إسلام ويب

تفسير سورة الفرقان (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • نزه الله عز وجل نفسه في هذه الآيات عما نسبه إليه أهل الكفر والضلال من اتخاذ الشريك والولد، فهو سبحانه من عمت بركته وشمل خيره سائر المخلوقات، وامتد ملكه ليشمل السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما، وأحاط علمه وقدرته بالأكوان، ثم ذكر سبحانه حالهم من اتخاذ الآلهة والمعبودات الضعيفة من دون الله على سبيل التوبيخ والتقريع لهم، وتسفيه عقولهم التي حملتهم على ذلك وجرتهم إليه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع فاتحة سورة الفرقان فهيا بنا نصغي لتلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس.

    قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا [الفرقان:1-3].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ [الفرقان:1]، هذه السورة مفتتحة بهذه الجملة ونظيرها سورة في القصار المفصل: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1].

    و(تَبَارَكَ): بمعنى: تكاثرت بركته، وعمت الخلائق كلها.

    (تَبَارَكَ): تباركت خيراته، وتكاثرت وعمت الخلائق كلها، وهو كذلك.

    إذاً: أخبر تعالى عن نفسه بهذا الخبر: أن رحمته.. بركته.. خيراته عمت الخلائق كلها، وهذا الوصف لا يوجد إلا فيه، ولا يكون إلا له عز وجل.

    تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ [الفرقان:1]. والمراد من (الْفُرْقَانَ): القرآن.

    (الْفُرْقَانَ): هو القرآن. لم سمي بـ(الْفُرْقَانَ)؟ لأن الله فرق به بين الحق والباطل، بين الكفر والإيمان، بين الحلال والحرام، بين الخير والشر.

    حقاً هو فرقان، عظيم الفرق؛ صيغة فعلان، كظمآن شديد الظمأ، غضبان قوي الغضب، كذلك فرقان كثير الفرق.

    القرآن فرق بين الأديان الباطلة والدين الحق، فرق بين التوحيد والشرك، فرق بين الباطل والحق، بين الخير والشر، فلهذا سمي بـ(الْفُرْقَانَ): وهو القرآن، وسمي القرآن قرآناً؛ لأنه كلام الله جمعت كلماته وأصبحت كلاماً يقال فيه القرآن، من قرأ إذا جمع.

    تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]. من عبده هنا؟ إنه والله لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وقال: عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، ولم يقل: على نبيه أو على رسوله ولكن قال: عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]؛ لأن هذا أشرف وصف لمحمد صلى الله عليه وسلم، أن ينسبه الله إليه ويقول: هذا عبدي.

    إذاًً: ففي هذا مدح وثناء وتشريف وإجلال وإكبار للنبي صلى الله عليه وسلم، إذ اتخذه الله عبداً له تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ [الفرقان:1]، بواسطة جبريل عليه السلام، آية بعد آية، وسورة بعد سورة، في ثلاث وعشرين سنة اكتمل نزوله من الفاتحة إلى الناس.

    في ظرف ثلاث وعشرين سنة، ثلاث عشرة سنة في مكة وعشر سنين بالمدينة اكتمل نزول القرآن، آخر سورة فيه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1].

    تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]. لم نزله على عبده.. على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؟ من أجل ماذا؟ ‏

    معنى قوله تعالى: (ليكون للعالمين نذيراً)

    قال: لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، والمراد من العالمين: عالم الإنس والجن، إذ رسالته صلى الله عليه وسلم كانت عامة للإنس والجن، ولم تكن رسالة رسول من الرسل بهذه المثابة أبداً، فكانت الرسالات خاصة بالبشر وخاصة بأجيال دون أجيال، إلا أن رسالة نوح عمت البشرية.

    بعد الطوفان بقيت البشرية محصورة محشورة في مكان وكان نوح نبي الله ورسوله إليهم، فرسالة نوح كانت عامة للموجودين، أما رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهي عامة في العالمين: الإنس والجن، وإلى يوم القيامة، ليكون صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن نذيراً للعالمين.

    والنذير: الذي ينذرهم عواقب الشرك والكفر والشر والظلم والخبث والفساد، فإن عواقب ذلك: الخسران الأبدي.

    ومن هنا يجب أن يسمع اليهودي والمسيحي والبلشفي والمشرك والكافر أن رسالة محمد رسالة إليهم، وأنهم مأمورون بالإيمان والعمل الصالح، والتخلي والبعد عن الشرك والظلم والشر والفساد، وإلا فمصيرهم جهنم والعياذ بالله.

    وقد دل هذا على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم، والبرهنة موجودة، فما كان زمان يمضي ولا يوجد فيه رسول أو نبي، لكن لما ختم الله الرسالات والنبوات بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم هل بعث بعده رسولاً؟لا.

    كم سنة؟ ألف وأربعمائة سنة لا نبي ولا رسول؛ لأنه جعله خاتمة الأنبياء والمرسلين، واليوم ألف وأربعمائة وتسعة عشر سنة ما كان نبي ولا رسول.

    أيضاً: حفظ الله للقرآن الكريم دليل آخر، ما حفظ كتاب كما حفظ القرآن، الإنجيل كما علمنا خمسة أناجيل، التوراة لا تسأل، لكن القرآن ما زيد فيه ولا حرف واحد، ولا استطاع أعداء الإسلام أن يزيدوا في القرآن كلمة أو ينقصوا منها كلمة، والله ما قدروا وحاولوا وما استطاعوا؛ لأن الله تعالى تعهد بحفظه إذا قال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، إنا نحن نزلنا القرآن وإنا له لحافظون، وما حفظه الله لا يستطيع أحد أن يأخذه منه أو ينتقص منه، والله ما يستطيع. لو تجتمع البشرية كلها يبيدها الله أو يصيبها بالبكم وعدم النطق.

    إذاً: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، ينذرهم عواقب الشرك والكفر، والظلم والخبث والشر والفساد، فإنها خزي وعار في الدنيا، وعذاب أبدي دائم في الدار الآخرة المقبلون عليها.

    نحن مقبلون عليها؟ بلايين البشر هم فيها من أبيك إلى آدم.. بلايين الخلق، ونحن في طريقنا إليهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ... )

    ثم قال تعالى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الفرقان:2]. من هو؟ الله. الذي تبارك ونزل الفرقان وأرسل محمداً.

    من هو؟ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الفرقان:2]، السماوات السبع والأرض وما فيهما وما بينهما لا يملكه أحد إلا الله.

    من يملك؟ من المالك الحق؟ الله جل جلاله هو الذي يملك ما في السماوات والأرض، يعطي ويمنع، يرفع ويضع، يعز ويذل، يصحح ويمرض؛ إذ هو الملك المالك لكل ما في السماوات والأرض.

    إذاً: يجب أن نتعرف إليه وأن نتحبب إليه، وأن نعمل بطاعته؛ لنسعد ولا نشقى، لنربح ولا نخسر، إذ هو: لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الفرقان:2]، فكيف نرفع أكفنا إلى صنم، أو حجر أو إنسان نطالبه بأن يعزنا أو ينصرنا أو يشفي مرضانا أو يطعم جائعنا؟

    هذا دليل على أنه والله لا يجوز لكائن أن يسأل غير الله؛ إذ لا يملك الكون كله إلا الله، لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الفرقان:2]، هذا أولاً.

    تنزيه الله سبحانه عن اتخاذ الولد

    وثانياً: وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا [الفرقان:2]، ما اتخذ ولداً أبداً.

    كيف يتخذ الولد وهو خالق الأولاد والآباء والأمهات؟!

    الذي يخلق الخلق يحتاج إلى ولد؟!

    والذي يتخذ ولد يحتاج إلى زوجة أو لا؟ تعالى الله أن تكون له امرأة وهو خالق النساء وخالق الرجال.

    ومع الأسف الآية تندد باليهود الذين قالوا العزير ابن الله، وتندد بالنصارى الصليبيين الموجودين الذين قالوا: عيسى ابن الله، وتندد بقبائل من العرب قالوا: الملائكة بنات الله، تعال الله أن يكون له ولد أو تكون له صاحبة.

    كيف يكون له ولد ولم تكن له صاحبة؟

    وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا [الفرقان:2]، لا ذكراً ولا أنثى، لا في الأولين ولا في الآخرين.

    وأبطل بذلك هذه الدعاوى.

    قبائل من العرب يقال لهم بنو لحيان، قالوا: الملائكة بنات الله، فعبدوا الملائكة، ولكنهم انتهوا فأسلموا.

    والنصارى قالوا: عيسى ابن الله، وعبدوا عيسى وعلقوا صليبهم في أعناقهم.

    واليهود قالوا: العزير ابن الله وعبدوه أيضاً.

    ومع الأسف جهال المسلمين عبدوا القبور والأولياء وما قالوا أبناء الله، قالوا: نتوسل بهم إلى الله، فاستغاثوا بهم، دعوهم، سألوهم، ذبحوا الذبائح لهم، عكفوا على قبورهم.. وحق سيدي فلان، يحلفون بهم ويعظمونهم، ولكن لا يعتقدون أنهم أولاد الله، ولكن الكفر هو الكفر والشرك هو الشرك.

    لم قالوا: الملائكة بنات الله؟ ليعبدوهم، ويتقربون بهم إلى الله. قالوا: نعبد بناتك.

    تنزيه الله سبحانه وتعالى عن اتخاذ الشريك

    يقول تعالى: وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ [الفرقان:2]. ليس هناك شريك لله لا في سماء من السماوات، ولا في قطعة من أرض، لا في بشر، لا في جيل من الأجيال، أبداً ليس له شريك، ولكن مع الأسف اتخذوا له شركاء فعبدوهم مع الله.

    الشريك هو من يشاركك في الشيء، والله عز وجل لا شريك له.

    فكيف يعبد معه غيره؟! هذا المعبود الذي يعبد بالعبادة يستغاث به، يحلف به، يركع له ويسجد، يعظم ويكبر ويجل، هذا المخلوق كيف أصبح شريكاً لله والله لا شريك له لا في الخلق ولإيجاد ولا في التدبير ولا ولا..؟

    كيف يكون له شريك في العبادة؟!

    هذا القرآن ينزل، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، كل صنم يعبده جماعة من الناس!

    لما نزل هذا كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، ولا يوجد بيت من بيوت العرب يومها أو خيمة ولا ولا.. إلا والصنم فيه يعبد.

    والآن ملايين النصارى الصلبان في أعناقهم وعلى سياراتهم وعلى أبوابهم!

    صليب يعبدونه مع الله عز وجل ويكبرونه ويعظمونه ويعبدونه ويدعونه ويستغيثون به ويحلفون به؟!

    نعم مع الأسف؛ لأنهم أعرضوا عن كتاب الله، بلغتهم دعوة الرسول وأن الدعوة عامة، وأنه رسول الله إلى الناس أجمعين، وأن كتاب الله بين يديه وورثه لأمته وهو في صدروهم وفي سطورهم وهم معرضون لا يلتفتون أبداً إليه، إلا من رحم الله وأدخله في الإسلام.

    معنى قوله تعالى: (وخلق كل شيء فقدره تقديراً)

    قوله تعالى: وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2].

    هذا هو الله، هذا الذي لا إله غيره ولا رب سواه، لا يوجد في العوالم علويها وسفليها إله يستحق أن يعبد إلا الله؛ لأنه خالق كل شيء، فالمخلوقات كلها هو خالقها.

    كيف يوجد بينها من يعبد مع الله ويعظم ويبجل ويكرم، ويسجد له ويركع، وهو مخلوق مربوب والله خالقه ومالكه؟!

    خلق كل شيء، ما يشار إلى شيء إلا والله خالقه من جناح البعوضة إلى كوكب السماء.. إلى كل المخلوقات هو خالقها.

    ومع ذلك التقدير العجيب، والنظام العظيم، والحكمة التي لا يخلو منها موجود، والله لا يوجد شيء يخلو من حكمة الله عز وجل في سبب خلقه وإيجاده، والتقدير العظيم.

    فقط قف وانظر إلى إنسان من حولك! من وهبه سمعه وبصره؟ كيف هذا البصر؟ كيف هذا السمع؟ كيف هذا المنطق؟ كيف هذا اللسان؟ كيف له وجود؟ من قدر هذا التقدير؟

    لا إله إلا الله، خلق كل شيء وقدرته تقديراً.

    انظر فقط لم لا يكون أنفي هنا فوق رأسي؟ لم يكون في أذني؟ لم.. لم.. لم.. لو تجتمع البشرية كلها على صعيد واحد لن تجد اثنين لا يفرق بينهما أبداً.

    قولوا: لا إله إلا الله، والله لا إله إلا الله. البشرية الموجودة الآن من أمريكا إلى اليابان لا يوجد اثنان هذا يدخل على امرأة هذا وهذا يدخل على امرأة هذا ولا يفرق بينهما مع أن العينين والأذنين والفم والأنف واحد.. لفائدة عظيمة، لكن لا يتحدان في الصفات أبداً، حكمة عظيمة هذه.

    لو كانوا جيلاً واحداً في مائة سنة وكانت البشرية نوع واحد ما بقي ابن ولا أب ولا حلال ولا حرام، بهائم ينكح بعضها بعضاً. قولوا: آمنا بالله وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ...)

    ثم قال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [الفرقان:3]، يا للأسف.. يا للأسف! أين يذهب بالعقول؟ أين الأبصار؟ وأين العيون؟

    هذا الله الذي سمعتم عنه: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [الفرقان:3]، يؤلهونها يعبدونها، بالدعاء، بالاستغاثة، بالحلف بها، بالنذر لها، بالعكوف حولها، بتسميتها وهكذا.. اتخذوها آلهة، العرب والعجم في الشرق والغرب.

    وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [الفرقان:3] هذه الآلهة لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الفرقان:3].

    أين يذهب بعقول المشركين؟! أتعبد من هو مخلوق؟ اعبد خالقه. ما دام مخلوقاً، مصنوعاً اعبد صانعه!

    كيف تعبد المخلوق؟ يقول: أنا أتوسل به إلى الخالق.

    هذه هي الفكرة التي كفروا بها وأشركوا، قالوا: نتوسل به ونستشفع به حتى يعطينا ربي كل شيء.

    كيف تتوسل به؟ تعلم كيف تتوسل؟

    توسل إلى الله بعبادته، بحب ما يحب، وكره ما يكره، بفعل ما أمرك بفعله وترك ما نهاك عن فعله.

    هذا التوسل إلى الله. نعم. هذا عبد الله توسل به إلى الله. كيف؟ أكرمه، أطعمه إن جاع، اسقيه إن عطش، احمله إن عجز، توسل به إلى الله، أما أن تبني على قبره قبة وتابوتاً للزوار وكذا.. ثم تأتي وتعكف وتشعل فيه الشموع وأضواء وكذا.. فهذا تأليه وعبادة لغير الله.

    سبب انتشار الشرك في أوساط المجتمعات الإسلامية

    عمت دنيا المسلمين بهذا الشرك من إندونيسيا إلى موريتانيا وما خفت إلا هذه السنيات من خمسين سبعين سنة، لما كثر العلم وانتشرت الدعوة، وإلا كانت والعياذ بالله تعالى، والله مررنا بهم عاكفين حول القبر نساء ورجال ولا نقول في أي بلد. ما سبب هذا؟ الجهل، ظلمة الجهل، عدم العلم، عدم المعرفة. والله لهو الجهل.

    وسؤال آخر: ما سبب هذا الجهل والكتاب بين أيدينا، وهدي نبينا في كتبنا وفي صدورنا؟

    كيف يكون الجهل وكتاب الله في صدرونا والسنة في كتبنا وعلى ألسنة علمائنا؟

    والجواب: ما تكرر القول فيه والله شاهد، أن الثالوث الأسود المكون من: المجوسية واليهودية والصليبية، اجتمعوا وقالوا: كيف نهبط هذه الأمة من علياء السماء لتصبح مثلنا وتهبط إلى الأرض ونسودها ونقودها؟

    ماذا نصنع؟ قالوا: ابحثوا.. ابحثوا.. ابحثوا عن أسباب رفعتها وسموها وعلوها، لعلكم تعرفونه، فإذا عرفتموه أمكنكم أن تنزلوها من علياء السماء، ووالله لقد عرفوا ببذل الجهد، عرفوا أن هذا الأمة حييت بالقرآن، كانت ميتة فأحياها الله بالقرآن، فالقرآن روح، فإذا تركه العبد مات، واقرءوا قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]، والله لهو القرآن وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، القرآن روح ونور، قالوا: إذا هيا نبعد هذه الأمة عن القرآن لتموت وتعمى تمشي في الظلام. كيف نصنع؟ قالوا: مستحيل، كيف نستطيع أن نأخذ القرآن من صدورهم وهم يحفظون نساءً ورجلاً؟ لو كانت الكتب فقط ممكن، ماذا نصنع؟ قالوا: إذاً نصرفهم عن دراسته ومعرفة ما فيه، فيصبح القرآن ميتاً بينهم، يقرءونه على الموتى فقط، ووضعوا قاعدة كررناها، قالوا -واسمعوا- تفسير القرآن صوابه خطأ، إن فسرت آية وأصبت فأنت مخطئ مذنب، وخطؤه كفر، فإن فسرت فأخطأت كفرت، فألجموا وكمموا أفواه العالم الإسلامي.

    وهذا ممكن من القرن الرابع أو الخامس.

    ومعنى هذا: لا تقل: قال الله أبداً. اسكت، ما تعرف.

    إذاً: ماذا نصنع بالقرآن؟ قالوا: نقرأه على الموتى. من إندونيسيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً والناس يقرءون القرآن على الموتى فقط، يحفظونه وهم أطفال صغار لا لشيء إلا ليقرءوه على الموتى، وإلى الآن لا يزال يقرأ على الموتى، فلما أخذوا الروح من المسلمين ماتوا وهبطوا فاستعمروهم واستغلوهم وجهلوهم كما تعلمون ويعلم كل عاقل.

    عرفتم السر ما هو؟ القرآن روح، ولا حياة بدون روح، حييت هذه الأمة في هذه الديار بالقرآن، وانتشرت الحياة في العالم بأسره من إندونيسيا إلى المغرب ودخلوا في الإسلام بسبب هذا الروح، فلما حرمونا من تلاوة القرآن وتدبره ودراسته هبطنا وعمنا الجهل، فلهذا عبد الأولياء، عبدوهم عبادة أكثر من عبادة الله، عبدوا عبد القادر الجيلاني في الشرق والغرب.

    ومن اللطائف: شخص قال: يا سيدي عبد القادر ! قلت له: من سيدي عبد القادر هذا؟ قال: ولي الله. قلت: تستغيث به تناديه؟ قال:نعم. قلت: كيف هذا؟ أنت تتلمذت له؟ قرأت عليه؟ قال: لا. كم بينك وبينه ؟ ألف سنة، بينك وبين بلاده؟ أربعة عشرة آلاف كيلو متر.

    فكيف تتخذه شيخك وتقول: شيخي عبد القادر الجيلاني ؟ واتخذنا مشايخ جهالاً وضلالاً وعبدوهم والعياذ بالله.

    ونعود إلى أن نقول: هذه مكرة الثالوث: المجوس واليهود والنصارى، وما زالوا والله إلى الآن يعملون على إبعادنا عن الإسلام بتنظيم عجب.

    معنى قوله تعالى: (ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً)

    يقول الله: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [الفرقان:3]، اسمع! آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا [الفرقان:3] ولا جناح بعوضة، وهم في أنفسهم مخلوقون.

    كيف الذي هو مخلوق يعبد؟ كيف الذي لا يخلق شيئاً في الكون هذا يعبد؟!

    ما معنى يعبد؟ كيف يعكف على قبره؟ كيف يعلق الصليب في عنقه؟ كيف يدعى؟ كيف يستغاث به؟ كيف يحلف به؟ بأي حق هذا؟

    وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الفرقان:3]، أيضاً، وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ [الفرقان:3] ولا لغيرهم، ضَرًّا وَلا نَفْعًا [الفرقان:3].

    هل هناك من يملك أن يدفع ضراً عن نفسه أو خيراً يجلبه لها؟

    الجواب: لا، الفاعل هو الله عز وجل، فمن عبدوهم من دون الله لا يملكون ضراً ولا نفعاً، لا لأنفسهم ولا لعابديهم أبداً.

    هذا إخبار الله، والله أصدق من يخبر، والله لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً.

    الصليب هذا المعلق في العنق هل يملك شيئاً لنفسه؟ لا. لا يملك ضراً أو نفعاً. هل يملك صاحبه ذلك؟ والله ما يملك شيئاً.

    معنى قوله تعالى: (ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً)

    وأخيراً: وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا [الفرقان:3]، الذي ما يحيي ولا يميت كيف يعبد؟!

    الذي نذل له ونخضع له ونطيعه وننصاع له إذا كان يخلق ويوجد الخلق أمامنا نعظمه ونعبده.

    وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً [الفرقان:3]، الذي لا يميت ولا يحيي كيف يعبد؟!

    وَلا نُشُورًا [الفرقان:3]، والمراد من النشور: الحياة بعد الموت، وهو يوم القيامة يتم هذا فيه.

    النشور: الحياة بعد الموت، ينشرهم الله عز وجل ويخرجون من الأرض، ويقال فيه: يوم النشور، يوم القيامة، يوم الساعة.

    هكذا يقول تعالى وقوله الحق يندد بالمشركين والكافرين وعبدة الأصنام وعبدة البشر، يقول: وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا [الفرقان:3]، فكيف يعبدونهم من دون الله؟!

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    إليكم شرح الآيات من الكتاب لتزدادوا علماً وبصيرة.

    معنى الآيات

    قال: [ معنى الآيات:

    يثني الرب تبارك وتعالى على نفسه] أثنى على نفسه فقال: تَبَارَكَ [الفرقان:1] [ بأنه عظم خيره وعمت بركته المخلوقات كلها. الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ [الفرقان:1]، أي: الكتاب العظيم الذي فرق به بين الحق والباطل وبين التوحيد والشرك وبين العدل والظلم، أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله وسلم] لماذا؟ [ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ [الفرقان:1]، الإنس والجن، نَذِيرًا [الفرقان:1]، ينذرهم عواقب الكفر والشرك والظلم والشر والخبث والفساد وهي عقاب الله وعذابه في الدنيا والآخرة.

    وقوله: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الفرقان:2]، أي: خلقاً وملكاً وعبيداً، وهو ثناء بعد ثناء] أثنى به على نفسه.

    [ وقوله: وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2]، وهو ثناء آخر عظيم أثنى تبارك وتعالى فيه على نفسه بالملك والقدرة والخلق والعلم والحكمة.

    وقوله: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [الفرقان:3]، أي: أصناماً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ [الفرقان:3]، فضلاً عن غيرهم من عابديهم، ضَرًّا وَلا نَفْعًا [الفرقان:3]، أي: دفع ضرٍ ولا جلب نفع، وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا [الفرقان:3] لأحد، وَلا حَيَاةً [الفرقان:3] لأحد، وَلا نُشُورًا [الفرقان:3] للناس يوم القيامة. أليس هذا موضع تعجب واستغراب أمع الله تعالى الذي عمت بركته الأكوان وأنزل الفرقان، ملك ما في السموات والأرض، تنزه عن الولد والشريك وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، يتخذون من دونه آلهة أصناماً لا تدفع عن نفسها ضراً ولا تجلب لها نفعاً ولا تملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً فسبحان الله أين يذهب بعقول الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله ].

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:

    أولاً: مظاهر ربوبية الله تعالى الموجبة لألوهيته وهو إفاضة الخير على الخلق والملك والقدرة والعلم والحكمة ].

    مظاهر ربوبية الله وألوهيته في الكون، من الذرة إلى المجرة، كل هذه الكائنات مخلوقة، مربوبة. من خالقها؟ من ربها؟ ليس إلا الله. فلم إذاً تعمى البصائر والقلوب ويعبدون الأصنام والأحجار والشهوات، ويعرضون عن عبادة رب الأرض والسماوات؟! يا ويلهم يوم يقفون بين يدي ربهم!

    [ ثانياً: التنديد بالشرك والمشركين ]. يا أبناء الإسلام! تنزهوا، تطيبوا، تطهروا:

    أولاً: لا تحلف بغير ربك، وإذ ما زال بيننا من يقول: وحق كذا.. ورأس كذا.. فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحلف بغير الله، على المنبر هذا والرسول واقف عليه يقول: ( ألا إن الله ورسوله ينهيانكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ). وانتشر بين الناس يحلفون حتى بالطعام، الملح الذي ذقناه والعياذ بالله، علة ذلك الجهل، أما الآن فقد علمنا فلا يحل لمؤمن أن يحلف بغير الله لا بالرسول ولا بالقرآن ولا بالكعبة ولا بالملك ولا بجبريل. قل: والله، تالله، بالله. هذه أيمانك يا مؤمن.

    [ ثالثاً:] وأخيراً [ تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء ]. الآيات التي تدارسناها ثلاث آيات قررت التوحيد: وهو أنه لا يعبد إلا الله. وقررت النبوة: وهي أن محمداً رسول الله. وقررت البعث الآخر: وهي أن أعمالنا هذه سنجزى بها كاملة وافية يوم القيامة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755764782