إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [140]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بدأ الشيخ لقاءه بتفسير آيات من سورة الذاريات من قوله تعالى: (قتل الخراصون) وبين أن معنى (قتل) أي: (أهلك) والخراصون هم المرتابون والشاكون، وعقب بتفسير ما وصفوا به وهو أنهم في غمرة من الجهل قد أحيطوا به من كل جانب وهم غافلون. وبين معنى قوله تعالى: (يسألون أيان يوم الدين) وفرق بين هذا السؤال وسؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن سؤالهم سؤال استبعاد وإنكار وسؤال جبريل للتعليم سؤال استفهام واستخبار. ثم رد الله عليهم بأن يوم الدين هو يوم القيامة حين يفتنون في النار، يقال: ذوقوا احتراقكم في النار التي كنتم تنكرونها، فيعذبون عذاباً حسياً ومعنوياً.

    1.   

    تفسير آيات من سورة الذاريات

    الحمد لله رب العالمين.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو يوم الخميس السادس والعشرون من شهر جمادى الثانية عام (1417هـ)، وبه يكون اللقاء الأسبوعي الذي يتم كل يوم خميس.

    نسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعل العمل خالصاً لوجهه.

    هذه هي الحلقة الأربعون بعد المائة، بل هذا هو اللقاء الأربعون بعد المائة نفتتحه كالعادة بتفسير بعض آيات من القرآن، حيث إننا سبق أن تكلمنا على أول سورة الذاريات.

    قال الله تبارك وتعالى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات:1-9] كل هذا تقدم الكلام عليه.

    تفسير قوله تعالى: (قتل الخراصون)

    قال جل وعلا: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ [الذاريات:10-11] :-

    (قُتِلَ): كثيرٌ من المفسرين يفسرها بـ(لُعِنَ)، واللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله؛ ولكن الصحيح أنَّ قُتِلَ بمعنى: أُهْلِكَ؛ لأنه لا داعي إلى أن نصرفها عن ظاهرها، وظاهرها صحيح مستقيم، فمعنى قُتِلَ: أُهْلِكَ.

    و(الْخَرَّاصُونَ): جمع خرَّاص، وهو: الذي يتكلم بالظن والتخمين والارتياب والشك؛ لأنه منغمر في الجهل والسهو والغفلة.

    تفسير قوله تعالى: (الذين هم في غمرة ساهون)

    ولهذا وصفهم بقوله: الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ : أي: في غمرة من الجهل، قد أحاط بهم الجهل من كل جانب.

    سَاهُونَ غافلون، لا يحاولون أن يُقْبِلوا على ما أنزل الله على رسله عليهم الصلاة والسلام.

    تفسير قوله تعالى: (يسألون أيان يوم الدين)

    ومن جهل المشركين أنهم يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ [الذاريات:12] سؤال استبعادٍ وإنكارٍ، لو كانوا يسألون سؤال استعلامٍ واستخبارٍ لعُذِروا، كما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أخبرني عن الساعة) ، لكن هل قاله استبعاداً وإنكاراً؟ لا، بل استفهاماً واستخباراً، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل).

    لكن أولئك الخراصون، يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ أي: متى هو، استبعاداً، ولهذا قال الله عنهم في سورة (ق): فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:2-3] يعني: أنُرْجَع بعد أن كنا تراباً، هذا رجع بعيد.

    فهم يسألون عن يوم القيامة لا سؤال استفهام واستخبار؛ ليستيقنوا؛ ولكن سؤال استبعاد وإنكار.

    تفسير قوله تعالى: (يوم هم على النار يفتنون)

    قال الله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات:13] هذا الجواب، أي: يوم القيامة يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ وعلى هذا فـ(يوم) هنا ظرفٌ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقدير: يوم القيامة يوم هم على النار يفتنون.

    ومعنى عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات:13] أي: يُعْرَضون عليها فيحترقون بها، يعني: الفتنة بمعنى الاحتراق؛ ولكنَّها عُدِّيت بـ(على) لأنها ضُمِّنت معنى العرض، أي: يعرضون على النار فيحترقون بها، هذا يوم الدين يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ .

    تفسير قوله تعالى: (ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون)

    قال تعالى: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ [الذاريات:14] :-

    ذُوقُوا هذه جملة مقولٍ لقولٍ محذوفٍ، التقدير: يقال لهم: ذوقوا فتنتكم.

    و ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذا أمر إهانةٍ وإذلالٍ، أي: ذوقوا احتراقكم في النار التي كنتم تنكرونها.

    هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ لأنهم يقولون: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس:48] فيستعجلون بالقيامة استبعاداً لها، كما قال تعالى: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ [الشورى:18] فيقال لهؤلاء: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ، ويقال لهم: أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:15-16] .

    أنا أسألكم الآن: يفتنون على النار فيحترقون بها ويقال: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ ماذا تفهمون من هذا؟

    أتفهمون أن في هذا عذاباً بدنياً وقلبياً؟

    نعم؛ لأن الاحتراق عذابٌ بدنيٌ، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا .

    ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ هذا توبيخٌ وإهانةٌ وإذلالٌ يكون به العذاب القلبي، فيُجمع لهم -والعياذ بالله- بين العذاب البدني، والعذاب القلبي، فتجده في أعلى ما يكون من الحسرة، فيتحسرون ويقولون: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27] .

    ثم كان القرآن الكريم مثاني تُثَنَّى فيه المعاني الشرعية والخبرية، إذا ذكر الشيء ذكر ضده.

    تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في جنات وعيون)

    لما ذكر عذاب هؤلاء المكذبين الخراصين، قال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ .

    الْمُتَّقِينَ هم: الذين اتقوا الله، وأنتم ترون أن التقوى تَرِد في القرآن الكريم على وجوه متعددة، بالوصف تارة، وبالفعل تارة، وبالأمر تارة، وتارة تكون مضافةً إلى الله، وتارة تكون مضافةً إلى العقوبة، وغير ذلك، مما يدل على أن التقوى شأنها عظيم في الإسلام، وليست التقوى قولاً يقال باللسان، بل هي قولٌ يتبعُه فعلٌ وتطبيقٌ.

    فإن سألتم: ما هي التقوى؟

    قلنا: التقوى كلمتان: فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه. على علمٍ وبرهانٍ واحتسابٍ وخوفٍ.

    تفعل ما أمر الله به؛ لأنك تعلم أن الله أمر به، تفعل ما أمر الله به؛ لأنك تحتسب ثوابه، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرةٍ.

    تترك ما نهى الله عنه؛ لأنك تعلم أن الله نهى عنه، تترك ما نهى الله عنه خوفاً من عقاب الله؛ لأنك موقن بالعذاب، هذه هي التقوى.

    يقول عز وجل: فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ أي: مستقرون في جناتٍ وعيونٍ، والجنات جمع جنةٍ، وأنتم يمر بكم في القرآن (جنة) مفرداً، و(جنات) جمعاً، فهل هي جناتٌ متعددةٌ؟ أم هي جنةٌ واحدةٌ؟ هي جناتٌ متعددةٌ، لكن ذُكِرَت بلفظ المفرد من باب ذكر الجنس، وإلاَّ فهي جناتٌ، انظروا إلى آخر سورة الرحمن، ذكر الله أربع جناتٍ، قال: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] ، ثم قال: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ [الرحمن:62] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (جنتان من ذهبٍ آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضةٍ آنيتهما وما فيهما) .

    إذاً فالجنات متعددةٌ.

    1.   

    الأسئلة

    حكم السلام على الجالسين في حلقة العلم

    السؤال: فضيلة الشيخ! نقل عنكم أنكم أفتيتم بأن الداخل على حلقة بها شيخ يلقي درسه، فإنه لا يسلم، بل يجلس، وذلك خوفاً من أن يشوش عليهم، فهل هذا صحيح؟

    الجواب: ذكر العلماء رحمهم الله أنه إذا دخل على قوم جلسوا مجلس ذكر؛ فإنه لا يسلم؛ لئلا يشوش عليهم، وإذا كان من العادة أنه لا يُشَوَّش، وأن الطلاب جرت عادتهم أنهم يسلمون كلما دخلوا فلا بأس، إلاَّ أن يكثر الداخلون، فهنا لا شك أنه لو بقي الشيخ مشتغلاً بالرد على السلام، وهم يدخلون واحداً واحداً، وإذا قدرنا أنهم خمسون نفراً كم يبقى؟ نصف الدرس وهو يقول: عليكم السلام .. عليكم السلام، وإن كان ذاك يقول: السلام عليكم فسيقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإن كان يقول: صبَّحك الله بالخير، فسيقول: صبحك الله بالخير، ثم يمضي الدرس في الرد.

    فعلى كل حال: كل مقام له مقال، إذا كانت الجلسة يعني: جلسة عادية كجلستنا هذه -مثلاً- وليس فيها إشغال فلا بأس، أما إذا كان فيه إشغال، كلما دخل رجل وسلَّم رددنا عليه السلام؛ فلا شك أنه لا ينبغي.

    أنا قلتُ: كجلستنا هذه؛ لكنها سقط لسان؛ لأن جلستنا هذه جلسة علم ليست جلسة قهوة وشاي.

    تحريم قراءة القرآن الكريم بغير اللغة العربية

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم قراءة القرآن بغير اللغة العربية في الصلاة وخارجها، لمن لا يمكن أن يتكلم باللغة العربية؟ وهل يحصل له الأجر إذا قرأ بغير العربية؟ أفتونا مأجورين.

    الجواب: يحرم على الإنسان أن يقرأ القرآن بغير اللغة العربية، وأظن أنه لا خلاف بين العلماء في ذلك؛ لأنه إذا قرأه بغير العربية لم يكن قرآناً، وقد قال الله تعالى عن القرآن: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:195] ، وإذا قرأه بغير العربية لم يحصل الإعجاز بلا شك، وإذا قرأه بغير العربية، سوف يتغير الترتيب؛ لأن المعروف في غير العربية أنه إذا اجتمع مضافٌ ومضافٌ إليه، يقدم المضاف إليه قبل المضاف، أو صفةٌ وموصوفٌ تُقدم الصفة، وما أشبه ذلك، فلهذا لا يحل أن يقرأ القرآن بغير العربية.

    وعلى هذا: فمن لا يحسن العربية، وأراد أن يصلي يقول الذكر الذي ورد فيمن لم يستطع القراءة، تسبيح، وتكبير، وتهليل، وتحميد، فإن عجز عن هذا باللغة العربية؛ فلا بأس أن يقرأ الذكر بغير اللغة العربية؛ لأنه ليس قرآناً.

    عدم جواز قول: (بسمة أمي هي سر وجودي)

    السؤال: فضيلة الشيخ! هناك أناشيد للأطفال: (بسمة أمي هي سر وجودي) ... فما رأيكم فيها؟

    الجواب: هذا كذب، ولا يجوز للإنسان أن يقولها، وليس لأحد صفة للوجود، وهذه كلمة صوفية، منكَرة، الذي أوجد الخلق هو الله.

    والعجب: أنه يقول: بسمة أمي أنها سر وجودي، يعني: هي التي وُجِدْتُ بها، وهذا كذبٌ ولا شك، وفي بطن أمه لا يرى بسمة أمه، ولا يعرف عنها شيئاً، فلذلك يجب إنكارها.

    حكم من يعمل في المستشفيات ويضطر للمخالطة أو الملامسة أو الخلوة

    السؤال: فضيلة الشيخ! نحن طلبة في المعهد الصحي، من ضمن منهجنا التطبيقي العملي في المستشفيات، والذي يضطرنا إلى ملازمة النساء من الممرضات، والاستفادة منهنَّ في مجال التمريض، ومحادثتهنَّ وسؤالهنَّ، وقد يكنَّ غير مسلماتٍ، وقد تحصل الخلوة بهنَّ في بعض الأحيان، فما رأي فضيلتكم؟

    الجواب: أرى أن هذا إذا دعت الضرورة إليه، ولم يكن لكم من هذا بُدٌ، فاتقوا الله ما استطعتم، ولا تكثروا محادثتهنَّ، إلا فيما دعت إليه الضرورة، وغضُّوا البصر عنهنَّ بقدر ما يمكن، ونسأل الله تعالى، أن يأتي باليوم الذي ينفرد فيه الرجال بعلومهم، والنساء بعلومهن.

    أما في مسألة الخلوة؛ فلا يجوز إطلاقاً، ولكن كيف يخلو بها وعندهما المريض؟! إلاَّ إذا كان المريض لا يشعر!

    السائل: في بعض الأوقات إذا جئت أضحك أو أسلم.

    الشيخ: لا. لا تضحك، أتضحك لامرأةٍ أجنبيةٍ منك؟! أبداً؛ لكن لا ترها وجه عبوسٍ ولا وجه طلاقةٍ، وكن طبيعياً للضرورة، وهي إذا رأت أنك ستخبر عنها لو أنها أخلت بما يجب عليها فلن تخل بالواجب، خصوصاً الأجنبية التي تعرف أنها إذا أخلت بالواجب فستسفر.

    حكم من أنكر نسبة ولده إليه

    السؤال: فضيلة الشيخ! شخصٌ يدَّعي هو وأمه نسبةً لأبيه، والأب ينفي هذا الابن، فهل إجراء تحاليل في المستشفى بين الأب والابن تثبت نسبة الابن للأب؟

    الجواب: والله يا أخي! هذه ترجع للقاضي، المسألة ليست هينة، فإذا ادعى أنه ليس ولدها، فإما أن يقذفها بالزنا، وإما أن يدعي أنها مبضوعة بشبهة، وعلى كل حال، فلابد من إجراء الملاعنة بينه وبين الزوجة.

    السائل: وإجراء التحاليل في المستشفى؟

    الشيخ: لا ينفع أبداً، لا بُدَّ من الذهاب إلى المحكمة، فهذه لا يمكن أن يحلها إلاَّ قاضٍ شرعي، وأولاً: أن يقال للزوج: ليس لك الحق في أن تتبرأ من الابن، حتى لو فُرِض أنه خالف لونه لونك، أو خالف رسم وجهه رسم وجهك، لا يجوز أن تتهم المرأة بهذا، ودليل ذلك، أن رجلاً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسوداً! ...) كأنه يريد أن يسأل ما السبب! وقد يكون في نفس الرجل حرجٌ من زوجته، أو اتهام، فيحتمل أنه سأل الرسول لأجل أن يبين له وجه ذلك، ويحتمل أنه سأل الرسول لأنه شاك في زوجته، وعلى كل تقدير، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له مبرهناً أن ذلك ممكنٌ ومطَمْئِناً قلبه قال: (هل لك من إبل -لأن الرجل كان بدوياً فيما يظهر- قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق -والأورق الذي فيه شعرة بيضاء، وشعرة سوداء مختلطة كأنه الوَرِق أي: الفضة- قال: نعم، قال: من أين أتى؟ -كيف تقول: هي حمر، وهذا أورق؟- قال: لعله نزعه عرق -يعني: ربما يكون أحد آبائه وأمهاته السابقات بهذا اللون- قال: فابنك هذا لعله نزع عرق) ، فاطمأن الرجل.

    فقل لهذا الزوج -إن كنت تعرفه- فليتق الله، ولا يتهم الزوجة بهذا، والولد ولده، والحمد لله، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) أي: لو تنازع الزاني والزوج في الولد، وقال الزوج: هو ولدي، وقال العاهر: هو ولدي، فالولد للفراش.

    السائل: لكن يا شيخ! القاضي لا يستند إلى هذه التحاليل؟

    الشيخ: نتهم القاضي، ما الذي يحولهم عليه؟ لكن أولاً الخطوة الأولى: أن تقول للرجل هذا: اتق الله، ولا تتهم الزوجة، والولد ولدك، وليس فيه إشكال، فإن أصر على أن ينفيه، فلابد من الرجوع إلى المحكمة.

    فضيلة الصف الأول

    السؤال: فضيلة الشيخ! إذا دخل الرجل المسجد يوم الجمعة، فهل يتم الصف الأول إذا كان طويلاً أم يدنو من الإمام؟

    الجواب: لا، الأفضل أن يتم الأول، في الجمعة أو في غيرها، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلاَّ أن يستهموا عليه لاستهموا) يعني: لو لم يجدوا طريقاً إلى الصف الأول إلاَّ بالقرعة لفعلوا ذلك، وذلك لكثرة ثوابه، وتكميل الأول فالأول أيضاً هو السنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، قالوا: كيف ذاك يا رسول الله؟! قال: يتراصون ويُتِمُّون الأول فالأول، أو قال: يُكمِّلون الأول فالأول).

    جواز الجمع بين زوجتين الأولى حرة والثانية أمة

    السؤال: فضيلة الشيخ! ذكر ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتاب الكافي : في كتاب النكاح باب القَسْم، أن الرجل إذا تزوج حرة وأمَة، فليجعل للحرة ليلتين وللأمَة ليلة، فكيف يجمع مع الحرة أمَةً مع أن أكثر أهل العلم ذكر أنه لا يكون ذلك إلاَّ بشرطين:

    خشية العنت.

    وعدم الطول للحرة؟

    الجواب: هذا يمكن، فربما تكون الحرة لا تكفيه، وإذا كانت لا تكفيه، فلابُدَّ أن يتزوج بأخرى، وإذا لم يجد حرة ووجد أمَة فذاك جائز.

    لكن كونه يجعل للأمَة ليلة وللحرة ليلتين فيه نظر؛ لأنه لمَّا تزوجها وأبيح له أن يتزوجها، وجَبَ عليه أن يسوي بينهما، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان له امرأتان، فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل) وهذا الحديث عام، (كان له امرأتان)، وهذا له امرأتان، فيجب أن يعدل بينهما.

    عدم جواز إدخال الواسطة لإلغاء المخالفة المرورية

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم استخدام الواسطة؛ لإلغاء المخالفة المرورية؟

    الجواب: لا يجوز إدخال الواسطة من أجل التخلُّص من غرامة مرورية أو غيرها، وذلك لأن الدولة إنما وَضَعت هذه العقوبات لإصلاح المجتمع، فليس الغرض من ذلك أن تؤخذ دراهم من شخص، بل الغرض إصلاح المجتمع، وأنت تعرف الآن أن كثيراً من الناس لا يردعه الوازع الديني، وإنَّما تردعه السلطة والخوف.

    فلا يجوز له أن يستخدم واسطة في إلغاء ما يجب عليه من مخالفة مرورية أو غيرها، ولا يجوز -أيضاً- لأحد أن يتوسط في ذلك.

    فعليك -جزاك الله خيراً- أن تنصح من علمته هكذا، وتقول له أن يحمد الله على ذلك، وهذه الغرامة قد تكون تأديباً له.

    الأولى استواء الصفوف من ناحيتي الإمام

    السؤال: فضيلة الشيخ! بعض الأحيان الجهة اليمنى من الصف في الصلاة تكون أكثر من الجهة اليسرى، فيقوم الإمام بتعديل الصف، ما رأيكم في هذا؟

    الجواب: رأيي أن هذا صواب، فأحياناً يأتي المأمومون ويصفون في يمين الصف ويطول، وتجد اليمين فيه ثلاثون رجلاً واليسار فيه خمسة، ستة، هذا لا ينبغي، وله أن يعدله؛ وذلك لأن اليمين أفضل من اليسار مع التساوي أو التقارب، كرجل أو رجلين مثلاً أما مع التباين العظيم فلا، ويدل لهذا، أنه كان في أول الأمر إذا كانوا ثلاثة صار واحد على اليمين، وواحد على اليسار، في أول الأمر، ثم نُسِخ هذا، وصار الثلاثة يتقدمهم إمامهم، فدل ذلك على أن اليمين ليس أفضل بكل حال، ولو كان أفضل بكل حال لقلنا: إذا كانوا ثلاثةً يكون كلا الرجلين عن يمين الإمام.

    ثم إن الأحاديث الدالة على الترغيب في الدنو من الإمام -أيضاً- تؤيد ذلك، فلهذا لا حرج على الإمام أن ينبه الناس، ويقول: إذا كان الصف الأيمن طويلاً؛ فائتوا في اليسار، هذا إذا قلنا: بأن حديث: (وسِّطوا الإمام) ضعيف، كما هو معروف عند أهل الحديث، أما إذا كان صحيحاً؛ فالأمر واضح أنه يوسط الإمام.

    لا يجوز تفريق المسلمين إلى جماعات وأحزاب

    السؤال: فضيلة الشيخ، عندنا في الجامعة عدة جماعاتٍ، وكل جماعةٍ تحاول اجتذاب أكبر عددٍ من المستجدين، فالذي يذهب إلى جماعةٍ، تنشأ بينه وبين الجماعات الأخرى نوع من العداوة، حتى إن الواحد يمر وما يسلم، أو ما يسلمون عليه، فماذا يفعل الشخص حتى يبرأ لدينه، ولا تنشأ بينه وبين إخوانه المسلمين عداوة؟

    الجواب: أولاً: نقول: يجب أن تُزال هذه الفرقة، وأن يكون المؤمن أخاً لأخيه المؤمن، لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره.

    فالواجب على كبار الذين في الجامعة من الأساتذة، أو المدير، أو من عرفاء الفصول، أن يحاولوا إزالة هذا التفرق قبل كل شيء، فإن حصل فبها ونعمت، وإن لم يحصل فاعتزلوا الفرق كلها، لا تكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.

    لكن لو فرضنا أن هناك -مثلاً- طائفة انحرافها واضح، وهناك طائفة استقامتها واضحة، فمعلوم أن الإنسان يختار الثانية على الأولى.

    شروط إباحة التمثيل

    السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي الشروط التي وضعها فضيلتكم للتمثيل؛ ليكون مباحاً؟

    الجواب: الشروط:

    أولاً: أن لا يكون فيه كذب: فإن كان فيه كذب؛ فإنه لا يجوز.

    ثانياً: أن لا يُمثلَ من له حق الاحترام: كالصحابة رضي الله عنهم، وأئمة المسلمين، وما أشبه ذلك.

    الشرط الثالث: أن يكون في ذلك مصلحة: كمعالجة مسائل اجتماعية، وما أشبه ذلك.

    الشرط الرابع: أن لا يقوم بدور المرأة وهو رجل، أو تقوم المرأة بدور الرجل.

    والخامس: أن لا يكون فيه دور حيوان: بأن يقوم بعض الممثلين بدور شاة، أو بعير، أو بقرة، أو كلب، أو ما أشبه ذلك.

    السادس: أن لا يقوم بدور كافر: كأن يقوم أحد الممثلين بدور أبي جهل -مثلاً- أو بدور أبي لهب، أو ما أشبه ذلك؛ لأن هذا ربما يوقع في قلبه شيئاً، أو ربما يقع في قلبه شيء، وربما يُعَيَّر به أيضاً بين الناس، فيقال: يا أبا جهل، يا أبا لهب، وما أشبه ذلك.

    المهم: الضابط العام: أن لا يتضمن التمثيل شيئاً محرماً لأي سبب، قد يكون من جنس ما مثلنا به، وقد تكون هناك أشياءٌ غابت عنا أيضاً.

    حكم مجالسة من يفعل المنكر

    السؤال: فضيلة الشيخ، إنسانٌ رأى شخصاً على منكر، فأنكر عليه، وهذا الشخص لابد أن يعاشره مثل: أبيه، وأخيه، أو عمه، فهل إذا -مثلاً- ما انتهى ذاك عن المنكر تبرأ ذمة هذا الشخص، وله -مثلاً- مجالسته مع كرهه للشيء الذي يفعله؟

    الجواب: أما مجالسته مع فعل المنكر فلا تجوز، حتى لو كان أباك أو أمك، وأما مجالسته على غير هذا المنكر فلا بأس، إلا إذا كان في هجره مصلحة، بحيث يتوب عما كان عليه، فليهجر حتى الجلوس معه؛ لكنَّ الإحسان من دون مجالسة للوالدين والأقارب لابد منها، أفهمت؟؟ فمثلاً: إذا قدرنا أن الوالد -مثلاً- يشرب الدخان، وقال: لابد أن تجلس معي، وهو يشرب لا تجلس معه، لمعصيته؛ لكن إذا كان لا يشرب فلك أن تجلس معه وتحادثه، ولو كنت تعرف أنه يفعل منكراً من شرب دخان أو غير الدخان.

    السائل: لكن هل تبرأ ذمته من يوم نَصَحَه؟

    الشيخ: إي نعم! تبرأ ذمته، قال الله للرسول عليه الصلاة والسلام: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:21-22].

    كيفية قضاء دين من مات وعليه ديون مؤجلة

    السؤال: فضيلة الشيخ! هناك رجل توفي وكان عليه ديون مؤجلة، فهل هذه الديون المؤجلة تقسم من التركة قبل الإرث، أم أنها تبقى في ذمته، حتى تسدد على حسب الأقساط السنوية؟

    الجواب: على كل حال: إذا كان الدين مؤجلاً، فإنه إذا مات الميت يحل الدين، ويُلْغى الأجل، إلا إذا وثَّق الورثة برهن يُحْرز يكفي أو ضامن مليء.

    فمثلاً: إذا مات وعليه دين للبنك العقاري في بيته الذي هو ساكن فيه، فنقول: إن كان هناك أقساط حلت عليه قبل أن يموت، ولم يسددها، فالواجب أن يسددها الورثة فوراً، أو يبيعوا البيت فيسددوها، وإن كان قد أدى الأقساط التي حلت في حياته، وبقيَت الأقساط التي تحل فيما بعد فالميت بريء من ذلك، وتتعلق الديون بالبيت المرهون للبنك، هل هذا واضح؟

    السائل: وهل للورثة أن يسددوا الديون على حسب الأقساط السنوية مثلاً؟

    الشيخ: لا بأس بهذا؛ لأن فيه رهناً؛ لكن لو فرضنا أن إنساناً قد استقرض من شخص مائة ألف -مثلاً- أو اشترى منه سيارة بخمسين ألفاً مؤجلة، فهنا نقول للورثة: إما أن تأتوا برهن، وإلا حلت الدراهم، أو تأتوا بضامن يضمن، وهو غني مليء.

    السائل: إذاً بالنسبة للديون التي عليه وحلت، تكون في ذمته؛ لكن المتبقية كيف يكون تسديدها؟

    أنا قلت لك: المتبقية أصلاً ما يمكن تبقى، لنفرض: مسألة العقار عرفتَ الآن حكمها، أما غير العقار فمثلاً: إنسان اشترى سيارةً من شخص مؤجلةً خمسين ألفاً، كل شهر ألفين ريال، أفهمتَ؟ وأدى ما حل قبل أن يموت، لما مات قدرنا الباقي في قيمتها ثلاثين ألفاً من خمسين، نقول للورثة: إما أن تسددوها الآن من تركته، وإما أن تأتوا برهن للذي باع السيارة، تأتون برهن يكفيه، أي: يساوي ثلاثين ألفاً أو أكثر، وإما أن تأتوا بشخص يكون ضامناً ضمان غرامة؛ لأجل أن يؤمِّن البائع حقه، أما أن تبقى -هكذا- مؤجلة في ذمة أناس لا ندري متى يقضونها، هذا لا يمكن.

    عند اختلاف العلماء يؤخذ بالقول الأيسر إن كان موافقاً للحق

    السؤال: فضيلة الشيخ! في حالة اختلاف العلماء في الأقوال الفقهية، هل نأخذ بالذي يقول الأشد إبراءً للذمة أم نأخذ بالذي يقول بالأسهل عملاً بالحديث: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا خُيِّر بين أمرين، أخذ بأسهلهما) ؟

    الجواب: أرأيت لو كان إنسان مريضاً واختلف عليه طبيبان، أحدهما قال: خذ هذا العلاج، والثاني قال: خذ هذا العلاج، من يأخذ بقوله؟

    السائل: بالأقوى في الطب.

    الشيخ: نعم، بالأوثق، الأوثق عنده علمٌ وفهمٌ.

    هكذا أيضاً المسائل الدينية، إذا اختلف عندك عالمان، فالذي ترى أنه أقرب إلى الصواب خذ به، سواء كان أشد أو أيسر.

    فإن تساووا عندك أو لا تدري، فمن العلماء من يقول: خذ بالأحوط، وهو الأشد.

    ومنهم من يقول: خذ بالأيسر.

    ومنهم من قال: أنت مخير، حتى لو عملت بقول هذا العالم اليوم، وبقول العالم الثاني غداً فلا بأس في ذلك.

    لكن الأقرب عندي أنك تأخذ بالأيسر، إلاَّ إذا وجدت قلبك يميل إلى القول الأشد فخذ به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في نفسك).

    حكم من لم يكمل صلاته خلف إمامه عند سجود الإمام للسهو

    السؤال: رجل صلى، وفاتته من الرباعية ولما قام ليقضيها سجد الإمام السهو، أو تكلم هو والمأمومون، وقد قام هذا الذي فاتته ركعة ليأتي بالركعة، فسجد الإمام فكيف يفعل؟ هل يرجع؟

    الجواب: أُعطيك قاعدةً: إذا كان سجود الإمام بعد السلام؛ فقم من حين أن يسلم، ولا تسجد معه؛ لأن صلاته تمت، ولا يمكنك أن تتابعه فيها؛ لأنك لو تابعته لوجب أن تسلم ولا يمكنك أن تسلم قبل انتهاء الصلاة، وعلى هذا فقم وأكمل صلاتك، ثم إن كان سهو الإمام الذي سجد من أجله قبل أن تدخل معه، فليس عليك شيء، وإن كان سهو الإمام بعد أن دخلت معه، فهنا إذا انتهيت من الصلاة وسلَّمت فاسجد سجدتين.

    فخذ هذه القاعدة، أي مسألة ترد عليك طبِّقها على هذا.

    الأفضل في السنة الراتبة أن تصلى في البيت

    السؤال: فضيلة الشيخ! أيهما أفضل في الأجر: التبكير إلى المسجد وحضور الصف الأول، أم صلاة السنة الراتبة في البيت، وبذلك يفوت الصف الأول؟

    الجواب: الذي يظهر لي أن الأفضل أن تصلي في البيت؛ لأن مخاطبتك بالراتبة قبل مخاطبتك بالصف، ويُبدأ بالأول فالأول، فصلِّ الراتبة ثم اذهب إلى المسجد، وكن حيثما تجد المكان.

    مصارف الزكاة

    السؤال: هل يجوز للمرأة أن تعطي من زكاتها زوجَها وولدَها إذا كان عليه ديون؟

    الجواب: إي نعم! يجوز للزوجة أن تعطي من زكاتها في قضاء دين زوجها، ويجوز للإنسان أن يعطي من زكاته في قضاء دين ولده، إلاَّ إذا كان الولد قد استدان من أجل النفقة، والأب غني، فلا يجوز أن يقضي دينه من زكاته؛ لأنه مطالب بالإنفاق عليه، فلو أننا قلنا: يجوز أن تعطيه من زكاتك، لَمَاطَلَ في النفقة من أجل أن يعطيه من الزكاة.

    جواز أخذ الزكوات ممن يتعاملون بطرق غير شرعية

    السؤال: أحسن الله إليك! -يا شيخ- ما حكم قبول -يا شيخ- الزكوات من بعض البنوك الربوية؟ -فذلك في منطقتنا- بعض جمعيات البر تقبل الزكوات من بعض البنوك الربوية.

    الجواب: لا بأس بقبول الإنسان الزكاة أو التبرعات من البنوك الربوية؛ لأنه أخذها بحق، والإثم على البنك إذا كان اكتسبه بربا، والدليل على هذا: أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَبِل الهدية من اليهود، وأجاب دعوة اليهود، ومعلومٌ أن اليهود يأكلون الربا، ويكسبون الأموال بالسحت، وكذلك أيضاً عامَلَ اليهود في خيبر، أي: أعطاهم من النخل والزرع، على أن لهم النصف وللمسلمين النصف، ومعلوم أنهم يكتسبون من الربا.

    فلذلك خذ قاعدةً مفيدةً: كل من اكتسب شيئاً بطريق مباح، فليس عليه إثم من اكتسبه بطريق محرم؛ لأن هذا محرم لكسبه، فيكون حراماً على من كسبه بغير حق، إلاَّ إذا علمت أن هذا المال مال فلان، مثل: إنسانٌ سارقٌ سرق شاة وأتى بها إليك يهديها لك، هذا لا يجوز أن تقبلها منه؛ لأنك تعرف أن هذه الشاة شاة فلان، لكن ما كان محرماً من أجل الكسب، فإن مَن أخذه بحق فهو حلال له، فهمتَ القاعدة هذه؟

    فهذه القاعدة طبِّق عليها كل شيء، كل ما ورد عليك طبقه عليها، من اكتسب شيئاً محرماً -أي: بطريق محرم- ثم أخذه الإنسان منه بطريق مباح فلا بأس.

    عدم جواز مس العورة

    السؤال: فضيلة الشيخ، قرأتُ في كتابٍ اسمه: محرمات استهان بها الإنسان ، لفضيلة الشيخ محمد صالح المنجد ، تصحيح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، ويقول فيه: (وكل عورةٍ لا يجوز النظر إليها، لا يجوز مسها ولو من وراء حائل)، وفي المدرسة درستُ الفقه، ويقال فيه: يجوز مس العورة بشرط: أن يكون من وراء حائل، فماذا أصدق الكتاب أم المدرسة؟

    الجواب: ليس بينهما تناقضٌ -بارك الله فيك- الذي قرأتَ في الكتاب كتاب المدرسة يريد عورة نفسه، أي: أن الإنسان لو مس عورته بحائل؛ فإنه لا ينتقض الوضوء.

    أما الأول: -وهو الذي في كتاب المنجد - إذا نظر الإنسان إلى عورة غيره، فهذا لا يجوز له النظر إلى عورة غيره إلا واحداً فقط، وهو الزوج مع زوجته، فيجوز لها أن تنظر إلى عورة زوجها، ويجوز لزوجها أن ينظر إلى عورتها، ويجوز له مس عورتها، ويجوز لها مس عورته؛ لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7].

    وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان فيه ما فيه من الضعف: (احفظ عورتك إلا من زوجك، أو ما ملكت يمينك) إذاً: القولان لا يتعارضان.

    جزاكم الله خيراً.

    وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء.

    نسأل الله تعالى أن ينفع به، ويجزيكم الثواب الجزيل، وأبشروا بالخير، فإن (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة) وكلنا نود أن نصل إلى الجنة بأي طريق، وهذا الذي يسلك الطريق الحسي أو المعنوي في التماس العلم فإن الله يسهل له به طريقاً إلى الجنة.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718655

    عدد مرات الحفظ

    754714272