إسلام ويب

رحماتللشيخ : محمد عبد الله الهبدان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هذه بشائر تثلج صدور المؤمنين، وتثبتهم على هدي رب العالمين، وسنة سيد المرسلين، وتزيل اليأس من القانطين، وتبعث الأمل لليائسين، وتزرع النور في قلوب المذنبين، وتحرك أفئدة الغافلين، وتوقظ جذوة الإيمان في نفوس العاصين.
    الحمد لله، الحمد لله الرحيم الرحمن، الكريم المنان، وعد المؤمنين جنته، وأعد لهم دار كرامته، وحذر العصاة من نقمته، وتوعَّدهم من حلول سخطه وبليته، وفتح للجميع أبواب رحمته، وهيأ لهم طريق طاعته.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، ومَحَجَّة للسالكين، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين وأصحابه الطيبين وأزواجه أمهات المؤمنين وعلى التابعين وتابعيهم ومن سار على نهجهم المبارك إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذه بشائر أزفها لكم لتُثْلِج صدور المؤمنين، وتثبتهم على هدي رب العالمين، وسنة سيد المرسلين، وتزيل اليأس من القانطين، وتبعث الأمل لليائسين، وتزرع النور في قلوب المذنبين، وتحرك أفئدة الغافلين، وتوقظ جذوة الإيمان في نفوس العاصين.

    فلقد بشرنا الرحمن بواسع رحمته فقال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156] ونحن من ذلك الشيء، فرحمة الله واسعة قد وسعت كل شيء، فهو سبحانه كثير الغفران، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا عبد ضعيف أن يرحمه، ولا طلب أن يلبيه، ولا حاجة أن يقضيها، ولا دعوة أن يستجيب لها.

    فهو سبحانه قاضي الحاجات، ومفرج الكربات، ومجيب الدعوات، ومقيل العثرات، ورافع الدرجات، ومنزل الرحمات.

    سامعاً لكل شكوى .. مجيباً لكل دعوى، فهو سبحانه أرحم بعباده من الأم الرءوم الحنون على طفلها الرضيع.

    لما قُدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَبْيٍ، فإذا امرأة تسعى، إذ وجدت صبياً لها في السَّبْي، فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم منبِّهاً أصحابه، ولافتاً نظرهم لهذا الموقف العظيم: (أتُرَون هذه طارحة ولدها في النار؟! فتفاعل الصحابة رضوان الله عليهم مع هذا المشهد الرهيب وقالوا بإجماع: لا، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال عليه الصلاة والسلام: لَلَّهُ أرحم بعباده من هذه بولدها).

    وقد ذكر ابن القيم رحمه الله: أن رجلاً رأى في بعض السكك باباً قد فُتِح، وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده، حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه ودخلت، فذهب الصبي غير بعيد، ثم وقف مفكراً، فلم يجد له مأوىً غير البيت الذي أُخْرِج منه، ولا من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزيناً، فوجد الباب مُرْتَجاً، فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام، فخرجت أمه، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رَمَتْ نفسها عليه، والتزمته تقبله وتبكي وتقول: يا ولدي! أين تذهب عني؟! من يؤويك سواي؟! ألم أقل لك: لا تخالفني ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جُبِلْتُ عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك، وإرادة الخير لك؟! ثم أخَذَتْه ودخلت.

    فتأمل قول الأم: لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جُبِلْتُ عليه من الرحمة والشفقة، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: (لَلَّه أرحم بعباده من الوالدة بولدها)، وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟!

    فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد استدعى منه صرف تلك الرحمة عنه، فإذا تاب إليه فقد استدعى منه ما هو أهله وأولى به.

    فسبحانه! ما أعظم حلمه! وأجل كرمه! وأوسع رحمته! وأحسن بره، ومغفرته! وأكبر ستره! وأيسر لطفه! وأمَنَّ عطاءه، وعطفه!

    لما عاد حماد بن سلمة سفيان الثوري قال له سفيان : يا أبا سلمة ! أتُرى الله يغفر لمثلي؟! -هذا القول يقوله أمير المؤمنين في الحديث، فما حالنا نحن؟!-.

    فقال له حماد : والله لو خُيِّرتُ بين محاسبة الله إياي وبين محاسبة أبويَّ لاخترتُ محاسبةَ الله؛ وذلك لأن الله أرحم بي من أبويَّ.

    وذكر الإمام الذهبي عن بقية قال: كنا مع إبراهيم بن أدهم رحمه الله في البحر، فهاجت ريحٌ واضطربت السفينة، وبكى الناس، فقلنا: يا أبا إسحاق ! ماذا ترى في هذا الموقف المهول؟

    فرفع يديه إلى السماء وقال: يا حي يا قيوم! قد أريتَنا قدرتَك، فأرِنا عفوَك، ورحمتَك، فهدأت السفينة من ساعتها.

    الله أكبر! من الذي سأله ولم يعطه؟!

    من الذي دعاه فلم يجبه؟!

    من الذي تاب إليه ولم يقبله؟!

    من الذي لاذ بجنابه واحتمى بحماه فلم يمنعه؟!

    رحمة الله عز وجل لا تَعز على طالب في أي مكان، ولا في أي حال:

    وجدها إبراهيم عليه السلام في النار.

    ووجدها يوسف عليه السلام في الجب، كما وجدها في السجن.

    ووجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث.

    ووجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة، ومن كل حراسة، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له، متربص به، يبحث عنه.

    ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور، فقال بعضهم لبعض: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ [الكهف:16].

    ووجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبُه في الغار، والقوم يتعقبونهما، ويقصُّون الآثار.

    ووجدها كل من آوى إليها يائساً من كل ما سواها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087852851

    عدد مرات الحفظ

    774409623