وبعد:
فالأيام المعلومات هي العشر الأول من ذي الحجة، والأيام المعدودات هي أيام التشريق الثلاثة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة.
فالشاهد: أن هذه الأيام التي نحن في صددها الآن، هي خير أيام في العام على الإطلاق، وفيها يوم هو خير يوم في العام وهو يوم عرفة، جاء فضلها في الكتاب والسنة.
ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا أن يخرج أحدكم بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء).
روى فريق من أهل العلم: أن العمل الصالح عام، فكل بر وكل خير وكل عمل يتقرب به إلى الله، يصلح أن يطلق عليه عمل صالح، فمن ثم يزاد منه ويكثر منه في هذه الأيام.
وقال آخرون: بل المراد بالعمل الصالح هنا ذكر الله عز وجل، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الحديث فقال: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد) فدل هذا الحديث على التفريق بين الجهاد وبين العمل الصالح المراد جعله في هذه الأيام.
فالجهاد من الأعمال الصالحة لا شك، لكن هل هو المراد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال فريق: المراد بالعمل الصالح هنا الذكر على وجه الخصوص؛ لأن النبي سئل: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد. فإذا أطلقنا العمل الصالح كان الجهاد داخلاً فيه، فيضم إلى كونه جهاداً أنه في الأيام العشر، وأيد هؤلاء أيضاً قولهم: بأن البخاري قد أخرج معلقاً عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما كانا يخرجان إلى الأسواق في العشر الأول من ذي الحجة فيكبران في الأسواق ويكبر الناس بتكبيرهما، فهذان الدليلان أو الوجهان رجحا قول من قال: إن المراد بالعمل الصالح هنا الذكر، وثم أقوال أخرى.
وقد ورد حديث آخر في مستدرك الحاكم بسند ظاهره الصحة وإن كان فيه نزاع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أولا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ذكر الله).
ويكفي في فضل الذكر أن نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يعينه بأخيه هارون، فقال:كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا [طه:33-35] فالعلة هنا ذكرها نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام قال: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا [طه:33-35] .
ويكفي أن زكريا عليه السلام مع كونه منع من الكلام كدليل على أن امرأته حملت، لكنه لم يمنع من الذكر، قال الله سبحانه وتعالى: على لسان زكريا رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً [آل عمران:41] أي: علامة على حمل زوجتي قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا [آل عمران:41] ومع هذا الامتناع وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41] .
وكذلك الأضاحي والذبح قال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ [الحج:34].
فالعبادات شرعت كي يذكر الله فيها، ويكثر من ذكره سبحانه وتعالى فيها، ويكفي أيضاً من فضل الذكر والذاكرين أن الله سبحانه وتعالى يذكرك إذا ذكرته، قال الله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] فتخيل أنك تذكر الله في ملأ، فالله يذكرك في ملأ خير من هذا الملأ.
فالله يذكرك إذا ذكرته (أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه، لو ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ولو ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه).
به تستدر الأرزاق، وبه تدفع البليات، وبه تحط الخطايا والسيئات، به ترتفع الدرجات، ذكر الله به تطمأن القلوب، قال الله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] .
فالقلب المضطرب الخائف يسكن ويطمئن إذا ذكر الله سبحانه وتعالى، ها هم أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، خرجوا من غزوة أحد وبهم ما بهم من القتل والجراح، شج رأس نبيهم صلى الله عليه وسلم فأتاهم آت يخوفهم من عدوهم ويقول لهم: إن أبا سفيان قد استدار لاستئصالكم ومحو آثاركم واستباحة مدينتكم، فماذا قالوا أمام هذا التخويف وأمام هذا الإرجاف، وأمام هذا التهويل، قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فحكى الله مقالتهم في كتابه الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174] .
هذا الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم يؤخذ ليلقى في النار، وهو ثابت صابر مطمئن القلب يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فكفاه الله شر عدوه.
وهذا غلام آخر صغير في أيدي الجبابرة والظلمة أخذوه ليلقوه من أعلى شاهق أو يرجع عن دينه، أو ليلقوه في وسط اليم وهو يقول: اللهم اكفنيهم بما شئت، فيكفيه الله سبحانه وتعالى إياهم بما شاء، فبذكر الله تطمئن القلوب، قد تقوم فزعاً من نومك لرؤيا مزعجة، أزعجتك وأقلقت عليك مضجعك، تقوم وأنت مضطرب حزين مهموم من هذه الرؤيا، ولكن إذا ذكرت الله متعوذاً به من شرها واتبعت الوارد عن رسول الله فلن تضرك بإذن الله ويذهب عنك ما بك.
قال أبو قتادة رضي الله عنه: كنت أرى الرؤيا أشق عليّ من الجبال، فلما سمعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم سري عني. يقصد (الحلم من الشيطان والرؤيا من الله، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثاً، وليتعوذ بالله من شرها، ولا يحدث بها أحداً، فإنها لن تضره بإذن الله).
وكذلك قد تكون متشككاً في أحد إخوانك، لكن إذا أقسم لك بالله اطمئن قلبك وذهبت عنك الوساوس، ما دام قد أقسم لك بالله سبحانه، فبذكر الله يطمئن القلب الخائف، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ [الرعد:28].
وقد قال تعالى أيضاً في شأن المستغفرين وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود:3] وفي الآية الأخرى وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود:52] فذكر الله فيه قوة للبدن، ومن المعلوم حتى عند الأطباء أن الصدر إذا كان منشرحاً، والنفس إذا كانت منشرحة، قوي الجسم على مكافحة الأمراض، بل وهضم الرجل الطعام الذي يأكله، وإذا كانت النفس مغتمة غير منشرحة، فقد تأكل اللقمة فلا تهضم، ولا تشتهي الطعام أصلاً، فذكر الله سبحانه يريحك.
فالرسول كان يداوي بالأذكار، والله سبحانه وتعالى قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:57-58] فذكر الله كما أسلفت تطمئن به القلوب وتقوى الأبدان، بل وبه تدفع الأمراض التي حلت بالأبدان، ألا ترون أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه رقى اللديغ الذي لدغته الحية بفاتحة الكتاب، فشفى الله اللديغ بإذن الله، هذا اللديغ الذي يحتاج الآن عند الأطباء كافة إلى ما يقارب العشرين حقنة، فشفاه الله سبحانه وتعالى بفاتحة الكتاب.
فذكر الله له تأثير على القلوب وعلى الأبدان، وهو طارد للشيطان، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم البيت فقال: باسم الله، قال الشيطان: لا مبيت لكم اليوم، فإذا ذكر الله عند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم الليلة ولا عشاء، فإذا دخل فلم يذكر الله عند طعامه، ولا عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت والعشاء).
ولذلك ذكر العلماء أن شيطان المؤمن دائماً نحيل، لا يكاد يرفع رأسه إلا وضرب بسياط التسبيح والتهليل والاستغفار والتكبير وسائر أنواع الذكر، أما شيطان الكافر فعات متمرد، متطاول عليه يؤزه ويدفعه إلى المعاصي دفعاً، كما قال سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [مريم:83] أي: تدفعهم إلى المعاصي دفعاً.
ولذلك أوصانا الله بالذكر لدفع شر الشياطين فقال: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:97-98].
فضلاً عن الأجر الأخروي المدخر للذاكر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حول ولا قوة إلا بالله كنـز من كنوز الجنة) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس).
وانظر إلى أصحاب الرسول لما أتوا إليه صلوات الله وسلامه عليه فقالوا: (يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، وبالدرجات العلا، وبالنعيم المقيم. قال: وكيف ذلك؟ قالوا: يا رسول الله يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل مال يتصدقون به، قال عليه الصلاة والسلام: أَوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه أدركتم به من قبلكم! وسبقتم من بعدكم! ولم يأت أحد بمثل ما جئتم به، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) وقال عليه الصلاة والسلام: (معقبات لا يخيب قائلهن: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وثلاث وثلاثون تكبيرة دبر كل صلاة) .
فللذكر فضل عميم وثواب جزيل وهذا الذي ذكرناه طرف من هذا الفضل.
والذكر به يرطب اللسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عز وجل) فاللسان يترطب بالذكر، والقلب يهدأ بالذكر، والجسم يصح بالذكر.
جرب وواظب على قراءة الأذكار، وقراءة (قل هو الله أحد)، و(قل أعوذ برب الناس) و(قل أعوذ بربك الفلق)، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند الغضب؛ ستجد أن الذكر راحة للبدن، راحة للفؤاد، راحة للسان، ذكر الله يجنبك اغتياب المسلمين والمسلمات، فإذا أتعبت عضلة اللسان في الذكر، كلت عن المعاصي، وكلت عن القيل والقال، ونظرت إلى المغتاب الذي يغتاب الناس أمامك واحتقرته، بل وأشفقت عليه لجهله وغفلته عن ذكر الله.
جرب وأقبل على الذكر وانظر إلى الناس من حولك كل يخوض في القيل والقال، فوالله إنك ستشفق عليهم وترثي لحالهم، اشتغال بكل ما يغضب الله عز وجل، من تجريح واغتياب المسلمين والمسلمات، فهم في ضياع وإبطال وأنت في بناء وتشييد، أنت تذكر الله فتشيد لنفسك القصور، وتدخر لنفسك الكنوز، وهم في القيل والقال المكروه والمحرم، فيهدمون بيوتاً قد شيدوها، ويدمرون أعمدة قد أسسوها، والموفق من وفقه الله سبحانه وتعالى.
ولذلك يحثنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بل ويحث أحد العلماء والفضلاء، وأعلم الناس بالحلال والحرام، وهو معاذ بن جبل فيقول له: (والله يا
والذكر سبب في بركة الرزق، لما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جابر كي يقضي عنه ديون أبيه، وكان لديه ثمار بستانٍ له لكنها لا تبلغ عشر الدين قال لهم: (اقبلوا ما عنده، قالوا: ما نقبل إلا حقنا وافياً. فلما كان الغد دخل عليه الصلاة والسلام ودعا وبرك، فقضى
كذلك أم سليم تأتي بطعام في برمة، فجاء الرسول بمن معه من المسجد -ما يقارب الثمانين رجلاً- دخلوا والبرمة لا تكفي خمسة منهم، فدخل الرسول وبرك ودعا، فهذا الدعاء وهذا الذكر لله سبحانه وتعالى كان سبباً في تكثير الطعام، ومن ثم حث الرسول على الذكر عند بداية الأكل، فإذا سميت الله بورك لك في الرزق، وبورك لك في الولد، وبورك لك في الأكل، وإذا شاركك الشيطان في مطعمك، وشاركك الشيطان في ولدك، وشاركك الشيطان في بيتك، وشاركك الشيطان في جماعك؛ محقت بركة ذلك كله، فذكر الله يدفع عنك كل هذا الوباء والعياذ بالله.
ويرضى عنك إذا قمت من نومك فقلت: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)، ويرضى عنك إذا ركبت فسبحت فقلت: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) فغيرك محروم وأنت مرزوق.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (نعم المال الصالح للعبد الصالح) وقال النبي عليه الصلاة والسلام كذلك: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها).
الشاهد: أن الغني الشاكر محمود على كل حال، وليس المقام مقام تفصيل وتفضيل بين الغني الشاكر أو الفقير الصابر، ولكن المراد أن الغني الشاكر محمود على كل حال، فليكن حالك هكذا دائماً، يدور بين الشكر عند النعماء، وبين الصبر والرضا بالقضاء عند الضراء.
بذكر الله تنـزل السكينة وتحف الملائكة وتغشى الرحمة، الملائكة تنـزل على الذاكرين الله والذاكرات، وعلى التالين لكتاب الله، السكينة تغشاهم كذلك، الرحمات تتنـزل عليهم كذلك، وفضلاً عن ذلك فإن، الرب سبحانه وتعالى يذكرهم.
بتلاوة كتاب الله وبحفظه ترتفع درجاتك، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتق ورتل، فإن منـزلتك عند آخر آية تقرؤها) هكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
يرفع الله بالقرآن أقواماً ويضع به آخرين، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن حفظه وعمل به رفعه الله سبحانه وتعالى درجات في الدنيا وفي الآخرة. (ولى أمير المؤمنين
تلاوتك لكتاب الله تشفع لك يوم القيامة، (يأتي القرآن يوم القيامة شفيعاً لأصحابه تقدمه سورة البقرة وسورة آل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما أمام الله عز وجل) فتخيل هذا الموقف، البقرة وآل عمران تأتيان تضللان وتدافعان عنك، تقولان: يا رب هذا عبد كان يقرؤنا، كان يقوم بنا في صلاة الليل، كان يحفظنا بالنهار، فتدافعان عن حاملهما أمام الله سبحانه وتعالى.
فعليك بتلاوة كتاب الله ولا تكن ممن قيل فيهم: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، فمن هجران القرآن هجران التلاوة، وهجران العمل، وهجران التدبر، وهو على أقسام كما ذكر ذلك العلماء، فيكثر من قراءة كلام الله خاصة في هذه الأيام العشر، وكذلك الذكر عموماً.
أولاً: في الأشهر الحرم، فذو الحجة من الأشهر الحرم.
ثم هي الأيام المعلومات وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28].
ثم فيها حديث الرسول: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا أن يخرج أحدكم بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء).
ثم فيها يوم عرفة أفضل يوم، ثم فيها يوم الحج الأكبر، وأنتم على مشارفه، فلنكثر ذكر الله عز وجل.
من كان له حزب من الاستغفار فليكثر منه، كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله في اليوم مائة مرة، فمن كان له حزب من الاستغفار فليكثر منه، ومن كان له حزب من التلاوة فليكثر منه، ومن كان له حزب من قيام الليل فليكثر منه.
وهل يصوم الرجل؟ أو لا يصوم؟ تقدمت الإجابة على مثل هذا بما حاصله أن للعلماء قولين، أو أن في الباب حديثين:
أحدهما حديث عائشة : (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صائماً العشر قط).
والثاني: حديث هنيدة بن خالد واختلف عليه، فرواه مرة عن امرأته عن بعض أزواج النبي، ومرة عن أمه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة عن حفصة كل رواياته فيها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم التسع الأول من ذي الحجة).
فبعض العلماء يقول: المثبت مقدم على النافي، أو أنه عليه الصلاة والسلام كان يصومها سنوات، ولا يصومها سنوات أخرى.
وقول آخر من الأقوال: إنها تندرج -أي صيامها- تحت الأعمال الصالحة في حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام) وكما أسلفنا أن ابن عمر وأبا هريرة ورد عنهما من طريق معلقة عند البخاري كانا يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
كذلك هل يشرع الإكثار من الصدقات في هذه الأيام؟ من رأى تعميم القول في تفسير العمل الصالح قال: ينبغي أن يكثر من التصدق في هذه الأيام، فالصدقة محمودة على كل حال كما ورد ذلك في الكتاب العزيز، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك هل يدخل الإصلاح بين الناس في هذه الأعمال الصالحة؟ قال بذلك كثيرون من أهل العلم.
الجواب: تصلي خفية، قال عدد من الصحابة حتى أصبح الرجل منا لا يصلي إلا في بيته سراً، وذلك أيام الحجاج ، فتصلي سراً، إن لم تستطع الصلاة سراً صلت ولو بالإيماء، إن لم تستطع الصلاة ولو بالإيماء صلت وهي نائمة، فتومئ إيماءً وهي نائمة، فتتقي الله ما استطاعت إذا أرادت أن تصلي.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر