إسلام ويب

تفسير سورة الروم (8)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عجب أمر أولئك الجاهلين! ينسون الله في حال سرّائهم وأفراحهم، فإذا أصابتهم الهموم، وانتابتهم الغموم تركوا شركهم، ولجئوا إلى خالقهم، والأعجب من أولئك مسلم ينسى الله في حال سروره وفرحه ويستغيث بغير الله في حال ضره ومرضه، أليس خاسراً في الحالين؟!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات من سورة الروم ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ * وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الروم:33-37].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [الروم:33] هذا خبر، والله إنه لواقع كما أخبر تعالى، وهو العليم الخبير.

    معنى قوله تعالى: (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه)

    يقول عز وجل: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ [الروم:33] لفظ (النَّاسَ): عام، ولكن أريد به هنا المشركون، ومع هذا فإن عموم اللفظ انتظم ودخل فيه من ينتسبون إلى الإيمان وإيمانهم ليس بسليم ولا صحيح، ووقع منهم هذا الذي وقع من المشركين.

    ما الذي وقع؟ إذا مسهم ضر.. مرض.. فقر.. قحط.. جدب.. حاجة من الحاجات.

    دَعَوْا رَبَّهُمْ [الروم:33] عز وجل ولجئوا إليه: يا رب.. يا رب! رافعين أصواتهم، داعين ضارعين، منيبين إليه! أغمضوا أعينهم عن كل من سوى الله أبداً.

    وهذا كما علمنا من كتاب الله: أن المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله إلى عهد إسماعيل كانوا يؤمنون بالله رباً لا رب غيره، وكانوا ينيبون إليه، ويفزعون إليه في الشدائد، بالرغم من أنهم يعكفون على الأصنام، ويقبلونها ويتمسحون بها، ويحلفون بها، ويستغيثون بها، إلا أنهم في حال الشدة الشديدة من مرض.. قحط.. جدب أصابهم.. فقر.. حاجة.. يفزعون إلى الله وحده: يا رب يا رب!

    قصة إسلام عكرمة بن أبي جهل

    وأذكركم بحادثة عكرمة بن أبي جهل : عكرمة -رضي الله عنه وأرضاه- تأخر إسلامه، ولكنه أسلم وحسن إسلامه.

    أسلم يوم الفتح، لما فتح الله تعالى على رسوله مكة ودخلها ما كان من المشركين المعاندين المبغضين الساقطين إلا أن هربوا من مكة، وأكثرهم بقي في مكة، والرسول صلى الله عليه وسلم لما تجمعوا حول المسجد الحرام حول الكعبة سألهم قائلاً: ( ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ).

    إلا أن عكرمة كان ممن هرب لا يريد أن ينظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجد سفينة في جدة أو قرية أخرى على البحر تريد أن تقلع فركبها ليذهب من الحجاز أو من الجزيرة بالمرة، ولما ركب السفينة وسارت السفينة في البحر جاءت عاصفة من الريح فاضطربت السفينة ولم تكن السفن في ذلك الوقت كما هي الآن لا يؤثر فيها الريح ولا العواصف، فلما اضطربت السفينة وخاف ربانها من الغرق قال لهم: ارفعوا أيديكم، اسألوا الله وحده ولا تسألوا غيره، ادعوا الله وحده لينجينا من هذا الغرق. فتعجب عكرمة وقال: لماذا هربت من محمد؟! لأنه كان يدعو إلى عبادة الله وحده، والآن عند الغرق لا ندعو إلا الله؟!

    والله لنعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم! ارجع بنا إلى الشاطئ، فرجع صاحب السفينة ونزل عكرمة وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم بين يديه.

    والشاهد في قول الله تعالى في غير هذه الآية وفي هذه الآية هذا الخبر الإلهي: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ [الروم:33]، الضر: ما يضر ويؤذي من مرض.. وجع.. خوف كذا.. وغير ذلك، كله يقال فيه: ضر.

    وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ [الروم:33] راجعين إليه، بعدما كانوا يلتفتون عنه إلى غيره .. رجعوا إلى الله.

    معنى قوله تعالى: (ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون)

    ثم قال تعالى: ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً [الروم:33] وذهب ذاك الضر والألم والفقر والمصائب إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [الروم:33] يعودون إلى الشرك فيعبدون الأصنام، والأهواء، والشياطين.

    ولا ننس أيضاً حادثة الشيخ محمد عبده وتلميذه رشيد رضا في تفسير المنار عند تفسير هذه الآيات، قال:

    كان الحجاج يركبون سفينة جاءت من طرابلس -من الغرب- ومرت بالموانئ تحمل الحجاج -من الإسكندرية ذاهبة إلى جدة- فجاءت عواصف، واضطربت السفينة، وكاد أهلها يوقنون بالغرق، وإذا بالحجاج يصيحون بأعلى أصواتهم: يا سيدي عبد القادر يا فلان! يا فلان! يا رسول الله! يا كذا.. ولا يذكرون الله إلا قليلاً، فرفع أحد الحجاج يديه إلى السماء، وقال: يا رب أغرقهم؛ فإنهم ما عرفوك.

    هذا المؤمن قال: يا رب أغرقهم؛ فإنهم ما عرفوك!

    في حال الشدة لا يعرفون الله، والمشركون الأولون في حال الشدة لا يعرفون إلا الله، فلا يثقون في صنم ولا حجر ولا.. ولا، وهؤلاء يثقون في أموات ليسوا بأحياء.

    وسبب هذا: الجهل، لم ما عرفوا؟ الجواب: لأنهم لم يجلسوا في حلق العلم، ولا سألوا أهل العلم، ولا.. ولا، يعيشون على ظلمة الجهل، فحملتهم على هذا الضلال، فكانوا أسوأ من المشركين الأولين.

    قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [الروم:33] والعياذ بالله تعالى، لما أنقذهم من الكرب والهم والمرض عادوا إلى الأصنام من جديد .. لما كانوا في الشدة كانوا مع الله، ولما نجاهم عادوا للشرك وعبادة الأصنام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون)

    ثم قال تعالى: لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ [الروم:34] والعياذ بالله.

    إذاً: فَتَمَتَّعُوا [الروم:34] قل لهم فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الروم:34]، تمتعوا هذه الأيام في هذه الحياة بما عندكم وسوف تعلمون نتائج هذا الكفر والشرك والإعراض عن الله عز وجل؛ وذلك يوم تبعثون حفاة عراة في ساحة فصل القضاء يوم القيامة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون)

    ثم قال تعالى: أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ [الروم:35].

    هل أنزل الله حجة لهؤلاء على هذا الشرك؟

    هل بعث فيهم رسول يدعوهم إلى هذا؟ هل.. هل..؟

    ماذا كان؟ كيف يشركون بدون علم؟

    لم ينزل الله عليهم من سلطان أبداً، فلو كان عندهم حجج علمية، وبراهين من الوحي الإلهي، من أحاديث الأنبياء لكانوا يعذرون، ولكن ليس عندهم حجة أبداً.

    إذاً: هذا الذي يشركون به لا حجة لهم، ولا سلطان، ولا بيان، ولا برهان على أن يعبدوه مع الله ويدعوه، وإخواننا المسلمون الذين مازالوا يستغيثون بالأولياء، وينادونهم وهم أموات أو أحياء، هل عندهم في هذا حجة أو سلطان: قال الله وقال رسوله؟ الجواب: لا والله، ما هو إلا التقليد لبعضهم البعض، والرواية عن بعضهم البعض، والكل ما عرفوا الله، ولا عرفوا الطريق إليه.

    أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ [الروم:35]؟ لا والله، لا حجة، ولا دليل، ولا برهان، لا من كتاب ولا من سنة، فقط اتباع للشيطان، والتقليد للعوام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون)

    ثم قال تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا [الروم:36] ولفظ: الناس هنا -كما علمتم- عام.

    وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم:36] افتح عينيك على البشرية تجد هذا الواقع: إذا كان الرخاء والمطر والسلامة والسعادة ماذا يفعلون؟

    الجواب: يفرحون ويطربون ويغنون ويأكلون ويشربون، ويتمتعون بأنواع اللباس ...

    وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ [الروم:36] من قحط، وجدب، أو مرض، أو خوف بِمَا قَدَّمَتْ [الروم:36] بسبب ما قدمته أيديهم من الكفر والشرك أو الإعراض عن سنن الله عز وجل، وعدم الأخذ بها، تصيبهم مثلاً بالجوع أو المرض إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم:36].

    وهذه الحال ليست حال المؤمنين البصراء، الواعين، العارفين بالله، بل هذه حال الجهل المركب: الكفر والجهل والشرك.

    واسمع الخبر: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ [الروم:36] من يذيقهم؟ الله.

    رَحْمَةً [الروم:36] ما هي الرحمة؟ المال.. الغنى.. المطر.. العافية.. السلامة من الأمراض والعاهات.

    فَرِحُوا بِهَا [الروم:36] فرحوا بها، ولكن لا يشكرون الله عليها، ولا يحمدونه على ذلك أبداً.

    وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [الروم:36] من الشرك والكفر أو الظلم أو ترك سنن الله تعالى في الكون لا يعملون بها.

    إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم:36] هذا حال الكافرين الذين لم يعرفوا الله، ولا عرفوا شرعه، ولا وعده، ولا وعيده، ألا وهم جهلاء البشر من بيض وسود في الأولين والآخرين.

    وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ [الروم:36] أي: ما يسوءهم من مرض أو قحط أو جدب أو خوف إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم:36].

    وقوله: بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [الروم:36] اعلم أن الله لا يبتلي إلا امتحاناً وابتلاء، فيبتلي بالغنى، ويبتلي ويمتحن بالفقر، ويمتحن بالغنى، لكن هؤلاء مشركون كافرون لم يمتحنهم الله، بل أعطاهم وأمدهم، فلما يحصل ذلك النعيم يكفرون بالله والعياذ بالله، وإن تصبهم سيئة إذا هم يقنطون، لا يرجعون إلى الله، ويستغفرونه ويتوبون إليه، بل يصابون بالقنوط واليأس، ويقولون: ما أصبح يأتي خير أبداً إلينا.

    هذا الخلق.. هذا الطبع.. هذا الوصف يجب ألا يكون للمؤمنين والمؤمنات! يجب ألا نتصف به أبداً!

    فإذا كانت رحمة نذكر الله ونشكره، ونستخدم تلك الرحمة فيما يحب الله، وإن كانت مصيبة -والعياذ بالله- نفزع إلى الله، ونلجأ إليه، ونستقيم على عبادته

    وهذا شأن الأحياء، أما الأموات فكما أخبر تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم:36] يفاجئونك بالقنوط واليأس، والعياذ بالله تعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ...)

    ثم قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا [الروم:37] أولم ينته إلى علمهم ويعلموا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الروم:37] على من يشاء.

    أليس الله هو الرازق؟ بلى.

    أليس الله هو مدبر الكون؟ بلى.

    أليس هو خالق الخلق؟ بلى.

    إذاً: هو يبسط الرزق، أي: يوسعه على من يشاء؛ امتحاناً لهذا العبد، أو يقدر -بمعنى: يضيق- على هذا كذلك؛ ابتلاء له هل يشكر ويصبر أم يجزع ويسخط؟

    وإلى الآن وفيما بيننا: يبتلي الله المؤمن كما يبتلي الكافر بالعيش الواسع والرزق الحسن لينظر: هل يحمد الله؟ هل يثني عليه؟ هل يشكره؟ أم ماذا يفعل؟

    ويضيق على عبد -أيضاً- مؤمناً كان أو كافراً ابتلاء له: هل يصبر أم يضجر ويسخط و.. و..؟

    وهذا كله سببه الجهل، وعدم العلم بالله.

    والجهلاء هم الذين إذا أنعم الله عليهم بنعمة يفرحون ويفعلون الأعاجيب، وإذا أصابهم جوع أو هم يكربون وييأسون ويقنطون. وهذا الوصف لا يليق بأهل لا إله إلا الله من المؤمنين.

    إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الروم:37] التضييق والتوسيع علامات للمؤمنين على أن هذا من فعل الله العليم الحكيم، فالله يرزق من يشاء، ويضيق على من يشاء؛ امتحاناً وابتلاء؛ لحكمه؛ لأنه الحكيم، العليم، الرءوف، الرحيم، أما غير المؤمنين فأموات لا يعرفون شيئاً.

    فهذا الذي ذكر الله تعالى، وهو قوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الروم:37] أي: على من يشاء يضيق.

    إِنَّ فِي ذَلِكَ [الروم:37] ماذا؟ لَآيَاتٍ [الروم:37] كالشمس والقمر لاحا في السماء آيات.

    لمن؟ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الروم:37] تدلهم على أن الله عليم حكيم، يدبر خلقه، فيرزق هذا ويرفع عن هذا، ويبتلي هذا

    لحكمه العالية. من يفهم هذا؟ المؤمنون العالمون.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:

    أولاً: بيان جهل المشركين وضلال عقولهم بما ذكر تعالى من صفاتهم وأحوالهم ].

    بيان ضلال المشركين، وفساد عقولهم، وفساد أحوالهم؛ لأنهم كالأموات ليسوا بأحياء.

    ولماذا -إذاً- إذا رزقهم الله عز وجل يكفرون بالنعم، وإذا ابتلاهم بالمرض أو الضعف يفزعون إليه ويدعونه؟

    المفروض إذا رزقهم بالخير يشكرونه ويحمدونه، ويعبدونه وحده؛ لكن لضلالهم وفساد عقولهم إذا أنعم عليهم أشركوا به غيره، وعبدوا غيره عز وجل، وإن ابتلاهم بالفقر أو المرض فزعوا إلى الله عز وجل.

    وهذا لا يقبل! لا يقبل منك أنك لا تعرف الله إلا في ظرف من الظروف، وتتنكر له في باقي الظروف، فالمؤمن يعرف الله في حال الغنى والفقر، في حال المرض والصحة، في حال الأمن والخوف، فهو دائماً مع الله.

    وأما المشركون فهذه حالهم إذا كانوا في غنى، وراحة، وأمن، وعافية، فيعبدون الأصنام، ويلهون بالأغاني والمزامير والطبول، وإذا جاء خوف أو فزع فزعوا إلى الله يشتكون إليه ويبكون.

    ومن المؤمنين الجهلة من حاله هكذا، فإذا كانت الوظيفة والمال والغنى والراحة وكذا.. فلا يعرفون الله أبداً، وإذا جاء الفقر -والعياذ بالله- يقنطون ولا يفزعون إلى الله، فهم أسوأ حالاً من المشركين!

    كيف هم أسوأ حالاً من المشركين؟

    المشركون في حال الغنى والصحة والأمن كانوا يعبدون الأوثان، وفي حال الفقر والمرض والخوف يفزعون إلى الله، وأما جهالنا اليوم في حال الترف والمال يتركون الله، فإذا جاء الفقر والخوف لا يفزعون إلى الله، بل ييأسون ويقنطون .. يلجئون إلى السخط والجزع والبكاء والصياح.

    [ ثانياً: بيان تهديد الله تعالى للمصرين على الشرك والكفر بعذاب يوم القيامة ].

    تمتعوا أيها المشركون واستمروا على ما أنتم عليه، لكن سوف تعلمون عاقبة هذا الشرك والكفر والإعراض عن الله عز وجل يوم يبعثكم حفاة عراة فيجزيكم على هذا الشرك والكفر. هذا ما دلت عليه الآية الثانية.

    [ ثالثاً: بيان حال أهل الشرك والجهل في فرحهم بالنعمة فرح البطر والأشر، ويأسهم وقنوطهم عند نزول البلاء بهم والشدة ].

    كما سمعتم وعلمتم فالمشركون.. الضلال.. الجاهلون.. الكافرون.. المنافقون إذا كانت النعم فالبطر، والأشر، والتكبر والصياح، والضجيج، والترف، والسرف، وإذا جاء القحط أو الخوف أو كذا.. لا يفزعون إلى الله عز وجل، بخلاف المشركين الأوائل.

    فقط ييأسون ويقنطون -والعياذ بالله- أو يسخطون على الله!

    نبرأ إلى الله من هذه الصفات.

    [ رابعاً: مظهر حكمة الله وتدبيره في الرزق توسعة وتقديراً، وإدراك ذلك خاص بالمؤمنين؛ لأنهم أحياء يبصرون ويفهمون، بخلاف الكافرين فهم أموات؛ لا إبصار ولا إدراك لهم ].

    هذه هداية الآية الثالثة: أهل البصائر.. أهل النُهى.. أهل العلم.. يعرفون أنه إذا ابتلاك الله بالمال والعافية والصحة فهذا فضل الله عليك.. أنعم الله عليك.. احمد الله.. اشكره.. تصدق.. ادخر للآخرة.. اعمل عملاً في هذا النعيم.

    وأما إذا ابتلاني بمرض أو فقر فأفزع إلى الله؛ لأنه ابتلاني ليرى هل أصبر أم أضجر؟ أدعو الله أم لا؟

    إذاً: حال المؤمنين دائماً في خير، ولكن هذا لمن؟

    قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الروم:37] وهم الأحياء العالمون العارفون، والله لهذا حالهم دائماً .. ففي حال الغنى ليس فيه ترف، ولا سرف، ولا بطر، ولا أغانٍ، ولا مزامير، ولا لهو، فقط يأكلون، وينفقون، ويتصدقون، ويبنون المساجد، أو يعبدون الطرق.

    وإن أصابهم الفقر والمجاعة فيفزعون إلى الله والضراعة بين يديه، ويقولون: هذا بسبب ذنوبنا، ويستغفرون الله الليل والنهار. هذه حال المؤمنين، فاللهم اجعلنا منهم.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755775664