إسلام ويب

تفسير سورة الروم (6)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أعظم الظلم وأشده أن تجعل لله نداً وهو خلقك، وأنت لو فتشت الوجود برمته لما وجدت شيئاً خرج عن قدرة الله وخلقه، فالله له من في السماوات والأرض، والعجيب أن المشركين يرفضون أن يشركوا خدمهم وعبيدهم في أموالهم في حين يجعلون لله شريكاً في هذا الملكوت الواسع.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وله من في السموات والأرض كل له قانتون)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات من سورة الروم ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    قال تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [الروم:26-29].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ [الروم:26].

    وَلَهُ [الروم:26] أي: لله المعبود بحق .. لله رب السماوات والأرض وما بينهما.. لله المعطي والمانع، والضار والنافع، المحيي والمميت .. لله ذي الأسماء الحسنى والصفات العلى .. له ملكاً، وخلقاً، وتصرفاً، وإيجاداً، وإعداماً.. ملكاً كاملاً.

    مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:26] ما من ملك في السماء، ولا جن في الأرض ولا في السماء، ولا إنسان في هذه الأرض فالكل مملوك لله عز وجل، إذ هو خالقهم، ورازقهم، ومحييهم، ومميتهم.

    إذاً: الكل له. فكيف إذاً يعبد معه غيره؟ بأي منطق أو ذوق أو حق، مادام يملك كل الكائنات، وهي كلها مربوبة له يتصرف فيها كما يشاء.

    كيف يوجد بينها من يعبد معه وقد يكون حجراً أو صنماً؟! يا للعجب!

    وَلَهُ [الروم:26] تعالى مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:26] من إنس وجن وملائكة وغير هذا من سائر المخلوقات.

    كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ [الروم:26] أي: مطيعون، مذعنون، خاضعون، يحييهم ويميتهم، يعزهم ويذلهم، يعطيهم ويمنعنهم، فالكل قانت. بمعنى: خاضع لله عز وجل.

    وإن قلت: هاهم قد عصوه من الإنس والجن، ولم يعبدوه، أو عبدوا معه غيره.

    أين هذا القنوت والطاعة؟

    والجواب -كما علمتم- أن من عصاه كمن أطاعه، فالكل خاضع لتدبير الله عز وجل وحكمه فيهم، وقضائه عليهم!

    العصاة لم يخرجوا عن طاعة الله التي هي قضاؤه وقدره عليهم .. كتب هذا، وإنما عصوه -عصوا أمره ونهيه- ليترتب على ذلك إسعادهم في الدنيا والآخرة أو إشقاؤهم فيهما وإلا فالكل خاضع لله عز وجل، المطيع ظاهر في الطاعة خاضع، وفي نفس الأمر كتب الله له هذا فلابد وأن يفعله، وصدق الله العظيم إذ قال: كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ [الروم:26]، وفي هذا تقرير مبدأ القضاء والقدر، ورد على القدرية.

    أخبر تعالى وخبره الصدق والحق: أن كل من في السماوات من الملائكة -وهم بليارات- والأرض والإنس والجن، يخبر تعالى أن هؤلاء كلهم خاضعون لله. أليس ذلك بحق؟ بلى. في إيجادهم وإعدامهم، وإماتتهم وإحيائهم، وإعطائهم ومنعهم، وإفقارهم وإغنائهم هم خاضعون لله.

    وإن قلت: كيف وهم عصاة لا يطيعونه؟ أقول: هذا كتبه في كتاب المقادير، فلابد وأن يتم كما كتب، فهم يعصون؛ لأنه أمر مكتوب عليهم.

    وإن قلت: لم يعذبهم إذاً؟ فالجواب: لأنه أعطاهم قدرة على أن يفعلوا ولا يفعلوا، وبعث إليهم من يعلمهم ويبين لهم، فإن أطاعوا استجابة لأمر الله أسعدهم في دنياهم وأخراهم، وإن عصوا، وتمردوا عليه، وفسقوا بإرادتهم وليس بإكراه منهم فليس -إذاً- إلا أن يعذبهم، ويذلهم، ويهينهم. هذا معنى قوله تعالى: وَلَهُ [الروم:26] أي: الله عز وجل مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:26]، أي: من الملائكة والإنس والجن كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ [الروم:26] مطيعون خاضعون، مستسلمون لأمره وقضائه وقدره.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه...)

    ثم قال تعالى وهو يعرف بنفسه: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27]، هو لا سواه، لا غيره يبدأ الخلق والإيجاد ثم يعيده بعدما يميته ويفنيه ويمهله، هو وحده لا شريك له في بدء الخلق وإعادته، فلم إذاً يعبد معه غيره؟!

    لم يصرّ المشركون على عبادة غيره من مخلوقاته؟!

    يا للعجب! لم هذا؟ لا شريك له في بدء الخلق وإعادته بعد إفنائه وموته، فهذا خاص به.

    ثانياً: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27]. (أَهْوَنُ) بمعنى: هين. كقوله: وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء:30]، ولكن من باب إقناع الناس وإفهامهم.

    أليست الإعادة أهون من البدء؟ دائماً نقول: كونك تبني قصراً صعب بناؤه، لكن إذا كنت تريد أن تهدمه هدمته والإعادة أسهل، ولكن ليس هناك صعب عند الله عز وجل أبداً، وإنما من باب ما يفهم الناس أن الإعادة أسهل من البداية، من نسجت ثوباً بيديها فإن إعادته أسهل من بدئه، والله ابتدأ الخلق، فكونه يعيدهم كما كانوا أيسر بالنسبة إلينا وأسهل، ولكن بالنسبة إلى الله لا شيء أصعب، كله يسر، وكله سهل، لكن من باب إفهام الناس.

    وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ [الروم:27]، أي: بدأ الخلق، ويبدأ الآن ملايين يوجدون غداً وبعد غدٍ ثُمَّ يُعِيدُهُ [الروم:27] بعد أن يميتهم وَهُوَ [الروم:27] أي: تلك الإعادة أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27] من البداية. إعادة الخلق كما كانوا أسهل في نظرنا من بدئهم أول مرة، وإيجادهم دونما مادة.

    ثم قال: وَلَهُ [الروم:27] عز وجل دون غيره الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:27] الوصف الجميل الكامل لله عز وجل فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الروم:27].

    الْمَثَلُ [الروم:27]: الوصف.

    الْمَثَلُ الأَعْلَى [الروم:27]: السامي، الذي لا يدانى ولا يكون مثله أبداً لغير الله عز وجل، وهذا يتجلى في كونه الخالق، المحيي المميت.. المعطي المانع.. الضار النافع.. فصفات الكمال مطلقة له عز وجل: المميت المحيي.. الضار النافع، المثل الأعلى خاص به، هو في السماوات والأرض.

    وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى [الروم:27] أي: الوصف الجميل، الكامل، التام.

    فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:27] لله عز وجل.

    وَهُوَ [الروم:27] أيضاً الْعَزِيزُ [الروم:27]: الغالب الذي لا يغلب، والغالب الذي لا ينازع ما يريده، والذي لا يقهر أبداً.

    الْحَكِيمُ [الروم:27] في تصرفاته: يوجد ويعدم، يعطي ويمنع لحكمة، يسعد ويشقي لحكمة؛ لأنه يضع الشيء في موضعه.

    الحكيم: من يضع الشيء في موضعه، والله عز وجل حكيم في تصرفاته، في خلقه، في إيجاده المخلوقات.. في إغنائه.. في إفقاره.. كل ذلك قائم على مبدأ الحكمة التي هي وضع الشيء في موضعه، فلا يغني إلا من أراد إغناءه، ولا يفقر إلا من أراد إفقاره؛ لحكمة تعلقت بذلك فينجزها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم ...)

    قال تعالى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم:28].

    قال تعالى للمشركين في مكة: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ [الروم:28] فتأملوه هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ [الروم:28]. أي: عبيدكم وخدمكم هل يشاركونكم في صندوق المال أو يتصرفون فيه بشيء، ببيع شاة أو بعير، أو إعطاء شاة أو بعير؟ هل هناك من يشاركه عبده أو خادمه، ويتصرف معه فيما يملك؟ الجواب: لا. أبداً والله.

    إذاً: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ [الروم:28] وهو هذا المثل هَلْ لَكُمْ [الروم:28] أيوجد لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ [الروم:28] أنتم وخدمكم، وأنتم وعبيدكم سواء تَخَافُونَهُمْ [الروم:28] إذا لم تعطوهم أو يشاركوكم تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ [الروم:28] أي: فيما بينكم وبعضكم البعض.

    الجواب: والله ما كان. فكيف -إذاً- تسوون به الأصنام والأحجار وتجعلونهم شركاء له وهو خالقهم، وسيدهم، وربهم ومالكهم؟ كيف يُعبدون معه؟

    أليس الناس والملائكة والجن عبيد لله؟ بلى. فكيف يعطيهم الله حقه، ويدخلهم معه، ويتصرفون، ويُعبدون معه؟!

    مستحيل! لابد وأن يبقوا عبيداً أذلاء، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء. وبهذا أبطل نظرية المشركين في أنهم يعبدون من يشفعون لهم عند الله.

    أعيد المثل: ضرب لكم مثلاً من أنفسكم ما هو من غيركم، أي: هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ [الروم:28] أي: هل لكم من ما ملكت أيمانكم من العبيد والخدم فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ [الروم:28] كما يخاف بعضكم بعضاً؟ الجواب: لا.

    فكيف إذاً تشركون مع الله هذه الأوثان والأصنام وتجعلونها شركاء لله، والله خالقها، ومالكها، ومعطيها، ومانعها؟!

    ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ [الروم:28] وهو: هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [الروم:28] من العبيد والخدم، هَلْ لَكُمْ [الروم:28] منه، شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ [الروم:28] من المال، فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ [الروم:28] السيد كالعبد في المال؟ لا -والله- ما كان، ولن يرضى به أحد.

    تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ [الروم:28]، كخوفكم أنفسكم؟ الجواب: لا.

    فكيف -إذاً- تسوون هذه الأصنام والأحجار، وهذه الملائكة، وهذا عيسى وتسونهم مع الله في عبادته، وهم مربوبون مخلوقون لله؟!

    كيف يصبحون شركاء له، يُعبدون كما يعبد؟!

    ثم قال تعالى: كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ [الروم:28] أي: كهذا التفصيل الذي فصل وهذا البيان الذي بين، هذه الأمثال التي ضربها، هذه البيانات التي بينها.

    ولكن من ينتفع بها؟ العقلاء. لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم:28]، أما الذين فقدوا عقولهم واتبعوا أهواءهم، وجروا وراء شهواتهم وشياطينهم فلا يستفيدون من هذا البيان، ولا يتلذذون به، ولا يجدون فيه علماً.

    كَذَلِكَ [الروم:28] الذي فصلناه نُفَصِّلُ الآيَاتِ [الروم:28] لمن؟ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم:28]؛ لينتفعون بها، فيوحدون الله ويعبدونه وحده، ويرهبونه ويخافونه، ويحبونه، ويطلبون رضاه.

    هؤلاء هم العقلاء .. أصحاب العقول التي تمنع صاحبها وتعقله من الهوى، والباطل، والفساد، والشر، والشرك والكفر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم ...)

    وأخيراً يقول تعالى: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [الروم:29].

    بَلِ [الروم:29] أضرب عن الماضي، بل البيانات والحجج والبراهين واضحة واضحة، إذاً: كيف؟ ليسوا بعقلاء.

    بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الروم:29] وهم مشركون، اتبعوا أَهْوَاءَهُمْ [الروم:29]، ومتبع الهوى لا يتبع الحق، ولا يمشي وراءه، ولا يعقله.

    إذا أخذ العبد يجري وراء هواه وما يمليه عليه الهوى فإنه يعمى عن كل حق، وعن كل بصيرة، ولا يرى شيئاً.

    يخبر تعالى فيقول: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الروم:29] أنفسهم بالشرك والكفر والعياذ بالله والفسوق والفجور، اتعبوا أهواءهم بغير علم، فما هم بعالمين، بل اتبعوا أهواءهم.

    فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [الروم:29]؟ اللهم لا أحد.

    وهل أضلهم الله؟ نعم. لأنهم اتبعوا أهواءهم فعموا وابتعدوا عن الحق، وعبدوا الأصنام والأحجار، وألهوا غير الله، وهم يدافعون عن الباطل والشرك. هؤلاء انغمسوا في هذا الباطل فمن يهديهم؟ الله. فهيا نرفع أكفنا إليه إذاً.. هيا نرجع إلى الله ليهدينا إذ لا هادي إلا الله!

    وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [الروم:29] ما لهم من ناصر ينصرهم، ولا هاد يهديهم من ضلالهم أبداً! ما لهم إلا الله؛ ولكنهم أعرضوا عنه، وكفروا به، وأشركوا به، وسخروا من آياته، وكذبوا رسوله، واتهموه بالأباطيل، وحاولوا قتله. إذاً: من ينصرهم دون الله؟ لا ناصر لهم، فهم في جهنم.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    إليكم شرح الآيات من الكتاب لتزدادوا علماً وبصيرة.

    معنى الآيات

    قال: [ معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في تقرير قدرة الله تعالى على البعث الذي أنكره المشركون ] أنكروا البعث الآخر، وقالوا كما حكى الله عنهم: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ [الواقعة:47-48].. وفي آيات عديدة هؤلاء يكذبون بالدار الآخرة.

    قال: [ما زال السياق الكريم في تقرير قدرة الله تعالى على البعث الذي أنكره المشركون بذكر الأدلة العقلية وتصريف الآيات، فقال تعالى: وَلَهُ [الروم:26] أي: لله المحيي المميت، الوارث الباعث سبحانه وتعالى وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:26] أي: من ملائكة وجان وإنسان، فهو خلقهم، وهو يملكهم ويتصرف فيهم. وقوله: كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ [الروم:26] أي: مطيعون منقادون، فالملائكة لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، والجن والإنس منقادون لما أراده منهم من حياة وموت ونشور؛ وأما عصيانهم في العبادات فهو غير مقصود؛ لأنه التكليف الذي هو علة الحياة كلها، ومع هذا فهم منفذون باختيارهم وإراداتهم الحرة ما كتبه عليهم أولاً، والله أكبر ولله الحمد ]. فهم منفذون ما كتب عليهم.

    [ وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [الروم:27]، أي: هو الله الذي يبدأ خلق ما أراد خلقه في كل يوم وساعة من غير شيء، ويهبه الحياة، ثم يسلبها منه في آجال سماها، ثم يعيده يوم القيامة أحب الناس أم كرهوا.

    وقوله تعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27] أي: الإعادة أيسر وأسهل عليه، فليس على الله شيء صعب، ولا شاق، ولا عزيز ممتنع، وإنما خرج الخطاب على أسلوب المتعجبين من إعادة الخلق بعد فنائه، فأعلمهم أن المتعارف عليه عندهم: أن الإعادة أسهل من البداءة؛ ليفهموا ويقتنعوا، وإلا فلا شيء صعب على الله تعالى، ولا شاق، ولا عسير، إذ هو يقول للشيء متى أراده: كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117].

    وقوله تعالى: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الروم:27]، وَلَهُ [الروم:27] أي: لله سبحانه وتعالى الوصف الأكمل فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:27]، وهو الألوهية والوحدانية، فهو الرب الذي لا إله إلا هو المعبود في السماء والأرض لا إله إلا هو فيهما، ولا رب غيره لهما، وَهُوَ الْعَزِيزُ [الروم:27] الغالب، المنتقم ممن كفر به وعصاه الْحَكِيمُ [الروم:27] في تدبيره وتصريفه لشئون خلقه.

    وقوله تعالى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ [الروم:28] أي: جعل لكم مثلاً مأخوذاً ومنتزعاً من أنفسكم، وهو: هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ [الروم:28] أي: إنه ليس لكم من مماليككم وعبيدكم شريك منهم يشارككم في أموالهم، إذ لا ترضون بذلك، ولا تقرونه أبداً، إذاً فكذلك الله تعالى لا يرضى أن يكون من عبيده من هو شريك له في عبادته التي خلق كل شيء من أجلها ]. فأبطل عبادة الملائكة والأنبياء والرسل فضلاً عن الأحجار والأشجار.

    [ وقوله تعالى: تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ [الروم:28]، أي: تخافون عبيدكم كما تخافون بعضكم بعضاً أيها الأحرار، أي: لا يكون هذا منكم ولا ترضون به.

    إذاً: فالله -وله المثل الأعلى- كذلك لا يرضى أبداً أن يكون مخلوق من مخلوقاته ملكاً كان أو نبياً أو وثنياً أو صنماً شريكاً له في عباداته ]. لا يرضى بهذا.

    [ وقوله: كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ [الروم:28] أي: نبينها بتنويع الأساليب وضرب الأمثال: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم:28]، إذ هم الذين يفهمون معاني الكلام، وما يراد من أخباره، وقصصه، وأمثاله، وأوامره، ونواهيه.

    وقوله تعالى: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الروم:29] أي: ليس الأمر قصوراً في الأدلة، ولا عدم وضوح في الحجج، وإنما الظالمون اتبعوا أهواءهم. أي: ما يهوونه ويشتهونه بغير علم من نفعه وجدواه لهم، فضلوا لذلك، فمن يهديهم وقد أضلهم الله حسب سنته في الإضلال. وهو معنى قوله تعالى: فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [الروم:29]؟ أي: لا أحد.

    وقوله: وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [الروم:29] أي: يهدونهم بعد أن أضلهم الله، والعياذ بالله تعالى ].

    هذا معنى الآيات، وهكذا يجب أن نفهم كلام الله، وهكذا يجب أن نعيش على كتاب الله.

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات: ] عرفتم أن لكل آية هداية، وكل آية علامة على أن يعبد الله وحده، ويطاع في أمره ونهيه، وإليكم بيان ذلك.

    قال: [ من هداية الآيات:

    أولاً: تقرير عقيدة البعث والتوحيد بذكر الأدلة وضرب الأمثال وتفصيل الآيات.

    ثانياً: تفرد الرب تعالى بالمثل الأعلى في كل جلال وكمال ] فلا يساويه أحد في جلاله وكماله، وله المثل الأعلى.

    [ ثالثاً: استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام ]؛ لأن الله ضرب الأمثال فهي مستحسنة.

    [ رابعاً: عظم فائدة هذا المثل: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ [الروم:28] ... الآية حتى قال بعضهم: فهم هذا المثل أفضل من حفظ كذا مسألة فقهية ].

    قال القرطبي : فهم هذا المثل في الآية أفضل لك من أن تحفظ كتاباً كاملاً في الفقه وأنت لا تعرف لا إله إلا الله.

    [ خامساً: ] وأخيراً [ علة ضلال الناس: اتباعهم لأهوائهم بغير علم، وبانصرافهم عن الهدى بالاسترسال في اتباع الهوى ] والعياذ بالله تعالى.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755952748