إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [143]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يستمر الشيخ رحمه الله كما في مطلع كل لقاء في تفسير بعض الآيات، وفي هذا اللقاء فسر قوله تعالى: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) فبين أن الله سبحانه وتعالى أقسم بنفسه بمقتضى ربوبيته بالسماء والأرض أن ما يوعدون حق، وقال: يحتمل أن يكون الضمير عائد للقرآن، ويحتمل أن يكون عائد للنبي صلى الله عليه وسلم، وفسر أيضاً قوله تعالى في سورة الذاريات: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ) إلى قوله تعالى: (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ).

    1.   

    تفسير آيات من سورة الذاريات

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الثالث والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو السابع عشر من شهر رجب عام 1417هـ.

    نبدأ كالعادة بالكلام على ما تيسر من تفسير القرآن الكريم؛ لأني أحب دائماً أن يكون للمسلمين صلة في معرفة معاني كلام الله، فإن الله تعالى أنزل القرآن لهذا فقال: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] وتدبر الآيات -أي: تفهم معانيها، والتذكر: هو: الاتعاظ والعمل والتصديق.

    تفسير قوله تعالى: (فورب السماء والأرض إنه لحق...)

    انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات:23] (الفاء) عاطفة، و(الواو) للقسم، و(رب السماء والأرض) هو الله عز وجل، أقسم بنفسه تبارك وتعالى بمقتضى ربوبيته بالسماء والأرض أن ما يوعدون حق؛ لأنه قال: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ [الذاريات:22-23] أي: ما توعدون، ويحتمل أن يكون الضمير عائدٌ إلى القرآن، ويحتمل -أيضاً- أنه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمعاني الثلاثة كلها متلازمة، وقوله: (إنه لحق) أي: ثابت؛ لأن الحق والباطل متقابلان، فالباطل هو: الزائل الضائع، والحق هو: الثابت الذي فيه الفائدة والخير والصلاح.

    وقوله: مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات:23] أي: كما أن الإنسان يتيقن نطقه فإن هذا القرآن حق، ومن المعلوم أن كل أحد منا لا ينكر نطقه، وإذا نطق تيقن أنه نطق، إذاً.. هذا القرآن كلام الله عز وجل حق، مثلما أن نطقنا حق.

    تفسير قوله تعالى: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين)

    قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [الذاريات:24].

    هل أتاك الخطاب؟ ليس للنبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل له ولكل من يتأتى خطابه ويصح توجيه الخطاب إليه، كأنه قال: (هل أتاك) أيها المخاطب (حديث ضيف إبراهيم المكرمين)؟ والاستفهام هنا للتشويق، كما أنه في بعض الأحيان يكون للتخويف، فيكون للتشويق، فقوله هنا: هَلْ أَتَاكَ [الذاريات:24] كأنه يشوقك إلى أن تسمع هذا الحديث، ونظيره في التشويق قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] ليس المراد بمثل هذا الاستفهام أنه يستفهم: هل يدلنا؛ لأنه لا يريد أن يستفهم لنفسه، ولكن أراد أن يشوق المخاطبين إلى ذلك.

    ويكون الاستفهام للتهديد، والإنذار، والتخويف في مثل قوله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] ثم قال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ [الغاشية:2-3].

    فإذا قال قائل: أي شيء يدلنا على أن الاستفهام للتشويق أو للتهديد أو للاستخبار أو ما أشبه ذلك؟ نقول: الذي يدلنا على هذا السياق وقرائن الأحوال، والعاقل يفهم هذا وهذا.

    هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ أي: خبر ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ وضيف هنا مفرد لكنه يسع فيه الجماعة والواحد، وهم جماعة ملائكة كرام عليهم الصلاة والسلام، (ضيف إبراهيم) أي: الذين نزلوا ضيوفاً عنده، و(إبراهيم) هو الخليل عليه الصلاة والسلام وهو أبو العرب وأبو بني إسرائيل، كما قال الله تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78] وهو الذي أمرنا الله تعالى أن نتبع ملته، قال الله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:123].

    ولهذا ادعت اليهود أن إبراهيم يهودي، والنصارى ادعو أنه نصراني، ولكن الله تعالى كذبهم في ذلك، فقال: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67].

    تفسير قوله تعالى: (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً...)

    يقول عز وجل: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً [الذاريات:25] يحتمل أن (إذ دخلوا) متعلق بقوله: (المكرمين) أي: الذين أكرمهم حين دخولهم عليه، ويحتمل أنها مفهوم لفعل محذوف، والتقدير: اذكر إذ دخلوا على إبراهيم فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ [الذاريات:25].

    فَقَالُوا سَلاماً أي: نسلم سلاماً، وعليه فسلاماً مصدر عامله محذوف والتقدير: نسلم قَالَ سَلامٌ (سلامٌ): مبتدأ خبرها محذوف، والتقدير: عليكم سلام، وعلى هذا فيكون التسليم هنا ابتداءه بالجملة الفعلية، وجوابه أو رده بالجملة الاسمية، والجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن رد إبراهيم أكمل من تسليم الملائكة؛ لأن تسليم الملائكة جاء بالصيغة الفعلية، ورد إبراهيم جاء بالصيغة الاسمية.

    قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قوم: خبر مبدل المحذوف، والتقدير: أنتم قوم، وإنما قال: إنهم قوم؛ لأنهم في صورة البشر، وقوله: مُنْكَرُونَ أي: غير معروفين، كما قال تعالى: فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً [هود:70].

    في هذه الآية شاهد لحذف المبتدأ وحذف الخبر، أين الشاهد لحذف الخبر؟ (سلامٌ) والشاهد لحذف المبتدأ (قوم) لأن التقدير: أنتم قومٌ.

    تفسير قوله تعالى: (فراغ إلى أهله...)

    قال تعالى: فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ [الذاريات:26] (راغ) انسل بخفية وسرعة، وذلك لحسن ضيافته، لم يقل: انتظروا آتي لكم بالطعام، ولم يقم متباطئاً كأنما يدفع دفعاً، إنما قام بسرعة منسلاً لئلا يقوموا إذا رأوه ذهب إلى أهله، فكأنه أخفى الأمر عنهم، (إلى أهله) أي: أهل بيته، فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ [الذاريات:26] وفي آية أخرى: بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [هود:69] أي: مشوي.

    واللحم إذا شوي يكون أطعم وألذ؛ لأن طعمه يبقى فيه، لا يمتزج بالماء، بخلاف إذا ما طبخ، إذا طبخ يمتزج طعمه بالماء فتقل لذاذته، لكن إذا كان مشوياً صار أطيب وأحسن بِعِجْلٍ سَمِينٍ [الذاريات:26] أي: إنه عليه الصلاة والسلام لا يتخير للضيوف البهائم العجفاء الهزيلة، وإنما يتخير لهم البهائم السمينة؛ لأنها ألذ وأطرى وأنفع، واختيار العجل: إما أن يكون عليه الصلاة والسلام من عادته أن يكرم الناس بهذا، أو أنه يكرم الضيوف بحسب ما تقتضيه الحال، فإذا كانوا كثيرين أتى بالعجل، وإذا كانوا أقل أتى بالغنم، وما أشبه ذلك، حسب عادة الكرماء.

    تفسير قوله تعالى: (فقربه إليهم قال ألا تأكلون)

    قال تعالى: فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ [الذاريات:27].

    (قربه إليهم) أي: لم يجعله بعيداً ويقول: قوموا إلى طعامكم، بل خدمهم حتى جعله بين أيديهم، قربه إليهم قال: ألا تأكلون؟ ولم يقل: كلوا، وإنما عرض عليهم عرضاً؛ لأن هذا أبلغ في الإكرام، انتبهوا لهذا والعرض أخف وألطف من الأمر، إذ أنه لو قال: كلوا كان يحتمل أنه أراد أن يستعلي عليهم ويوجه الأمر إليهم، لكن قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ [الذاريات:27] تعرفون الفرق بين العبارتين في الرفق، أيهما أرق وأرفق؟ ألا تأكلون، هل الآن قرب الطعام إليهم، هل نقول: إن السنة والأفضل أن الإنسان إذا دعا ضيوفاً أو أتاه ضيوف أن يقربه إليهم في مجلس الجلوس؟

    أو نقول هذا يختلف باختلاف الأحوال؟

    الثاني هو الأفضل؛ لأن عموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) يدل على أنك تكرمهم بما جرت به العادة في إكرامهم به، عندنا الآن إذا عزمت أصحابك وأصدقاءك وهم قلة فلا يعدون تقديم الطعام -مثلاً- في المجلس إهانة؛ لأنهم إخوانك وأصدقاءك، الأدب بينكم متسامح فيه، لكن لو نزل بك ضيف أو دعوت ضيفاً ليس بينك وبينه الصلة التي يسقط بها كما يقال الأدب، فإنه في عرفنا الآن ليس من إكرامه أن تقدم الطعام في محل الجلوس اللهم إلا لضرورة إذا لم يكن عندك مكان، الآن الإكرام أن تجعل الطعام في مكان ثم إذا أردت أن يأكلوا تقول: تفضلوا، ألا تتفضلون أو نغير المجلس، أو ما أشبه ذلك من الكلمات المتداولة، فالمهم أن قوله تبارك وتعالى عن إبراهيم: فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ [الذاريات:27].

    ينبغي أن يجعل هذا حسب عادة الناس، إذا كان من الإكرام أن تأتي بالطعام إلى محل جلوسهم فأت به، وإذا كان من الإكرام أن تجعله في مكان آخر فافعل، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه).

    1.   

    الأسئلة

    نصيحة للمرأة أثناء الولادة

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما نصيحتكم للمرأة عند الولادة وماذا تقرأ من القرآن؟

    الجواب: أنا لا أرى نصيحة نوجهها للتي أخذها الطلق إلا أن تعلق قلبها بالله عز وجل وتلجأ إليه، وتسأله التنفيس لها ولا سيما إذا اشتد بها الطلق، أما أن تقرأ شيئاً معيناً فلا حاجة، لكن عند عسر الولادة يمكن للإنسان أن يكتب في إناء الآيات التي تدل على تنفس الأشياء، مثل إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا [الزلزلة:1-2].

    ومثل قوله تعالى: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ [الرعد:8] ومثل قوله: وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فصلت:47] وما أشبه ذلك وتسقى إياها، ويمسح ما أسفل بطنها، فهذا يسهل الولادة.

    حكم أبناء الكفار الذين يتوفون قبل البلوغ

    السؤال: بماذا نطلق على أبناء الكفار الذين توفوا قبل البلوغ، هل هم مسلمون أم كفار؟

    الجواب: حكمهم حكم آبائهم، إذا كان الأبوان كافرين، فحكمهم حكم آبائهم في الدنيا، بمعنى: أننا لا نغسلهم ولا نكفنهم ولا نصلي عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين، أما في الآخرة فأمرهم إلى الله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الله أعلم بما كانوا عاملين) والذي يهمنا نحن هو أحكام الدنيا ماذا نصنع بهم؟

    أما أحكام الآخرة فهي عند الله عز وجل، وقد ذكر كثير من العلماء رحمهم الله أن هؤلاء الأطفال وكذلك من لم تبلغهم الدعوة النبوية أنهم يمتحنون يوم القيامة، يأمرهم الله تعالى بما شاء، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى دخل النار.

    حكم دفن الميت في بلد غير الذي توفي فيه

    السؤال: هل يجور للمرأة التي توفاها الله سبحانه وتعالى أن تسافر مع رجل أجنبي بدون محرم؟ وسمعنا أنكم تقولون: الوفاة يوم الجمعة ليس من علامات حسن الخاتمة، هل هذا صحيح؟

    الشيخ: نعم. أما جانب السؤال الأول فلا أدري ما معناه.

    السائل: جسد المرأة التي توفيت -مثلاً- هنا في عنيزة وأرسلت إلى الرياض مع رجل أجنبي ليس محرماً لها أقصد الجثة؟

    الشيخ: أولاً لا ينبغي أن ينقل الميت عن الأرض التي مات فيها، بل الأفضل أن يدفن في مكانه وأرض الله تعالى كلها سواء، اللهم إلا أن يكون في بلد الكفر وليس فيه مقابر للمسلمين فهنا ينقل إلى بلد إسلامي ويدفن مع المسلمين، وأما في البلاد الإسلامية يدفن الإنسان في مكانه، ولهذا قال العلماء: يكره أن ينقل الميت إلى مكان آخر، هذا بالنسبة لنقل الجثة، وأما بالنسبة للموت يوم الجمعة أو يوم الإثنين فهذا ليس فيه فضيلة؛ لأن الإنسان إنما يثاب على أمر له فيه فضيلة، أي: له فيه عمل، وهل الإنسان إذا تمكن أن يؤجل الموت إذا جاءه يوم الخميس إلى يوم الجمعة؟ لا يمكن، فالشيء الذي ليس للإنسان فيه عمل هذا ليس فيه ثواب، وليس فيه عقاب، لكن إن وردت أحاديث تدل على فضيلة الموت يوم الإثنين مثلاً، فنقول بها، أما إذا لم يرد فالأصل أن ما ليس للإنسان فيه اختيار ليس فيه ثواب ولا عقاب.

    وأما قول أبي بكر حينما كان مريضاً فكان يود أن يموت يوم الإثنين في مرضه ولم يمت، فهذا حباً منه أن يموت في اليوم الذي مات فيه الرسول عليه الصلاة والسلام.

    الجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا)

    ٍالسؤال: كيف يمكن أن نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) وقوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف:204] والخشوع في الصلاة؟

    الجواب: الجمع بينهما أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) خاص، وقوله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف:204] عام، ما ذكر الله تعالى في الصلاة ولا في غير الصلاة، فيكون هذا العموم مخصوصاً بقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ونقول للمأموم مع إمام يجهر بصلاته: اقرأ فاتحة الكتاب فقط، والباقي يجب عليك الإنصات، وكل أحد يعلم أن النصوص العامة قد يلحقها تخصيص، ولهذا جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ذات يوم صلاة الفجر ثم انصرف وقال للصحابة: مالي أنازع القرآن؟ ثم قال لهم: إذا سمعتم الإمام فلا تقرءوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها).

    وهذا في صلاة الفجر وهي صلاة جهرية.

    حكم موافقة الزوج لزوجته على أن تعمل بشرط إسقاط النفقة

    السؤال: هناك فتوى نريد أن نتأكد منها، فتوى امرأة أرادت النكاح وشرطت على زوجها أن تعمل، وشرط عليها الزوج ألا تفعل، ثم سمح لها أن تعمل لكن لا ينفق عليها، ما المعنى أنك أجزت هذا؟

    الجواب: إذا شرطت أن تعمل في التدريس وغيرها من الوظائف ورضي الزوج بذلك فلا بأس، وأيضاً اشترط عليها النفقة، فكذلك لا بأس بها؛ لأن النفقة حق لها، فإذا أسقطتها فلا حرج عليها.

    حكم من أراد السفر في وقت أحد فروض الصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ! أنا من خارج مدينة عنيزة ، أريد السفر إلى الرياض، ونويت السفر قبل أن أتم هل يحق لي أن أسافر وأؤخر صلاة الظهر مع العصر جمع تأخير؟

    الجواب: إذا كنت مقيماً هنا.

    السائل: دخل وقت الظهر فقط؟

    الشيخ: لا بأس إذا صليت مع الجماعة، فصلِّ العصر قصراً، واستمر.

    حكم تجزئة الزكاة

    السؤال: هل يجوز لي أن أجزئ القدر الواجب لزكاة الذهب، بأن أدفع الآن خمسمائة وبعد شهرين مثلاً خمسمائة أخرى إذا حال الحول، وهل -أيضاً- لا بد من الحول، وهل إذا زاد على الحول يعتبر آثماً أم لا؟

    الجواب: تجزئة الزكاة إذا كانت تقديماً فلا بأس، مثل أن يكون حوله يتم في رمضان، وبدأ يزكي من جمادى فهذا لا بأس به؛ لأن غاية ما فيه أنه قدم بعض الزكاة، وتقديم بعض الزكاة جائز كتقديم جميع الزكاة، أما في التأخير فلا يجوز، إذا حلت الزكاة أن يؤخر بعضها ويقسطه؛ لأن الزكاة يجب دفعها على الفور مرة واحدة، إلا أن يعفى عن عشرة أيام، شهر .. نصف شهر، وكذلك لو فرضنا أن الفقراء عنده قليل، ولو دفع إليهم جميعاً أفسدوها، فيريد أن يقسطها عليهم لمصلحتهم، فلا بأس؛ لأن هذا لمصلحة المعطي.

    حكم ألعاب الأطفال التي على شكل تمثال

    السؤال: ما حكم اقتناء لعب الأطفال التي على شكل تمثال من حصان أو حمار أو طير أو غير ذلك؟

    الجواب: الألعاب التي يلعب بها الصبيان نتسامح فيها قليلاً؛ لأن عائشة رضي الله عنها كان عندها لعب بنات تلعب بها، ويسامح للصغار ما لا يسامح للكبار، لكن الأفضل في هذه الحالة أن يشتري لهم لعبة من هذه اللعب التي بدأت تصدر حديثاً، وهي ألعاب من القطن أو من الإسفنج على شكل آدمي على شكل حصان أو على شكل بعير، إلا أنها ليست بينة، أي: ما فيها أنف بارزة ولا شفتان ولا شيء من الأشياء البارزة، يتلهى بها الصبي وهو أحسن وأحوط.

    حكم إغلاق الميكرفونات الخارجية في المساجد أثناء الصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ! صدر في منطقتنا قرار أو تعميم من الأوقاف بإطفاء مكبرات الصوت الخارجية، ولكن الأئمة وجدوا معارضة من الجماعة، وكثير من الجماعة يعارضون، فالآن هم في ورطة فما الحل فضيلة الشيخ؟

    الجواب: أما الأئمة فعليهم أن يطيعوا الله ويطيعوا الرسول وأولي الأمر منهم، وما داموا أمروا بذلك فيجب عليهم التنفيذ، ولا يهتمون بالناس، ثم الذي يطالب بأن تفتح الميكرفونات الخارجية فقد أخطأ؛ وذلك لأن هذه الميكرفونات الخارجية تشوش على من حولهم من المصلين ومن حولهم من المساجد، ويحصل في هذا أذى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا حين خرج إلى أصحابه يوماً أو ليلة، فوجدهم يجهرون بالصلاة، فقال: (لا يؤذين بعضكم بعضاً بالقراءة) فجعل ذلك إيذاء، وقال: (لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة) والأذية في هذا مؤكدة ولا إشكال فيها، حتى سمعنا أن في بعض المساجد القريبة بعضهم من بعض إذا كانت قراءة المسجد الآخر أحسن من قراءة إمامهم صاروا ينصتون لها ويتابعونها حتى أني سمعت أن بعضهم قرأ إمام المسجد المجاور: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] قال هو: آمين!!!

    ولذلك يتبين الأذية التامة في هذا، فالصواب بلا شك أنها تقفل حتى وإن لم تأمر بذلك وزارة الأوقاف لما في ذلك من الأذية، وما سمعنا بهذا إلا أخيراً، وأي فائدة من رفع القراءة في الصلاة على المنائر، ما الفائدة إلا أنها تشوش على المساجد التي حولها وتشوش على المصلين في البيوت، في البيوت نساء يصلين تشوش عليهن، كذلك -أيضاً- في أيام الصيف تزعج الصبيان النائمين في السطوح أو في الأحواش، ولا شك أن قفلها هو الصواب، وأن الذي يفتحها ويتأذى الناس به أنه مخالف للنبي عليه الصلاة والسلام.

    الحق من أسماء الله الحسنى

    السؤال: هل كلمة (الحق) من أسماء الله الحسنى؟

    الشيخ: نعم. قال الله تعالى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ [الحج:6]... وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور:25].

    حكم مراجعة الزوجة المطلقة هزالاً

    السؤال: كتاب الطلاق هو كتاب المعاملات؛ لأننا وجدنا كلاماً للإمام النووي في المجموع أنه قال: إن الفقهاء يختلف اصطلاحهم عن الأصوليين، فإن الأصوليين مثلاً قالوا: الشك ما تراوح بين أمرين -معروف تقسيم الأصوليين- أما تقسيم الفقهاء فإنهم يرون كما تعلمون أن الشك ولو كان في غلبة الظن يعتبر شكاً عندهم، ولكن هل يعمل بهذا -مثلاً- في كتاب الطلاق، وهل من قال -مثلاً-: رجعت كاذباً فهل تعتبر هذه رجعة؟

    الجواب: أولاً: ما ثبت بيقين لا يرفع بالظن، هذه قاعدة: ولهذا لما شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد في بطنه شيئاً ويخشى أنه أحدث قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فاليقين لا يزول بالظن، لا يزول اليقين إلا باليقين، وعلى هذا فمن علق طلاق امرأته على شيء، وشك هل حصل هذا الشيء أم لم يحصل فلا طلاق عليه حتى لو غلب على ظنه أنه حصل فلا طلاق عليه.

    أما مسألة التفريق بين الظن والشك: فمعلوم أن الأصوليين يقسمون الإدراك إلى خمسة أقسام: علم وظن وشك وتردد وجهل.

    وأما الفقهاء فهم يقولون: إما يقين فقط، واليقين والظن لا يزول به اليقين، وهذه قاعدة مهمة.

    السائل: إذا قال: راجعت قالها الرجل كاذباً ليس بصادق فيها واعترف بهذا؟

    الشيخ: ادعى بهذا أنه راجع زوجته وأنكرت الزوجة؟

    السائل: بل أنكر هو نفسه قال: قلت ذلك كاذباً، فهل هذه تعتبر رجعة أو لا تعتبر؟

    الشيخ: تعرف أن الإقرار الذي يتعلق به حق الغير أن الإنسان إذا رجع عنه لا يقبل في حق الغير، فلو أنه قال: إنه راجع زوجته ثم لما ادعت عليه أن ينفق عليها وغير ذلك قال: أما ما راجعتها وإني كنت راجعتها كاذباً، فهذا لا يسقط حقها من النفقة؛ لأن هذا يتعلق به حق الغير، أما إذا كان إقراراً لا يتعلق به حق الغير فهذا له أن يرجع فيه.

    حكم قضاء صلاة من كان في غيبوبة

    السؤال: رجل حدث له حادث وصار في غيبوبة لمدة شهر تقريباً وعافاه الله ويسأل: هل يقضي الصلوات؟

    الشيخ: إذا حصل على الإنسان حادث وأغمي عليه مدة طويلة أو قصيرة فإنه لا يقضي الصلاة؛ وذلك لأنه غاب عقله بغير اختياره، بخلاف الإنسان إذا بنج، وغاب عقله لمدة يومين أو ثلاثة، فعليه أن يقضي، والفرق بينهما أن الذي بنج غاب عقله بسبب منه، وأما الذي أغمي عليه بسبب الحادث أو بشدة المرض فإنه لا يقضي؛ لأن هذا حصل بغير اختياره، هذا هو القول الراجح والصحيح، لكن لو صادف هذا في أيام رمضان، فعليه أن يقضي الصوم، والفرق بين الصوم والصلاة ظاهر، كالفرق بينهما في حال الحيض، فالمرأة تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.

    سبب تأخر نشر كتب الشيخ ابن عثيمين

    السؤال: الكتب التي خرجت سمعنا أنها توقفت مثل شرح الزاد؟

    الجواب: ما توقفت لكن غالب الكتب التي خرجت لي أخيراً الأولى التي طبعت وكانت محررة من قبلي ما فيها إشكال لكن الأخيرة صار بعض الإخوة لحبهم نشر العلم والمبادرة فيه، صاروا يأخذونها من الأشرطة، والأشرطة كما تعلمون أشرطة درس، الدرس يكون فيه التقديم والتأخير واللحن وربما يسهو الإنسان مثلاً، ربما يسبق لسانه إلى شيء فصاروا يأخذونها من الأشرطة ثم يفرغونها ثم يأتون إلينا ويقولون: ائذن لنا بالطبع، ونثق ببعضهم لعلمه وخبرته لكن كما يقولون: (لا يحك ظهرك إلا ظفرك) مهما كان الإنسان لا بد أن يكون هناك خلل ولكن هذه الكتب مثلاً على رأسها الممتع شرح زاد المستقنع وهو من أفيدها فيما أعلم؛ لأن فيه أشياء قد لا تجدونها في كتب السابقين مما حدث أخيراً، هذا الآن نصححه؛ لأن فيه أشياء محذوفة مهمة لكن الذين قاموا على طبعه رأوا في رأيهم أنها لا تحتاج إلى ذكر فنحن نلحقها الآن، وكذلك القول المفيد شرح كتاب التوحيد فيه بعض النواقص وقد تم والحمد لله الآن تصحيحه حتى يطبع كما طبع شرح العقيدة الواسطية، هذه أهم الكتب، أما الأشياء الصغيرة مثل شرح الآجرومية أو شرح الورقات فهذه أمرها سهل، لكن المهم هذه الكتب العظيمة التي تتعلق بالعقائد أو تتعلق بالفقه، هذه مهمة.

    السائل: الكتب هذه نحرقها بعدين وإلا كيف؟

    الشيخ: لا تحرقها عليك أن تشتري الطبعة الجديدة، وانظر الناقص على الكتاب ويبقى كتابك عندك.

    علاج الوساوس التي تعرض للإنسان

    السؤال: هل الإنسان مؤاخذ على ما يجد في نفسه من وساوس الشيطان؟

    الجواب: الإنسان لا يؤاخذ على ما يجد في نفسه من وساوس الشيطان أبداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) وقد شكى الصحابة رضي الله عنهم ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، وأن ينتهوا من هذه الوساوس، والإنسان إذا انقاد للوساوس فإنه على خطر، ولكن يجب أن يقول لنفسه: هل أنا أعتقد هذه الوساوس؟

    الجواب: لا يعتقدها أبداً بل يحاربها غاية المحاربة، إذاً.. يجب أن تعرض عنها، مادامت غير مستقرة في نفسك، يعلم لو أن أحداً من الناس قالها لقاتله عليها، إذاً.. يعرض عنها ولا تضره ويمضي في حاله، لو شك في الطلاق أو شك في الوضوء أو في الصلاة، أو فيما هو أعظم من ذلك فلينته عن هذا ويعرض ولا تضره هذه الوساوس، وهذا من نعمة الله عز وجل أن الله جعل لنا سعة ومخرجاً من هذه الوساوس.

    ثم إني أقول لك: إن هذه الوساوس إنما تعرض لمن عنده يقين وإيمان راسخ، لأجل أن يتزحزح عن يقينه إلى الشك، والشيطان لا يأتي إلى الإنسان الذي قلبه خراب؛ لأنه منتهٍ، ولهذا قيل لـابن عباس: إن اليهود يقولون: نحن لا نوسوس في صلاتنا والمسلمون يوسوسون فقال: [صدقوا لا يوسوسون في صلاتهم، وما يصنع الشيطان بقلب خرب] يقبلون على صلاتهم ولكنها غير مقبولة عند الله، ولا يمكن أن يفكر بغير الصلاة التي فيها ولا يوسوس ولكنه خرب، أما المؤمن راسخ الإيمان فهو الذي يتسلط عليه الشيطان.

    ولذلك اضبط نفسك الآن عندما يأتيك الشيطان في الصلاة ثم تذكرت وأقبلت على صلاتك، يفتح لك باباً ثانياً، وإذا ضبطت نفسك وانتبهت فتح عليك باباً ثالثاً، وهو معك دائماً في صلاتك إذا كفيت نفسك عن هذه الوساوس فتح لك باباً آخر، إلى أن تخرج من الصلاة، لكن احرص على أن يكون أول الصلاة وآخر الصلاة مضبوطاً، فلعل الله أن يغفر لك ما بينهما كما جاء في الحديث: (من استغفر الله في أول النهار وآخره غفر الله له ما بينهما) نسأل الله أن يعيننا وإياكم.

    حكم الجلوس على جلود السباع من النمور وغيرها

    السؤال: بالنسبة لجلود السباع من النمور وغيرها من الحيوانات، هل يجوز الجلوس عليها أو وضعها في السيارة على مقعدة السيارة أو على طبلونها أمام السائق؟

    الشيخ: أما إذا كان على وجه لا يتعدى فلا بأس مثل طبلون السيارة لا يتعدى، أما الجلوس فلا؛ لأن الجلوس لا يخلو الإنسان من عرق أو ماء أو ما أشبه ذلك، والقول الراجح أنه لا يطهر بالدبغ إلا جلد ما كان مأكولاً في الحياة، هذا يطهر بالدبغ، فلو ماتت شاة وأخذنا جلدها ودبغناه وجعلناه قربة فهو طاهر لا يؤثر على الماء، وكذلك لو دبغناه وجعلناه في مكان يجلسون عليه لا بأس، لكن ما يحرم أكله لا يطهر جلده بالدبغ، هذا هو القول الراجح، والمسألة فيها خلاف طويل عريض.

    أمور تساعد على الاتزان وسرعة الفهم

    السؤال: ما الأمور التي تساعد طالب العلم خاصة والمسلم عامة على الثقل والاتزان، أي: ترك الأمور العملية تساعد على ذلك، وما الأمور التي تساعده على فهم النصوص وما أشبه ذلك؟

    الجواب: أما مسألة الفهم فهو يؤتيه الله من يشاء، ولهذا لما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [هل عهد إليكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: ما عهد إلينا بشيء إلا فهماً يؤتيه الله تعالى عبداً في كتابه وإلا ما في هذه الصحيفة] فقوله: (فهماً) يدل على أن الفهم يختلف الناس فيه اختلافاً كبيراً وهو كذلك، من الناس من يقرأ آية من كتاب الله يستخرج منها أحكاماً كثيرة، ومنهم من يقرأها ولا يستخرج منها شيئاً، وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال الأنصار له: يا أمير المؤمنين! كيف تحضر عبد الله بن عباس وهو من صغار الناس وتدع أبناءنا؟ فسكت وجمعهم يوماً من الأيام، وقال لهم: [ما تقولون في قول الله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3].

    ما تقولون فيها أنتم؟ فسروها بظاهرها قالوا: أمر الله نبيه أنه إذا جاءه النصر والفتح أن يستغفر الله وأن يسبح بحمده، فقال: ما تقول يا ابن عباس ؟ قال: أقول: إنه أجل رسول الله، أي: أن الله قال له: إذا حصل هذا فما بقي عليك شيء، ما بقي إلا أن تختم عمرك بالاستغفار والتسبيح، قال عمر: والله ما فهمت منها إلا هذا].

    فالفهم لا يمكن أن يضبط، لكن لا شك أن الإنسان إذا مارس التدبر والتفهم فإن فهمه يزيد؛ لأن هذه غريزة، والغريزة تزاد بالكسب، كل الغرائز تزداد بالكسب.

    أما مسألة التأني وانضباط العمل والقول، فهذه -أيضاً- تحصل بالمرونة وهي أيضاً طبيعة ومكتسبة، بعض الناس بطبيعته تجده مطمئناً حتى كأنه يدلع الكلام تدليعاً، حتى إذا جاء يخاطبك، تقول: لماذا لا يتكلم هذا بسرعة؟ وبعض الناس بالعكس فيهم خفة في مقاله وفعاله وعقله، فضل الله يؤتيه من يشاء، لكن كل هذه الأمور تحصل بالممارسة والاكتساب، يمرن الإنسان نفسه إذا استعجل يوماً من الأيام يفكر ويقول: كيف ما أتأنى؟ لماذا أتكلم؟

    ثم إذا دار الأمر في فعل من الأفعال بين تركه وفعله فغلب جانب الترك؛ لأنك إذا تركت فأنت... فما تقتضي الحاجة التعجل فيه فهذا شيء آخر.

    السؤال: لباس الشهرة المنهي عنه هل هو مختص بالنوعية أو يشمل الكيفية؟ وإذا كان يشمل الكيفية فما رأيكم فيمن يقصر ثوبه أو يطيله فيخرج عن العادة؟

    الشيخ: الشهرة عام في النوعية والكيفية، والعلو والسفول، حتى إن الغني إذا لبس ما يلبسه الفقير صار شهرة، لو أن إنساناً غنياً خرج إلينا بعباءة مرقعة وثوب مرقع، ثوب وسخ وليس له أزرة، هذا شهرة، أليس كذلك؟ أليس الناس ينظرون إليه ويقولون: انظروا؟ وكذلك بالعكس، ولهذا جاء في الحديث: (أنه نهى عن لباس الشهرتين) أي: نزولاً وعلواً.

    وكذلك -أيضاً- في الكيفية، لكن إذا قدرنا أن الكيفية من السنة، وكان هذا الرجل ممن يقتدى به، أي: إمام من بين الناس، لا ينكر فعله بل يقتدى به، فهنا نقول: طبق السنة، وأما إذا كان فعله سيكون شهرة وربما يكون سبباً في الاشمئزاز منه والنفور عنه ففي الأمر سعة والحمد لله، والرسول عليه الصلاة والسلام جعل المنتهى الكعبين، فكله فيه سعة، والصحابة كانوا يفعلون هذا أيضاً، ينزلونها عن نصف الساق فالأمر واسع والحمد لله، ولا يخفى علينا جميعاً أن أبا بكر لما حدث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه أو إزاره خيلاء فلا ينظر الله إليه، قال: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يستطيل عليّ إلا أني أتعاهده قال: إنك لست مما يصنع ذلك خيلاء).

    ونحن إذا تأملنا وجدنا أن إزار أبي بكر إذا استرخى عليه نزل علمنا أنه نزل عن نصف الساق؛ لأنه لو كان إلى نصف الساق ثم نزل إلى الأرض انكشفت العورة وهذا مما يجعل الإنسان أن يكون في سعة من هذا الأمر.

    فالمهم أن الشهرة تختلف باختلاف الشخص إذا كان إماماً يقتدى به، وأن الناس إذا رأوه -مثلاً- لبس هذا الشيء من اللباس قالوا: هذا هو السنة وافعلوه، هذا حسن، ولكل مقام مقال.

    وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، ونسأل الله أن يعيدنا وإياكم معاد الخير، ويرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755958162