إسلام ويب

احفظ الله يحفظكللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أمر الله تعالى عباده بحفظ حدوده ليحفظهم في أنفسهم، وأرشدهم إلى الالتجاء إليه في السؤال والاستعانة دون سواه؛ إذ الضر والنفع بيده سبحانه، فهو الذي قدر المقادير، وعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن إذا كان كيف يكون.

    1.   

    حفظ الله عز وجل لعباده

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: (يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

    قال بعض العلماء: تدبرت هذا الحديث فأدهشني حتى كدت أطيش، فوا أسفاً من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم ينصح الأمة من خلال حبر الأمة عبد الله بن عباس يقول: (إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك)، والجزاء من جنس العمل، قال تعالى: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7]، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، (الراحمون يرحمهم الرحمن)، (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا).

    جزاء حفظ العبد ربه

    وحفظ الله عز وجل: أن تحفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه، وجزاء هذا الحفظ الحفظ من الله عز وجل وهو على نوعين: أن يحفظ الله عز وجل جوارحه، وأن يحفظ ماله وأولاده، ونوع آخر وهو أعظم من هذا الحفظ وهو أن يحفظ الله عز وجل على العبد دينه، ويحول بينه وبين المعصية التي تجره إلى النار، فحفظ الله عز وجل للعبد نوعان:

    النوع الأول: أن يحفظ بدنه، كما وثب أحد العلماء وثبةً شديدة، فأنكر عليه لكبر سنه، فقال: هذه جوارح حفظناها في الصغر، فحفظها الله عز وجل علينا في الكبر.

    فالعبد إذا حفظ جوارحه من معصية الله عز وجل؛ فإن الله عز وجل يبارك له في صحته وفي جوارحه، ويمتعه بسمعه وبصره وقوته، ويحفظ أولاده، كما قال عز وجل: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [الكهف:82].

    وكان أحد العلماء يقول لابنه: لأزيدن في صلاتي رجاء أن أُحفظ فيك، ويتلو قوله عز وجل: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [الكهف:82].

    أما الحفظ الثاني: فهو أن يحفظ الله عز وجل دينه، كما قال عز وجل في حق يوسف عليه السلام: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24]، فالله عز وجل يصرف عن عبده السوء والفحشاء، ويحول بينه وبين المعصية التي تجره إلى النار، كما في بعض الآثار بأن العبد يتهيأ للإمارة أو للوزارة أو للتجارة، والله عز وجل ينظر إليه فيقول لملائكته: اصرفوه عنها، فإني إن يسرتها له أدخلته النار، فيظل العبد يتبرم، وما هو إلا فضل الله عز وجل، فالله تعالى أدرى بما يصلح للعباد، كما في الحديث القدسي: (إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الصحة، وإني إن أسقمته أفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا المرض، وإني إن أصححته أفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى، وإني إن أفقرته أفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، وإني إن بسطت له أفسده ذلك، إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم، إني عليم خبير).

    معية الله عز وجل لعباده

    (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) أو (تجده معك)، وهذه المعية هي المعية الخاصة؛ لأن المعية معيتان: معية عامة، قال تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ [المجادلة:7]، وقوله عز وجل: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، فهذه هي المعية العامة، وهي أن الله عز وجل مع الناس بسمعه وبصره وعلمه وقدرته وإحاطته، وهذه المعية تستوجب الحذر والمراقبة والخوف من الله عز وجل.

    أما المعية الخاصة: فهي معيته للأنبياء والأولياء والمتقين، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128]، وقال تعالى: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وقال سبحانه: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، فهذه تستلزم من العبد الأنس بالله عز وجل، والاستغناء والتقوّي به.

    كما أرسل أحد السلف إلى أخيه يقول له: أما بعد:

    إذا كان الله معك فمن تخاف؟ وإذا كان عليك فمن ترجو؟ فمن كان الله معه كانت معه الفئة الغالبة.

    سؤال الله عز وجل والاستعانة به

    (احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله)؛ لأن السؤال إظهار فقر ونقص وحاجة واضطرار من العبد، ولا يجوز للعبد أن يتذلل وأن يظهر فقره ونقصه وحاجته إلى غير الله.

    كذلك ليس هناك لأحد قدرة على جلب جميع المنافع ودفع جميع المضار إلا الله عز وجل، فالعبد ينبغي له أن يسأل الله عز وجل.

    (وإذا استعنت فاستعن بالله)، يجوز الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه المخلوق من قضاء بعض الحوائج أو المساعدة في أمور الدنيا، ولكن لا يجوز الاستعانة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فإذا استعان العبد بغير الله عز وجل فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وكله الله عز وجل إليه، فلا يجلب له نفعاً ولا يدفع عنه ضراً، قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس:107].

    النفع والضر بيد الله عز وجل

    ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشي قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف).

    فمضمون التوحيد وهو اعتقاد أن الأمر كله بيد الله عز وجل وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير) ، فالعبد لا يذل نفسه في الطلب، ولا يطلب الرزق بمعصية الله، بل ينبغي له أن يطلب الحوائج بعزة الأنفس؛ لأن الأمر بيد الله عز وجل، والأمور تجري بالمقادير والخلق ليس لهم من الأمر شيء، والأمر والخلق لله عز وجل، (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشي قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) إشارة إلى أن القلم جرى بما قدر الله عز وجل.

    وثبت في صحيح مسلم : (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سن)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما سيكون إلى يوم القيامة)، فالله عز وجل خلق القلم، والله عز وجل يستوي في علمه الماضي والحاضر والمستقبل، فخلق القلم وقال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما سيكون إلى يوم القيامة، فعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، فهذه كناية على كتابة المقادير من أمد بعيد، قال صلى الله عليه وسلم: (رفعت الأقلام وجفت الصحف) أي: من طول المدة.

    فنسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه، وأن ينفعنا بآياته، وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755903333