لقد أسبغ الله جل وعلا علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهي لكثرتها لا تعد ولا تحصى، وقد أمرنا الله سبحانه بالشكر، ووعدنا بالزيادة، فهو الكريم العظيم، وكلما شكر العبد ربه زاده من فضله، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وشكر النعم هو القيام بما أوجبه الله تعالى تجاهها، وصرفها في مرضاته وطاعته سبحانه وتعالى، وكفر النعم هو ضد ذلك، وهو سبب لزوالها وانقلابها نقمة وعذاباً.
نعمة المال والأكل من رزق الله تعالى في الأرض
الحمد لله، الحمد لله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وكل شيء عنده بمقدار، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله، ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته وسلم تسليماً كثيراً.
والفرق بين هاتين الآيتين: أن الآية الأولى أمرت الناس عامة أن يأكلوا من رزق الله وما في الأرض.
أما الآية الثانية فإنها أمرت المؤمنين وأباحت لهم أن يأكلوا من رزقهم الذي خلقه الله عز وجل من أجلهم.
شروط الأكل من رزق الله
حينما نعود إلى الآية الأولى نجد أن الأكل من رزق الله، والأكل مما في الأرض لا بد أن يتوافر فيه شرطان:
الشرط الأول: أن يكون حلالاً طيباً، فعلى المؤمنين خاصة أن يجتنبوا الحرام، سواء في ذلك الحرام لذاته، وهو ما حرم من أجل ذاته؛ كالميتة والدم ولحم الخنزير، أو ما حرم من أجل غيره من أموال الناس، ومما يحصل عليه من الكسب الحرام.
معشر المسلمين! إن سنة الله في هذه الحياة أن يذيق هذا الإنسان رحمته، والمراد بالرحمة هنا: نعمة المال ولذته، حتى إذا عض على هذه النعمة بالنواجذ نزعها الله من الكافر والباغي نزعاً، حتى إذا أبدله النعمة إثماً وأبدله المال فقراً، وأبدله الصحة مرضاً والأمن خوفاً؛ نسي ما كان بالأمس، وظن أن نعمة الله لن تعود إليه أبداً منذ تلك اللحظة التي يفارقها.
معشر المسلمين! إن سنة الله في الحياة أن يرد الناس إليه طوعاً أو كرهاً، وحينما ينحرف الناس عن دين الله، وحينما يتنكبون عن طريقه المستقيم، يبتليهم في بادئ الأمر بالفقر والمسغبة والخوف والجوع والأمراض والأسقام، فإما أن يتراجعوا ويعودوا إلى الله عز وجل، وإما يتمادوا في غيهم، فإن الله يمتحنهم في المرحلة الثانية بالنعيم، يمتحنهم بالنعم والأمن والأرزاق تأتيهم رغداً، ثم بعد ذلك إذا لم يعرفوا قدر نعمة الله عليهم أخذهم سبحانه وتعالى أخذ عزيز مقتدر.
معشر المسلمين! إياكم واستعمال المقاييس! وإياكم أن تخدعكم هذه النعمة! وأنا حينما أخاف لا أخاف على أولئك المخضرمين الذين عاشوا فترة الجوع والمسغبة والخوف والجوع؛ فإن هؤلاء يدركون نعمة الله عليهم اليوم في كثير من الأحيان -وإن كان كثير منهم قد غير وبدل- ولكني أخشى على هذه الناشئة الجديدة التي ولدت وكما يقول المثل: وفي أفواهها ملاعق من ذهب، لا تسمع إلا عن مئات المليارات من ميزانية الدولة، ثم يظنون أن هذا النعيم كان قديماً، وأنه سيبقى لهم إلى الأبد!
معشر المسلمين! احذروا هذا الفهم الخاطئ، واعلموا أن الله يقول: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ[الأعراف:182]، أي: ندنيهم من العذاب درجة بعد درجة، بطريق لا يدركون أنه من العذاب، وأقرب ما يكون ذلك حينما تكون العقوبة نوعاً من النعيم في ظاهر الأمر.
إن علينا أن نشكر هذه النعمة، فلا نستعملها في معصية الله، ولا نقابلها بكفر المنعم سبحانه وتعالى، فلسنا بحاجة إلى معاهد للموسيقى، أو ننفق أموال الله في مثل هذا السبيل؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، لهم النار يوم القيامة).
إن الجهاد في سبيل الله الذي يفتح اليوم ذراعيه للمؤمنين أفضل طريق يجب أن ننفق فيه أموالنا وأموال المسلمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
شكر النعم سبب لدوامها
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبه ربنا ويرضاه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون.
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون! اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وكلوا من فضله ونعمته، واشكروا له إن كنتم إياه تعبدون.
أما نحن اليوم فإننا نرفل في هذا المتاع العريض، والأمن قد أرخى سدوله في بلادنا؛ بسبب تحكيم شريعة الله عز وجل، ويتخطف الناس من حولنا، فلم نؤد في الحقيقة شكر هذه النعمة. حينما كنا فقراء كنا أطوع لله وأتقى له منا اليوم، أما اليوم فإن أقل ما نتحدث عنه بالنسبة لما حصل في بلادنا التي بليت بهذا النعيم -ولا أقول منحت هذا النعيم- أن اعتمدنا على غيرنا في تربية أولادنا.. اتخذنا الخادمات الكافرات أو المتمسلمات أو -على أحسن الفروض- المسلمات، واختلطن بنا واختلطنا بهن.. اتخذنا الصحافة في كثير من الأحيان وسيلة لهدم الأخلاق والفضائل.