أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبادئ ذي بدء! أتوجه إلى الله جل وعلا متوسلاً إليه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، واسمه الأعظم، أن يجعل لي ولكم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كلٍ بلوىً عافية، ومن كل فاحشةٍ أمناً، ومن كل فتنةٍ عصمة، كما نسأله سبحانه أن يجعل مجلسنا هذا روضة من رياض الجنة، وحلقةً من حِلق الذكر التي تكتب لنا في موازين أعمالنا، تغشاها السكينة، وتحفها الملائكة، وتتنزل عليها الرحمة، ويذكر الله هذه الوجوه فيمن عنده.
أحبتي في الله! شأن الجهاد والرباط والشهادة في سبيل الله عظيم، وإن من المصائب -وأقولها- أن يحدثكم في هذا الأمر واحدٌ من القاعدين، وسامح الله الإخوة حيث اختاروني للحديث في هذا الموضوع، وكان الأولى أن يختاروا واحداً من المجاهدين الذين عرف النقع لهم أثراً، وعرفت الميادين لهم بلاءً، ولكن:
أعيذها نظراتٍ منك صادقةً أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم |
الحاصل أنهم ما أحسنوا الاختيار، وكان الأولى أن يتحدث في هذا الموضوع ممن عرفوا بالبسالة والبذل والجهاد في سبيل الله جل وعلا، ولكن: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! متى الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وما أعددت لها؟ فقال الأعرابي: ما أعددت لها كثير عمل، ولكني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت يوم القيامة).
وجاء آخر وقال: (يا رسول الله! الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب) وحسبنا أن نكون ممن أحبوا الجهاد، ونسأل الله أن يكون حبنا للجهاد في سبيله خالصاً لوجهه، وأن يكون حديثاً للنفس، وأن يكون بذلاً صادقاً، والله جل وعلا يقول: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة:46].
ونسأل الله ألا نكون ممن قال فيهم في بقية الآية: وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ [التوبة:46] نسأل الله جل وعلا أن يجعل حبنا للمجاهدين والجهاد في سبيل الله في موازين أعمالنا، والهوى نوعٌ من المحبة، والمحبة في الموازين: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) ومن أبغض دين الله، أو أبغض شيئاً من دين الله ولو عمل به فإنها من الأمور التي تخل بعقيدته، بل قد تجعله من المارقين من الدين، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب نوّر الله ضريحه، وجمعنا به وإياكم في الجنة: ومن نواقض التوحيد: من كره شيئاً مما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ولو عمل به، واستدل بقول الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9].
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها |
والحاصل أيها الأحبة! أن لذة الجهاد لا يحصرها قلم، ولا يصفها لسان، ولا يحيط بها بيان، ولكن أن نتعرف إلى الشيء بملامحه وسماته، ففي هذا خيرٌ عظيم من عند الله جل وعلا، يقول الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111] إن الله أصدق قيلاً، وأصدق حديثاً، وأوفى بالعهود والمواثيق: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] تأملوا هذه الآية العظيمة التي فيها شراء، وفيها صفقةٌ عظيمة، ولـابن القيم كلامٌ أجمل مما نقول ويُقال في هذا الباب: المشتري هو الله، والمتفضل هو الله، والمنعم هو الله؛ خلق هذه النفس من العدم وأطعمها وسقاها وكفاها وآواها، ودفع عنها النقم، وأسبل عليها وابل النعم، ثم هو جل وعلا يشتريها من صاحبها ويبذل له عوضاً وثمناً ألا وهو الجنة؛ فيها مالا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ولو أن القلوب سليمة، كما قال ابن القيم في نونيته:
والله لو أن القلوب سليمةٌ لتقطعت ألماً من الحرمان |
يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنت غاليةٌ على الكسلان |
يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمان |
يا سلعة الرحمن كيف تصبّر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان |
يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان |
إذا كان الثمن هو الجنة، فإنه لا يجتهد في هذه الصفقة أو أن يكون ممن يبتاعها إلا واحدٌ ممن عرف الثمن وعرف القيمة والعوض والمعوض.
أيها الأحبة في الله! هذا فضلٌ من الله، والله دعانا أن نستبشر بقوله: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ [التوبة:111] أي: اضمنوا أنها صفقةٌ رابحةٌ لا تَندُّم بعدها، لو أن أحداً اشترى بضاعةً أو عقاراً أو داراً، ثم عاد وخلا بنفسه وأخذ يقلب الحال، هل غُبن في هذه الصفقة؟ وهل اشتراها بأكثر من قيمتها؟ أما هذه فهي صفقةٌ مربحةٌ رابحة: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].
واعلموا أن هذه السعلة العظيمة الجليلة الكريمة قد عُرضت والناس قد اختلفوا في التوجه إليها، ولكن لا يستوي من طار على خيله، أو انطلق والشوق يدفعه والهوى يجعله محباً لما عند الله وفي سبيل مرضاته، لا يستوي مع من قعد عنها.
خودٌ تزف إلى ضريرٍ مقعدٍ يا محنة الحسناء بالعميان |
شمسٌ لعنِّينٍ تزف إليه ما حيلةُ العنِّين في الغشيان |
حينما تصف أروع الجمال لرجلٍ لا يبصر هذا الجمال، فما حيلة هذا الوصف، انطلق أقوامٌ إلى هذه السلعة، وأرادوا هذه السلعة العظيمة: (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) انطلق لها أقوامٌ وقعد آخرون: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ [التوبة:46] ونسأل الله ألا نكون ممن قال الله فيهم: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التوبة:47] فإن القعود عن الجهاد مظنة أن يشك الإنسان في نفسه، ما الذي أقعده عن الجهاد؟! أهو نفاق في قلبه؟! أهو تقصيرٌ في صدق تحقيقه وإيمانه واعتقاده بأمر الله وأمر رسوله، ووعد الله ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم؟!
يقول جل وعلا: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً [النساء:95] وإن الله جل وعلا قد أعد مائة درجةٍ في الجنة للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض، فما ظنكم بالبون الشاسع والفرق الواسع بين درجات المجاهدين ودرجات القاعدين؟ إنها تجارة فمن دُل عليها ونالها فقد هدي إلى خيرٍ عظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .. [الصف:10-12] إلى آخر ما بين الله من فضله العظيم وخيره العميم، فيما أعده لعباده المؤمنين.
ما الذي يجعلنا نتعلق بها أهي دنيا قد سلمت من المنغصات؟!
لا والله.
ما أضيق العيش ما دامت منغضةً لذاته بادكار الموت والهرم |
هذه الدنيا:
طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار |
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نار |
فاقضوا مآربكم عجالاً إنما وأعماركم سفرٌ من الأسفار |
إننا في هذه الدنيا على سفرٍ وعلى رحيلٍ، فنسأل الله جل وعلا أن يعيننا بالزاد النافع، وأن يثبتنا بفضله ودينه.
فما دامت هذه الدنيا لذاتها مُنَغصة، ما رأينا صحيحاً إلا وأعقب المرض صحته، وما رأينا رجلاً سعيداً باجتماع أحبته إلا وفرق الموت أحبابه وشتت شملهم، وما رأينا قوماً في عزٍ إلا ونالهم من طوارق الزمان، ومآسي الحدثان ما أصابهم:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان |
هي الحياة كما شاهدتها دولٌ من سره زمنٌ ساءته أزمان |
وهذه الدار لا تُبقي على أحدٍ ولا يدوم على حالٍ لها شان |
أين الملوك ذوي التيجان من أرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسان |
أين أولئك جميعاً؟
أتى على الكل أمرٌ لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا |
هذه الدنيا التي نتعلق بها ونقعد فيها بخلاً بالنفوس أن تنال منازل المجاهدين وفضل الشهداء، نتعلق بأي شيءٍ في هذه الدنيا؟! هل نتعلق باجتماعها الذي يعقبه الفراق؟ أم بعزتها التي يكدرها الذل؟ أم بمالها الذي يعقبه الفقر؟
أحوالٌ لا يعلمها إلا الله:
يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحاراً |
والذين تعلقوا بالدنيا، لأنهم في حالٍ من اللذة والنعيم، لا يعرفون ما يحوي هذا الزمان في جوانبه وأحشائه
والليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيبه |
فيا أيها الأحبة! اعلموا أن هذه الدنيا التي نخاف عليها، ونتعلق بها، وتشدنا بالطين إلى أوحال الأرض، وتجذب النفوس من أن تُحلق في ملكوت الله، وتدنو من رحمة الله جل وعلا، إنها دنيا لا يؤسف عليها، هذه الدنيا: (لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضةٍ، ما سقى منها كافراً شربة ماء) ولكن: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [هود:7].
أيها الأحبة! ثم هذه الدنيا وقد تأملنا وإياكم في ملذاتها وما فيها، ليس فيها والله أمرٌ يدعوك إلى أن تتعلق بها غاية التعلق، الطعام الذي تأكله: في أي بلادٍ زُرع؟ وبأي أيدٍ حصد؟ وعلى أي سفينة نُقل؟ وعلى أي شاطئ نزل؟ وبأي أيدٍ وصل؟ حتى وصل إليك، فجمعت أخلاطه وأنواعه؛ من طعامٍ وشراب وألوانٍ، حتى إذا تهيأ وأصبح لقمةً تزخرفت لآكلها، وسال لعاب مشتهيها إليها وعليها، لم يجد لذتها إلا وقت وضعها على لسانه، ثم لما دخلت في جوفه أصبحت حبيسة الجوف، يعذب بها عذاباً شديداً، لولا أن الله فرج عنه بأن جعل له منها مخرجاً، وهذا أمرٌ عجيب!! غاية اللذة التي تريدها سرعان ما ترجو الله أن تتخلص منها! وغاية الشراب الذي تبذل كل شيءٍ من أجله سرعان ما تسأل الله أن يُفرج لك لو احتبس شأنه!
قيل: إن أحد الخلفاء كان في فلاة، فجاءه من الصالحين رجلٌ فقال: أيها الأمير! أرأيت لو عُدمت الماء أكنت تشتري شربةً بنصف ملكك؟
قال: إي والله أشتري هذه الشربة بنصف ملكي، قال: فإذا شربت فاستقرت الشربة في جوفك واحتبست ولم تجد سبيلاً لإخراجها إلا بنصف ملكك الآخر، أكنت تبذل نصف ملكك في إخراجها؟
قال: إي والله لأخرجنها ولو بنصف ملكي، قال: فتباً لملكٍ لا يساوي شربة ماء!
من أجل هذا نعلق النفوس بالله، وما عند الله، وبنعيم فضل الله.
أيها الأحبة! وهذه الدنيا التي نتعلق بها، ما رأينا أحداً فيها إلا وفيه من الهموم والمصائب ما الله به عليم، ولا يخلو أحدٌ فيها من عداوة:
ليس يخلو المرء من ضدٍ ولو حاول العزلة في رأس جبل |
إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل |
كيف تجد إنساناً في هذه الدنيا يريد أن يسلم من عداوة أهلها، لا والله لا يستطيع أحدٌ أن يسلم من عداوة الناس في هذا الزمان، أو أن يناله الناس من منتقدٍ أو مجرحٍ أو حاقدٍ أو حاسدٍ، أو ممن ينال من عرضه، أقل من ذلك أو أكثر، وما دامت هذه أحوال الناس فلا تغبطوا أحداً على دنيا مهما تنافسوا في التطاول بالقصور أو تفاخروا بسعة الدور، أو تشاحوا على المراكب والمفارش وغيرها، هذه الدنيا شأنها عجيب:
يلقى الغني لحفظه ما قد حوى أضعاف ما يلقى الفقير لفقره |
وأبو العيال أبو الهموم وحسرة الرجل العقيم كمينةٌ في صدره |
أو ما ترى الملك الكبير بجنده رهن الهموم على جلالة قدره |
فتراه يمضي مشغلاً في باله همٌ تضيق به جوانب قصره |
ولقد حسدت الطير في أوكارها فرأيت منها ما يُصاد بوكره |
ولرب طالب راحةٍ في نومه جاءته أحلامٌ فهام بأمره |
والحوت يأتي حتفه في بحره والوحش يأتي موته في بره |
كيف التخلص يا أخي مما ترى صبراً على حلو القضاء ومُرِّه |
إذاً: هذه الدنيا كما قال الله تعالى فيها: لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4] وأقول هذه المقدمة وأسوقها لكي نعلم أن الذين يتعلقون بالدنيا قعوداً بها، ولأجلها ولشأنها ولملذاتها عن الجهاد في سبيل الله، والبذل لدين الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله؛ إنما يدعون هذه اليواقيت والدرر العظيمة من أجل دنيا لا يؤسف على فراقها.
وكما قال أحد الصحابة -ولعله معاذ بن جبل - لما حضرته الوفاة وكأنه أجهش، فقالوا: وأنت صاحب رسول الله تبكي، قال: [والله ما على فراق دنياكم هذه أبكي، وإنما أبكي على فراق ليالي الشتاء -طول القيام والتهجد- وظمأ الهواجر -أطول النهار في هاجرة الصيف- ومجالسة أقوامٍ ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر آكله].
نعم. لا يحزن على الدنيا إلا لأجل هذه الثلاث، أما ملذاتها وغير ذلك فهو لا يحزن على فراقها بأي حالٍ من الأحوال.
من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، تأتي الآتية، وتأتي القيامة الصغرى ألا وهي: الموت؛ وهذه القيامة أول ما تبدؤك في أنامل رجليك، تأتي ملائكة الموت فتجذب هذه الروح جذباً بعد أن أقفلت الأرصدة، وأعلن الحساب الختامي، ما بقي ريالٌ إلا كسبته، ولا درهمٌ إلا أنفقته، ولا شربة إلا شربتها، ولا أكلة إلا أكلتها، ثم يأتي الوداع والختام: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد:38] ولكل بداية نهاية، وهذه بداية النهاية، تأتي الملائكة فتجذب الروح من أنامل قدميك، ثم تأتي إلى ساقيك فتبرد الرجلان، ثم ترتفع إلى فخذيك وتبرد الساقان، ثم تنزع من جوفك نزعاً فتحشرج في صدرك حشرجةً عظيمة.
ثم بعد ذلك تصل إلى مخارجها، ثم تخرج مع أنفك ويقال: فلانٌ مات حتف أنفه؛ لأن الروح تخرج مع الأنف، رحلةٌ شاقةٌ طويلة في بداية النهاية، في نزع الروح وآلام السكرات، تعوذ منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن للموت لسكرات، اللهم أعني على سكرات الموت).
فما دامت هذه بداية النهاية، وفيها ما فيها من الآلام والمصائب والمشاق إلا أن الله جل وعلا قد جعل لطائفةٍ من عباده اختصاراً سهلاً، وإيجازاً لذيذاً يختصر رحلة الحياة كلها، ويختصر عملية الموت بأكملها ألا وهو الجهاد في سبيل الله في حال الشهادة التي تختصر عملية الموت، وخروج الروح من أطراف القدمين إلى أطراف الأنف بقرصةٍ، لا يجد الشهيد من آلام الموت إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة، لأنه مات شهيداً في سبيل الله فأعانه الله وثبته ويسر ميتته.
لأن أمة الإسلام في هذه الزمان ذاقت ألواناً من الذل والهوان لا يعلمها إلا الله، بعد أن كانت حاكمةً أصبحت محكومة، وبعد أن كانت مسيطرةً أصبحت مسيطراً عليها، وبعد أن كانت آمرةً ناهية أصبحت مأمورةً منهية، وما ذاك إلا لترك الجهاد، ما ترك قومٌ الجهاد إلا ذلوا، وبينه صلى الله عليه وسلم: (إذا تبعتم أذناب البقر، وتبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم) فإن الذلة قد كتبت على أمة المؤمنين ما لم يعودوا إلى الجهاد في سبيل الله، وما لم يكن كل واحدٍ منكم يُحدث نفسه أن يقدم واحداً من أبنائه، يراق دمه، وتُقطع أشلاؤه قرباناً لدين الله.
حق على الأيام ألا تهزموا النصر ينبت حيث يرويه الدم |
ووالله إننا لنتمنى أن يبسط الله لنا في الذرية والولد، ونسأل الله ألا يحرمنا هذا الأجر أيضاً لكي نبذل من أولادنا مجاهدين يموتون في سبيل الله، ولعل الله بمنه وكرمه أن يختارنا من الشهداء في سبيله، لماذا نخشى الموت في سبيل الله والموت ساعةٌ لا تتقدم أو تتأخر؟
لو قلنا لأحدنا: سيموت فلان بن فلان غداً الساعة العاشرة صباحاً، فما الفرق بين أن يموت على السرير الأبيض تحت أجهزة الإنعاش ، ومساعدة التنفس، وضربات القلب، وأن يموت في لحظة غبار المعركة فيها طائر، وصليل السيوف فيها ملتهب، وأصوات القنابل والمدافع فيها يتأجج؟
تلك الميتة التي على السرير الأبيض ميتة طويلة، وأحوال ضعفٍ وهوان.
وأما ميتة الشهادة في سبيل الله في المعركة فتطير الروح إلى باريها، تبقى معلقةً في أجواف طير خُضرٍ في قناديل الجنة تأوي من غُصنٍ إلى غصن، ومن فننٍ إلى فنن، فمن ذا يا عباد الله يحرم نفسه هذه الميتة؟!
إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ فلا تقنع بما دون النجوم |
فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ كطعم الموت في أمرٍ عظيم |
يقول قطري بن الفجاءة وهو من شعراء الخوارج وهم على باطلٍ عجيب يقول يخاطب نفسه:
أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحك لن تراعي |
فإنك لو سألت بقاء يومٍ على الأجل الذي لك لم تُطاعي |
فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع |
ويقول عبد الله بن رواحة :
لكنني أسأل الرحمن مغفرةً وطعنةً ذات فرغٍ تقذف الزبدا |
وضربة بيدي حران مجهزةٍ بحربةٍ تنفذ الأحشاء والكبدا |
حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا |
يسأل ربه أن تكون ميتةً يتفنن فيها، يتفنن في نوع الميتة، قال:
لكنني أسأل الرحمن مغفرةً وطعنةً ذات فرغٍ تقذف الزبدا |
أي: يقول: أريد الدم أن يفور من بدني فوراناً عجيباً.
وضربة بيدي حران؛ برجلٍ مجهز، برجلٍ يريد أن يشفي غليله، بيدي حران مجهزةٍ؛ بحربةٍ حادةٍ، مسنونةٍ نافذةٍ من أجل أن تُخرج الأحشاء والكبدا، حتى يقول: يا رب! هذه شهادتي، إذا أراد الناس منصباً أو منزلاً أو وظيفة فماذا يقولون؟ يقولون: مؤهلاتنا ماجستير، مؤهلاتنا دكتوراه، فيقال: ادخل، أنت عندك دكتوراه تفضل، أنت عندك ماجستير تفضل، أنت عندك بكالوريوس أو ثانوية عامة تفضل، بحسب مؤهلك تدخل، لكن مؤهلات المجاهدين لدخول الجنة يقول: يا رب! هذه مؤهلاتي، يأتي يوم القيامة بمؤهله الدم والجرح، اللون لون دم والريح ريح مسك، هذه مؤهلات المجاهدين التي بها يُؤمّنون من فتان القبر، ويلبسون حلل الوقار والمنزلة العظيمة، ويُشفعون في سبعين من أهل بيتهم.
لنا فرسٌ لم تنجب الخيل مثلها فتحنا بها الدنيا يقال لها الردى |
هذه مؤهلات الأمة التي جعلت الأعداء والحضارات التي سادت مئات السنين وقروناً متوالية تتهاوى أمام سيوفهم القصيرة المثلمة، وخيلهم الهزيلة، وثيابهم البالية المرقعة، لما أرسل قائد المسلمين رسوله يفاوض رستم ، قال: ماذا تريدون منا؟ قال: ندعوكم إلى دين الله جل وعلا، وترك عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
قال: فإن لم نجبكم؟
قال: تعطون الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون.
قال: فإن لم نفعل؟
قال: فقد جئناكم بقومٍ يحبون الموت كما تحبون الحياة، هذا الأمر الذي كان يروع أعداء المسلمين من الكافرين، هذا الأمر الذي روع الكفار جميعاً عربهم وعجمهم، بعض الناس يتوقع أننا حينما نتكلم عن الكفر نتكلم عن العجم.
الكفر ملة واحدة، واللغة لا تغير في الكفر شيئاً، فإن كان كُفراً بعثياً أو غيره فكله كفر، والكفر ملةٌ واحدة عربه وعجمه.
فيا أيها الأحبة! لما ضاعت من نفوس المسلمين هذه المعاني العظيمة أصبح الأعداء يفاوضون عليهم بحبهم بالدنيا، بملذات الدنيا ونعيمها، ومن أجل هذا أصاب الأمة ما أصابها من الذلة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
كان الصحابة يعدون الكلام في الموت مسألة انتهى أوانها، يقول علي بن أبي طالب :
أي يومي من الموت أفر يوم لا قُدِّر أم يوم قُدِر |
يوم لا قُدِّر لا أرهبه ومن المقدور لا يغني الحذر |
فما الذي يجعل الأمة بهذه الذلة أو هذا الخوف؟! نخاف من الموت في يومٍ ما قُدر فيه!! لن يأتي، ونخاف من الموت في يومٍ قدر فيه!! قدر الله نافذ: إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [يونس:49].
يقول إخوانه: كان في قندهار وهي أرضٌ مبسوطة، وكان لا يجد شيئاً يجعله ترساً يتترس به أو يقف وراءه، فماذا كان يصنع؟ كان يحفر خندقاً برميلياً!! يعني: الأرض المنبسطة يحفر فيها خندقاً أشبه ما يكون بالبرميل ويجلس فيه، قال: ويجلس يُسبح ويهلل ويقرأ القرآن الكريم، ويسأل الله الفرج والنصر والرزق والغنيمة والشهادة في سبيل الله، فإذا سمع صوت الحنين والطنين أخرج رأسه فإذ بدبابة جاءت تشق الطريق، فيقوم ومعه سلاح (الآر بي جي) فيأخذ القذيفة ويركبها ثم يرمي باسم الله الرحمن الرحيم: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] وهو لا يضربها وهو في خندقه بل يخرج، ثم ينتظر حتى يصوب هدفاً قاتلاً في الدبابة فيضربها في برجها فيشطرها شطرين، ويجعل سائقها يتشحط في دمه والدبابة تحترق، وذات يومٍ كان في خندقه البرميلي ثم خرج وإذ بدبابتين تشقان الطريق، فقام وضرب الأولى وأخذ وقتاً لكي يجهز القذيفة، لكي يضرب الثانية، وإذ بالدبابة الثانية قد وجهت فوهه مدفعها نحوه لكي تضربه وتقتله شر قتله، أتظنونه عاد إلى خندقه وإخوانه يقولون: يا فلان! ارجع، يا فلان! تراجع، قال: والله لا أريد من ربي أكثر من أمرٍ واحد، ألا يتقدم أجلي لحظة ولا يتأخر لحظة، فقام والدبابة توجه نحوه وهو يوجه نحوها، باسم الله الرحمن الرحيم: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] ثم أطلقت-الدبابة- قبله، وإذا بالقذيفة تمر بجواره وهو ما تحرك من مكانه: قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42].. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [الانفطار:10].. وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام:61] ثم سمى الله ووجه قذيفته، فإذ به يشطر هذه الدبابة بعد أن صوب في برجها.
قلت: أبشر بالخير هذا لا يقطع نيتك، ولكن صوب واستعن بالله، وتذكر قول الله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17].
وبحمد الله جل وعلا قد أكرم الله إخوانكم، بعد أن بلغوا هذه المرحلة الطيبة باحتسابهم فعلهم خاصةً في هذه المعارك الحالية التي تدور الآن على حدود المملكة مع العراق البعثي حكومة لا شعباً؛ لأننا حينما نتكلم؛ نتكلم عن الأنظمة الكافرة، أما الشعوب البريئة المسلمة فمن وافق القوم في كفرهم فعليه من الوزر ما وافق به، ومن برئ من فعلهم فإنهم براء بإذن الله جل وعلا.
أحد الطيارين يُقلع بطيارته وهذا الكلام قلته بخطبة الجمعة، وطائرة (الترنيدو) مزودة بجهاز (رادار) حينما تنطلق صواريخ سام ستة أو غيرها من أنواع الصواريخ المضادة للطائرات، فإنها بإذن الله جل وعلا حينما يرى قائد الطائرة في (الرادار) توجه الصواريخ نحوه، وحينما يرى أيضاً إذا كان طيرانه في الليل أو في وقتٍ يتضح منه لهب الصواريخ المتجه إلى طائرته، فإنه يخبر الرامي الذي يقعد في المقعد الخلفي وراءه في نفس الطائرة ويقول له: أطلق أشعة؛ هذه الأشعة هي البالونات الحرارية، يخرج من جهاز الرادار بالون حراري يتبعه الصاروخ، فالصاروخ حين ينطلق للطائرة يترك الطائرة متجهاً إلى البالون الحراري، فيقول رأينا حمماً من الصواريخ متجهةً إلى الطائرة وأنا أقول للرامي الذي خلفي: أطلق بالوناً حرارياً أطلق أشعة معدنية، ونطلق والصواريخ تذهب يميناً ويساراً، فلما انتهينا من المهمة وعدنا إلى القاعدة، وجدنا أن (الرادار) ما أطلق ولا بالوناً واحداً وأنه ما عمل أصلاً، فسبحان الله العلي العظيم! لعله بنيته بل إنه بنيته بفضلٍ من الله جل وعلا ومنّ ورحمة، وإلا ما الذي يجعل الصاروخ يصل إلى الطائرة ثم ينفصل عنها.
وهذا الكلام ما فيه حدثنا فلان عن فلان، والسند فيه مجاهيل وضعفاء ومساكين، لا ، الرجل نفسه يخبرني والحديث بيني وبينه بحضور قائد السرب، فالحمد لله رب العالمين، الذي منّ على أحبابنا وإخواننا بهذه الكرامة لأن المسائل تتعلق بالنية.
القضية أن الجهاد في سبيل الله لا يتعلق بمسألة وجود كافرٍ معك في المعركة، أو يتعلق بوجود قوات مشتركة، الجهاد في سبيل الله يتعلق بنيتك أنت، فإذا كانت النية في سبيل الله كما قال صلى الله عليه وسلم عندما قيل له: (يا رسول الله! الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل حمية، أي ذلك في سبيل الله؟ -النبي ما أنكر على من يدخل المعركة يريد الغنيمة، ولم ينكر على من يدخل المعركة يريد العصبية والجاهلية والحمية- وإنما قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
أي: النص الذي يأتي من عند الله جل وعلا في كتابه ومن عند رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فإنك ترى في هذا دلالةً واضحةً لا تحتاج إلى تفسيرٍ أو تأويل إلا شيئاً من ذلك يفهمه أهل العلم.
ونشرع الآن يقول النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الجهاد: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) ويقول صلى الله عليه وسلم: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة -أي: قدر ما بين حلبتي الناقة من الوقت- فقد وجبت له الجنة).
وهذا من عظيم الفضائل بإذن الله جل وعلا، ومن تأمل حال الجهاد وجد أنه أعظم أنواع العبادة ولأجل ذلك فإن ابن المبارك رحمه الله أرسل إلى الفضيل بن عياض وكان منقطعاً للعبادة في البيت الحرام، قال له:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ،أي: في المعارك والقتال، وصهيل الخيل، وصليل السيوف.
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تعلب |
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب |
أو كان يُتعب خيله في باطلٍ فخيولنا يوم الكريهة تتعب |
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب |
لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نارٍ تلهب |
ولقد أتانا من مقال نبينا قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يكذب |
في الحديث عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقةٍ مخطومة، فقال: يا رسول الله! هذه الناقة في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة) رواه الإمام مسلم .
وعن أبي سعيدٍ الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعث إلى بني لحيان، ليخرج من كل رجلين رجل، ثم قال للقاعدين: أيكم خلف الخارج في أهله فله مثل أجره) رواه الإمام مسلم .
وعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من جهز غازياً في سبيل الله فله مثل أجره، ومن خلف غازياً في أهله بخيرٍ وأنفق على أهله فله مثل أجره) رواه الطبراني بإسنادٍ صحيح.
وحسبكم أن الغدوة إلى الجهاد في سبيل الله جل وعلا، أن للإنسان به أجراً عظيماً بإذن الله جل وعلا، قال تعالى: وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [التوبة:121].
عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (رباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خيرٌ من الدنيا وما عليها) رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لغدوةٌ في سبيل الله أو روحة خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيده -يعني: موضع سوطه- خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة طلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، وإن نصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها) رواه البخاري ومسلم.
فهذه الدنيا خيرٌ منها غدوةٌ في سبيل الله، وخيرٌ منها موضع سوط أحدنا في الجنة، وخيرٌ منها روحةٌ في سبيل الله جل وعلا، فلماذا نقدم الدنيا على الآخرة وهذه الدنيا ما متاعها في الآخرة إلا قليل؟!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تضمن الله لمن خرج في سبيل الله لا يخرجه إلا جهادٌ في سبيلي، وإيمانٌ وتصديقٌ برسلي، أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجرٍ أو غنيمة) رواه البخاري ومسلم.
واعجبوا أيها الأحبة! لشأن المجاهدين الذين ودعوا الدنيا وطلقوها، وتفرغوا لأمر الآخرة بحالٍ عجيبة، أتعلمون أول زمرةٍ تدخل الجنة؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول زمرةٍ تدخل الجنة من أمتي أتعلمونها؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: المهاجرون يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة، فيستفتحون -أي: يطلبون فتح باب الجنة- فيقول لهم الخزنة: أو حوسبتم؟ فيقولون: بأي شيءٍ نحاسب وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك؟! قال: فيفتح لهم ، فيقيلون في الجنة أربعين عاماً قبل أن يدخلها الناس) أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وجاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: (دلني على عملٍ يعدل الجهاد؛ فقال صلى الله عليه وسلم: لا أجده، ثم قال صلى الله عليه وسلم: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تُفطر؟ قال: من يستطيع ذلك؟!) -ومعنى ذلك: أن الجهاد لا يعدله شيء- رواه البخاري .
عن البراء قال: (جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، ثم تقدم فقاتل حتى قُتل؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عمل يسيراً وأجر كثيراً) رواه الإمام مسلم.
فحسبنا أن فضائل الشهادة عظيمة إلى درجة أن من لم تكن له حسنة أبداً، وسيرته فيما مضى كلها كفرٌ وعدوانٌ وإنكارٌ وشركٌ، أن أول عملٍ عمله بعد أن نطق الشهادتين أنه جاهد في سبيل الله؛ فاعتُبِر عَمَلُه هذا خيراً كثيراً بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث عن أبي بردة بن عبد الله بن قيس قال: (سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف، فقام رجلٌ رث الهيئة، قال: يا
وحسبكم أن الله جل وعلا يقول في محكم كتابه: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ [التوبة:19] وجاء في سبب نزول هذه الآية ما حدث به النعمان بن بشيرٍ قال: (كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجلٌ: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم
هذه أيها الأحبة! فضائل الجهاد في سبيل الله، وهذه كرامات المجاهدين في سبيل الله، فهل حدثنا النفوس بالجهاد؟ هل حدثنا النفوس بصدق بالجهاد في سبيل الله جل وعلا؟ حتى الجهاد بالمال؛ أن نخلف الغزاة والمجاهدين في ذويهم وأهلهم بخير، الكثير من المسلمين قد فرط وتساهل وبخل بهذا، حتى كفالة أيتام المجاهدين الكثير من المسلمين قد فرط في هذا وبخل به.
ووالله إن من أقل القليل وأدنى الواجب، إذا كان لك أربعة أولاد أن يكون خامسهم من أيتام المجاهدين، وإذا كان لك سبعة أولاد أن يكون ثامنهم من أيتام المجاهدين، حتى تنال أقل المراتب، أن تخلف مجاهداً في أهله بخيرٍ وفي ذريته بخيرٍ.
والجراح في الجهاد هو أيضاً من فضائل آثار الجهاد، لأن الجهاد لا يمكن أن يكون وروداً ورياحين وكرامات كما يظن البعض منذ أن ينزل الجبهة وساحة القتال الكرامات تتناثر، لا، حتى لو لم تر كرامةً واحدة، يكفيك كرامةً أن الله أعانك وثبتك وأيدك حتى انطلقت لقتال أعداء المسلمين، والدفاع عن أعراض المؤمنين، والذود عن حرمات المسلمين وأملاكهم ومقدراتهم، فإن في هذا جهاداً عظيماً بإذن الله جل وعلا.
روى الإمام مسلم والإمام أحمد في مسنده : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لا يُكلم أحدٌ في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، اللون لون الدم والريح ريح المسك) وروى الشيخان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبدٍ يموت له عند الله خيرٌ فيسره أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد في سبيل الله؛ لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرةً أخرى).
وهذا يذكرنا بقصة عبد الله بن حذافة السهمي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما أسره الروم ففاوضه ملك الروم على أن يترك دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأبى وامتنع وقال: ليست دنياك أو تخويفك هذا يجعلني أفاوض أو أقايض على دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم حتى أدعه، فما كان منه إلا أن أوقد ناراً عظيمة، وجعل فوقها قدراً أعظم منها، ثم جعل الزيت يغلي فيه، وأخذ يرمي فيه بعض القوم وهم أحياء فتتناثر لحومهم، فلما رأى هذا المشهد بكى! رضي الله عنه، فأخبروا الملك أن ابن حذافة قد بكى فقال: ردوه إليّ فقال: ما الذي يبكيك؛ هل خشيت النار والقدر؟ أتترك دين محمد؟ قال: لا، والله ما بكيت لأجل هذا، قال: إذاً فما الذي يبكيك؟ قال: تمنيت أن لي مائة نفس تموت هذه الميتة؛ لما يعرفون ويعلمون من فضل الشهادة في سبيل الله جل وعلا.
وقد تكلم أهل العلم فيمن يُقتل في سبيل الله لماذا سمي شهيداً، فقال بعضهم: سمي شهيداً لأن روحه تشهد دار السلام قبل يوم القيامة، وقال بعضهم: لأن الله ورسوله شهدا له بالجنة، وقيل: الشهيد الحي؛ ولذلك سموا شهداء لأنهم أحياء عند ربهم، وقيل: لأن ملائكة الرحمن يشهدونه فيقبضون روحه، وقيل: لأنه ممن يشهد على الأمم، وقيل: لأن دمه يشهد له يوم القيامة، وقيل: لأنه شُهد له بالإيمان وحُسن الخاتمة، وعلى أية حال فشهادة الشهيد وبرهان صدقه وإخلاصه لله واضحةٌ جلية، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الشهداء.
روى البخاري بسنده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة) وأيضاً أرواح هؤلاء المجاهدين بعد قتلهم في سبيل الله وهم من الشهداء بمن الله وفضله: (أرواحهم في أجواف طيرٍ خضر لها قناديل معلقةٌ بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم جل وعلا فقال: هل تشتهون شيئاً؟ فقالوا: أي شيءٍ نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، فقيل: هل تشتهون شيئاً؟ فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا ربنا! نريد أن تَرد أرواحنا في أجسادنا، حتى نُقتل في سبيلك مرةً أخرى) رواه الإمام مسلم .
أما الذين ظلموه حياً فقد تكلموا في عرضه وأسرفوا، وأما الذين ظلموه ميتاً فقد نالوا منه بعد أن وارى التراب جدثه وجسده وأقول: أسأل الله أن يغفر لنا وله ولهم، هذا المجاهد الهمام لما تكلم في إحدى رسائله حول حديث: (الشهيد لا يجد مس القتل إلا كما يجد أحدكم من ألم القرصة) قال: وهذا رأيناه مع شابٍ من أهل المدينة المنورة يقال له: خالد الكردي ؛ يقول: خالد هذا كان يمشي ثم انفجر به لغم طارت منه قدمه، وانبقرت بطنه، واندلقت أقتابه -أمعاؤه خرجت- وجرح جروحاً بسيطةً في يده، فجاءه الدكتور: صالح الليبي ، وهذا قتل نسأل الله أن يجعله من الشهداء، وجعل الدكتور صالح يلمم أمعاءه ويعيدها إلى بطنه، والدكتور صالح يبكي رحمه الله، فقال خالد الكردي لماذا تبكي يا دكتور صالح ؟!! ما في إلا جروح ويشير إلى يده ولا يعرف أن رجله كسورة وأن بطنه مفتوحة، وهذا دليل على مصداقية هذا الحديث، والحديث صدقٌ بهذا وبغيره أن الشهيد لا يجد من آلام الموت إلا كما يجد أحدنا ألم القرصة.
فيقول خالد الكردي رحمه الله: يا دكتور صالح ! هي جروحٌ بسيطةٌ في ظهر يدي، وأخذ خالد الكردي يحدث الذين حوله ساعتين كاملتين وهو يسبح ويهلل، حتى فاضت روحه ولم يعلم أن رجله مكسورة، وأن بطنه مبقورة.
وفضائل الشهداء عند الله عظيمةٌ جداً؛ شهداء غزوة أحد رضوان الله عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (لما أصيب إخوانكم بـأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طيرٍ خضرٍ، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا، فقال الله: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله جل وعلا: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]) فهذه من فضائل الشهداء، أن الله تكفل بإجابة ما تمنوا أن ينقله إلى إخوانهم في الدنيا قال الشهداء: يا ليتنا نخبر إخواننا بما نحن فيه لئلا يضعفوا عن الجهاد في سبيل الله، فقال الله جل وعلا: أنا أبلغ إخوانكم عنكم، ربٌ عظيم، جليلٌ كريم.
النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يقتل أربع مرات في سبيل الله جل وعلا!
من فضائل الشهادة: أن منهم من ينال الفضل العظيم وإن لم يركع لله ركعةً واحدة، أحد الصحابة عمرو بن أقيش كان له رِباً في الجاهلية فمات، فلما مات جاء سعد بن معاذ قال لأخته: سليه أقاتل حميةً أم عصبية؟ فقال: بل لله جل وعلا، وقصة أخ لـسلمة بن الأكوع في خيبر قاتل بشدة فارتد عليه سيفه، فتكلم الصحابة فيه؛ لأن سيفه ارتد عليه هل يعتبر شهيداً؟ هل مات شهيداً في سبيل الله؟ فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كذبوا، مات جاهداً مجاهداً فله أجره مرتين) متفق عليه.
وختام الحديث نجعله في فضائل الرباط في سبيل الله جل وعلا.
والرباط: هو لزوم الثغر في مواجهة الكفار للدفاع عن المسلمين.
عن أبي أمامة في الحديث: (أن أربعةً تجري عليهم أجورهم بعد موتهم، ومنهم من مات مرابطاً في سبيل الله) حديثٌ صحيحٌ رواه الإمام أحمد .
ورباط شهرٍ كما في الحديث خيرٌ من صيام الدهر، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر، وغُذي عليه برزقه، ورِيحاً من الجنة، ويجري عليه أجر المرابط حتى يلقى الله جل وعلا، أي: أن كل واحدٍ منا إذا مات يختم عمله إلا من ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلى من ثلاث) المعروفة في الحديث (ورباط يومٍ في سبيل الله -كما في الحديث- أفضل من صيام شهرٍ وقيامه، ومن مات فيه أمن أو وقي من فتنة القبر ونمي له عمله إلى يوم القيامة) رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
ومن الفوائد المهمة أن من مواطن الدعاء بإذن الله جل وعلا الجهاد، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقام الصلاة، ونزول الغيث) حديثٌ صحيح.
وهذا الحديث -أيها الإخوة- شأنه عظيم وعجيب، ونتأمله في كل وقتٍ وفي كل زمن، شبابنا وإخواننا ورجالنا بفضل الله جل وعلا في عددٍ من القواعد الجوية منهم: فرق طيران مكلفة بالأمن والسلامة والإنقاذ، هذه مسئوليتها حينما تسقط طائرة ويهبط الطيار منها مظلياً، أن تتحرك فرقة أو من يُكلف من فرقة البحث والإنقاذ والسلامة إلى هذا، قابلت عدداً منهم في قاعدةٍ من إحدى قواعد الجوية، وإذ بأكثرهم بفضل الله جل وعلا، إن لم أقل كلهم يقولون: لماذا يجعلوننا فقط للبحث والإنقاذ نريد أن ندخل ونجاهد كما يجاهد غيرنا؟
قلنا لهم: يا إخوان! حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (طوبى لعبدٍ .) وأنت آخذ بعنان طائرتك هذه العمودية أو غيرها، إن كنت في الساقة كنت في الساقة، وإن كنت في الحراسة كنت في الحراسة، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا بطوبى أي: الجنة لمن كان في هذا المقام مستجيباً لما ينفع المجاهدين في سبيل الله جل وعلا، فليس الأجر مقصوراً على الذين يهجمون للقتال، فإن من يكون في خطوط الإمداد والتموين لا شك أنه مجاهد.
هذه الطائرة مراحل إعدادها متعددة، الذين يقومون بالعناية بوقودها، لو لم يعتنوا بوقودها لما قامت بدورها ولما قام هذا المجاهد به، الذين يقومون بتسليحها ووضع الصواريخ فيها، لو لم يقم أولئك بدورهم ما نفعت، الذين يقومون بصيانتها وتفقد أجهزة الاتصالات فيها، لو لم يقوموا بدورهم ما نفعت.
إذاً فكلٌ له دورٌ وعليه مسئولية، والله إن الكثير منهم ما اقتنع إلا بعد أن كررنا عليه هذا الحديث: (إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الحراسة كان في الحراسة) فيطمئنون بفضل الله جل وعلا، ويقولون: نسأل الله أن يكون أجرنا كأجر إخواننا من المجاهدين في سبيل الله جل وعلا.
وحسبكم أن فضل الله واسع، فإن من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه، والذين يسألون الله الشهادة بصدق يتضح هذا من أعمالهم، أما أن تجد رجلاً بخيلاً في الإنفاق في سبيل الله، جباناً خواراً خوافاً ضعيفاً جزوعاً وهو يقول: اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك، ويتمنى ألا تُقبل، هذا كيف يريد أن ينال منازل الشهداء وإن مات على فراشه: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة:46].
فينبغي لنا أن نتمنى وأن نُحدث النفس وأن نُعدها إعداداً طيباً للجهاد في سبيل الله جل وعلا، وبعض الإخوة سألوني آنفاً أن أحدثكم عن بعض كرامات الله جل وعلا لإخوانكم المجاهدين خاصة الذين قُتلوا في مدينة الخفجي ، لا أقول: يقولون، وإنما أنا بنفسي سألت الأخ: محمد بن مهدي ، برتبة رائد في كتيبة المشاة الآلية في الحرس الوطني، قابلته في تلك الكتيبة وسألته قلت: يقولون فما صحة هذا؟ قال: أنا بنفسي أخرجت عدداً من القتلى من الكمين الذي يكمنون فيه، وكنت قبل ذلك دفنت عدداً كبيراً من القتلى وكثيراً من الموتى في جماعتنا وفي قبيلتنا وباديتنا يقول: في الغالب يكون لبعض الموتى رائحة تنزعج منها النفس، وبعضهم تكون له رائحة بحكم ما يخرج من جوفه، يقول: وهؤلاء تجد الرصاص قد تخطف بطنه وتخرج أمعاءه، واختلفت أجزاء جهازه الهضمي والباطني يقول: والله تخرج الواحد منهم من الكمين ما تجد رائحةً تكرهها، قال: وأما بعضهم فو الله لقد شممت منه رائحةً زكيةً فائحة ليست من روائح الدنيا أبداً.
من قاتل وهو يعلم أنه يدفع هؤلاء حتى لا يدخلوا بالشرك إلى بلاد المسلمين، ويقاتل وهو يعلم أن النظام الكافر في العراق قد جعل الدعارة والزنا مقنناً يحميه القانون والنظام، وجعل تصنيع الخمور محلياً يحميه القانون، من قاتل وهو يعلم أنه يدفع هذا الكفر وهذا الضلال وهذا الانحراف، من قاتل وهو يعلم أن في داخل حدود بلاده من المتحجبات خلافاً للمتبرجات في أرض غيره، من القانتات خلافاً للفاجرات في أرض غيره، من أطفال المؤمنين أبناء الفطرة، من الدعاة إلى الله، من المساجد التي تمتلئ بالندوات والمحاضرات، يقاتل وهو يعلم أنه إن تقدم الأعداء على بلاد المسلمين ما سمحوا بشيءٍ من هذا، بل ستحكم القوانين الوضعية ويُعطل ما بقي مما يُعمل به من الشريعة، من قاتل فهذا جهاد في سبيل الله، والجهاد أنواع:
أوله: جهاد الطلب وهو: أن يتوجه المسلمون إلى الكفار فيفتحوا بلادهم ويخضعوهم للإسلام، أو للجزية أو القتال، هذا جهاد الطلب.
والنوع الآخر: جهاد الدفاع؛ وهو أن يحشد الأعداء على بلاد المسلمين، فمتى يكون الجهاد في سبيل الله؟! يكون جهاداً إذا دخل البعثيون مدينة الخفجي قلنا: لا، نصبر نتأكد حتى يصلون الجبيل، وإذا دخلوا الجبيل قلنا: نتأكد حتى يصلون الظهران، ويبدأ الناس في ضعفٍ وجبنٍ وخور حتى يطرق البعثيون الأبواب ويأخذون نساءهم، ويفعلون الفواحش بأعراضهم وبناتهم ، متى يكون جهاداً إذاً؟!
تجد بعضهم يقول: يا أخي! لا تبالغوا، اتقوا الله لا تنافقوا على الأمة.
يا أخي الكريم! نحن ما قلنا: أمريكا جاءت تقاتل في سبيل الله، ما قلنا: بريطانيا جاءت تقاتل في سبيل الله، أكلمك عن جنودنا، أحدثك عن أبنائنا، أحدثك عن رجالنا ونقول: من كان يعتقد هذه الأمور التي ذكرناها، فإن الله لا يضيع عمله، وإن الله لا يضيع جهاده، وهذه بوادر كرامات التي ظهرت صواريخ تضل يميناً ويساراً، ودماءٌ زكيةٌ تفوح مسكاً، وعدد منهم بفضل الله جل وعلا ممن ثبتهم الله قبل موتهم بالذكر والتهليل والتكبير، فكيف لا نسمي هذا جهاداً؟ ماذا نسميه؟! نسميه وطنية؟! ماذا نسمي قتال هؤلاء الذين فاحت دماؤهم بالمسك؟ نسميه وطنية؟!
حتى الذين يتحدثون عن الوطنية، الحديث ينبغي أن يُبين ويوضح إن كان الكلام عن الوطن لأجل التراب، فالتراب موجود في كل مكان، وإن كان الحديث عن الوطن متعلق بالبحار فالبحار في كل الدنيا، وإن كان الكلام عن الوطن متعلق بالمنشآت والطرق والكباري فالطرق والمنشآت موجودة في دول العالم كلها.
وإن كان الكلام عن الوطن فينبغي أن يُبين، مرتبطٌ بوطنٍ فيه الجباه الساجدة، والأنوف التي تتمرغ ذلة بين يدي الله، الكلام عن الوطن الذي فيه شريعة تُحكم بإذن الله ونسأل الله الكمال والثبات، الكلام عن الوطن الذي فيه الدعوة والدعاة إلى الله جل وعلا، هاأنتم تجتمعون وتلتقون وإخوانكم يحاضرون ولهم دورٌ بارز في الدعوة إلى الله جل وعلا، وإن حصل ما حصل، فالمرد والعود أحمد بإذن الله جل وعلا.
لا يمكن يا إخوان أن نكون جفاةً في الأحكام، أو أن نكون بهذه الدرجة من الجهل أو البلاهة حتى نؤيد أعداءنا على ما يفعلون، يقول لي أحد الطيارين: المصيبة أن العراق الكافر -النظام العراقي الكافر- الذي يقول في البث الإنجليزي في إذاعة بغداد -نداء موجه إلى الجنود الأمريكان- لماذا تقاتلوننا ونحن عندنا مئات الكنائس تُتاح لكم فيها حرية تعبدكم الدينية؟
لماذا تقاتلوننا والجندي السعودي لو تلمست زوجته يقاتلك، ونحن أبناؤنا ينتظرونكم بالترحاب؟
لماذا تقاتلوننا ونحن نبيح لكم حرياتكم الشخصية من المشروبات وغيرها وهناك أنتم تمنعون؟
وفي المقابل في إذاعة أم المعارف تسمع آيات الجهاد وأحاديث الجهاد.
في تونس خُدعت بالإسلام والآن تكتوي بنار الفتنة والمحنة، في مصر خدعت باسم الإسلام والآن تكتوي بنار المحنة، ما من قائدٍ تسلط على رقاب المسلمين إلا بدعوى الإسلام، فلما تمكن أخذ يذبحهم، رفع شعار الحرية وقتلهم لأجل حريته، ورفع شعار المساواة وقتلهم لأجل الاستبداد بسلطته، ورفع شعار الاشتراكية وقتلهم لأجل إغناء زمرته، فمصيبة الأمة المسلمة اليوم أن تختلط الأوراق عليها، ما أصبحوا يعرفون ماذا الذي يتعلق بهم.
ولأجل ذلك تجد البعض مسكيناً؛ لا يفقه كيف يكون دور الشاب المسلم في ظل الأحداث الراهنة؟ هذه المعركة القائمة لكل شابٍ دور، ليس دورنا في قيادة المرأة فقط لكي نواجه، نعم. قيادة المرأة خطرٌ على المجتمع وقام الجميع لينفضوا أيديهم أمامه، ويبرءوا إلى الله من هذا الفعل، الذي هو خطوة للإباحية وخطوة للاختلاط الخطير في المجتمع، لكن لما تأتي قضية اجتياح دولة نقف هكذا أو لا نعرف ما هو دورنا؟
ينبغي أن نعرف الدور جيداً؛ دورنا أن نسعى بتثبيت إخواننا، دورنا أن نتصل بمن نعرف من أبنائنا وجنودنا لكي نشد على أيديهم ونذكرهم بالاحتساب في سبيل الله، وأنهم لا يقاتلون عن وطن الكفار، ولا عن البيع، ولا عن الكنائس، ولا عن حانات الخمور، ولا بيوت الدعارة.
وإنما قتالهم عن أعراض المؤمنين، عن المحجبات المتسترات، عن الدعاة وعن كل هذه الأمور، ما قلنا: والله هذا زمن عمر بن عبد العزيز أو عمر بن الخطاب حتى نقول: ما شاء الله اكتملت الآيات، لا، في كل زمنٍ حسنات وسيئات، لكن نحسب وندين لله جل وعلا أن مجتمعنا أفضل مجتمعات المسلمين في هذا الزمان، وما من مجتمعٍ إلا وفيه ما فيه من المعاصي، ولكن نسأل الله أن يعيننا على إصلاح ما في أنفسنا.
وإما: أنهم بأمرٍ أو بآخر خُطط لهم أن يبعدوا عن الساحة حتى لا يشاركوا، لكن الذي نراه أن من أراد أن يُشارك فالباب مفتوحٌ له، فلماذا نقعد هكذا ونضعف ونجبن عن المشاركة بحجة التخوف أو التردد؟ ينبغي أن نعرف دورنا وأن ندرك مهمتنا وأن نبدأ بمسئوليتنا.
أحد الذين يقاتلون على الحدود تعرَّف على أهله وبيته من أقاربك أو من جماعتك أو من جماعة جماعتك تتصل بهم، تكفل حاجاتهم، لهم مراجعات في المستشفى تذهب بهم، وما معنى: (من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا)؟ تكتب لوحةً وتقول: لقد خلفتكم بخيرٍ في رجلكم، وتضعها عند الباب، لا، تخلف الرجل المجاهد الغازي على الحدود بخير، أنك تتولى أسرته، أطفاله يمرضون تراجع بهم المستشفى، تجد خطراً على البيت تنتبه له، تذود عن عرضه كما تذود عن عرضك، تنتبه لبيته.
الباب مثلاً تجده مفتوحاً، باب أخيك المجاهد الذي الآن على الجبهة في الحدود، تنتبه: لماذا الباب مفتوح؟ أغلقوا بابكم، الصباح تأتي بالخبز لأولادك، تأتي لهم بالخبز، أي: أن تشعر أن بجوارك أسرة كأسرتك، فتخلفها بخير، تزورون الشرط؛ مراكز الشرطة، الأمن الداخلي، الأمن السري، الأمن العلني، في كل مكان تتصلون برجال أمن وتبينون ما هو الدور الخطير في هذه المرحلة، وتبينون أيضاً أن شباب الصحوة وأن جيل الصحوة جيلٌ ينتبه إذا كان يوجد لص يدور في الحارة في الليل، يوجد رجلٌ مشكوكٌ فيه مع بداية الأزمة كثُر الدخول والخروج عند الشخصيات الغريبة، تتتبع وتبلغ وتبحث، هذه من واجباتنا في هذه المرحلة.
وهذه الفتنة -يا إخوان- فيها مصالح متعددة، ولا تكرهوا قدر الله فيها، إن الله ما قضى قضاء إلا بقدر، ما كان من أمرٍ إلا بقدر وما من قدرٍ إلا لحكمة، لأن الله لا يقدر عبثاً، وما كان قَدَرُ الحرب إلا لعدل؛ لأن الله لا يقدر ظلماً، وهذا القَدَرُ فيه تمام العدل.
البارحة الناس على أجهزة الراديو ينتظرون؛ تبدأ الحرب البرية أو لا تبدأ؛ لكن لماذا؟ لعله ينسحب! والله يا إخوان أسأل الله: اللهم إن كان في الحرب البرية خير للإسلام والمسلمين اللهم فأشعل فتيلها، يا إخوان! فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19].. وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].
وربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سبباً ما بعده سبب |
أتظنون لو انسحب هذا الفاجر -في نظري القاصر- لو انسحب وعنده قرابة ستين قاعدة جوية، رابع قوة في العالم قضية ليست سهلة، ولكن بفضل الله ضربت ودكت دكاً عجيباً، لكن إذا قيل: بقي قبل نشوب الحرب البرية قرابة 40% من القوة العسكرية العراقية، فإن الأربعين في المائة قد لا تساوي بقية قوة دول الخليج أو بعض دول الخليج، خاصةً الدول الصغيرة منها، فضرب مثل هذه القوة فيه خير للإسلام والمسلمين.
من يقاتل إسرائيل؟ الذي يقول:
آمنت بـالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثاني |
من يقاتل إسرائيل؟ من يرضى بشعار البعث:
سلامٌ على كفرٍ يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم؟! |
أين عقول الأمة؟ إذا كان لنا في هذه المنطقة عدوان: إسرائيل والعراق ، فإن ضرب العراق عسكرياً يجعل العدو واحداً، إذا كان أعداؤك اثنين فاجعلهم واحداً ففي هذا مصلحة، إذا كانت دول التحالف جاءت للحفاظ على النفط، فإنك أنت أيضاً مستفيد من المحافظة على النفط، وإلا ماذا سنفعل به؟! نشرب النفط إذا ما جاءوا من أجل حراسته والعناية به؟! وقد أثبت الواقع أننا بحاجة إلى قوات أجنبية.
هل كان جيشنا على المستوى العسكري المؤهل عدداً وتعداداً في مواجهة قوى العراق؟!
قولوها صريحة وجدت شاباً في مجلس قال لي: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249] قلت: والله يا أخي! قول الرسول أبلغ بعد قول الله جل وعلا: (خير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة) لكن اثنا عشر ألفاً لا أنا ولا أنت منهم، من الذين يقاتلون إذا كان الله جل وعلا لا يحابي صحابة نبيه في ترك السنن والأخذ بالأسباب، في أحد يقتل سبعون من الصحابة بترك سنة من السنن، تدخل حلقتان من حلق المغفر في رأس النبي صلى الله عليه وسلم؛ يشج رأسه؛ تُكسر ثنيته صلى الله عليه وسلم، ما هناك محاباة في السنن، نأتي بعد غفلة طويلة لكي نقاتل العراق، ونظن أننا والله ستتنزل علينا الكرامات من ابتداء ما ندخل حتى ننتهي، لا.
إن جاء شيءٌ من التثبيت فهذا بحمد الله وفضله ومنّه، لكن الواقع يشهد أن الأمة ليست على مستوى مقابلة الجيش العراقي الذي جاوز المليون، لا في الإعداد الفردي الإيماني، ولا حتى في الإعداد العسكري، فكانت الحاجة ماسة إلى قوة أجنبية وللأسف إن الذين خالفوا فتوى العلماء في هذه المسألة الآن يعظون أنامل الندم في هذا، ولست أقصد أحداً بعينه.
ومن قال في هذه المسألة قولاً فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، حتى لا يظن البعض أنني أعرض بالدعاة أو بعض من تكلم في هذه المسألة، أحبابنا ومشايخنا ودعاتنا من الفضلاء الذين تكلموا في هذه القضية أقول: غاية ما هنالك إن أخطئوا فلهم أجرٌ واحد بدلاً من أن يكون لهم أجران:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحدٍ جاءت محاسنه بألف شفيع |
أنسينا ما لهم في الدعوة إلى الله؟! أنسينا ثباتهم؟! أنسينا مواقفهم؟
كم هدى الله بهم من الضلالة؟! كم أنار الله بهم من عقول الغافلين؟! كم هدى الله بهم من الضلال من المسلمين؟!
لكن الحقيقة يا إخوان هناك مسائل ينبغي أن نتعود على أخذها بالهدوء واللين والحكمة.
وما أفتوا مجبرين أو مكرهين، وما أفتوا لأجل مصلحةٍ من مصالح الدنيا، وإنما لعين الحكمة التي يرونها للأمة، يأتي شاب ما عرف الاستقامة إلا قبل ثلاث سنوات يتكلم في وجود القوات الأجنبية، وفتوى العلماء، والعلماء قالوا وقالوا، متى التزمت حتى تتكلم في فتوى العلماء؟! ينبغي أن نعرف قدرنا وقدر علمائنا وشبابنا حتى نعرف حقيقة المواقف التي بها نستفيد، وكيف نستثمرها أيضاً.
أقول: إن ما يدور فيه خيرٌ عظيم، ولست بهذا أقول: إن وجود القوات الأجنبية كله شهدٌ مصفى، لا والله، أليس الله يقول: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14] أي: المال والولد فيه عداوة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا) أي: النفس فيها شر، الزوجة حينما تبني بها تضع يدك على ناصيتها وتقول: (وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه) أي: أن فيها شراً، أتريدوننا أن نقول: إن القوات الأجنبية خيرٌ محض، فيها خيرٌ وشر، إذا كان النفس فيها شر، المال والولد فيه عداوة، الزوجة فيها شر، أفلا يكون شر في القوات الأجنبية؟ فيها شر، ولكن قل: فيهما إثم كبير ومنافع للناس، فيها خيرٌ وشر، فنسأل الله أن يزيد سُخرتهم لنا فيما ينفعنا بخيرنا، وأن يكفينا شرهم لأن كل نفسٍ فيها شر.
هذا هو منطق العدل -يا إخوان- ومنطق الوعي والفهم الذي يجعل الأمة في أفضل حالٍ وأهنأ حال، ودائماً خذوها قاعدة إذا أفتى العلماء بأمرٍ فإياك أن تتعجل بمخالفة فتوى العلماء، حتى ولو رأيت أن ما تراه قد يكون أحوط أو أكثر دقة وصواباً من فتوى علمائك.
لماذا؟ على الأقل حتى تبقى وحدة الأمة مع علمائها، إذا أنكرنا أمراً نقول: العلماء قالوا هذا، على العين والسمع ، ولما قال العلماء هذا الأمر قلنا: العلماء ما أصابوا في هذا، هذا خطر عظيم، بل ينبغي أن نذعن لعلمائنا، وأن نسمع لهم، وأن نحسن الارتباط بهم، وألا نتجرأ على الكلام فيما يتعلق بفتواهم خاصةً فيما يتعلق بمصالح المؤمنين، أقول: هذا في غاية النصح لنفسي ولإخواني وأحبابي، وحباً ودعاءً بظهر الغيب لعلماء المسلمين.
اللهم إنا نسألك بأسمائك وصفاتك واسمك الأعظم أن تهلك شقي بغداد ، اللهم أهلك طاغية العراق ، اللهم أهلك البعثيين أجمعين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم اكفناهم بما شئت إنك أنت السميع العليم، حسبنا الله ونعم الوكيل.
اللهم اجعل اللطف والخير فيما قدرت للمؤمنين، واجعل البأس والشدة فيما قدرت على الكافرين والبعثيين ، اللهم اجعل اللطف والخير فيما قدرت للمؤمنين ، واجعل البأس والشدة على البعثيين أجمعين يا أرحم الراحمين! يا من لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء!!
أقول قولي هذا، فإن كان صواباً فمن عند الله وحده لا شريك له، وإن كان خطأً فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر