وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال الله جل جلاله، وعظم سلطانه في كتابه العظيم القرآن الكريم من سورة النساء، قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:69-70].
معاشر المستمعين والمستمعات! هذه آية من كتاب الله ندرسها سوياً؛ رجاء الموعود الذي جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
هذه الآية الكريمة هي قوله تعالى: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69]، من هذا الذي أثبت الله تعالى وجوده مع من أنعم عليهم؟ إنه من يطيع الله ورسوله.
عبد أو أمة أطاع الله تعالى في أمره ونهيه، وأطاع رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم فيما أمر به ونهى عنه، هذا العبد المطيع، وهذه الأمة المطيعة؛ أثبت الله تعالى لهم الرفقة الصالحة والمعية الكريمة لهذه المواكب؛ مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
إن أرواح المطيعين بعد أن تفارق أبدانهم يعرج بها إلى الملكوت الأعلى، وتفتح لها أبواب السماء، وتدخل دار السلام، وتقضي فترة هذه الحياة الموقوتة المعدودة الساعات بل الدقائق واللحظات، هذه الأرواح الطاهرة، الأرواح الطيبة، التي طابت وطهرت بعامل تلك الطاعة لله والرسول صلى الله عليه وسلم، هذه الأرواح هي في صحبة ومرافقة ومواكبة من سمعتم عنهم وعرفتم، إنهم النبيون أفضل الخلق على الإطلاق، والصديقون، والشهداء، والصالحون.
أرواح المطيعين لله والرسول، والمطيعات من المؤمنات، هذه الأرواح بعد خروجها من أجسادها ومفارقتها لهذه الأبدان التي عمرتها زمناً محدوداً، هذه الأرواح تواكب أولئك السامين الذين أكرمنا الله ببيانهم، وعرفنا بهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
إن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فلسفتها، ثمرتها، نتيجتها: هي أنها تطيب الروح البشرية، تزكي النفس الإنسانية، فتصبح بذلك الطهر وذلك الزكاء أهلاً لأن تواكب المواكب التي ذكر تعالى.
إنها ممنوعة الوصول إلى عالم الطهر والقداسة؛ وذلكم لعدم طهرها، وانعدام زكاتها، فهي إذاً: خبيثة ملوثة منتنة كأرواح الشياطين والكافرين والمجرمين والظالمين.
فهيهات هيهات أن تواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين!
واسمعوا قضاء الله وحكمه فيها: إذ جاء من سورة الأعراف يا أهل القرآن العظيم! جاء قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41].
هذا قضاء الله، هذا حكم الله، لم لا تفتح لها أبواب السماء؟ لأن صاحبها إما مكذب بالله وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ملحد، فلسفي، علماني، عقلاني، مادي، مجوسي، بوذي، هندوسي، يهودي، نصراني، مشرك، على أي شيء تطهر نفسه إذا امتنع من استعمال مواد التطهير؟!
هل رأيتم ثوباً مدنساً متسخاً ينظف بلا مادة تنظيف؟! لا ماء ولا صابون، هل صح هذا في الناس؟ هل رأيتم أي جسم ملوث متعفن بأدران الأوساخ طاب وطهر ونظف بدون استعمال مادة تطهير؟ اللهم لا!
مادة التزكية والتطهير هي الإيمان والأعمال الصالحة، أسائلكم بالله! معشر المستمعين والمستمعات! هذا الذي كذب بمادة التطهير أيستعملها؟ الجواب: لا.
إذاً: قولوا: على أي شيء تزكو هذه النفس، وقد كذب بمواد التنظيف والتطهير؟
لا تطهر هذه النفس؛ لأن مواد التطهير كذب بها هذا الرجل!
وأضرب لهذا مثلاً، وبالمثال تتضح الحال: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:25].
شريعة الله التي حواها كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، هذه الشريعة اشتملت وحوت وضمت خلال ثناياها كل ما من شأنه أن يكمل الآدمي ويسعده، أن يكمله روحاً وخلقاً، وأن يسعده روحاً وبدناً، وفي الدارين.
هذه الشريعة التي ما تركت صغيرة ولا كبيرة تعوق الإنسان عن إكماله وإسعاده إلا بينتها وحرمتها، وما تركت مادة من شأنها أن تزكي الإنسان وتطهره وتكمله وتسعده إلا أمرت بها وسعت إليها.
هذه الشريعة طبقها وعمل بها أسلافنا طيلة ثلاثة قرون، فكملوا في أخلاقهم، في آدابهم، في أرواحهم، سعدوا تمام السعادة، عزوا، كملوا، سادوا؛ نتيجة تطبيق تلك المواد الشرعية.
لما احتال عليهم العدو فأطفأ نور الإيمان في قلوبهم، وكره إليهم شرع الله، وأبعدهم من ساحته؛ فتركوا استعمال هذه المواد المحققة للإسعاد والإكمال، شقوا، وضلوا وضعفوا، والتاريخ يشهد.
والشريعة بين أيديهم رفضوا أن يطبقوها اليوم وقبل اليوم؛ استكباراً فقط لا تكذيباً لصلاحيتها، فما الذي حصل؟ ما الذي تم؟ ما الذي كان؟ أن لا سعادة ولا كمال، ضعف وشقاء، مع إيمانهم بصلاحية هذه الشريعة.
والمكذبون بها من غير المسلمين كاليهود والنصارى والبوذيين والمشركين لم يستعملوها، فهل زكوا أو طهروا؟ لا زكاة ولا طهر ولا صفاء، بل ولا سعادة ولا كمال.
فلننظر هل هناك فرق بين من كذب ومن استكبر؟ هذا شك فيها فلم يطبق هذه المواد ليكمل ويطهر، وهذا آمن وحمله الكبر والاستكبار على ألا يستعمل هذه المواد ليفعل ويترك؛ فلم يسعد ولم يكمل، فما الفرق بينهما؟! لا فرق!
مثلهما: مريضان بين أيدينا، مرضهما واحد، أتينا بالطبيب ففحص، ووصف الدواء لكل منهما، إذ علتهما واحدة.
فأحد المريضين قال: لا أسلّم أبداً أن هذا الدواء ينفعني، أي: كذب، أنكر أن يكون هذا الدواء شافياً، فلم يستعمله فهلك بعلته.
وتقدمنا إلى الثاني فقال: أنا أعرف أن هذا دواء، وجزيتم خيراً، ولكن نفسي غير قابلة لاستعماله! وما حمله إلا الكبر فقط، كيف يتنازل ويأخذ الدواء من يد هذه العجوز أو هذا الرجل؟ فأبى أن يأخذ من الدواء فهلك بعلته.
فهل هناك فرق بين الأول والآخر؟ كلاهما هلك، وهذا سر التعبير الإلهي في قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40].
فانظر يا بني! إلى هؤلاء الأشقياء ما سبب شقائهم؟ التكذيب مانع، والاستكبار مانع، والظلم مانع، والإجرام مانع، فلم تطهر أرواحهم ولم تزك، فكيف تفتح لهم أبواب السماء وقد حرمها الله على غير الأطهار الأتقياء؟
ولنتأمل تقريراً لهذه الحقائق القرآنية، نتأمل قول الله عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].
معاشر المستمعين والمستمعات! لنتدبر هذه الجملة! هذا قضاء الله، هذا حكم الله، وإذا حكم الله وأصدر حكمه هل هناك من يعقب عليه وينقضه؟ والله ما كان، فقد قال وقوله الحق من سورة الرعد: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41].
قد أفلح من زكى نفسه، وقد خاب وخسر من دسى نفسه، دساها بما أفرغ عليها من صنوف الذنوب، وصنوف الآثام، ما غسلها ولا طهرها، كل يوم يصب عليها أطنان السيئات والمعاصي! فعلى أي شيء تزكو؟ وأنى تتزكى؟ ما هي أهل للملكوت الأعلى، لن تواكب النبيين، ولكن تواكب المشركين والكافرين والمجرمين والظالمين والمكذبين والمستكبرين والفاسقين، إذ هؤلاء علتهم واحدة صدر الحكم أنهم ما طهروا أنفسهم، كذبوا بمادة التطهير، استكبروا عنها، رفضوها، حملهم الشيطان وحملتهم الشقاوة على ألا يقربوا منها؛ حتى يمكنهم أن يستعملوها، عاشوا على الزنا والربا والخمور واللواط والخداع والغش والسرقة والباطل، لا يذكرون الله ولا يستغفرونه، ولا ينيبون إليه، ولا يتوبون إليه، أرواحهم خبيثة، من يقبلها في السماء؟ ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ).
هل بالإمكان أن نكون أنبياء؟ الجواب: لا، لا نطمع في هذا؛ لأن هذه منحة الله وهبها، يصطفي من يشاء، ولكن في الإمكان أن نكون من أولئك المواكب الثلاثة، ورجاؤنا في الله عظيم.
هيا ننظر هل نحن من الصديقين؟! من منا يقول: أنا إن شاء الله منهم؟ الآن طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تجعلنا نواكبهم، وإن لم نكن مثلهم، لكن نريد أن نطمع طمعاً في أن نكون من الصديقين.
فما هو موجب ذلك أو يقتضيه؟ اسمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الأحاديث الصحيحة: ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة ) عليكم بالصدق في أقوالكم وأعمالكم وفي نياتكم، ليكون الصدق طابعك؛ حتى لو أشير إلى صدّيق لقالوا: فلان صدّيق، ما جربنا عليه الكذب قط! ما خالف ظاهره باطنه ولا باطنه ظاهره، الصدق ظاهر فيه، صورة واضحة.
فقوله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالصدق ) أي: الزموه ( فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً )،لم ما نرجو أن نكون صديقين، ونصبح نحن المواكب، والمطيعون يواكبوننا بإذن ربنا؟! هل هناك صعوبة؟ مشقة؟ لا، عود نفسك على الصدق:
عود لسانك قول الصدق تحظ به إن اللسان لما عودت معتاد
يقول صلى الله عليه وسلم: ( ولا يزال الرجل -حتى المرأة- يتحرى الصدق ) ويطلبه، ولا يزال كذلك حتى يجيء قبوله من السماء: يكتب: فلان صديق مع الصديقين!
معاشر المستمعين والمستمعات! لو نصبح صديقين هل يبقى شيء اسمه أذى بيننا؟ هل يبقى شر ممكن أن يوجد بيننا؟ هل يبقى عداء؟ هل نخاف فتناً؟ انتهى كل باطل وشر! فقط بهذا المفتاح: ألزمنا أنفسنا الصدق فيما نعتقد ونقول ونعمل، وارتفعنا إلى مستوى الصديقية، وأصبحنا من الصديقين يطلب مواكبتنا.
ما هي السلعة يا أبنائي؟! أموالنا وأنفسنا، لقد تمت الصفقة بيننا وبين مولانا منذ زمن، وترك لنا السلعة نتمتع بها بإذنه، إلى أن ينادي المنادي: أن حي على الجهاد، فنقدم لله ما اشترى منا: النفس والمال.
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111] والثمن: بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111].
نريد أن نكون شهداء؛ لنواكب وتطلب مواكبتنا، فـ:بسم الله نبدأ، لقد بعنا ولا نقبل الإقالة، بعنا أنفسنا وأموالنا لله، بثمن هو الجنة دار السلام، فترك البضاعة أمانة عندنا، فاحفظوا أمانة الله يا عباده! ويا إماءه!
الروح، البدن، النفس، لا يحل لمؤمن ولا لمؤمنة أن يدخل على بدنه أدنى أذى أو ضرر، فإن أدخل أذى على جسمه خان ربه، وعبث بأمانته، وأفسد البيعة.
فمن هنا والله العظيم! لا يحل لنا أن ندخل الأذى على أبداننا، فكل ما من شأنه يؤذي البدن الذي هو سلعة اشتراها مولاها فإنه حرام، ولنبدأ بالإسراف في الطعام والشراب، التخمة تهد الأجسام فتدخل القبر: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31].
إدخال الضرر على الأبدان كالسموم القاتلة حرام؛ لأنها تهد الأجسام.
إدخال ما يفقد العقل، وهل تقاتل وتجاهد بدون عقل؟ فكل ما يؤذي عقل المسلم من السيجارة إلى الأفيون والكوكايين، وما بينهما من نجس كالخمر ومشتقاتها.
حرام أن يدخل مؤمن أو مؤمنة ضرراً على هذا الجسم الذي باعه لله، غداً يطالب بالجهاد فيقول: مريض، لم تمرض؟ أدخلت المرض على نفسك.
يجب أن يبقى الجسم سليماً صالحاً للجهاد؛ لأن الله اشتراه لذلك، متى أمر إمام المسلمين: أن حي على الجهاد يجب أن نتقدم إلا من رده منا.
فعقولنا يجب أن تحفظ مع أبداننا، إذا كان هناك بدن عظيم كالطامة الكبرى ولا عقل فماذا ينفع هذا البدن؟ أي قيمة لهذه السلعة؟ فلا يحل إدخال ضرر على عقولنا، لا خرافة، ولا شرك، ولا سحر، ولا ما يسكر أو يخدر أو يذهب بالعقل من سائر المخدرات والمسكرات.
أموالنا ما هي بأموالنا بحق، هي فقط معارة، وديعة أودعنا الله نحافظ عليها.
وهنا أكتفي أن أقول: والمجاهدون يطالبون بالمال، هذا هو وقت بذله وعطائه، هذا المال مال الله.
عبد الله! أبق عندك ما يسد حاجتك، وما زاد فليس لك، قبل أن يفتح باب الجهاد بالمال كنا معذورين، أما اليوم لا عذر، منادي الله ينادي، هذا المال وديعة فقط، أمانة حافظ عليها، لا يحل لك أن تفسد درهماً منها، لا يحل أن تضيع ربع درهم منها.
إذاً: الذين يفسدونها، يحرقونها سجائر تتصاعد أدخنتها إلى السماء، الذين يفسدونها في الشهوات والأهواء، ويبذرونها في الأباطيل خانوا أمانتهم، يجب أن تحفظ أموالنا، فلا يدخلها تضييع ولا إفساد، حتى ينادي المنادي: أن حي على الجهاد، فنخرجها صامتة وناطقة ونقدمها؛ لأن المالك طلبها، بعنا: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ [التوبة:111].. الآية.
أردت أن أقول مذكراً معلماً: يا معاشر المستمعين! حافظوا على أجسامكم وعلى أموالكم، متى طلب الطالب ذلك بسم الله وجب أن نقدمها؛ لأننا بعنا واشترى الله منا.
هذا الجهاد، فمن استطاع أن يمشي بنفسه إلى معركة إخوانه في ديار الأفغان فليمش، وليقدم بضاعة الله له، ومن لم يستطع فالمال، فليؤثر ما يسد حاجته، أو ما يدخره لحادث يصيبه، والباقي لِمَ يخبؤه عن الله، والله به عليم؟ ومن لم يكن له مال ولا بدن فليحض إخوانه من المؤمنين والمؤمنات، وليذكرهم بواجبهم، بدفع هذه البضاعة بالذات لمشتريها.
إذاً: بهذا نكون شهداء ومع الشهداء، ومع هذا إن لم يقدر لنا أن نستشهد؛ لنكون الشهداء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سأل الله تعالى الشهادة بصدق، أنزله الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه ) فبهذه النية قد يصبح أحدنا من الشهداء، تطلب مواكبته والكينونة معه! باب الله مفتوح.
فهيا بنا نذكر جوانب حقوق الله، هل أديناها؟ أو نقصنا منها؟ ننظر حقوق الغير المتعلقة بنا هل وفينا في أدائها؟ هل برأنا ذممنا منها؟ أو نحن مطالبون بها؟ نريد أن نكون من الصالحين.
ما هي حقوق الله؟ حقوق الله معاشر المستمعين والمستمعات! تتمثل في كلمة واحدة: هي أن نعبده ولا نشرك معه غيره، حق الله على العباد ما هو؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وهذا الحق ثابت لله؛ لأنه استحقه واستوجبه مقابل أن خلقنا ورزقنا، وكلأنا بعد ما خلق كل شيء لنا ومن أجلنا.
فاستحق هذا الحق بهذا المقتضي، خلقك، خلق سمعك وبصرك، خلق يدك ورجلك، لسانك ومنطقك، عقلك وتفكيرك، خلقك بكل ما أنت فيه وعليه، ألا يكون له حق الطاعة؟! وبعد الخلق ما أهملنا، رزقنا وحفظنا، وحفظ حياتنا، لم يا رب! فعلت بنا هذا؟ من أجل أن أسمع ذكركم وأن أرى شكركم لي، فمن عبد الله تعالى وحده فقد ذكر الله وشكره، ومن لم يعبده أو عبد معه سواه فقد كفره وما شكره، ونسيه وما ذكره.
وحديث معاذ محفوظ لدى الأبناء والمؤمنات: ( ما حق الله على العباد يا رسول الله؟! قال: حق الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ).
فمن عبد الله كيف يعبده؟ أولاً: يتعلم العبادة ما هي، ثم يتعلم كيف يقدمها، هيهات هيهات أن يدعي أحد أنه يعبد الله وهو لا يعرف ما هي العبادة! ما أنواعها! قد يعرف أنها الصلاة، إذا لم يعرف كيف يركع ولا كيف يسجد، ولا كيف يقنت ولا كيف يدعو؛ ما استفاد من معرفتها إذا لم يعرف هذا عنها.
عبادة الله إذعان، انقياد له يتطلب القيام بالتكليف الذي كلف به، سواء كان مفرحاً أو محزناً، مسراً أو مؤلماً، هذه العبادة يا معاشر المستمعين والمستمعات! نصف الوصول إلى الصلاح؛ لنكون مع الصالحين، لا! لنكون الصالحين، فهذه درجة أعلى، ويبقى غيرنا يسأل الله تعالى أن يحشره مع الصالحين.
وحق العباد علينا، حق إخواننا هل أديناه؟ وفينا به؟ هنا تساؤلات، يا عبد الله! ابدأ بزوجك إن كان لك زوجة، أليس لها حقوق عليك؟ بلى، هل أنت متأكد من أنك وفيتها حقوقها؟ وأنت أيتها المؤمنة! إن كان لك بعل أليس له عليك حق؟ بلى، انظري، هل وفيت حقه؟ أنت مسئولة.
ويا أب الأبناء والبنات! إن لبنيك وبناتك عليك حقاً، فهل وفيت بهذا الحق؟ ما حق البنين والبنات؟ ما حق الزوج على الزوجة؟ ما حق الزوجة على الزوج؟ نحتاج إلى علم، لا بد من العلم، لا بد من الطلب، ولو رحلنا وقطعنا المسافات، ما حق الزوجة على زوجها؟ من حقها عليه أن يحفظ دينها، وأن يحفظ عرضها، وأن يحفظ جسمها ومالها، ولا يضيع من ذلك شيئاً، فالذي يسمح لها أن تخرج سافرة تتغنج في الشوارع؛ أضاع حقها، عرضها للذئاب تأكلها، وللشياطين تعبث بعقيدتها.
والزوجة التي تشاقق زوجها، وتعلي صوتها، وذات وجه غضوب، وتتعامل معه معاملة عدو لعدوه؛ أهذا هو حق الزوج؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو كنت آمراً أحداً بالسجود لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها )؛ وذلك لما يرى له عليها من حقوق، حمايتها ظاهراً وباطناً؛ حتى لا تأخذها الأسود وتتخطفها الذئاب، صيانتها؛ إكرامها، يعمل ليل نهار من أجل إسعادها في بيتها، يشقى طول النهار من أجلها، ثم هي بعد ذلك تلوي رأسها؟
صح عنه صلى الله عليه وسلم: ( أن المرأة إذا دعاها زوجها لفراشها فأبت باتت الملائكة تلعنها ).
حقوق الأبناء، أمن حق أبنائك عليك أن تعرضهم يا رجل! يا فحل! للشياطين؟ لم لا ترعاهم ولا تصونهم؟ لم لا تهذبهم ولا تربيهم؟ لم لا تأتي بهم إلى بيوت ربهم؟ لم لا تضعهم بين أيدي المربين يلقنونهم الهدى؟ لم تسمح لهم أن يقضوا أوقاتهم في اللهو واللعب؟ لم تقدم لهم ما من شأنه أن يفتنهم؟ ومع الأسف! عندنا غزو فكري كما يقولون، وهو هذه المجلات والصحف، أعجب لفحل يحمل مجلة كمجلة سيدتهم، أوجريدة كجريدة الهدف، ويقدمها لنسائه وأطفاله! أين ذهبت فحولتهم ورجولتهم؟!
الذي يسمح لأطفاله وشبيبته أن يحملوا هذه المدمرات والقذائف والمفجرات للخلق والإيمان والدين! يسمح بها أن يحملوها ويطالعوها، ويعثر عليها في فرشهم وفي مجالسهم! أهذا هو حق الآباء والأبناء على بعضهم البعض، كذلك حق المؤمن على إخوته المؤمنين.
هل من حق المؤمن على أخيه المؤمن أن يبيعه السم، ويقرب إليه ما يقضي على حياته؟ الذين يبيعون مثل هذه المجلات والجرائد، وهم ينتسبون إلينا، ويواطنوننا بوصفنا مسلمين، ويرضون بتوريدها وبيعها، هل هؤلاء أدوا حقوقهم لإخوانهم؛ ليكونوا من الصالحين؟ الجواب: لا.
معاشر المستمعين والمستمعات! من منا لا يحب أن يكون صديقاً، أن يكون شهيداً، أن يكون صالحاً؟ كلنا نحب، ولكن ما كل ما نحب يقدم لنا، بل لا بد من تطلابه والحصول عليه بما يسمى بالجهاد، جهاد النفس، جهاد الهوى، جهاد الدنيا، جهاد الشياطين، ما تعطى أبداً وسام أنك من الصالحين أو من الشهداء أو من الصديقين ولا تبذل في سبيل ذلك رخيصاً ولا غالياً.
يوم ما نصبح في أحيائنا وقرانا إذا غابت الشمس أو كادت لا تجدنا في دكان ولا في معمل ولا في مصنع، ولا في سوق ولا في ملهى، وإنما تجدنا في بيوت الرب نستمطر رحماته، ونبكي بين يديه، طالبين وقايتنا، سائلين نجاتنا، نتعلم محابه لنقربها إليه؛ فيحبنا ونسعد بحبه، نتعلم مكارهه؛ لنتحاشاها، لنبتعد عنها، لنتجنبها؛ من أجل أن يحفظ الله لنا ذلك الطهر وذلك الصفاء؛ لنكون أهلاً لأن نواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
إذاً: أطع الله وأطع الرسول صلى الله عليه وسلم، لا تخف، والله ما طلب منك أن تخرج من مالك، ولا أن تطلق امرأتك، ولا أن تغلق باب دكانك، ولا أن تقذف بوظيفتك، ما طلب هذا، طلب ما هو أيسر من اليسير، وأسهل من السهل! إنها فرائض واجبة، ومكروهات محرمات، هذه الواجبات هي أدوات التطهير والتزكية، زك نفسك وطهرها كل يوم، وهذه المحرمات والمنهيات عبارة عن قاذورات وأوساخ، لا تلطخ بها نفسك بعد تطهيرها وتنظيفها.
هل هناك ما يقلقك أو يحزنك إذا قلت: لن أفعل اليوم كذا أو كذا من هذه المعاصي؟
هذه المجالس إذا تمت لنا، وأقبلنا عليها طالبين الهدى، فإن الله عز وجل لن يخيبنا ولن يضيعنا.
وأخيراً: إننا مستهدفون، يريد أعداؤنا إطفاء هذا النور علينا؛ لنصبح كشر الخليقة والبرية، نعرف هذا ونذكره، فلنخرج إذاً عن النقاط التي أرادوا أن يضعونا فيها؛ فلنعش على ذكر الله وطاعته، على ذكر الله وشكره، نتنزه عن هذه القاذورات والأوساخ، ونقبل إقبالة صادقة، وإن كادونا فإن الله عز وجل لن يمكنهم منا؛ لوجود ولاية بيننا وبين الله، ولاية الإيمان والتقوى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63].
اللهم اجعلنا منهم، وحقق لنا هذا الولاية معهم، واحفظنا كما تحفظهم يا رب العالمين!
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الجواب: الحمد لله.
وبعد:
أولو العزم من الرسل جاء ذكرهم في آية من سورة الأحزاب، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب:7]، فقوله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ ، فالكاف الضمير عائد على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو آخرهم في الزمان، وأولهم في المكان والقدسية! وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ هؤلاء هم أولو العزم، والعزم والحزم معروفان عندنا، والرسل كانوا حازمين عازمين صادقين، ومعنى هذا: لا تتأخر ولا تتراجع، امض دائماً في سبيل الوصول إلى غايتك، فما تأخر أحدهم ولا تراجع بعد أن قال: لا إله إلا الله، ودعوناك إليها، ونحن مأمورون بالاقتداء بهم.
وعاش رجالات منا في هذه الأمة اتصفوا بالحزم والعزم، وكانوا أمثلة للكمال البشري، وكل مؤمن يقتدي بالصالحين، وخاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وضعه الله أسوة لنا وقدوة.
فليكن عزمنا وحزمنا دائماً أن نتمثل فيه عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحزمه، إذ قال: ( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه ).
هذا هو الحزم والعزم، فنحن ضعفاء في هذا الباب، ما نستطيع حتى نغلق دكاكيننا ونحضر لمحاضرة كهذه، أين الحزم والعزم؟ نحتاج إلى وجود طاقة نورانية، الإيمان هو الذي يقوي هذه الدوافع.
الجواب: هذه أيضاً أضعناها فعرضنا أنفسنا للضياع، وهي: أن من آمن وعمل صالحاً لا بد له من مساعدات ومقويات، لا بد له من وقاية، فلا بد إذاً: من أن يتواصى المؤمنون والمؤمنات بالصبر على إيمانهم وتجلدهم وثباتهم على الحق، فإن تركنا التواصي بالحق والصبر ما استطعنا أن نثبت، ولا أن نقوم على أقدامنا حتى نصل إلى غايتنا، الآية تريد أن تقول: التواصي بالحق والتواصي بالصبر فيما بيننا لا بد منهما، وإلا ما حققنا إيماناً ولا عملاً صالحاً.
تؤمن فقط وتعمل صالحاً وتسكت الشياطين عنك وتغضي؟! لا والله! العالم كاملاً يريد أن يهزمنا ويحطمنا، فإذا لم نتعاون لا يمكن أن نحتفظ بالإيمان ولا بالعمل الصالح.
أقول: شياطين الإنس والجن كلها تتكالب على المؤمن الصالح، إن لم يجد من يدعمه يقويه يحضه على الثبات ما يثبت، من هو هذا الذي يوصينا؟ نحن الذين آمنا وعملنا الصالحات، كل منا يوصي الآخر، اصبر يا عبد الله! اثبت.
على سبيل المثال: أخوك أعفى لحيته بعد أن كان حليقاً، إذا لم يجد من يقول له: اثبت إنك على الحق، فسوف يحلقها.
أخوك ترك التدخين إذا لم يجد من يقول: إنك على الحق! اثبت على هذا الطريق، سوف يتهاوى ويسقط.. وهكذا في كل مجال لا بد من التواصي بالحق والتواصي بالصبر عليه، ويمثل هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعبارة اختلفت والمعنى واحد، رأيت صاحب منكر أوصه بتركه والتخلي عنه والثبات على ذلك، وهكذا شعارنا التعاون على البر والتقوى، لما اختلف المسلمون وتمزقوا؛ ما استطاعوا أن ينهضوا في الحياة، لما تعاونوا رجالاً ونساء في أي إقليم أو في أي دار كملوا وسعدوا، وعزوا ولم يهونوا.
الجواب: الفرق بين الرسول والنبي صلى الله عليهم أجمعين وسلم: أن الرسول يحمل رسالة، أرسله الله إلى بني فلان يحمل الكتاب والرسالة، والنبي ما كلف بحمل رسالة، وإنما أوحي إليه بكمالات يقوم بها، أوحي باتباع شريعة سبقته، فهو يقوم بها ويدعو إليها؛ فلهذا كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، ومنزلة الرسول فوق منزلة النبي، أعظم درجة، هذا هو الفرق بين النبي والرسول.
أما: لم يعقوب عليه السلام أحب يوسف وآثره على باقي أبنائه؟ فالجواب من الله: لما رأى تلك الرؤيا، وهو في سن الحداثة صغير السن، رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً، الكل يسجد له، فأحبه يعقوب حتى كاد يدخله في أحشائه، هذا الحب تغلب عليه فأصبح دائماً: أين يوسف؟ ماذا فعل يوسف؟ يخاف عليه، فحسده إخوانه وقالوا: وجه أبينا انصرف عنا، ما نستطيع أن نعيش بهذه الطريقة، هيا نتخلص من هذا الولد، ما نسعد أبداً وأبونا لا ينظر إلينا، فدبروا تلك المكيدة، ومضت كما قدرها الله، وأخيراً أرسل يوسف نبياً ورسولاً، وإخوته لم يكونوا رسلاً، بل كانوا أنبياء، وهم الأسباط، أما يوسف استقراء من قول الله تعالى: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ [غافر:34] فكان يوسف نبياً ورسولاً، وإخوته أنبياء، ولكن ليسوا برسل.
الجواب: لم أعلم لهذا سبباً، وإن كان، فما عندنا من العلم ما يكفي لكل سؤال، أقول: الله أعلم، لا أعلم لهذا سبباً، إلا السبب العام؛ لأن الله عز وجل أمرنا أن نطيعه ونطيع رسوله وأولي الأمر منا، وأمرنا إذا اختلفنا أن نتحاكم إليه، وحرم علينا أن نتحاكم إلى أعدائه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65].
ثم ذكر أنه لو ابتلاهم وكلفهم بالخروج من أموالهم وديارهم ما كادوا ليفعلوه إلا من شاء الله وهم القليل، ثم قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ [النساء:66] أي: يؤمرون به وينهون عنه لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء:66] أي: للإيمان في قلوبهم، ثم أطلقها وأرسلها واضحة، ما هناك فرق بين المدني والمكي، ولا بين الشرقي والغربي، ولا بين المنافق والمؤمن، القضية واحدة.
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ [النساء:69] المواكب الربانية، فتبقى آية عامة إلى يوم القيامة، نعم.
الجواب: أتباع الأنبياء قلة مع أنهم على الحق؛ لأن الحق يدعو له داع واحد، والباطل كم داع يدعو له؟ خمسة، وخسمة يغلبون الواحد، النفس والهوى والدنيا والشيطان أربعة، والكفار المجرمون، خمسة كلهم يتعاونون على صاحب الحق، والحق واحد.
فهذا هو الواقع، داعي الحق واحد فقط، وداعي الباطل خمسة، فكيف يغلب الفرد خمسة؟! ثم من أين لنا أن كل أتباع الأنبياء قلة، فهذا موسى عليه السلام كانت له أمة عظيمة، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم الأمم وأكثرها، إلا أن الواقع يشهد الآن أن المؤمنين الصالحين أقلية بين المسلمين؛ لكثرة الشياطين والدنيا والهوى واللهو، المسلمون ككل نسبتهم إلى الكافرين ليس نصفها ولا ثلثيها، بل جزءاً منها، نعم.
الجواب: هم متفاوتون، ليس في ذلك شك، إلا أن الكل سعيد، وفي نعيم، وأدنى نعيم في الجنة ينسيك نعيم الدنيا.
الجواب: ليس أفضل من شهيد المعركة، إذا قتل المرء في سبيل الله، في ساحة القتال؛ من أجل إعلاء كلمة الله، وتأتي الشهادات الأخرى بأصحابها، كذي الحريق وذي الغرق، ومن مات دون ماله أو مات دون عرضه، هذه شهادات أعطاها الله لمن أصيبوا، لكن الشهداء الذين أرواحهم في حواصل طير خضر ترعى في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش هؤلاء هم شهداء المعارك في سبيل الله، والحمد لله أن جعل منا شهداء ولو لم يموتوا في ميادين القتال، هذا فضل الله، لكن الدرجات متفاوتة كما بين السماء والأرض.
أما إذا سقط شهيداً يغفر له كل ذنب إلا حقوق الناس، أموال الناس، دماء الناس، أعراض الناس، هذا يترك إلى يوم القيامة، يجري فيه الحساب.
أخبر صلى الله عليه وسلم أن أحدنا يؤخذ إلى باب الجنة، ثم يستدعى من جديد ويوقف من أجل ملء كفه دماً أراقها ظلماً.
الجواب: يسمح لي هذا السائل، سؤاله ناتج عن فراغ وغفلة كاملة، وهذا من جدل ضيعنا قروناً طويلة، الناس يبكون بالدموع على الحصر خائفين من عذاب الله، ونحن أمنونا وأعطونا مفاتيح الجنة، وأصبحنا نتخير مع من نكون، هذا إفلات للوقت وتضييع، حسبك أن تعرف أنك إذا أطعت الله والرسول تكون مع هذه المواكب، لا تسأل كيف تكون؟ تكون معهم في دار السلام، التي عرضها السماوات والأرض، تريد أن تكون مع النبيين درجة واحدة من يقول هذا الكلام؟!
المهم السائل يسمح لي، هذا من الجدل البيزنطي الذي قضت فيه أمة الإسلام دهوراً تتناقش، العاقل يبكي ليل نهار أن ينقذه الله من النار.
الجواب: القرآن لم يُنزَل ولم ينزَّل إلا على محمد صلى الله عليه وسلم، ثم هذا السؤال من الجدل البيزنطي.
كتب الله عز وجل تتضمن الأمر بطاعته وطاعة رسوله، تلك الطاعة فيها الأوامر التي من شأنها أن تشفي النفس وتطهرها، وفيها منهيات ومحرمات من شأنها إذا فعلت تخبث النفس البشرية، ومن زكت نفسه رفعه الله إليه، ومن خبثت رده إلى أسفل سافلين.
هذه هي الحقيقة، فالإسلام دين الله من آدم إلى آخر إنسان، والإسلام انقياد وخضوع لله، فإذا قال: اعتقد أن الحجر ينفع ويضر فيجب أن تعتقد ذلك وأنت تمسه! وإذا قال: لن ينفع ولا يضر إلا أنا، فلا تقبل من أحد أنه ينفع أو يضر، فالأمر هو طاعة الله فقط والرسول الذي أرسله، والله يأمر بأوامر وينهى عن نواه؛ لأن الأوامر كالماء والطعام والشراب تغذي الجسم، وطاعة الله تغذي الروح وتزكيها، ينهى عن المعاصي كنهيه عن الخمر وعن السم القاتل، فما هناك فرق بيننا، والشرائع تختلف ما بين أمة وأمة، قد يحرم الله على أمة أكل البطاطس؛ امتحاناً لها واختباراً، وقد يبيح للأمة أكل كذا، الأمر له، فقط عندما يحرم شيئاً متى فعله عبد الله أصيبت النفس بالظلمة والعفن، متى أمر الله بالطين وإن كان تراباً أنتج له الطاقة التي تزكي النفس، هذه هي حقيقة الشرائع.
الجواب: هذا اللفظ لم أره حديثاً، الحديث: ( يا فلان! ساعة وساعة ) الرسول صلى الله عليه وسلم كان طبيباً بمعنى الكلمة، يأتيه الرجل قد اصفر وجهه، يبست شفتاه، قل دمه من الخوف والخشية، من الصيام والصلاة والانقطاع، كيف يعالجه؟ ما يوجه الخطاب إليه فقط، بل يوجهه إلى الأمة كاملة، إذ هو فرد واحد فيها، يقول: ( سددوا وقاربوا، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ) أنت تجهد نفسك أربعاً وعشرين ساعة صياماً وقياماً وبلا انقطاع، تترك زوجتك وأولادك ومزرعتك، هل تقول: إن عملك هو الذي يدخلك الجنة؟ هيا نحاسبك: كم سنة؟ ألف سنة وأنت تصلي، موضع سوط أحدنا في الجنة خير من الدنيا وما فيها، فأين العمل؟!
فالعمل ليس ثمناً تدخل به الجنة، ما يساوي شيئاً، وإنما فيه سبب، الباء سببية: بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105]، أي: بسبب ما كنتم تعملون؛ لأن أعمالكم زكت أنفسكم، فقبلناكم لطهارة أرواحكم، لا من أجل أعمالكم.
فمن هنا الرسول صلى الله عليه وسلم حكيم، إذا وجد شخصاً من هذا النوع يقول له: ( يا فلان! ساعة فساعة) يعني: نم ساعة واعبد ساعة، كل واشرب ساعة، كلمة (ساعة) يعني: لا تصم الدهر كله: ( ما صام من صام الدهر كله ) بلغه أن فلاناً ما ينام، بعث إليه: ( نم وقم ).
فإياك أن تفهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا النوع الهابط، يدعو الناس إلى الفرفشة والأغاني والأباطيل، (ساعة وساعة)، بمعنى: ما يبقى العبد في العبادة، لا ينقطع عنها، بل لا بد وأن يفلح الأرض، يبني الغرفة، يسكن إلى أهله يجاهد، فلا تفهم أن كلمة: (ساعة وساعة) تعني: يضحك ويفرفش، لا، ما قال هذا، ولا أراده.
الجواب: أخشى أن يكون الوسواس هو الذي انتابك، الحمد لله! ما دمت تشهد لنفسك أنك ما ارتكبت معصية ولا خرجت عن طاعة فمن يساويك إذاً؟!
فلا تسمع أبداً لهواجس النفس، وخواطر الشيطان، انته عن هذا واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإيمانك تعرف زيادته ونقصانه بحسب سلوكك، يوم ما تشح وتبخل اعلم أن طاقتك قد هبطت، عندما تتكاسل أو تتباطأ في فعل خير اعلم أن القوة ضعفت، عندما تراك منشرح الصدر وراء العمل الصالح تطلبه اعلم أن الطاقة مرفوعة؛ لأن الإيمان بمثابة الطاقة، تقوى وتضعف، يزيد وينقص.
فلا توسوس، ما دمت والحمد لله ما تغشى المحارم، ولا ترتكب الذنوب والآثام، أنت في خير وعافية، أتريد أن ترى الله جهرة، أو تفتح لك أبواب السماء حتى تقول: أنا مؤمن أو آمنت؟! لا بد من أن تعيش على الغيب، وهو الإيمان؛ حتى يأتي ملك الموت وأعوانه فتشاهد دار السلام وأنت ما لفظت أنفاسك!
أما بعد:
ورد في الحديث الشريف: ( ما جلس قوم في بيت من بيوت الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة... ) الحديث. هل هذا عام للرجال والنساء، أم قاصر على الرجال؟ وإذا كان عاماً للرجال والنساء فنرجو منك أن تنصحنا؛ لأننا نحن النساء أكثر مجالسنا غيبة ونميمة.. وغير ذلك من الكلام الذي لا يرضي الله عز وجل؟
الجواب: الحديث عام في الرجال والنساء، الآن المؤمنات في مجلسهن يستمعن القرآن ودراسته، فوالله إنهن لسالكات في هذا الأجر وهذا الموعود بلا شك.
فإن قالت: أعمالنا في البيوت، وقلما نظفر بأن نقرأ هذا في بيوت الله، فنقول: اتخذي غرفة من بيتك، والآن والحمد لله كل بيت فيه أربع غرف، ثلاث، فاتخذي غرفة تكون شبه مسجد، واطلبي جاراتك مع بناتك واجلسي لهن، واقرأن آية من كتاب الله وادرسن؛ تحصلن على الأجر بكامله، وهل الرجال فازوا بهذا حتى تحسدينهم؟ الرجال أيضاً مشغولون في المقاهي والملاهي والدكاكين.
إذاً: الطريق كما قلت لكم قبل أن أموت: والله لا نجاة حقيقية إلا بالعودة إلى بيوت الله، يوم أن يرانا اليهود والنصارى خصومنا قبل غروب الشمس نغلق محلات أعمالنا ونذهب إلى بيوت الرب بنسائنا وأطفالنا ورجالنا، نتعلم كل ليلة هدى ونأخذ نوراً، وبذلك ينتهي الشره والطمع والتكالب والحسد، ويفيض المال وما ندري من نعطيه! الناس في غنى؛ يومها نظفر بالبغية ونفوز بالأمل، هم يعرفون هذا ويسمعون هذا الكلام؛ ولهذا يعملون كل الوسائل ألا تحضروا ولا تسمعوا، من المجلة إلى الجريدة، إلى الصوت، إلى الرؤية، إلى الطعام، انظر فقط الإعلانات في الشوارع، عجب! كأننا لا نعبد إلا الطعام والشراب، إعلانات تكالب على الدنيا.
على كل حال هذا هو الطريق، والسائلة الكريمة إن حضرت فازت بالأولوية وظفرت به، ما تمكنت بسبب أعمالها تدعو الله أن يعوضها غير ذلك، وإن أوجدت مسجداً في بيتها تشهده مع المؤمنات من جاراتها أو بناتها وتقرأ آية وتدرسها في تفسير؛ يصدق هذا الأجر لها مع سائر المؤمنات.
وقولها: نجلس في الغيبة والنميمة هكذا هم الرجال أيضاً يجلسون في المقاهي، في المجالس، في البيوت لا يعرفون كلمة الله إلا الأضاحيك والورق والكيرم، والغيبة والنميمة والرفث، هذه أيام الفتنة والمحنة، فما زال الرجال إلى الآن توجد مجالسهم هذه، والمؤمنات كذلك، ولكن والحمد لله! هناك مؤمنات يجلسن على ذكر الله، يطالعن كتاب الله، يقرأن الهدى، يصلين على النبي صلى الله عليه وسلم، ما يسمحن أبداً بالباطل، إذا جاءت امرأة من الضائعات ينصحنها ويبين لها: حجابك، استري وجهك، لا تخرجي إلا من حاجة ضرورية، دعوة الله قائمة بين المؤمنات؛ فلهذا كل مؤمنة توصي أختها بالصبر والحق.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر