أما بعد:
فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم).
هذا يدل على أن الظلم والشح عواقبهما وخيمة والظلم هو العدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وحقوقهم، ولهذا حذر منه الرسول عليه الصلاة والسلام، والله جل وعلا حذرنا منه في كتابه، فقال: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً [الفرقان:19] وقال: وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [الشورى:8].
فالظلم عاقبته وخيمة، وشره عظيم، وأعظم الظلم الشرك بالله عز وجل، والكفر به سبحانه وتعالى، فهو أعظم الظلم: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]، فأعظم الظلم وأقبحه الشرك بالله وسائر أنواع الكفر به عز وجل؛ لأن المشرك والكافر ظالم واضع العبادة في غير موضعها، فلما وضع العبادة في غير محلها صار من أظلم الظالمين.
ومن الظلم: التعدي على الناس في الدماء والأموال والأعراض، إما بقتل أو بجرح وضرب، وإما بخيانة الأموال بالغش والخيانة والسرقة والغصب، وغير هذا من وجوه الخيانات.
وهكذا الرشوة كلها من الظلم، فالواجب على المؤمن أن يحذر أنواع الظلم كلها، ينبغي على المؤمن أن يكون في غاية الحذر من جميع أنواع الظلم.
ومن الظلم: أن تغش إخوانك في المعاملات؛ سواء كانت المعاملة بيعاً، أو إجارة، أو شركة، أو زراعة، أو مساقاة، أو غير ذلك من أنواع المعاملات، فالذي يجعل ظواهر الأمور غير بواطنها، ويغش الناس في الباطن وفي الظاهر ما يضرهم، هو ظالم وخائن للأمانة والعياذ بالله!
وكذلك الأعراض: الغيبة والنميمة، والشتم والسب، كل هذا من ظلم الأعراض، فيجب الحذر، ويجب حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة، والسباب والكذب، وغير هذا من أنواع الظلم القولي.
وأما الشح فهو شدة الحرص على المال مع البخل به، يكون شديد الحرص على المال وعلى جلبه وتحصيله ووسائل جمعه مع البخل به، وعدم أداء الواجب، هذا هو الشحيح، ولهذا قال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] من وقاه الله شح النفس فقد أفلح، فالشحيح جامع بين الحرص على المال بكل وجه بحق وباطل، ومع ذلك بخيل في أداء الواجب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (حملهم -يعني: الشح- على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) فقد يحمل حب المال على سفك الدماء بغير حق، وعلى السرقات والخيانات، وعلى قطيعة الرحم، وعلى عقوق الوالدين، وعلى إيذاء الجار، وعلى غير ذلك من الشرور بأسباب شحه وحرصه على المال.
فيجب الحذر، ويجب أن يكون المؤمن نزالاً للمعروف، منفقاً في وجوه الحق، ليس بخيلاً ولا شحيحاً، ينفق المال في وجهه، ويطلبه من وجهه.. لا يطلبه من طريق الحرام، ولا ينفقه في الحرام، ولا يبخل به عن الحق، بل يكون جواداً كريماً ينفق المال في وجوه الحق، ويطلبه من طريق الحق، لا من طريق الظلم والخيانات والكذب ونحو ذلك مما حرمه الله سبحانه وتعالى.
وينبغي أن يكون باذلاً لوالديه وأرحامه وقراباته، في وجوه الخير ووجوه المعروف، هكذا يكون المال، ولا خير في المال إذا كان لا ينفع في هذه الأمور، وأي قيمة للمال إذا كان يشح به صاحبه ويبخل به عن وجوه الحق؟ فسوف يكون وبالاً عليه وشراً عليه في الدنيا والآخرة، فالمال إنما يراد للإنفاق والإحسان وأداء الحق، وحماية الوجه عن الحاجة إلى الناس، قال جل وعلا: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7].
هكذا المؤمن له أجر عظيم في إنفاقه في وجوه الخير وطرق الحق، وعليه وزر عظيم في الشح والبخل وعدم إنفاق المال في وجهه.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فيقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:1-8].
في هذه السورة العظيمة يحذر الله عباده من الاشتغال بالتكاثر حتى يهجم عليهم الأجل، وحتى يزوروا القبور على غفلة، أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2]، تحذير من هذا الأمر العظيم الذي يقع فيه الأكثرون، وهو الالتهاء والاشتغال بالتكاثر في الأموال والأولاد حتى تهجم المنايا، وحتى تنقل الأجساد إلى القبور، ينبغي للعاقل أن ينتبه لهذا، الموت لا بد منه، ولا بد من زيارة القبور شئت أم أبيت، كما زارها من قبلك، ونقل إليها من قبلك، فيجب عليك أن تعد العدة قبل أن تنزل المنية.
ثم يقول سبحانه بعد هذا : كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [التكاثر:3-4] وعيد لهؤلاء، أي: سوف يعلمون مغبة تفريطهم، ومغبة اشتغالهم عن الآخرة والإعداد لها.
ثم قال: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ [التكاثر:5] لو تعلمون علم اليقين، وما وراءكم من الأهوال والأخطار والعقوبات الوخيمة لمن شغل بالدنيا عن الآخرة؛ لما فعلتم هذا الأمر، ولما شغلتم بالتكاثر عن الإعداد للآخرة، ولكن جهل الأكثرين بالله، وجهلهم بالعاقبة، وجهلهم بالأخطار العظيمة، هو الذي جرأهم على الاشتغال بالأموال، والتكاثر في الأموال والأولاد عن الإعداد للآخرة، فالأمر عظيم وخطير.
ثم يقول بعد هذا: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [التكاثر:6]، الجحيم لا بد أن تراها، يوم القيامة تبرز للناس وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:91] لابد أن تبرز، وقد جاء في الحديث الصحيح أنها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام بسبعين ألف ملك، يجرونها لإبرازها للناس -نسأل الله السلامة والعافية- وأمرها خطير ولا حول ولا قوة إلا بالله! فينبغي للمؤمن أن يتذكر هذا اليوم وأن يعد له عدته.
ثم يقول: ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [التكاثر:7] مشاهدة بالعين، يشاهدها الإنسان بعينه يوم القيامة.
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8] عن نعيم الدنيا، من المآكل والمشارب والمناكح والمراكب وغير ذلك، وما أعطى الله العبد في هذه الدنيا من أنواع النعيم، سوف يسأل يوم القيامة هل أدى حقها؟ هل شكرها أم ضيعها وفرط وتساهل؟ هذا الأمر يوجب للمؤمن الانتباه واليقظة.
يقول سبحانه في هذا: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:2] يبين أنها زيارة للمقابر وليست مقراً، وبعض الناس يقول: انتقل إلى مقره الأخير، ليس هذا مقره الأخير، إنما هو مقر عارض ينقل منه إلى يوم القيامة، هذا القبر ليس مقراً أخيراً؛ إنما هو زيارة ثم ينتقل من هذه الزيارة إلى المحشر إلى يوم القيامة بين يدي الله، ثم ينقل إما إلى الجنة وإما إلى النار، فالمقر الأخير الجنة أو النار.
أما القبر فهو برزخ، منزلة من المنازل يزورها الإنسان بعد الموت، ثم ينقل منها إما إلى نار وإما إلى نعيم.
فينبغي للعاقل أن ينتبه لهذه الزيارة، فهي زيارة خطيرة، إما أن تكون زيارة إلى روضة من رياض الجنة، أو إلى حفرة من حفر النار، ثم بعده ما هو أشد منه، فينبغي أن يكون على بال العاقل، وأن ينتبه لهذا الأمر ولهذه الزيارة بعد التشاغل والتكاثر بالأموال والأولاد، وأنها زيارة خطيرة لمن زار هذه القبور: هل يزورها بعمل صالح وتقوى لله أو بتفريط وإضاعة ولهو وتشاغل عما خلق له من طاعة الله وعبادته؟
رزق الله الجميع التوفيق والإعداد، وهدانا وإياكم إلى صراطه المستقيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما بعد:
فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم).
هذا الحديث العظيم الجليل يدل على عظم شأن النصيحة، وأنها الدين؛ لأن المسلمين متى تناصحوا فيما بينهم، وتعاونوا على البر والتقوى، وتواصوا بالحق والصبر عليه استقام أمرهم، وعلا شأنهم، واتحدت كلمتهم وصفهم، ونصرهم الله على عدوهم، ومتى تخاذلوا، وغش بعضهم بعضاً، وخان بعضهم بعضاً؛ تفرقت الكلمة، وتكدرت القلوب، وحصل التباغض والفرقة والاختلاف، ولهذا أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى النصيحة، فقال: (الدين النصيحة) والنصيحة هي الإخلاص في الأمور، وعدم الغش فيها والخيانة.. أن يكون كل واحد ناصحاً في أعماله كلها.. ناصحاً في عمله لله، وفي عمله في كتاب الله، وفي عمله مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي عمله مع الأئمة والقادة، وفي عمله مع العامة، هكذا يكون المؤمن ناصحاً أينما كان، وفي أي عمل كان.
الدين النصيحة، يقال: ذهبٌ ناصح، أي: خالص ليس فيه غش، ويقال: عسل ناصح، أي: مصفى ليس فيه شيء من الغش ولا من الشمع، فالمعنى: الدين الإخلاص والصدق والصفا في كل شيء من أمور العبد مع ربه، ومع القرآن، ومع السنة، ومع العامة ومع الخاصة.
وهكذا ينصح في كتاب الله العزيز، بتدبره والعمل بما فيه، وتحليل حلاله وتحريم حرامه، وتنفيذ أوامره والانتهاء عن نواهيه، والاعتبار بأمثاله وقصصه إلى غير ذلك، والنصح في القرآن من جميع الوجوه.
وهكذا النصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن يمتثل أوامره، وينتهي عن نواهيه، عن إيمانٍ به وتصديق، وعن اعتقاد أنه رسول الله حقاً، وأن الواجب اتباعه والقيام بما شرع، عن إخلاص وصدق، وعن رغبة ورهبة وصفاء، لا عن غش وخيانة، ولا عن تفريط وإضاعة، بل يعمل بما أمر الله به ورسوله، إيمان المصدق والمخلص، هكذا المؤمن في أعماله كلها، يكون صادقاً مخلصاً، يعتني بعمله، وينقيه من كل عيب، من غش وخيانة وكذب وغير ذلك.
وهكذا النصح للعامة، بنصيحتهم لله، وتعليمهم وإرشادهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.. إلى غير هذا مما ينفع العامة ويعينهم على طاعة الله ورسوله.
وهذا جماع الدين.. التناصح بين الجميع لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، من سلطان وأمير وقاضٍ، وداعية إلى الله عز وجل، وشيخ قبيلة وأعيان بلاد.. وغير ذلك، كل من له أمر، وله إمامة، ويقتدى به؛ فالواجب التناصح معه وإعانته على الخير حتى تستقيم الأحوال، وحتى تتحد الكلمة في طريق الله الذي شرعه لعباده.
وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما بعد:
فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يا رسول الله! ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال: فأما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
يبين صلى الله عليه وسلم أن الجالس في الطريق ومثله المار في الطريق عليه حقوق ينبغي له أن يعتني بها وأن يؤديها.
- غض البصر عن عورات إخوانه.
- كف الأذى القولي والعملي.
- رد السلام على من سلم عليه.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذا من حق الطريق على من كان في الطريق، على بابه، أو في أي مجلسٍ من المجالس على الطريق، أو كان ماشياً في الطريق كذلك، عليه أن يلاحظ هذه الأمور التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي أن يكون غاض البصر، لا ينظر إلى عورات الناس، فإن الطرق تجمع من يعتني بعورته ويتحفظ ومن يتساهل، فالواجب غض البصر وإنكار المنكر، مع كف الأذى.. لا يؤذي الناس بلسانه، ولا بأعماله.. قد يكون بعض الناس مبتلىً بالغيبة والكلام السيئ في حق من يمر عليه، وبعض الناس مبتلىً -أيضاً- بالإيذاء بالفعل، بإلقاء ما يؤذي الناس في الطرقات من مياه أو أحجار أو عظام أو غير هذا مما يؤذي الناس.
كذلك رد السلام.. كثير من الناس يتكبر ولا يبالي بالسلام، ويعرض عمن سلم عليه لا يبدأ ولا يرد، وهذا من ضعف الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) فإفشاء السلام من أسباب المحبة في الله، ومن أسباب قوة الإيمان، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده) حلف وهو الصادق، وإن لم يحلف عليه الصلاة والسلام، (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا -أي: الإيمان الكامل- حتى تحابوا -أي: حتى تحابوا في الله- أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) وسئل عليه الصلاة والسلام: (قيل: يا رسول الله! أي الإسلام أفضل؟ قال: أن تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف).
وقال عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة : (أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام).
وكثير من الناس إنما يسلم على من يعرف من أصحابه، أما من لا يعرف من المسلمين فلا يبالي، فلا يبدأ بالسلام ولا يرد السلام، وهذا لا شك من الجهل ومن ضعف الإيمان ومن قلة الآداب الشرعية.
ومن الواجبات -أيضاً- على أهل الطريق: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن الطرق يقع فيها ما يقع من التقصير، ومن ظهور بعض المنكرات، فالواجب على المؤمن إذا رأى شيئاً في الطريق ألا يسكت، بل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإذا رأى من هو جالس وقد أذن المؤذن فيقول: اتق الله يا عبد الله، والصلاة الصلاة بارك الله فيك، حتى يشجع غيره على أداء هذا الواجب العظيم.. على أداء عمود الإسلام في الجماعة، وإذا رآه يتعاطى منكراً من غيبة أو نميمة أو ما أشبه ذلك أنكر عليه .. إذا ذهب إلى الحلاق ليحلق لحيته أنكر عليه.. رآه يتعاطى التدخين أنكر عليه.. رآه يتابع النساء أنكر عليه.. وهكذا إذا رأى متبرجة من النساء أنكر عليها، وأمرها بالستر والحجاب، والبعد عن أسباب الفتنة.. وهكذا، وغير ذلك من المنكرات التي تقع في الأسواق.
وإذا رآه -أيضاً- قد قصر في معروف أنكر عليه، فإن المؤمن أخو المؤمن، يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، ولا يسكت، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه) أخوه لا يظلمه في نفس ولا مال ولا عرض، ولا يخذله وهو إسلامه بتركه لمن يظلمه، ولكن يساعده على الخير، ويدافع عنه الشر، ويعينه على طاعة الله ورسوله، ويعينه على ترك معصية الله.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين).
هذا الحديث العظيم يدل على وجوب متابعة المأموم للإمام، وأنه ليس لهم أن يسابقوه ولا أن يوافقوه، بل عليهم أن يتابعوه، فلا مسابقة ولا موافقة، ولكن بالمتابعة المتصلة، فإذا انتهى من التكبير كبروا، وإذا استوى راكعاً ركعوا، وإذا استوى قائماً قاموا.. وهكذا لا يسابقونه ولا يوافقونه، ولا يشرعون في الركن إلا بعد إنهائه إياه، واستقامته فيه، ولا يكبرون حتى ينقطع صوته، هكذا أمر عليه الصلاة والسلام، وقال: (إني إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف للسلام) ولكن يتابع الإمام، فإذا كبر وانقطع صوته كبر المأموم، وإذا استوى راكعاً وانقطع صوته ركع المأموم، وإذا رفع وانقطع صوته رفع، وإذا سجد وانقطع صوته سجد، وهكذا إذا سلم سلم بعده.
هذا هو الواجب على المأموم مع إمامه، مع العناية بالطمأنينة والخشوع وعدم العجلة، فلا مسابقة ولا عجلة، ولكن يطمئن في صلاته ويخشع فيها لله ولا يسابق إمامه، فالطمأنينة أمر لازم، وفريضة في جميع الصلوات الفرض والنفل، الإمام والمأموم والمنفرد، يجب على الجميع أن يؤدوا الصلاة في غاية من الطمأنينة وعدم العجلة، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2].
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً لا يتم صلاته، ولا يتم ركوعها ولا سجودها أمره بالإعادة، وقال: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ) ثم علمه كيف يصلي، وهكذا المأموم مع الإمام ليس له مسابقة ولا موافقة، ولكن يطمئن ولا يعجل، ثم يتابع إمامه في ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده، متحرياً انقطاع صوته، وانتقاله من ركن إلى ركن ثم يتابع، فلا مسابقة لا في التكبير ولا في غيره ولا موافقة.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
يأمر سبحانه عباده المؤمنين بأن يتوبوا إليه من جميع ذنوبهم، ويخبر سبحانه أن في ذلك الفلاح، أي: الظفر والفوز والسعادة، وإذا كان المؤمنون يؤمرون بالتوبة فكيف بحال غيرهم؟ إذا كان المؤمن يؤمر بالتوبة وهو محل الوعد بالجنة؛ لأنه لا يخلو من تقصير وتفريط فكيف بحال غيره من الناس؟
فالتوبة لازمة لجميع المكلفين من الكفرة والمسلمين جميعاً، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وتوبة الكافر دخوله في الإسلام وندمه على ما مضى منه، وعزمه على ألا يعود في ذلك، وهذه أعظم وأكبر نعمة، أن يتوب الكافر من كفره إلى الإسلام، وأن يلتزمه خوفاً من الله، وتعظيماً له، وإخلاصاً له، ومحبة له، وتوحيداً له، واتباعاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (الإسلام يهدم ما قبله، والتوبة تهدم ما قبلها).
ومن أحسن في الإسلام غفر له ما مضى من ذنوبه وسيئاته، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
والعاقل يتذكر دائماً أنه لا يعلم ما يعرض له، ولا يعرف متى يهجم عليه الأجل، فلذلك يسارع إلى التوبة ويلازمها في جميع حالاته، وفي جميع زمانه، يخشى أن يلقى الله وهو غير تائب؛ فلهذا يبادر بالتوبة في جميع الأحوال، ولهذا قال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التحريم:8] الآية، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135-136] فالتائب يقلع عن الذنوب ولا يصر عليها، فليبادر بالتوبة والإقلاع والندم والعزم الصادق ألا يعود، هكذا التائب.
والتوبة الصادقة النصوح تشمل أموراً:
1- الندم على الماضي من السيئات.
2- والإقلاع منها وتركها خوفاً من الله وتعظيماً له.
3- العزم الصادق ألا يعود إليها، لا يصر؛ بل يعزم بقلبه عزماً صادقاً أنه لا يعود إليها، هذه هي التوبة الصادقة النصوح.
4- رد المظالم، إذا كان عنده مظالم لابد من ردها إلى أهلها، أو استحلالهم منها حتى تتم توبته.. من سرقة، أو خيانة، أو غصب، أو ضرب، أو سفك دماء، أو غير هذا، لا بد من رد المظالم إلى أهلها أو استحلالهم منها، وإلا ستبقى عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
والخلاصة أن على المؤمن أينما كان أن يلزم التوبة، ويحاسب نفسه، وأن يندم على سيئات أعماله، وأن يقلع عنها ويتركها ويحذرها خوفاً من الله وتعظيماً له، وأن يعزم عزماً صادقاً ألا يرجع إليها، وبذلك تغفر ذنوبه، وتحط سيئاته، ويقبل الله توبته، إلا أن تكون هناك مظالم في مال أو عرض أو نفس فلا بد من ردها إلى أهلها أو استحلالهم منها.
فعليك أيها الأخ في الله.. عليك أيها المؤمن! أن تتذكر أنك على خطر، وأنك متى أصبحت لا تدري هل تمسي، ومتى أمسيت لا تدري هل تصبح، فالزم التوبة دائماً ولا تمهل ولا تؤجل ولا تسوف، بل بادر بالتوبة دائماً؛ لعل الله أن يتوب عليك.
وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أما بعد:
فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] يبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة مسائل أربع، ويحذر منها جل وعلا:
واللمز هو المسمى: العيارة، أن يعيره بشيء فيه من النقص، هذا لا يجوز، وهو من أسباب البغضاء والشحناء، ومن أسباب العداوة والفرقة وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات:11] أي: لا يلمز بعضكم بعضاً ولا يعيب بعضكم بعضاً؛ سواء بأشياء خارجية من فقر أو غير ذلك، أو داخلية من نقص في خلقته يعيبه بذلك.
رزق الله الجميع العافية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما بعد:
فقد سبق الكلام على شيء من صفات المتقين التي أمر الله جل وعلا بالمسارعة إلى صفاتهم التي هي أسباب المغفرة، وأسباب دخول الجنة، حيث قال سبحانه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133-134].
سبق الكلام على هذه الصفات، وأنه ينبغي للمؤمن أن يسارع إلى هذه الصفات وأن يلزمها، فإن تقواه لله عز وجل وإيمانه بالله سبحانه، كل ذلك يحمله على المسارعة إلى هذه الصفات ولزومها والاستكثار منها.
فإن كلاً منها من أسباب المغفرة، ومن أسباب دخول الجنة.. النفقة في السراء والضراء.. في الشدة والرخاء، ابتغاء وجه الله، وكتم الغيظ، والعفو عن الناس، هذه صفات جديدة من صفات أهل التقوى والإيمان، ومن صفات الكرماء والنبلاء، أصحاب النفوس الكريمة والهمم العالية، ثم ذكر بعد هذا قوله سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135-136] وصفهم بالصفات الحميدة الكريمة، ثم وصفهم بالتوبة النصوح والمبادرة إلى ترك المعاصي والسيئات، والاستغفار منها وعدم الإصرار عليها، فهم جمعوا بين العمل الصالح وبين التوبة الصالحة، وهم يسارعون للخيرات، ويندمون على فعل السيئات، ويقلعون منها ولا يصرون عليها.. هذه صفات أهل الجنة وأهل المغفرة، هذه صفات أهل السعادة، المسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى الطاعات، والمبادرة بالتوبة من السيئات، والندم عليها وعدم الإصرار، فمن أراد الجنة والكرامة والمغفرة والسعادة فعليه بهذه الصفات الحميدة التي ندب الله إليها عباده، وبين أنها من صفات أهل التقوى الموعودين بالجنة والكرامة: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45].. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17].. إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] هذه الصفات العظيمة، النفقة في السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس مع الإحسان في بقية الأعمال، فهم محسنون في صلاتهم.. محسنون في زكاتهم.. محسنون في صومهم.. محسنون في حجهم.. في جهادهم.. في برهم لوالديهم.. في صلة أرحامهم.. في سائر أعمالهم، محسنون لجيرانهم.. إلى غير ذلك، هم أهل الإحسان، وأهل الكرم، وأهل الجود، ومع ذلك متى زلت القدم، وظلموا أنفسهم بشيء من المعاصي؛ بادروا بالتوبة وعدم الإصرار، فوعدهم الله بالمغفرة لذنوبهم، وبإسكانهم الجنات دار الكرامة ودار النعيم.
فعليك يا عبد الله! أن تعنى بهذه الصفات، وأن تسارع إليها، وأن تكون أبداً في سباق للخيرات ومسارعة إلى الطاعات، وأن تكون أبداً في توبة صادقة وندم على ما مضى منك من السيئات، وعدم الإصرار، لا تغفل فالموت يأتي بغتة، فقد يهجم عليك الأجل وأنت على سيئ العمل، فبادر بالتوبة النصوح، مع الاستمرار في الخيرات والطاعات والأعمال الصالحات، حتى تكون في غاية من الاستقامة، وفي بعد من أسباب الهلاك والندامة.
رزق الله الجميع التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله.
أما بعد:
فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ثلاثةٌ لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان فيما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب).
هذه خصال ثلاث حذر منها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وأبدى عظم خطر العقوبة على أهلها، فدل ذلك على أنها من المحرمات الكبيرة، ومن كبائر الذنوب.
- الإسبال.
- والمن في العطية.
- والأيمان الفاجرة.
فيجب على المؤمن أن يحذر هذه الخصال الذميمة ويتباعد عنها.
أما الإسبال فلما فيه من التكبر والتعاظم والاختيال، فإن الغالب على المسبل أنه يتعاظم في نفسه ويتكبر، هذا شأن الإسبال، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (إياك والإسبال فإنه من المخيلة) أي: من الخيلاء، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) واللفظ الآخر: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار) فهو يدل على تحريم الإسبال، وأنه من جملة الخيلاء والكبر، والغالب على أهله أنه يدعوهم إلى التكبر، ويدعوهم ذلك إلى قلة المبالاة بالدين، وعدم المبالاة بالنجاسات والقاذورات، فهو يتلطخ بالنجاسة وبالأوساخ ولا يبالي، مع ما في هذا من كونه يجر إلى الكبر، وإن لم يقصده فهو وسيلة إليه، لكن الغالب على أهله هو التكبر والخيلاء والتعاظم.
والحديث الآخر: (من اختال في مشيته وتعاظم في نفسه لقي الله وهو عليه غضبان) فينبغي للمؤمن أن يحذر أسباب التكبر وأسباب الخيلاء والتعاظم في النفس، فإن هذا يجره إلى بلاء كبير، فقد جاء في الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: (بينما رجل يمشي في بردين قد أعجبته نفسه خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) فينبغي للمؤمن أن يحذر عقوبات الله جل وعلا، وأن يبتعد عن أسباب الكبر.
أما المن في العطية والكذب في الأيمان فشرهما ظاهر، يعطي عطية ويمن بها على صاحبها ويؤذيه، أو يقول له الكلام السيئ ويمن عليه بما أعطاه، وهذا منكر لا يجوز.
وهكذا الأيمان التي يروج بها مبيعاته.. والله إنها بكذا، والله إنها بسعر كذا، والله إنها تساوي كذا، والله إنها علي بكذا، وهو يكذب حتى يروجها بين الناس، وينفقها بين الزبائن، وهذا منكر عظيم ومن كبائر الذنوب، فيجب الحذر من هذه الخصال الذميمة التي حذر الله جل وعلا منها على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام.
والملابس يجب أن تكون من منتصف الساق إلى الكعب ولا يزيد عن الكعب، والأفضل ألا يكون فوق منتصف الساق بل يكون من النصف فأقل ما بين النصف إلى الكعب، هذا هو اللباس الشرعي.
أما المرأة فينزل عن هذا حتى يغطي قدميها، لكن كثيراً من الناس تشبه بالنساء وأخل بملابس الرجال، فجر ثوبه وأسبل ثيابه، والمرأة رفعت ثيابها، وهذا عكس ما شرعه الله جل وعلا، فيجب الحذر من هذه الخصال الذميمة التي فيها المعاكسة والمضادة لما شرع الله.
رزق الله الجميع العافية، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما -أي: من الأجر- لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم) وروي عنه عليه الصلاة السلام أنه قال: (لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم).
وهذا يفيدنا عظم الخطر في التخلف عن الصلاة في الجماعة، وأن ذلك من صفات المنافقين وأعمالهم، وأنه قد هم عليه الصلاة والسلام أن يحرق عليهم بيوتهم بسبب التخلف، ولهذا روي عنه عليه الصلاة والسلام بيان العلة: (لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم) فلولا أن التخلف خطير، وأنه منكر يستحق صاحبه العقوبة، لما قال هذا الكلام عليه الصلاة والسلام، ويكفي في الذنب والعيب للمتخلفين عن الصلاة في الجماعة أنهم قد شابهوا بهذا حال المنافقين إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] هذا حالهم نعوذ بالله! وقال عليه الصلاة والسلام: (من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر) قيل لـابن عباس : [ما هو العذر يا
وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى يستأذنه، فقال: (يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب) وفي رواية أخرى قال: (لا أجد لك رخصة) فإذا كان أعمى شاسع الدار كما في الروايات الأخرى، ليس له قائد يلائمه يقال له: ليس لك رخصة في التخلف عن الجماعة في مساجد الله، فكيف بحال من عافاه الله وأعطاه السمع والبصر والصحة؟! فالأمر خطير جداً.
وقد بلغني أن كثيراً من المساجد في الفجر لا يصلي فيها أحد، والعياذ بالله! يسهرون على التلفاز وعلى غير التلفاز، فإذا جاء الفجر فإذا هم أموات ولا حول ولا قوة إلا بالله! وهذه من المصائب الكبيرة، فيجب التواصي بالحذر من هذا البلاء، والحذر من أسباب العقوبات العامة، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو من كبار الصحابة ومن علمائهم: [من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم -وفي لفظ: لكفرتم- ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض] فهذا يبين لنا أن المحافظة على الصلاة في الجماعة من أسباب الموت على الإسلام، ومن أسباب أنه يلقى الله مسلماً، ومقتضى هذا أن التخلف عن هذه الجماعة والتساهل من أسباب ضد ذلك.. من أسباب الوفاة على غير الإسلام، نعوذ بالله! فالمصيبة كبيرة، وخطر عظيم، فالمحافظة على صلاة الجماعة من أسباب السعادة وحسن الختام، ومن أسباب التوفيق لكل خير، والتخلف عنها والتشبه بأهل النفاق بأدائها في البيوت فيه خطر عظيم، فيه:
أولاً: أنه معصية لله.
ثانياً: أنه مشابهة لأهل النفاق.
ثالثاً: أنه من أسباب سوء الخاتمة، والعياذ بالله!
رزق الله الجميع العافية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله.
أما بعد:
فيقول الله جل وعلا في كتابه المبين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
لما كان الصدق له منزلة عظيمة عند الله وعند أنبيائه ورسله وعند المؤمنين من عباده؛ نبه الله عليه وخصه بالذكر؛ كي يعلم المؤمن هذا الفضل وهذا التخصيص، فيسارع إلى الصدق في أقواله وأعماله، ويبتعد عن الكذب في أقواله وأعماله، فالصدق طريق السلامة والنجاة في الدنيا والآخرة، وطريق العزة والكرامة، يقول الله جل وعلا: قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [المائدة:119] هذا جزاء الصادقين.
والصدق يكون في القلب، ويكون في اللسان، ويكون في العمل، فالصادق المؤمن صادق في قلبه.. في محبته لله، وإخلاصه له، وخوفه، ورجائه، وشوقه إليه، والحذر من محارمه.
وصادق في اللسان في ذكره لله، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ودعائه وسائر أذكاره.
وصادق في الأعمال، في صلاته وصومه وزكاته وحجه وجهاده.. وغير ذلك، هكذا يكون المؤمن صادق القول.. صادق العمل، صادق القلب والإقرار وأعمال القلب.
ولهذا قال عز وجل: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ [محمد:21].. هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [المائدة:119] بعض الناس يصلي ولكنه ليس بصادق، ليس بمقبل على صلاته، لا يعطيها حقها، جسمه مع الناس وقلبه في كل مكان، كذلك يزكي ولكن ليس عنده إخلاص كامل، وطيب النفس بالمال والرضا فيما عند الله.. يصوم وليس الصوم على ما ينبغي من جهة الصدق فيما عند الله، والرغبة فيما عنده، وهكذا الحج، وبقية العبادات، فالناس في هذا يتفاوتون كثيراً.
فعليك يا عبد الله! أن تصدق في أقوالك وأعمالك، وأن تكون عظيم الرغبة فيما عند الله، صادق البذل من قول وعمل، ترجو ثواب الله وتخشى عقابه سبحانه وتعالى.
ولهذا لما عدَّ الله سبحانه وتعالى صفات المؤمنين وأخلاقهم وأعمالهم ذكر منها الصدق، فقال: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35] هذا جزاء هؤلاء في أعمالهم، في إسلامهم وإيمانهم وقنوتهم، والقنوت هو الثبات في الطاعة والدوام عليها والاستمرار فيها، وهكذا صدقهم، وهكذا صبرهم، وخشوعهم، وتصدقهم، وصيامهم، وحفظهم فروجهم، وإكثارهم لذكر الله سبحانه وتعالى، فهم صادقون في هذه الأعمال، ولهذا أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (عليكم بالصدق -أي: في القول والعمل- فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) فالكذب عاقبته وخيمة، وهو من خصال أهل النفاق والفجور، والصدق عاقبته حميدة، وهو من خصال أهل الإيمان والصدق، ومن خصال الرسل وأتباعهم الصادقين.
جعلنا الله وإياكم من الصادقين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:1-8].
هذه السورة العظيمة فيها تحذير الله عز وجل عباده من التشاغل والالتهاء بالتكاثر في هذه الدنيا، وأنه ينبغي للمؤمن أن يعد العدة لآخرته، وألا يشتغل بالتكاثر في الأموال والأولاد عما خلق له من طاعة الله وعبادته، الكثير من الناس شغل بالتكاثر في الأموال والأولاد وحظ الدنيا العاجل، ونسي ما خلق له ولم يرفع به رأسه، فخسر الدنيا والآخرة، وندم غاية الندامة، والله جل وعلا يقول: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]
وأنذرنا سبحانه يوم التلاق، يوم يبرز خلق الله عز وجل يوم القيامة، يوم تعرض عليهم أعمالهم خيرها وشرها، ولهذا قال عز وجل: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-3]، وهو يوم القيامة سماها قارعة؛ لأنها تقرع أسماع الخلق كلهم، فأمرها عظيم، وشأنها خطير، ثم بينها فقال: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة:4-5] هذه الجبال الصلبة العظيمة تصبح كالعهن المنفوش، كالصوف المنفوش، قد ضعفت واندكت، وينسفها الله جل وعلا يوم القيامة، يقول سبحانه: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه:105-107] وقال: وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً [النبأ:20] هذه الجبال العظيمة تكون كالهباء وكالعهن المنفوش، وتصبح الأرض مستوية ليس فيها جبال ولا معالم لأحد، يحشر الناس عليها، فجدير بالعاقل أن ينتبه لهذا اليوم وأن يعد له عدته.
ثم قال بعدها: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [القارعة:6-7] أي: بالأعمال الصالحات وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:8-11].
قال الله تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2] فلا ينبغي للعاقل أن يشتغل بالتكاثر عن هذا اليوم العظيم يوم القيامة، يوم هذا شأنه، تسير فيه الجبال وتكون كالعهن المنفوش، ويبرز فيه الناس كالفراش المبثوث، وكالجراد المنتشر، يموج بعضهم في بعض، كل واحد يقول: نفسي نفسي، فيكون الخلق فيه على خطر إلا من رحم الله من أهل الإيمان والتقوى.
ولهذا قال بعدها: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:2] أي: شغلتم حتى نزل الموت، لم تزالوا مشغولين بالتكاثر حتى هجم الأجل وزرتم القبور، فالمعنى: أعدوا العدة قبل نزول الأجل، وقبل أن تنقلوا للقبور، فإن بعد الموت لا عمل، العمل قبل الموت.
قال تعالى: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:2] يبين سبحانه أنها زيارة، وأن المقابر ليست مقراً لهم؛ المقابر مرحلة ينقلون منها إما إلى الجنة وإما إلى النار، فليست مقراً لهم دائماً، وإنما هي مرحلة من المراحل بين الحياة الدنيوية وبين الدار الأخروية، إما الجنة وإما النار، فأنت في المقبرة زائر لا مستقر، وسوف تنقل من هذا القبر ومن هذه الحفرة إلى ما أعد الله لك، إن كنت صالحاً فإلى الجنة، وإن كنت سوى ذلك فإلى النار، هذه النهاية، أما المقابر فليست نهاية.
وقد يقول بعض الناس: مقره الأخير، وهذا خطأ، ليس مقره الأخير، المقر الأخير إما الجنة وإما النار، هذا هو المقر الأخير، وأما المقبرة فهي مقر فيه رحلة، مقر مؤقت يرتحل منه صاحبه يوم البعث والنشور إما إلى جنة وإما إلى نار.
فجدير بالعاقل، وجدير بالرجل الحازم، وجدير بمن يخشى سوء العقاب وسوء الحساب أن يعد العدة، وألا ينشغل بالتكاثر ولا بغير التكاثر عن إعداده لنفسه، وأهبته لآخرته بطاعة الله ورسوله، والحذر مما نهى الله عنه ورسوله، ولهذا توعد الناس فقال سبحانه: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [التكاثر:3-4] هذا وعيد، وسوف تعلمون غبَّ ما عملتم، وسوف تندمون على ما فعلتم من هذا التكاثر وهذا الشغل بالتكاثر .. كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ [التكاثر:5] إذا صارت لكم حال أخرى لو علمتم لغيرتم ولانتبهتم، ولكن العبد في هذه الدنيا يصاب كثيراً بالغرور والغفلة عما أعد له وعما أمامه.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر