عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].. وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [النساء:9].
اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، واجعلنا هادين مهديين غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك.
اللهم أصلح أولادنا، وأصلح أرحامنا، واحفظنا بحفظك يا أرحم الراحمين! وألحق بنا أزواجنا وذرياتنا في جنات النعيم.
عباد الله: ليس من تقوى شهر الصيام أن يقوم بعض الناس بالاستعداد للسفر والسياحة بعد رمضان والعيد إلى بلادٍ الكافرين، أوروبا وأمريكا ودول الشرق الشيوعي، وغيرها من دول الكفر .. يذهبون إلى بلاد الناس فيها عراة، عراة من الدين والخلق والقيم، أعدى أعدائهم الستر والثياب، وما أن يأتيهم الصيف حتى يخرجوا بقطع صغيرة من الأقمشة لا تستر عورة، ولا تبدي حشمة، ولا تظهر عفافاً، وإن الناظر إليهم في الأسواق والطرقات ليفقد دينه وخلقه وإيمانه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كثير من الناس يذهب في هذه الليالي إلى السوق ليشتري حاجيات السوق، إلى أين؟
إلى أوروبا، يذهب ببنياته المسلمات العفيفات الشريفات، وبأولاده الذين بلغوا سن المراهقة، يذهب بهم إلى ديارٍ فيها البلاجات العارية، والملاهي الصاخبة، والخمور تباع في الأسواق والجمعيات والمحلات، أينما يلتفت الإنسان يجد خمراً تشرب، لو سألتهم كأساً من الماء ما وجدت؛ لأنهم يقولون: الماء نسقيه الكلاب، أما هم يشربون الخمر وما شابهه، فهم يحرمون على أنفسهم الماء.
كيف تضمن دين ابنك وابنتك في بلاد كهذه؟ يدعون أنهم يهربون من الحر، وأن الجو هنا لا يطاق، وهذا عذر غير مقبول، فهناك بلاد فيها جوٌ بارد، ولكنها نظيفة عفيفة، ومظاهر الإسلام فيها، على سبيل المثال: من أراد أن يذهب في الصيف بحثاً عن البرد، وعن الجبال، والأشجار، فهذه الطائف بلد مسلم فيها الهواء البارد، وهذه مصايف أبها وما حولها يستطيع الإنسان أن يأخذ أهله وأولاده وينوي عمرةً لله رب العالمين، وبعد العمرة يذهب إلى الطائف أسبوعاً، ثم إلى أبها وحولها شهراً، يذهب مع أولاده، يلتصق بهم، يرسم لهم برنامجاً إيمانياً، فلا يرى أمامه الكاسيات العاريات، ولا يرى أمامه الخمور ومزامير الشيطان.
وأذكر يوماً في تحركاتي في أوروبا للدعوة إلى الله في المؤتمرات الإسلامية أن خطبت خطبة جمعة، فرأيت أمامي من العرب المصلين الكثير، ثم فوجئت بالطائرة التي سافرت بعدها إلى ولاية ثانية للدعوة إلى الله أن والداً ممن صلى عندي بناته وأولاده من فرقة البانكز والخنافس، وقد أطلقوا شعورهم كالشياطين، فلما التقيت به في المطار، قال: أنا الذي صليت خلفك، قلت: سبحان الله! قال: وهؤلاء بناتي وأولادي، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، ما الذي جعلهم هكذا؟!! قال: الحياة والتردد على هذه البلاد، بنياتي أخذن من عاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم حتى أنني الآن عاجزٌ عن أن أربيهم، أو أحفظهم من الفاحشة؛ لأن القوانين هنا تكفل للولد وللبنية كل حقوق الدعارة، إن كان للدعارة حقوق.
فقلت له: وأين أنت ذاهب الآن؟
قال: إلى جزر هاواي.
فقلت له: لماذا؟
قال: لكي نقضي بقية الصيف هناك.
هذا باختيارك؟
قال: لا، ضغطوا علي، وإذا لم أفعل ذلك ستذهب كل واحدةٍ من بناتي مع صديقها إلى هاواي فأذهب أنا معها أفضل من أن يذهب معها صديقها.
إنها مأساة ما بعدها مأساة، ننقل أولادنا وبنياتنا إلى مثل هذه الأجواء بحجة الهروب من الحر: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً [التوبة:81] نعم. ولكن الناس لا يعقلون، ولا يفقهون.
الله سبحانه رحمةً بأولادنا يقول: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11] فتبين أن الله أرحم بالولد من الوالدين، لهذا أوصى الله سبحانه وتعالى بهما، والله مدح الذين يدعون لأولادهم وأزواجهم بالخير والقدوة: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] هكذا يعلمنا الله الدعاء للأزواج وللأولاد ويمدحهم ويثني عليهم في كتابه الكريم، كما أن نبيه أمرنا أن نظفر بذات الدين، فهذه ذات الدين تذهب بها إلى من لا دين له، والرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نكف صبياننا عند فوعة العشاء، أي: بعد المغرب، لأن الشياطين تنتشر وتخترق، فكيف بمن يذهب بأولاده وبنياته إلى بلاد الشياطين من شياطين الإنس والجن.
وأنت الذي عندما رزقك الله ولداً استقبلت أذنه اليمين فأذنت بها بكلمة التوحيد، أتذهب بهذه الأذن لكي تسمع إلى هؤلاء الكافرين، أنت الذي حلقت شعره فتصدقت بوزنه فضة، تذهب إلى بلاد يطلقون فيها الشعور، ويهتكون فيها الستور، أنت الذي حنكته بالماء الطهور، والتمرة الطيبة من النخلة يصفها النبي صلى الله عليه وسلم أنها كالمؤمن، أذلك لكي يذهب إلى تلك الأجواء، فلا يتردد عن احتساء الخمر، أو الجلوس معه، أو مشاهدته، أو حمله، أو بيعه، أو شرائه، والخمرة قد لعن فيها عشرة، ولابد أن تصيب لعنة من هذه اللعنات من يذهب إلى تلك الديار ويخالطهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
إنما نحن نتعامل معهم كتعاملنا مع الميتة والمضطر، وهل الذي يذهب إلى هناك في فصل الصيف مضطراً والله قد فسح للمسلمين في ديارهم، وطيب أجواءهم وزينها؟!
أحبتي في الله: الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أذن للشيطان، فقال له بالنسبة للإنسان: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [الإسراء:64].
أيها الأحبة: الإحصائيات تقول بأن خمسة وثمانين بالمائة من أولاد أوروبا وأمريكا ليسوا شرعيين، إنما هي علاقة داعرة تمر بين ذكر وأنثى، فإذا تورطت الأنثى بحمل، وحاولت أن تتخلص منه، فعجزت، عقد عليها بعد الولد الأول، أو الثاني، أو الثالث، وأن خمسة عشر مليون والد -نشر ذلك في الصحف الكويتية- يمارس الجنس مع ابنته، وأن اللواتي أعمارهن ما بين الثلاثين إلى سبعة وثلاثين من نساء أوروبا قد مر عليها ما لا يقل عن عشرين عشيقاً في حياتها، فكيف نذهب بالبنيات؟ هل أنت عندما تذهب بأولادك تضعهم في أقفاص؟
لا تستطيع، ينـزل الولد إلى الشارع، فيختلط مع الرجل الذي بيده المخدرات، والذي يحمل صور الجنس، وصور الجنس موجودة في الفيديو، ومحطات التلفاز، والسينما والمكتبات، أينما تلتفت في المكتبات ترى الكتب عليها صور النساء العاريات، العاريات تماماً.
إن التربية التي نربيها لأولادنا هنا تضيع هناك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أحبتي في الله: هذا إنذار إلهي، فالله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون على سنن ونواميس من أخذ بالعفاف وصل، والتربية وصل، ومن تركهما دمره الله؛ لأن الله خلق هذه القوانين لا تحابي أحداً: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].
والذي يذهب إلى أوروبا يجد مناظر مؤذية لو لم يكن إلا المشاهدة لكفاها تدميراً للأخلاق.
كيف ترضى للبنت العفيفة المحجبة أن ترى جميع النساء يخرجن بلباسهن الداخلي، الله ينادي الناس جميعاً:يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26] ويذكر الله لباس التقوى أمام اللباس الحسي المادي، ثم ماذا يقول؟ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:26-27].
فتبين أن هذا العري المتعارف عليه في أوروبا إنما هو من وحي الشيطان ليرى أجسادهن ومفاتنهن، وذلك من أعمال الشيطان: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا [الأعراف:26-28] هكذا ينسبون هذه الدعارة وهذا العري إلى الله، نعم. حتى أن الذين يصيفون ويسيحون مع أولادهم وبناتهم على البلاجات في السواحل العارية إذا قلت له: اتق الله يا أخي! أنت مسلم! قال: يا أخي الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نسيح في الأرض فقال: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ [الأنعام:11] أهكذا! تعصي الله وتقول في الله ما ليس لك به علم، وتتهم الله بالفاحشة، ويقول: ساعة لقلبي، وساعة لربي، هذه نسمعها حتى من بعض المصلين للأسف الشديد، يسهر في الليل في الملهى، ثم يصلي صلاة الفجر وينام، تقول: لماذا أنت في الملهى؟ قال: فأين أذهب؟
وأنت لماذا تذهب إلى هذه الديار التي فيها الملاهي؟
اذهب إلى البلاد التي فيها طاعة الله سبحانه وتعالى، اجعل برنامجاً لك ولأولادك في سفرتك، استغل طريق السفر، استضف أحد العلماء من خلال شريط كاسيت فاستمع إلى خطبته أو درسه، ثم بعد ذلك خذ أولادك إلى المسجد في صلاة الفجر، فإن دول أوروبا تكاد تخلو من المساجد، وديار المسلمين فيها مساجد كثيرة، وبعد صلاة الفجر اذهب وارتح قليلاً، ثم بعد ذلك اخرج معهم في نزهة، خذ معك طيارات الورق، خذ معك بعض الألعاب النافعة، خذ بعض الأدوات المسلية، خذ معك بعض الأشياء التقنية التي يستفيد منها الأولاد.
هل يوجد مسلم الآن يعلم ابنه كيف يمسك مفتاح السيارة، أو مفتاح البرغي، أو مفتاح التقني لكي يخرج ابنه بعد ذلك عاملاً نشيطاً يستطيع إصلاح الكهرباء أو السيارة أو الآلة المعطلة في الدار، لا. ليس فينا أحد يفعل ذلك إلا من رحم الله، ولو استفدنا من هذه العطلة في إعداد أبنائنا هذا الإعداد لخرج لنا جيل عامل نشيط كـعبد الرحمن بن عوف لما هاجر من مكة إلى المدينة وليس عليه إلا ثوب وإزار واحد، وعرضوا عليه الأموال والزوجة الحسناء، قال لـسعد بن الربيع : [بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق] فلما دله على السوق، لم يتسلف على حساب الإسلام، ولم يجلس هكذا عاطلاً باطلاً، وإنما أخذ يعمل في السوق يبيع لهذا، ويشتري لهذا حتى يقول: [لو رفعت حجراً، لوجدت تحته ذهباً من البركة].
أحبتي في الله: وصية الله في أولادكم، انتبهوا إلى هذه الخطورة التي عمت وطمت ولا حول ولا قوة إلا بالله! وفي نهاية العطلة الصيفية لاستقبال العام الدراسي يأتي أولادنا ثائري الشعور، حمر العيون زرق الشفاه من التدخين، وقد وضعوا منها في جيوبهم، وهربوا بعضها معهم في المطار، وما أدراك ما المطار؟ حتى أنه بلغني أن أحد دكاترة الجامعة هرب أشرطة جنس في المطار منذ أسبوع، هذا الدكتور الذي نأتمنه على أولادنا وبناتنا ما هرب أشرطة جنس في المطار، وألقي القبض عليه، وأحيل إلى النيابة إلا بسبب هذه التربية، تأكد أن هذا الدكتور إما ذهب إلى السياحة في أوروبا ، أو تتلمذ هناك على أيديهم دون حسيب أو رقيب، فجاء بهذه الأخلاق السافلة المنحطة لكي يمارسها هنا بين بناتنا وأولادنا.
أمانة الله في أولادكم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) والله يقول: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ [الصافات:24].
أحبتي في الله: أسأل الله أن يصلح بناتنا وأولادنا وأرحامنا وأزواجنا، وأن يجعلهم عملاً صالحاً يمتد إلى ميزاننا، قال صلى الله عليه وسلم (يموت المسلم إلا عن ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.
أما بعــد:
عباد الله: فإن الإسلام لما أوجد في القرآن العظيم قاعدة السير والنظر والسياحة في أرض الله جعل لها شروطاً:
أن يراد بها العبرة والعظة من تدمير الله للأمم الظالمة الكاذبة، فقد ورد في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا [آل عمران:137] فكانت قاعدة السير والنظر يراد بها التوحيد والإيمان والعبرة والاعتبار، والدين، والقرب من الله، لا أن نتسيب في ديننا وعقائدنا، وعاداتنا الإسلامية وتقاليدنا الإيمانية، فنأتي ونحن نتشدق ونفتخر بأخلاق الغربيين، أحفاد القردة والخنازير، الله يقول في كتابه الكريم: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ [يوسف:109].
يا من تتأثرون ببهرج الغرب! الدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون، أليس لنا عقل نميز بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ويقول سبحانه وتعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].
وخطأ أن يقول الإنسان: ذهبت إلى أوروبا فرأيت الإسلام وما رأيت المسلمين، ليس هناك إسلام عند الغربيين إلا عند أفراد معدودين، أما الأخلاق التي تراها فهي ليست من الإسلام، إنها أخلاق مصلحية دولارية، من أجل هذا الدولار نظموا أنفسهم، وليس من أجل الله، وهم لا يرجون ديناً ولا خلقاً، ولا آخرةً ولا جنةً ولا ناراً.
ويقول سبحانه وتعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [الروم:9] ويقول سبحانه وتعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [فاطر:44] وهذه الآية تمنعنا من أن نعجب بأقمارهم الصناعية التي ملأت الأجواء والسماء، والعابرات والناقلات والشاحنات والمدمرات، كفاهم أن الله يهددهم بالرعب في الليل والنهار، بالتسابق النووي والذري الذي هم فيه، لأنهم لم يسخروه من أجل الإنسان، وإنما سخروه من أجل الشيطان، ما كان لـأمريكا وروسيا أن تتخذ حق النقض (الفيتو) ضد قضايا الإنسان على وجه الأرض، وعلى رأسها قضية شعب فلسطين الذبيح أكثر من اثنتي عشرة مرة إلا بعد أن ملكت تلك الطاقة الذرية، ليس من أجل الله ولا الإنسانية، وإنما من أجل الشيطان والعنجهية والكبر، فكيف نعجب والله سبحانه وتعالى يقول عن حضارتهم الزائفة: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [فاطر:44].
فهذا المفاعل النووي في روسيا يفجره الله عليهم، ويدمرهم به، وهذه الصواريخ الأمريكية من المكوك الأمريكي إلى آخر صاروخين سقطا وفشلا، كل ذلك بإرادة الله، وقوة الله لكي يثبت للمسلمين أنه هو يملك الأرض، وهو الذي يملك السماء، وليس البيت الأبيض أو البيت الأحمر.
الذهاب بأولادنا إلى حضارتهم وبهرجهم والطفل قليل التجربة، والبنية قليلة الخبرة لابد أن تتأثر لا محالة، استمع إلى ابنتك، استمع إلى ابنك بعد أن يعود كيف يمدحهم، ويثني عليهم، إن هذا المدح والثناء كأنك به تذم الله والدين والإسلام؛ لأنه من قال للمنافق: سيد، فقد أكرم من أذله وأخزاه الله.
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد:10] أممٌ حكم الله عليها بالتدمير العاجل أو الآجل، فمن الخطورة أن يكون الإنسان مقيماً بينهم، وخاصة الآن بعد أن قامت بعض الدول العربية بتفجير بعض الملاهي في برلين أو غيرها أصبح العداء مستشرٍ الآن بين الصنف العربي والصنف الأوروبي، وأجهزة الإعلام الآن تنذر كل عربي الآن موجود يذهب إلى سياحة أو يدرس هناك فليأخذ حذره، فإن الشعوب الكافرة البهيمية ركبتها شياطين الثأر، فإنها الآن تفكر وتخطط في حرب عنصرية بين الجنس الأوروبي والجنس العربي، فضلاً عما يأتينا من أخبار السرقات، وضياع وخطف الأولاد، فلماذا نلقي بأنفسنا وبأيدينا إلى التهلكة والله سبحانه وتعالى حفظنا وعصمنا بالإسلام والإيمان؟ قال سبحانه وتعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً [الأعراف:58] ويقول صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول، ومن يقوت).
أين نحن من هذه الجلسات الربانية الإيمانية مع أولادنا؟
أحبتي في الله: يأتي العبد يوم القيامة فيرى منزلة عالية من منازل الجنة، ويرى جبالاً من الحسنات، فيقول: أنى لي هذا؟! فيقال له: هذا باستغفار ولدك لك، علم ولدك كيف يستغفر لك في حياتك، لكي يستغفر لك بعد مماتك، كل يوم في أذكار الصباح والمساء، وبعد الصلاة قل له: يا ولدي قل: رب اغفر لي ولوالدي، رب اغفر لي ولوالدي، رب اغفر لي ولوالدي، رب ارحمهما كما ربياني صغيراً؛ حتى يذل بها لسانه، وينعقد عليها جنانه، حتى يستمر عليها بعد موتك، فيأتيك العمل الصالح وأنت في قبرك.
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا سوءاً إلا صرفته، ولا عيباً إلا سترته وأصلحته، ولا مسافراً إلا حفظته، ولا غائباً إلا رددته، ولا مجاهداً في سبيلك إلا نصرته، ولا عدواً إلا قصمته.
اللهم من أراد بنا والمسلمين سوءاً فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده، واجعل تدميره في تدبيره، واحرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين!
اللهم إنا نسألك تحرير فلسطين والأقصى، اللهم إنا نسألك أن تنصر المجاهدين في الفليبين والأفغان، اللهم عليك بأعدائك وأعدائنا؛ اليهود والصليبيين والشيوعيين، أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً.
هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، يا أرحم الراحمين!
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر