جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يشكو عبيده فقال: (يا رسول الله! إن لي غلماناً يعصونني ويخونوني ويكذبون علي، فأضربهم وأشتمهم، فكيف أنا منهم يعني: ما حالي وحالهم؟ قال: يُحسب ما خانوك وعصوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل، فجلس الرجل يبكي ويقول: يا ويلي! ما لي ولهم؟! ثم قال: يا رسول الله! أشهدك أنهم أحرار).
فكل شيء بميزان، وموازين الله عز وجل عادلة، فهناك موازين للذهب والمعادن الثمينة يسمونها في هذه الأيام موازين حساسة، لكن الموازين عند الله أعدل وأدق.
فيوزن الرجل وتوزن أعماله، ويؤتى بالرجل السمين الضخم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، ولا يزن شيئاً، ويأتي الرجل بحسنات أمثال الجبال فيأخذها الناس؛ لأنه ظلم الناس وافترى عليهم، ففي ذلك اليوم يقتصون منه فيأخذون من حسناته.
فهناك أناس يأتون بحسنات أمثال الجبال من صلاة وصيام، لكن يذهب الله بحسناتهم هذه؛ لأنهم كانوا كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا خلو بمحارم الله انتهكوها) أي: يعتدون على حرمات الله في السر، ولا يحفظون حقوق الله، فهؤلاء سيئاتهم تذهب حسناتهم.
فهناك يوم يوزن فيه العباد وأعمال العباد وفق مقاييس عادلة، كما قال عز وجل: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47].
وفي الحديث القدسي: (إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
أتراك تزرع حنظلاً وشوكاً ثم تريد تمراً وعنباً وزبداً؟ كلا والله!
فازرع قمحاً تحصد قمحاً، واغرس زيتوناً تجن زيتوناً، واغرس تمراً تجد تمراً.
وكذلك إذا كنت تريد عند الله مكانة، وتريد عند الله رفعة، وتريد نجاة، فاعمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق النار ولو بشق تمرة).
فالمتقون تبقى صلتهم، والصلات الأخرى تتقطع بين البشر، فتتقطع بين العابدين والمعبودين، وبين السادة والأتباع، وبين رجال الفكر الذين يضادون شريعة الله ومن يتبعهم، وبين الفلاسفة وأصحاب المبادئ الضالة ومن يتبعهم، بل يتحول الود والمحبة بينهم إلى خصام وعداء يوم القيامة، فهل تريد أن تعرف أين مكانك في ذلك اليوم؟
اعرض نفسك على كتاب الله؛ فإذا وجدت نفسك منضبطاً مع القرآن، ومع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، تقوم بأوامر الله وتنتهي عن نواهيه، وتعظم ما عظم الله، وتسعى إلى تحقيق ما ندبك الله إليه؛ فأنت على خير، وإلا فصحح المسار، فإنك لا تدري متى يأتي الأجل، وقبل أن تندم حيث لا ينفع الندم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر