ونحن نريد أجر الله وثوابه، ونريد أن نحقق الإسلام في نفوسنا، وفي إخواننا، وفي الناس من حولنا، فأثناء سيرنا في الطريق قد نأتي على أشياء لا نفهمها، وقد يتساءل الناس عنها، فلابد أن نبينها.
فإن كان هناك أناس يعادوننا ويخاصموننا فنحن نرد خصومتهم، ونبين وندحض باطلهم، وهذه إنما هي وقفات في الطريق، ولكنها ليست هي المنهج والأساس.
ففي بعض الأحيان وعندما يتأزم الأمر خاصة بين الإخوة يكون ترك الجدل مطلوباً، وإن كان الإنسان يعتقد أنه على حق، بل ولو كان مستيقناً من الحق، فيكون ترك الجدل مطلوباً كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً)؛ لأن الطرف الآخر في بعض الأحيان قد يصل إلى أن يجعل الجدال نوعاً من الهوى، ففي هذه الحالة يجب على أحد الطرفين وإن كان معه الحق أن يتوقف، وألا نجعل الجدل سبيلاً لإضاعة الوقت وقتله والعياذ بالله، فهذه هي المصيبة.
وقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً على أصحابه فوجدهم يتجادلون في القدر فقال: (ما لهذا أمرتم، فاقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم)، فإذا أحسسنا بعد ذلك أن الأمر لم يسر على هذا النحو فعلينا أن نتفرق من المجلس؛ لأن الجدل يقسي القلوب.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في بيان هذا الشيء المهم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الجواب: نعم يجوز، وهذا واجب علينا أن نجادل بالتي هي أحسن؛ وذلك لإقامة الحجة والبيان ولا يختلف في هذا، إنما الذي أشرت إليه ألا يكون الجدل منهجاً، فتكون كل حياة الإنسان جدلاً أو غالب حياته، فيكون الجدل هو الأساس، وغيره أمر فرعي، فهذا الذي أنكره.
أما ونحن سائرون في الطريق نجادل أعداء الإسلام الذين لا يفقهون الإسلام، فهذا شيء لابد للداعية المسلم أن يفعله، فقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وفعله أصحابه، لكن لا يكون هذا هو المنهج.
الجواب: ليس في سرد أسماء الله سبحانه وتعالى حديث صحيح، وإنما هو اجتهاد في إحصائها من الكتاب والسنة، أما الشيء المختلف فيه فهو عدة أسماء، وكثير من الأسماء متفق عليها، ولا نستطيع أن نجزم أن هذه الأسماء هي أسماء الله سبحانه وتعالى، لكن نرجو أن يكون ما عده ابن حجر هو الأقرب إلى الصواب، والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر