إسلام ويب

تفسير سورة فصلت [30 - 36]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإيمان والاستقامة سببان في تنزل ملائكة الرحمة على المؤمن عند موته، لتثبيته وتبشيره بالجنة، فهي نزل المؤمنين الصادقين، وليس هناك أفضل ممن دعا إلى الله مع العمل بما دعا إليه والاستسلام لأمر الله، وبالإحسان إلى المسيء يكسب الداعي قلوب العباد، ويضع الله له القبول في الأرض، والاستعاذة بالله من الشيطان حصن للمؤمن من كيده ومكره.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:30-36].

    في هذه الآيات يأمر الله عز وجل عباده بالتخلق والاتصاف بصفات كريمة وعظيمة، أول هذه الصفات: توحيد الله سبحانه والاستقامة على دين الله رب العالمين، والله هو الذي خلق العبد، فلا يكون للعبد أن يعبد إلهاً غيره سبحانه وتعالى، كيف يكون ربه هو الذي خلق والذي رزق والذي أعطى والذي منح والذي أدب وربى، ثم بعد ذلك يعرض عنه ويعبد غيره؟! هذا لا يليق في المنطق العقلي، فلذلك أخبر: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ [فصلت:30] أي: عرفوا أن الرب هو الخالق وهو الإله المعبود وحده الذي يستحق أن يعبد ليس غيره، وكان المشركون يعرفون أن الرب هو الخالق؛ ولذلك إذا سئلوا: من الذي خلق؟ يقولون: الله الذي خلق، وإذا سئلوا: من تعبدون؟ يقولون: نعبد غيره سبحانه وتعالى، لم لا تعبدون الله؟ قالوا: ما نعبد هؤلاء إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فيزعمون أنهم لا يتوجهون مباشرة إلى الله؛ لأنهم ليسوا أهلاً لذلك، وحقيقة الأمر أنهم لا يعبدون الإله الواحد الذي خلقهم سبحانه؛ لكونهم يعرفون أنهم إذا عبدوا إلهاً واحداً وهو الله سبحانه سيتوجهون عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربهم سبحانه، فيعرفون ما الذي شرعه لهم عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم: هذا أحله الله، وهذا حرمه الله، افعلوا كذا، ولا تفعلوا كذا، فصارت القيادة في زعمهم وظنهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وهم لا يريدون ذلك، فقد كان في قلوبهم الحسد للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله اصطفاه واختاره نبياً ورسولاً صلوات الله وسلامه عليه، فبعدهم عن التوحيد سببه من هذا الباب.

    فكل إنسان بمزاجه وبحسب ما يريد يعبد الإله الذي يريد، فيصنع تمثالاً من حجر، أو تمثالاً من شجر، أو تمثالاً من مدر، فيعبدون غير الله، حتى لا يتحكم فيهم بزعمهم النبي صلوات الله وسلامه عليه، أما المؤمنون فعرفوا طريق الله سبحانه وعرفوا كيف يرضون الله عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم الذي يأتيه الوحي من السماء، قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:26]، فيعرفون ما الذي يريده الله عز وجل بأمره، فينبئهم ويخبر الخلق فيتبعون هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيعبدون الله على بصيرة، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] أي: أنا والمؤمنون على بصيرة أتت من عند الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يهدي وهو الذي يبين سبحانه وتعالى.

    فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ [فصلت:30] فعبدوا الله واستيقنوا في قلوبهم أنه وحده الذي يستحق أن يعبد، ففعلوا ذلك توجهوا إليه من أقصر، طريق، وهو الطريق الذي يريده الله عز وجل طريق الاستقامة على هذا الدين، الذي جاءنا عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، فأخلصوا لله سبحانه ووحدوه بالعبادة، وتابعوا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العبادة، فهم مؤمنون مستقيمون لم يروغوا ولم يلتفتوا عن دين الله إلى غيره، فهؤلاء يستحقون من الله عز وجل أن يكرمهم في الدنيا، وأن يعلمهم وأن يهديهم وأن يوفقهم لطاعته، وأن يدلهم على سبيله وطريقه، وأن يثبتهم عليه سبحانه وتعالى؛ ولذلك في وقت وفاتهم تتنزل عليهم الملائكة وتقول: لا تخافوا ولا تحزنوا نحن كنا معكم في الدنيا بأمر الله عز وجل، والآن نعينكم في هذا الوقت الذي أنتم فيه، فيثبتكم الله عز وجل بالقول الثابت وينور لكم قبوركم، كما نور لكم قلوبكم في هذه الدنيا.

    قال تعالى: أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30] إن المؤمن وهو في قبره يثبته الله سبحانه وتعالى، إذ يأتيه عمله الصالح فيحيط به من صلاة وصوم وغير ذلك، فإذا بملائكة العذاب لا يقدرون له على شيء، فإن الله قد عصمه وقد عافاه وقد نجاه سبحانه، فإذا بملائكة الرحمة تقول له: انظر هذا منزلك في الجنة، يقول: يا رب أقم الساعة كي أعود إلى أهلي ومالي، يقول ذلك من فرحته، فيقال له: نم نومة العروس التي لا يوقظها إلا أحب الناس إليها، فيطمئن في قبره، كما يكون قبره روضة من رياض الجنة، فالله ثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وبشرته الملائكة بجنة الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة...)

    قال الله تعالى: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:31] أي: لكم في الآخرة ما تشتهي أنفسكم في الجنة، فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة! إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، فينعمون بالجنة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (نزلاً من غفور رحيم)

    من فضل الله سبحانه وكرم الله سبحانه أنه يعد لهم نزلهم، قال تعالى: نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:32] يعد لهم ضيافتهم، فيصيرون إلى الجنة جنة الخلود، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً...)

    ثم يذكر الله لنا صفات هؤلاء الذين وحدوا الله سبحانه وعبدوه واستقاموا على دينه سبحانه، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] قول بعد اعتقاد في القلب اعتقاد توحيد الله سبحانه وتعالى، وفي اللسان: قول لا إله إلا الله والتوكل على الله سبحانه وتعالى، والإحسان إلى الخلق، فأحسنوا باعتقادهم وأحسنوا في معاملتهم فاستحقوا من الله عز وجل الإحسان، بل الحسنى وزيادة.

    قوله تعالى: مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ أي: كل من دعا إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك المفسرون من الصحابة ومن بعدهم اختلفوا في ذلك، لكن الخلاف الذي بينهم خلاف تنوع وليس خلاف تضاد، فمنهم من يقول: الداعي هو محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهذا صحيح ولا يمنع أن يكون غيره يدعو إلى الله سبحانه وتعالى، ومنهم من يفسر مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ [فصلت:33] أنه المؤذن، يدعو إلى الله، فينادي الناس للصلاة، وهذا صحيح ولا يمنع أن يكون غيره كذلك داعياً إلى الله، والصواب في ذلك: أنه كل من دعا إلى الله سبحانه وتعالى، وإمام الدعاة وسيدهم نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فهو خير من دعا إلى الله سبحانه وتعالى، وكذلك أصحابه جاهدوا في سبيل الله، فدعوا الخلق إلى الله، وكذلك من يدعو الناس إلى الصلاة ويدعو الناس إلى الزكاة ويعلم الناس دينهم، فكل من يدعو إلى طريق الله سبحانه وتعالى داخل تحت هذه الآية وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ أي: أحسن الأقوال وأحسن الفعال ما كان نتيجته استجابة لدين الله ودخول في دين الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لكم من حمر النعم، وخير لك مما طلعت عليه الشمس) فإذا دعوت إلى الله سبحانه لا تطلب دنيا، وإنما تطلب الآخرة، فلك أجر عظيم عند الله، فالداعي إلى الله يطلب الآخرة، وجنة الرضوان أعظم ما يطلبه الإنسان، وإذا طلب رضا الله أعطاه الله الدنيا والآخرة، وإن لم يعطه فيها ملكاً أعطاه رضاً في قلبه عن دين الله سبحانه وعن أمره، وأعطاه من يحبه من خلق الله سبحانه وتعالى، وإذا أحب الله عبداً نادى جبريل فقال: (إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبونه ويوضع له القبول في الأرض)، هذا جزاء في الدنيا قبل الآخرة.

    فلابد من الاعتقاد أن التوحيد هو قول لا إله إلا الله، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في كل وسيلة وكل طريق والعمل الصالح، فلا يقول: أنا أدعو الناس يعملون ويكفي، بل لابد أن يكون عمله مؤيداً ما يقول لسانه ويعتقده قلبه.

    قال تعالى: وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] سمانا الله عز وجل هذه التسمية الجميلة العظيمة المباركة: مسلم، فلا نبتغي بديلاً عن هذه التسمية العظيمة، نحن من المسلمين، ملة أبينا إبراهيم، والله سبحانه وتعالى سمانا المسلمين من قبل، فأجمل ما تتسمى به قولك: أنا مسلم، أي: مستسلم لله سبحانه وتعالى، مسلم نفسي وقلبي وبدني، وموجه وجهي إليه سبحانه وتعالى، هو يأمرني وأنا أطيعه، هو ينهاني وأنا أفعل ما يقوله سبحانه وتعالى، فأجتنب ما حرم وأفعل ما أمرني أن أفعله.

    إذاً: الذي يدعو إلى الخالق سبحانه وتعالى وإلى دينه يستشعر أنه عبد وأنه من المسلمين، فلا يستشعر أنه متطاول على الخلق، يدعوهم لأن له عليهم سلطان، فهو يستشعر في العبودية لله سبحانه أنه عبد يطيع ربه سبحانه، فيدعو الخلق إلى الله لينجو هو وينجو الخلق من عذاب الله يوم القيامة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة...)

    قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] أعظم الحسنات التوحيد، وأقبح السيئات الشرك، ولا يستوي التوحيد مع الشرك بالله سبحانه وتعالى، ولا تستوي الطاعة مع المعصية، ولا يستوي الإيمان مع الكفر، ولا يستوي العمل السيئ مع العمل الصالح، ولا يستوي المؤمنون مع الكافرين.

    قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت:34] يأمرك الله سبحانه أن تدفع خصمك ومن يعاديك بالحسنى، فأحسن إلى الخلق كي تستجلب مودتهم، فالإنسان يستعبده الإحسان إليه، قد يسيء إليك فتحسن إليه فتقل إساءته، ثم تحسن إليه فيستحي منك، فالإحسان إلى الخلق يستعبد الخلق، وهذا الذي يأمرنا الله سبحانه وتعالى.

    فالله خالق كل شيء، خلق الشياطين وخلق الإنس وخلق الجان وخلق غيرهم، لك أعداء من الإنس، ولك أعداء من الجن، وعدوك من الإنس أنت تراه، وعدوك من الجن أنت لا تراه، فالله عز وجل يعلمك: كيف تتعامل مع أعدائك، وكيف تدفع هؤلاء الأعداء من الإنس، يقول: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وليس المعنى: أنك تترك الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، ولكن ابدأ بذلك فأَحسِن وتَأَّلف الخلق لعلهم يدخلون في دين الله سبحانه وتعالى، فتألف عدوك لعله يستجيب يوماً من الأيام، فتكسب بذلك إنساناً دخل في طاعة الله سبحانه وتعالى، والإنسان بالرفق في دعوة الخلق يجذب إلى دين الله أكثر بكثير ممن يدعو بالقوة وبالبطش وبالعنف؛ ولذلك ما كان الإحسان في شيء إلا زانه، وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

    قال تعالى: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] إن صفة الدفع بالتي هي أحسن أن تتعامل مع خصمك الذي يسيء إليك بالإحسان لا المكافأة، وإلا فمن أين يكون الفضل لما يكون الأمر على ذلك؟! ولكن عامل الناس بخلق حسن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) وهذا من أجمل ومن أعظم الأخلاق أنك تكون كريماً حليماً في أخلاقك، إذا أساء إليك إنسان لا تدفع السيئة بالسيئة ولكن ادفع السيئة بالحسنة، وعود نفسك العفو والصبر على الإساءة إليك.

    فقوله تعالى: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] هذه النتيجة، والذي يخبر عن السبب وعن النتيجة هو الله سبحانه، قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] فالله أعلم بقلوب الخلق، وما الذي يجذبها وما الذي ينفرها، ولذلك قال لنبيه صلى الله عليه وسلم فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] والأصل: فبرحمة من الله، ولكن لتعظيم هذه الرحمة قال: (فبما) أي: بأي شيء؟! برحمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى أعطاكها فصرت طيباً مع الخلق ليناً هيناً صلوات الله وسلامه عليه.

    قال: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ هذا يقال للنبي صلى الله عليه وسلم، لو كان فضاً غليظ القلب لانفض الناس من حوله، فكيف بغيره عليه الصلاة والسلام؟! فيتعلم العبد المؤمن اللطف واللين ولو مع من أساء إليه، حتى لو قال الناس: إنك ضعيف، فلابد أن تعود نفسك الصبر والحلم إلا إذا كان في حد من حدود الله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلم ويصبر إلا في حد من حدود الله، فكان يقيم حدود الله صلوات الله وسلامه عليه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر عليه الصلاة والسلام.

    فقوله تعالى: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] أي: ما كان بينك وبين مسلم، وبينك وبين فاجر، وبينك وبين إنسان عداوة إذا أحسنت إليه يصير في النهاية كالولي الحميم، والولي: من الولاية والقرابة، أي: القريب، يعني: كأنه قريبك بعد ما كان بعيداً عدواً صار قريباً منك وقريباً لك وحميماً محباً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)

    قال الله تعالى: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا [فصلت:35] أي: ما يلقى هذه الخصلة الطيبة إلا الإنسان الذي تعلم وتمرن على الصبر والحلم، وما يلقى هذه الخصلة العظيمة وهي العفو عن الإساءة إلا الإنسان الصابر.

    قال تعالى: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35] أي: الذي تعلم أنه يعفو ويصفح ويدفع بالتي هي أحسن هو الإنسان الذي له حظ وقدر عظيم عند الله سبحانه، وأجر عظيم جميل عنده سبحانه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ...)

    قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36] هذا عدوك من الجن الذي لا تراه كيف تتعامل معه وأنت لا تراه؟ ففي هذه الحالة ليس لك إلا سبيل واحد وهو أن تلجأ إلى ربك سبحانه، بأن تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا أقصر طريق تدفع به ذلك، ويضربون المثل بذلك: أن الكلب يهجم عليك كلما مررت من عنده، فأفضل طريقة لدفع الكلب أن تذهب إلى صاحبه وتطلب منه أن يحبسه، كذلك الشيطان ما لك طريق معه وأنت لا تراه حتى تقاومه، ولكن تلجأ إلى ربك الذي خلقه وتقول: يا رب أجرني منه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فهذه هي الوسيلة حتى تدفع عنك شر الجن، وهي بأن تتعلم ذكر الله سبحانه وتتعوذ بالله! فتقول أعوذ بالله أي: ألوذ وألجأ وأستغيث وأستعصم وأستنصر بالله سبحانه وتعالى حتى يمنع هذا الشيطان عني.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756318517