الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البروج، وإن الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:11-22].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! اسمعوا هذا الخبر المؤكد وتأملوا فيه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البروج:11] ما لهم؟ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11] من المخبر بهذا الخبر؟ بنو سليم .. أفلاطون .. العالم الفلاني؟

قولوا! من القائل لهذا القول؟ أو أنه قول بدون قائل؟ لا. هل نحن حمقى حتى نقول: يوجد قول بدون قائل؟

إذاً: من القائل؟ إنه الله رب العالمين.

أين الله؟ فوق سماواته.. فوق خلقه.. فوق عرشه. وإن قلت: وما يدريك؟ قلنا لك: أعلمك هو بنفسه. فإن قلت: لا أصدق، إذاً: أنت غير موجود، تصدق؟ إذا قال لك أخوك: أنت غير موجود. هل تقول: ممكن نعم؟

إذاً: على العقول السلام، فهيا نصبح بهائم.

كيف انتهى إلينا هذا القول؟ وما هي وسيلة وصوله إلينا؟

هذا ملك خاص اسمه جبريل، وهذه مهمته، ينزل بهذا الكلام الإلهي على من اختاره الله واصطفاه وانتخبه، بعد أن هيأه وأعده وكمله ليتلقى عنه هذه المعارف، وقد اجتمع ما أوحى إليه في كتاب واحد هو هذا الكتاب.

يا معاشر المؤمنين والمؤمنات! هذا الطريق لن يسلكه أحد ويقوى على سلوكه وينتهي إلى الغاية إلا إذا جعل الرسول صلى الله عليه وسلم أمامه، أما أن تجعل الرسول وراءك وتتزعم، أو عن يمينك وشمالك وتريد أن تصل فوالله ما أنت بواصل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحجرات:1] لبيك اللهم لبيك لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1] لا رأي لك ولا قول ولا فهم ولا منطق، وإنما ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، امش وراءه واطلب الهدى من طريقه تهتدي وتصل، أما أن تعرض عن كتاب ربه وهدي نبيه وتريد أن تصل بطرائق مختلفة فوالله ما أنت بواصل.

ونعيد القول: لا لوم ولا عتاب، الثالوث الأسود حرمنا من هداية الله عز وجل، وأبعدنا عن نور الله، فمتنا وضللنا قروناً.

أليس القرآن يقرأ على الموتى؟ القرآن يقرأ على الموتى.

آلله أم الرسول أمر بذلك؟ حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم الهادي المعلم، الحكيم أستاذ الحكمة ومعلمها أن يقول: اقرءوا القرآن على الموتى، بل اقرءوه على الأحياء لهدايتهم ولتربيتهم وإنقاذهم.

صحيح البخاري يقرأ للبركة إلى الآن. إذاً: فضلت الأمة، وما عرفت الطريق.

ما سبيل العودة؟

أن نسلك سبيل محمد صلى الله عليه وسلم.

أين كان يجمع المؤمنين في مكة، والحاكم كافر والبلد كافر؟

كان يجمعهم في دار الأرقم بن أبي الأرقم ليعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.

لما هاجر إلى المدينة أين جمعهم؟

ما إن وصل إلى قباء ديار بني عوف بن مالك في خلال أسبوع حتى بنى مسجد قباء؛ ليجمع فيه المؤمنين والمؤمنات ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.

ما إن خرج من ديار بني عوف ونزل بديار الأنصار بني النجار حتى قال: هنا يبنى المسجد.

أي مسجد؟ هذا المسجد. بناه؛ ليجمع فيه المؤمنين والمؤمنات ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.

ونجحت فكرته وتخرج من هذا المسجد أفراد ملئوا الدنيا نوراً في ظرف خمسة وعشرين سنة فقط، فساد الإسلام وانتشرت أنواره من وراء نهر السند إلى الأندلس.

كيف تم ذلك؟ هل من طريق التصوف والشطحات؟ أم من طريق العنتريات والجهل؟ لا. من طريق التزكية للأرواح، والتطهير للنفوس بنور الله وهدايته القرآن والسنة.

واسمعوا لقول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52].

وَكَذَلِكَ [الشورى:52] أي: كما أوحينا إلى من قبلك؛ أوحينا إليك يا رسولنا رُوحًا [الشورى:52] أي: الروح التي بها الحياة.

وهل هناك كائن حي بدون روح؟ القرآن روح. ومعناه: من آمن بالقرآن وعرف ما فيه وعمل به حيي الحياة الكاملة، وأصبح مستعداً لأن يأخذ ويعطي، لأن يقول ويصمت، لأن يقف ويقعد، لأن يصوم ويفطر؛ لأن الحياة تمت، أما بدون إيمان بالقرآن ولا قراءة ولا علم ولا فهم فهذا موت لا حياة فيه!

ومن أراد أن يجرب فليجرب في كافر، يقول له: قم صل لربك. هل يستجيب؟ لا.

أذن خمسين مرة: حي على الصلاة، هل يتحرك؟ لا. لأنه ميت. قل له: زك لا يتحرك.

ميت انفخ فيه الروح، علمه أنه مربوب لرب عظيم، مخلوق لخلاق عظيم، وقد أنزل شرائعه لإكماله وإسعاده، فإذا قال: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) دخلت الروح في جسمه، حيي، أصبح يسمع ويبصر، يعي ويفهم، يعطي ويمنع.

القرآن روح لا حياة بدونه، والقرآن نور لا هداية بدونه، أما سمعنا الله تعالى يقول: وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].

كيف يتعلم القرآن؟ في بيوت الرب، ويتعلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، النبي هو الشارح المبين المفصل المعلم وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44] فمن فرق بين الكتاب والسنة كفر!

من اعتمد على الكتاب ضل وهوى وتمزق وخسر!

من اعتمد على السنة وحدها تحطم وتلاشى!

من قسم النور قسمين لن يهتدي، فلا بد إذاً من الوحي الإلهي: قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

ونعود إلى هذا الكتاب. ما اسم هذا الكتاب؟ القرآن، الفرقان، الكتاب.

هذا من أملاه؟ الكتبة كانوا يكتبون .. ثلاثون كاتباً. من أملى هذا الكلام؟ هل شجرة ازدهرت به أم سيل من الماء الغدير جاء به؟!

أما الإنس والجن فاسمعوا ما قال المنزل له فيهم، اسمع يا عبد الله! قل وبلغ: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88].

لم ما تجمعوا وتكتلوا وقالوا: نتحدى الله ونأتي بمثله؟ كم مضى من ذلك اليوم؟ ألف وأربعمائة عام وزيادة.

لم انحنت رءوسهم؟ من حناها؟ من ختم على قلوبهم وألسنتهم؟!

هل هذا كتبه كاتب؟

كم السور في القرآن الكريم؟ مائة وأربع عشرة سورة، وفيها السور الطوال وفيها المفصل والقصار!

اسمع التحدي الإلهي وأبلغه الأبيض والأسود من بني الناس!

اسمع! يقول تعالى في هذا الكتاب من سورة البقرة ثاني السور القرآنية: وَإِنْ كُنتُمْ [البقرة:23] يا بني البشر فِي رَيْبٍ [البقرة:23] أي: شك مع اضطراب نفس وقلق مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23] محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي العدناني صلى الله عليه وسلم ها هو ذا قبره في بيته، ولو يجتمع العالم على أن ينبش قبر محمد صلى الله عليه وسلم والله لا يستطيع. من صرفهم؟ الله.

فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23] تحداهم بأن يأتوا بسورة من مائة وأربع عشرة سورة!

تحركوا! أليس فيهم بلغاء.. فصحاء.. بيانيون؟ بلى. يخطب العربي من طلوع الشمس إلى المغرب لا يعيد الكلمة، فلم انحنت رءوسهم وطأطئوها؟ من أخضعهم وأذلهم؟ الله.

وليس في العام الأول وليس في الحضرة النبوية فقط، وليس في عهد الصحابة فقط، بل إلى يوم القيامة!

واسمع ماذا يقول الله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24] ينفي فعلهم مستقبلاً بـ(لن) المفيدة للتأديب وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24] وقد مضت ألف وأربعمائة سنة وزيادة وما فعلوا؛ لأن قلوبهم بيد الله يقلبها، وألسنتهم إن شاء ختم عليها.

من يتحرك بدون إذن الله؟ لا أحد.

هذا القرآن العظيم روح ونور فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8] فما كفر به كافر ولا أعرض عنه معرض إلا أخزاه الله وأذله الله في الدنيا قبل الآخرة، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.

وإن قلتم: يا شيخ! برهن لنا ودلل؟ نقول: من يوم أن أصبح المسلمون يقرءون القرآن على الموتى ويدرسون السنة للبركة وهم هابطون، إلى أن أصبح حفنة من بني عمهم من أذل الخلق وأخزاهم في الأرض، فأصبح اليهود يكسرون أنوف ألف مليون مسلم، وما استطاعوا أن يزحزحوا حفنة من اليهود عن بيت المقدس.

لم لا يستطيعون؟ لأن الله تعالى هو الذي أذلهم تأديباً لهم علهم يرجعون.

وهنا قد يقولون: هذا الدليل ليس كاف، فأقول: هل استعمرتنا أوروبا من إندونيسيا إلى المغرب؟ بلى.

أما تسمعون بهذا؟ كيف إذاً؟ من أذلنا؟ الله. لم؟ لأننا تمردنا عليه، وفسقنا عن أمره، وأعرضنا عن ذكره.

ونحن أولياؤه فأدبنا بهذا التأديب القاسي وما زلنا كالسكارى لا وعي ولا فهم ولا إدراك؛ حتى يبعثنا الله من جديد يقظى.

والطريق ليس بشائك، الطريق فقط أن نراجع إيماننا من جديد ونبدأ من حيث بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم!

فقط أهل القرية في قريتهم يجتمعون بين المغرب والعشاء بنسائهم وأطفالهم ورجالهم، يجلس لهم عالم بالوحي الإلهي، قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يزالون يتلقون هذا التلقي حتى لا يبقى في القرية جاهل ولا جاهلة، ومن ثم لا يبقى في القرية ضال ولا ضالة، ولا فاسق ولا فاسقة، ولا مجرم ولا مجرمة، ولا متكبر ولا متكبرة، فتكون قد عمتهم الهداية، وغشيتهم الرحمة، وليس فيهم من يجوع ولا يموت جوعاً، وليس فيهم من يظلم ولا يضطهد، وليس من يؤذى في عرضه ولا ماله؛ لأنهم مجموعة من الصالحين.

أولياء الله يأكل بعضهم بعضاً؟! أعوذ بالله. كيف يعقل هذا؟ مستحيل.

وإن قالوا: لا نستطيع. قلت لهم: ألا تستطيعون أن تتركوا العمل بين المغرب والعشاء؟ ماذا تخسرون؟

يقولون: المصانع توقفت، والمزارع توقفت. قلت لهم: اشتغلوا من صلاة الصبح في متاجركم ومصانعكم ومزارعكم .. في أسواقكم إلى قبل الغروب فإذا مالت الشمس إلى الغروب فهلموا إلى حياض النور، نجلس بنسائنا وأطفالنا ورجالنا يلقننا عالم رباني العلم الحق، مصدره قال الله وقال رسوله وليس خواطر وهواجس وضلالات.

والله! لا يمضي كبير أيام أو زمن حتى يصبحوا كأنهم ملائكة في الأرض، لا غش ولا خداع ولا كبر ولا ظلم ولا ضلال، لا.. لا.. بل وتتعانق أرواحهم ويتحابون بحب الله، ومن ثم لا يخاف أحد منا أن يموت جوعاً، ولا يخاف على أطفاله أن يضيعون، ولا يخاف على عرضه، ولا يخاف ولا يخاف.. لأنه يعيش في زمرة من الصالحين.

عرضنا هذا، وجربوا! قالوا: لا نستطيع، ما عندنا قدرة على أن نجلس من المغرب إلى العشاء، لا نطيق.

أو يقولون: ليس عندنا إرادة إذا علمنا المعلم حكمة أن نحفظها ونعمل بها. ومعنى هذا: ما زال وقت الأسر والسجن الإبليسي ويوم أن يأذن الله بخروجنا من السجن نحمد الله على هذا.

جربتم قوانين غربية وشرقية، ونظريات فلسفية كاذبة في التربية وفي السياسة وفي المال، والهبوط هبوط، فلا طهر ولا صفاء، ولا مودة ولا إخاء، ولا حب ولا ولا..

اسمحوا لي يا أبنائي وإن أزعجتكم! أنا أتلذذ بهذا القول: لا طريق لإنقاذ هذه الأمة المحمدية من أقصى الشرق إلى الغرب والله إلا هذا الحل.

وقد يقول قائلكم: أمجنون هذا الشيخ؟ فالجواب: لا.. لا. عاقل، يتكلم عن الله ورسوله ويخاطب العقول البشرية، والله لا سبيل إلا هذا؛ لأنه سبيل مسلوك سلكه السلف الصالح، فدانت لهم الدنيا وسادوا العالم.

وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البروج:11] ما لهم يا رب؟ قال: لَهُمْ جَنَّاتٌ [البروج:11] بساتين. اللسان يقول: جنات وبستان وجنة، لكن هيا مع الجنة التي وصف الله أنهارها فقال تعالى من سورة محمد صلى الله عليه وسلم -وتسمى سورة القتال- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [محمد:15].

وعد من؟ المتقون. المتقون.. أو المفرفشون.. أم الرياضيون.. الفنانون.. العرب.. الأتراك.. من هم هؤلاء؟ وعد من؟ المتقون.

اتقوا ماذا؟ اتقوا أي شيء؟ اتقوا الله.

كيف يتقونه يا شيخ وهو قاهر لهم فوقهم؟ يتقونه حتى لا يغضب عليهم ويخزيهم، يتقونه بالإسلام له، يعطوه قلوبهم ووجوههم.

تحارب الله فلا تقوى ولا تستطيع، تهرب وتتمرد ولا تستطيع.

لم؟ السماء فوقك والأرض تحتك، إن يشأ يخسف بك الأرض أو ينزل عليك كسفاً من السماء.

كيف تهرب؟ ما عليك إلا أن تطرح بين يديه وتعطيه سويداء قلبك وتعطيه وجهك وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125].

هؤلاء المتقون ما لهم؟ قال: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [محمد:15] مثلها، أي: صفتها فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [محمد:15] ليس من التمر أو الخوخ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [محمد:15].

تشاهدون هذا العرض؟ اسمعوا وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] أيها المتقي! إن لك جنتين فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50].. فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن:52] .. مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ [الرحمن:54] الحرير الأسود، أما الظواهر فلا تسأل وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54] لا تحتاج إلى سلم تصعد للنخلة وإلا للشجرة، ولا تتعب تأخذ بيدك وتنزل الغصن حتى تأخذ الرمانة أو التفاحة فإنها دانية بين يديك وأنت متكئ وتتناول ما شئت من ثمار الجنة.

فِيهِنَّ [الرحمن:56] ماذا؟ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56] في الجنة حور العين قاصرات الطرف.

ما معنى قاصرات الطرف؟ بلغ النساء.. بلغ الفحول! أن المرأة المحبوبة الحبيبة تلك التي لا ترى إلا زوجها، ولا يخطر ببالها إلا زوجها، ولا تفتح عينيها في غير زوجها!

اطلبوها الآن في الجامعيات والموظفات هل تجدونها؟ لا. بل تجدون فتاة عينها مفتوحة في كل واحد.

وهل تصلح هذه للمعاشرة؟!

أين تعاليم الغرب والشرق؟

أين الفلسفة وعلم الاجتماع؟

من وضع أسسه وقواعده؟ أعداء البشرية.

يقول تعالى: قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات:48-49].

ويقول تعالى: قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56] لم يجامعها قبلك يا ولي الله إنسي ولا جني.

إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً [الواقعة:35] خاصاً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:36-38] ماذا؟ لليمينيين أو اليساريين؟

القرآن يقسم الناس إلى يمينيين ويساريين، وجاء الفاسدون وظنوا أنهم سبقوا!

القرآن سبقكم منذ ألف وأربعمائة عام، فقسم الناس إلى أصحاب يمين وأصحاب شمال، وأصحاب الشمال يأكلون بشمائلهم، ويتعاطون بشمائلهم، ويميلون إلى المشأمة، فهم في المشأمة، وأصحاب اليمين كل شيء عندهم يمين.

إذاً: لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11] من أعلن هذا الإعلان؟ الله.

ذَلِكَ [البروج:11] الذي سمعتم هو الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11] أي: لا فوز أكبر منه.

الإيمان والعمل الصالح فقط هو مهر الجنة! يا خطاب الجنة لا تطالبون بغير إيمان وعمل صالح.

اعرضوا إيمانكم على القرآن فإن صدق على إيمانكم ووقع فأبشر يا عبد الله ويا أمة الله! وأعلن الله أكبر فقد فزت ورب الكعبة.

أما إن لم يصدق وقال: إيمانك مدخول ومغشوش وليس بكامل فابك دماً حتى تحصل على إيمان يوافق عليه القرآن.

فلا يكفي أن نقول: نحن مؤمنون فقط؛ لأن كل واحد يستطيع أن يقول: أنا مؤمن. حتى اليهودي يستطيع قول ذلك. هل يمرض إذا قال: أنا مؤمن؟ لا. لا يصاب بصداع ولا يعطش.

الإيمان نور في القلب، وهو عبارة عن حياة، فإذا حيي القلب استعد عبد الله إلى أن يستعمل كل أدوات التزكية للنفس والتطهير، وبدون إيمان لا يصح ذلك.

هيا نستعرض شاشة من شاشات القرآن البيضاء ونشاهد فيها المؤمنين والمؤمنات، فإن وجدنا أنفسنا بينهم حمدنا الله وشكرناه وإن كنا جياعاً، وإن كنا مرضى، وإن كنا مسجونين، وإن كنا وإن كنا.. يكفينا هذا.

وإن لم نجد أنفسنا بينهم ووجدننا أنفسنا مع أصحاب الشمال فهيا نخرج من دائرة الشمال إلى دائرة اليمين ما دمنا قادرين.

أنقذ نفسك يا عبد الله فما هي إلا أيام معدودات والفرصة ضيقة.

العلامة الأولى: إذا ذكر الله وجلت قلوبهم

العلامة الثانية: إذا تليت عليهم آيات الله زادتهم إيماناً

العلامة الثالثة: أنهم يتوكلون على ربهم

العلامة الرابعة: إقامتهم للصلاة

العلامة الخامسة: الإنفاق مما رزقهم الله