إسلام ويب

تفسير سورة سبأ [12-14]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سخر الله سبحانه وتعالى الجن لنبيه ورسوله سليمان عليه السلام، وسخر له الريح تحمله هو وجنوده فتقطع بهم في الغدوة مسافة شهر، وفي الروحة مسافة شهر، وفي قصة موت نبي الله سليمان عليه السلام دليل واضح وبرهان جلي على عدم معرفة الجن للغيب، فسبحان الذي تفرد بعلم الغيب وحده.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ...)

    قال الله تعالى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ [سبأ:12].

    الآية متعلقة بما أكرم الله به آل داود، وقد مضى بعض ذلك في إكرام سليمان به، وأن الله سخّر له الريح تطير به وتحمل الأخشاب والسجاد فيما كان في الأصل يسافر إليه شهراً مشياً على الأقدام أو على البهائم أو على الدواب، فسُخّر ذلك لسليمان في ساعة، وقد مضى كل ذلك فكانت تطير به السجادة أو ما يصنعه من أخشاب في الهواء هو وجنوده وأتباعه ومن يرغب فيهم، ويقطع في ساعة ما تقطعه الدواب في شهر، فيقطعه بغدوة صباح أو بروحة مساء، وأسال الله وأذاب له عين القطر -أي: عين النحاس-، فكان يصنع منه ما يشاء، وسخّر الله له الجن تعمل بإذن ربه بين يديه ما يشاء، ومن يحد عن أمر الله ويخرج عن طاعة سليمان يذقه الله من عذاب السعير، أي: يعذّبه عذاباً متسعّراً ملتهباً مهيناً أليماً.

    قال تعالى: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ كانت الجن التي سخّرها الله تعالى لسليمان يعملون ويصنعون ما يشاء، ويبنون له القصور، ويصنعون له البساتين، ويزرعون فيها ما يشاء من أشجار وثمار وحبوب، وقد نص الله تعالى على ما هو أكثر من ذلك جهداً، فقال: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ ، جمع محراب، والمحراب: صدر المنزل والقصر والمسجد، وهو غرفة يُصعد لها بدرج كالصالون باعتبار الناس اليوم واصطلاحهم، فكانوا يبنون له معابد وقصور ومساجد وما يشاء، ويستخدمون في قطع الحجارة، ويعملون له ذلك مرغمين، وكلّف الله ملكاً يُعاقب كل جني خرج عن أمر سليمان، فيضربه بعصاً من نار فتحرقه.

    قال تعالى: يَعْمَلُونَ لَهُ أي: لسليمان، يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ ، جمع تمثال، والتماثيل: الصور، فكانوا يصنعون له صوراً من أخشاب ومن نحاس ومن أي مادة شاءها سليمان، وكانوا يصنعون صور الأنبياء والصالحين في المساجد؛ ليكون ذلك عندهم أدعى للعبادة، وكان هذا جائزاً في دين سليمان، ثم بعد ذلك جاءوا إلى هذه الصور والتماثيل فعبدوها وجعلوها شركاء لله وأنداداً، فجاء الإسلام فحرّم ذلك تحريماً باتاً قاطعاً، ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من يصنع ذلك، وفي حديث أم حبيبة وكانت في الحبشة مهاجرة مع زوجها الذي ارتد عبيد الله بن جحش ثم تزوجها بعد ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، قالت له: يا رسول الله! تركت الناس في الحبشة يصنعون صوراً في معابدهم، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: (أولئك شرار الخلق) فلعنهم عليه الصلاة والسلام وقال: (إنهم يوم القيامة يقال لهم أحيوا هذه الصور) وما هم بمحييها، فهم أعجز من ذلك وأضعف، وإنما أُذن بالرقم في الثوب، وهو ما يسمى اليوم رحلاً، وما سوى ذلك ممنوع غير مأذون به بحال من الأحوال.

    والجفان: جمع جفنة، والجفنة: القصعة، فكانوا يصنعون له القصعة من الطعام تكفي ألف آكل وألف ضيف، وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ جمع جابية، والجابية هي: الحوض الذي يملأ بالماء أو السفرة الواسعة في الأرض، وقد كان لسليمان جفان وقصاع يحيط بها ألف آكل، يجمع عليها جنوده وضيوفه وأهل البلد إن شاء، وكان يصنع هذا الجن الذين سخّرهم الله لسليمان وجعلهم له عبيداً يصنعون له ما يشاء، قال تعالى: مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ جمع جفنة أي: قصعة، كَالْجَوَابِ جمع جابية وهي: الحفرة والحوض الذي يسع من الماء ما عسى أن يسع، وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ قدور: جمع قدر، وهي ما يطبخ فيه الطعام، راسيات: ثابتات في الأرض، وكانوا يصعدون إليها بسلالم ويضعون فيها المئات من الشياه والعشرات من الإبل ومن البقر، ويضعوا فيها من الطعام من أشكاله وألوانه، وكانت راسيات ثابتات، بحيث لا يُخاف عليها أن تميل أو تنكسر، كل هذا كان يصنعه الجن لسليمان، كما قال تعالى: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا يقول الله لهم: اعملوا وأطيعوا ربكم واعبدوه واتقوه واعملوا الصالحات، ودعوا ما سوى ذلك من الباطل ومن الفساد ومما لا يليق، قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا أي: اعملوا يا آل داود شكراً، وشكراً مصدر، أي: اشكروا الله شكراً، فهو مفعول مطلق منصوب على المفعولية المطلقة، أي: اشكروا الله في عملكم وفي أقوالكم، والشكر كما يكون بالأركان يكون باللسان، فعندما أكرم الله داود بما أكرمه به وأكرم سليمان بملك لا ينبغي لأحد من بعده قال لهم: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ وآل داود: داود وسليمان وأزواجهما وأولادهما، وفي الحديث: (إن داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه)، وقالوا: كان سليمان يقسم العبادة بينه وبين آله بحيث لا يوجد وقت إلا وأحدهم مصلياً، البعض في النهار والبعض في الليل، ولا ينقطعون عن ذلك البتة، فكان لا تريد أن ترى داود وسليمان وقومهما في العبادة وفي الصلاة وفي الطاعة إلا وجدتهما كذلك.

    قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا والشكر يكون بالعمل بالأركان ويكون باللسان فمن صلى أو صام أو زكى أو عمل الصالحات فعبادته عملية، ومن شكر ربه وحمده جل جلاله بلسانه يكون كذلك شاكراً، والشكر فرض على كل مسلم، إذاً الشكر هنا العبادة، قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا أي: اعملوا الطاعة، والشكر منصوب على أنه مفعول مطلق، أي: اشكروا الله شكراً بالدوام على العبادة وعلى الصلاح والتقى والصلاة لله والعبادة له في جميع الأحوال.

    قال تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ أي: إن الناس في العبادة قلة، كما قال تعالى: ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:13-14] وقد سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول: اللهم اجعلني من القليل، فقال عمر : ما هذا الدعاء؟ فقال: يا أمير المؤمنين! دعوت الله أن أكون من تلك القلة والثلة التي يقول عنها الله تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ، فرجوته أن يجعلني من هذه القلة الشاكرة العابدة، فقال عمر : كل الناس أعلم منك يا عمر ! وهذا هضم للنفس وتواضع منه بأن القليل الذي قالها هذا لم يفهم ويعرف معناها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فلما قضينا عليه الموت ...)

    قال تعالى: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ:14] .

    كان سليمان له خلوات في العبادة، فكان يدخل معبده فيبقى فيه سنة أو أكثر، وقد يبقى شهوراً وأسابيع، فينقطع عن الناس وينقطعون عنه، ولا يأذن لأحد بالدخول، وكانت تنبت في مكان سجوده كل يوم شجرة -كما زعموا- فكان يسأل الشجرة: ما اسمك ولم أنت؟ فكانت تقول: هي لدواء كذا، أو في ثمرة كذا، فيأخذها وينقلها إلى البساتين ويكتب اسمها والدواء الذي تصلح له، والداء الذي يصلح له دواؤها إلى أن نبتت في مكان سجوده يوماً شجرة فقال لها: ما أنت؟ قالت: الخروب- فقال: لعلها جاءت لتكون سبب خراب بيته، والناس يتشاءمون بالخروب، والتشاؤم ليس بصالح، فالتساؤل مقبول، وأما التشاؤم فلا- فأخذ اسمها وقال لها: ما أنت إلا للخراب، فقطعها وصنع منها عصاً هي المنسأة، وصار يعتمد عليها، فلما قُدِّرت وفاته دخل إلى خلوته، وإذا به وهو على كرسيه يموت وهو متكئ على عصا، فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ أي: لما سبق قضاء الله عليه بأن يموت كما يموت كل حي، مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ، ما دل الجن على أن سليمان مات إلا الدابة التي أكلت المنسأة التي كان يعتمد عليها، ومعنى ذلك أن الجن الذين سُخّروا لسليمان كان يظهر كثير منهم عصياناً، فكان يربطهم بالسلاسل والأغلال، زيادة على العقاب الذي كانوا يعاقبون به من الملك المكلّف بهم، فكان من زاد تمرده ضربه الملك ضربة أحرقته، وكان الكثير منهم في السلاسل والأغلال يعملون؛ ليكفوا شرهم عن إيذاء الإنسان، فلما دخل سليمان خلوته قُدّرت وفاته، وبقي ميتاً سنة وهو جالس على كرسيه والعصا بيده معتمد عليها، وإذا بالجن تُطل عليه من الكوة ومن النوافذ فترى العصا في يده وتراه جالساً فلا تظن إلا أنه حي، فلبثت في العذاب المهين وهي في السلاسل والأغلال مع العذاب تصنع له القصور والصور والقصاع، وتصنع له ما قال الله تعالى: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ، ومما لم يذكره الله جل جلاله، ثم أشرفوا عليه يوماً وإذا به يسقط على الأرض، فرأوه قد خرّ على وجهه فعلموا إذ ذاك أنه قد مات، وهذه العصا لطول متنها مكثت الأرضة تنخرها سنة كاملة، وهذه الأرضة دويدة تعيش من نخر الخشب والعيدان، وتموت بسببها أعظم الأشجار وأعظم الأبنية إذا كانت من خشب، فترى تلك الأخشاب والأشجار تنخرها الأرضة ودويدة الشجر والأخشاب فإذا بها مع الأيام تسقط وكأنها لم تقف يوماً، فسليمان كان متكئاً بجهده على العصا فبقيت العصا حاملة ثقله، فلما دخلتها الأرضة إذا بها تعجز عن حمله فسقط سليمان، قال تعالى: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ أي: تأكل عصاه الذي يعتمد عليها، فهذه الأرضة هي التي دلّت الجن، أي بسببها وبسبب أكلها للعصا لم تبق هذه العصا حاملة لسليمان وثقله، فسقطت العصا وسقط سليمان معها، وأدركوا أنه مات منذ سنة عندما أخذوا العصا ووضعوا عليها الأرضة وانتظروها حتى تأكل مثلما أكلت فوجدوه قد مضى عليه سنة، فعلموا أن المأكول الأول قد مضى عليه سنة، أي: مات سليمان قبل عام وهم لم يدركوا ذلك.

    قال تعالى: مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ خرَّ: سقط عن غير رضا منه، فلم يقعد من نفسه ولم يحاول الجلوس، ويقال على من سقط دون إرادة منه خرّ، فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ والجن كانت تستعبد الإنس وكانت توهمهم أنها تطّلع على الغيب، وكانت تسترق السمع من كلام الملائكة عندما تحاول الصعود إلى أعلى الأجواء، فيرميها الله بالشهب فتتساقط محترقة، وكان هذا قبل ظهور الرسالة المحمدية وقبل ظهور نبينا عليه الصلاة والسلام، ثم أدرك الجن في أنفسهم بعد أن رأوا سليمان قد مضى على موته عام وهم لم يدركوا ذلك ولم يعلموه أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ويطّلعون على ما هو بعيد عنهم لما لبثوا ولما أقاموا في هذا العذاب المهين، من تسخير سليمان لهم، واستعباده لهم وتكليفهم بأشق الأمور وأصعبها، وتبينت كذلك الإنس الذين كانوا يثقون بالجن ويعتقدون بهم ويصدقونهم في أخبارهم وفي كهاناتهم، فتبيّن الجن في أنفسهم وتبيّن غيرهم أن الغيب منفرد به الله، لا يعلمه ملك ولا جن ولا إنس، ولا يعلم الغيب إلا الله، ومن أراد الله أن يعلمه ذلك، كما قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26-27]، وليس الجن منهم.

    قال تعالى: فَلَمَّا خَرَّ أي: فلما سقط سليمان تبين للجن وقد بقوا سنة وسليمان ميت وهم لا يدركون ذلك أنهم لو كانوا يعلمون الغيب في زعمهم لما لبثوا وأقاموا في العذاب المهين، وقد رأوه لمدة عام كامل على صورته لم يتغير بالموت، وهذا يؤكده قول النبي عليه الصلاة والسلام عندما قال له بعض أصحابه جواباً لكلامه: (إن الله كلّف ملكاً أن يبلغني سلام الناس وصلاتهم علي حيث كانوا في الأرض، فقالوا له: يا رسول الله! كيف وأنت قد أرمت -أي: مت وفنيت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) وهذا من الأنبياء، والله يخبر جل جلاله أن سليمان مكث ميتاً سنة، وما أدركوا ذلك ولا فهموه ولا عقلوه، وما بقي سليمان تلك السنة وهم يظنونه حياً إلا لأن جثته لا تزال على حالها وقت الحياة، وللإمام البيهقي كتاب مشهور اسمه: حياة الأنبياء، فهم يُرزقون عند ربهم أحياء الحياة البرزخية، وأجسامهم لا تبلى في الأرض ولا تصبح رمماً ولا تنتهي، ومع ذلك قال الله لنبينا عليه الصلاة والسلام: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] وكان ذلك عندما انتظر أعداؤه من كفار قريش ومن كفّار الناس ورجوا موته وقالوا: أيام تنقضي ويموت وكأنه لم يكن، وأخذوا يتربصون به الدوائر، فقال الله له: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] وقال الإمام الشافعي وقد تمنى موته خصومه وأعداؤه فقال لهم:

    تمنى أناس أن أموت وإن أمت فتلك طريق لست فيها بأوحد

    أي: تمنى لي أقوام أن أموت، وإذا أنا مت فلست وحدي الذي سأموت، فسيموت معي خصومي وأعدائي، وعند الله تجتمع الخصوم.

    فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ أي: كانت دلالة الموت بسبب هذه الدويدة، إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ ، إلا الأرضة، تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ المنسأة: العصا، وزعم أقوام من المفسّرين ومن غيرهم: أن كلمة منسأة هي بلغة الحبشة العصا، وهؤلاء أناس يلذ لهم أن يأتوا إلى كلمات من كتاب الله فتارة يحيلونها عن عربيتها، فيقولون: إنها حبشية أو رومية أو غيرها، وكل ذلك لا أصل له، وإنما هو كلام لا دليل عليه، وقد قال الله: قُرْآنًا عَرَبِيًّا [يوسف:2] وكرر ذلك مرات في كتابه، والإمام الشافعي في كتابه العظيم المسمى الرسالة المطبوع مرات سفه القول بأن في القرآن كلمات غير عربية ورد على قائليه، وقال: كثير من اللغات فيها كلمات تتشابه، وتشابه هذه الكلمات ليس هناك دليل يدل على أصلها منهم، وإن صح أن في الحبشية كلمة منسأة تعني العصا فلم لا نعكس ونقول: إن الحبشة أخذوها عن العرب؟ وإذا وجدنا كلمة عند الروم أو غيرهم فلم لا نقول: هم أخذوها عن العرب؟ وما جاء الإسلام إلا بعد أن كانت لغة العرب قد نضجت ووسعت القرآن جميعاً بما فيه من معان علوية ودينية ودنيوية، ووسعت قبائل العرب جميعاً، وهي أوسع لغات الأرض على الإطلاق، فلسان العرب مطبوع في عشرين مجلداً ضخماً، وهناك كتاب لا يزال مخطوطاً في الأندلس اسمه الذر والعالم في مائة مجلد، لا يزال محفوظاً بكل أجزائه، وهو في لغة العرب من الذرة إلى العالم، كما يدل اسم الكتاب على أن هذه الكلمة وما لها من اشتقاقات تكذب هؤلاء الذين زعموا ذلك، فالمنسأة: هي من نسأ، أي: أجّل وأخّر، يقال: أنسأ الله في أجلك، أي: أطال الله عمرك وأجّل أجلك إلى سنوات وسنوات، ويقال: النسيء، وهي كذلك في كتاب الله، أي: الشيء المؤخر والمؤجّل، فكلمة النسيء والنسي والمنسأة وأنسأ فيها من الأفعال ومن الأسماء والمصادر ما يؤكد بالقطع على أنها لفظة عربية، لها اشتقاقاتها في الأفعال والأسماء، والقرآن جميعاً ليس فيه كلمة إلا عربية كما أكّد الإمام الشافعي ، وسفه قول كل من قال بأن فيه كلمات غير عربية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755958068