إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (14)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن أباح الله له الزواج بأكثر من أربع نسوة، فقد مات صلى الله عليه وسلم عن تسع، غير من مات منهن قبله، إضافة إلى من كان في يده من ملك اليمين، وقد كان زواجه من كل واحدة منهن لحكمة عظيمة وهدف سام، وليس لمجرد الشهوة والمتعة، ومن إكرام الله عز وجل لهن أنه حرم على نبيه الزواج بغيرهن إلا ما ملكت يمينه صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:50].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:50]! هذا النبي هو محمد رسول الله، ذو الأسماء الخمسة، بل ذو الأسماء الستين أو السبعين. فهو نبي الله ورسوله، وقد ناداه بعنوان النبوة؛ لشرفها وكمالها، ولم يناده باسمه العلم يا أحمد! أو يا محمد! بل ناداه بعنوان النبوة؛ تشريفاً وتعظيماً، فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:50]! إذ ما فوق النبي أحد أبداً. فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:50]! وأخبره وقال له: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [الأحزاب:50] اللاتي هن في بيتك، وهن تسع نسوة كما تقدم.

    وقوله: أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ [الأحزاب:50]، أي: أعطيت أُجُورَهُنَّ [الأحزاب:50]. وهو المهر. والإجماع على أن النكاح يتم بأربعة شروط أو أركان، وهي:

    أولاً: الولي الذي يتولى العقد.

    ثانياً: المهر الذي هو عدد من المال يزيد على ربع دينار.

    ثالثاً: شاهدين عدلين أو شهود عدول.

    رابعاً: الصيغة التي يتم بها العقد، كأن يقول: زوجني فلانة فيقول: زوجتكها، فيقول: قبلتها زوجة لي.

    إذاً: قوله تعالى: اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ [الأحزاب:50]، أي: عقدت عليهن وأعطيتهن أجورهن، أي: مهورهن، كبيرة أو كثيرة أو قليلة.

    وقوله: وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ [الأحزاب:50]، من الإماء التي يملكهن النبي، كما يملكهن فلان وفلان في الجهاد، وهن الأسرى اللاتي يأخذهن المجاهدون. وهذا مباح للمؤمنين مع رسولهم صلى الله عليه وسلم. والمملوكة تشتريها وتتزوجها ولا حرج، وكذلك المملوكة التي تعطاها في جهادك وتقسم لك من القسمة لك أن تطأها، وتكون زوجتك أو أمتك.

    وقوله: مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ [الأحزاب:50]، من الجهاد والغنائم، من الأسرى.

    إباحة الله لرسوله الزواج من قريباته المهاجرات

    قال تعالى: وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ [الأحزاب:50]. فأذن الله له في أن يتزوج من بنات عمه وبنات عماته، وبنات خاله وبنات خالاته. فتزوج من شئت منهن، واستثنى التي في مكة ولم تهاجر وبقيت في مكة، فهذه لا يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يأذن له فيها؛ لأنها ما هاجرت، فقال: وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ [الأحزاب:50]. وأما التي ما هاجرت وبقيت في ديار مكة مع الكفار فلا تتزوجها. وهذا امتنان الله على رسوله؛ ليشرح صدره، ويطيب خاطره لما يعاني ويقاسي من الأتعاب.

    حكم الزواج بمن وهبت نفسها

    قال تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً [الأحزاب:50] لا كافرة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا [الأحزاب:50]، أي: إن جاءت مؤمنة وقالت: يا رسول الله! لقد وهبتك نفسي، فإذا أراد أن يأخذها أخذها وتزوجها بدون مهر. وقد حصل هذا للرسول مرة واحدة.

    وقوله: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً [الأحزاب:50]، بهذا القيد، فلو كانت كافرة .. يهودية .. مجوسية .. نصرانية فلا، بل مؤمنة.

    وهذه الهبة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما غيره فلو وهبت له امرأة نفسها أو كل يوم امرأة فلا يحل لمؤمن أن يتزوجها إلا بالعقد الشرعي على أصوله وأركانه، ومعه المهر. ولو أن امرأة تقول: وهبتك نفسي، فقد علمنا أنك مجاهد وبطل وكذا، وقد أحببناك في الله، وزوجتك نفسي بلا شيء والله ما جاز، ولا يحل هذا أبداً، بل لابد من المهر؛ لتبقى هذه الخصوصية يمتاز بها المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لعلم الله تعالى بكماله، وما يحويه قلبه من الرحمة والعطف والكمال. ومع هذا ما قبل، ولكن أذن الله له، فقال تعالى: إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا [الأحزاب:50]، أي: يتزوجها، خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، أي: خالصة لك يا رسول الله! من دون كل المؤمنين. فاعلموا هذا يقيناً. فلو أن امرأة طالبة جامعية أو غير ذلك قالت: أحببتك في الله، وأريد أن أزوجتك بلا مهر فهذا والله لا يجوز، والنكاح فاسد وباطل. ولو قالت: سأعطيك المال وأعطني إياه، فأنا غنية، وقالت: خذ خمسين ألف ريال وتزجني بأربعة آلاف والله ما يجوز؛ لأن هذا مكر وخديعة.

    والمؤمنون -ونحن إن شاء الله منهم، فلا نشك في إيماننا أبداً-: كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله على علم، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وعبد الله، فهو المؤمن بصدق وحق.

    معنى قوله تعالى: (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم)

    قال تعالى: قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ [الأحزاب:50]، أي: علمنا ما فرضنا على المؤمنين في أزواجهم. والذي فرض علينا في أزواجنا العقد الذي يقوم على أسس أربعة: أولاً: الولي الذي يتولى العقد، ثانياً: المهر، ثالثاً: الشهود العدول، رابعاً: الصيغة، وهي: أن يقول الولي: زوجتك ابنتي أو وليتي، فتقول: قبلتها زوجة لنفسي. هذه هي الشروط.

    وكذلك لا يحل لمؤمن أن يتزوج فوق الأربع؛ إذ ذاك من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم. فلا يحل للرجل منا أن يتزوج خمس نسوة أبداً، بل أربع، فإذا كان يقدر على القيام بالواجب فله ذلك، وإن لم يستطع فواحدة فقط، ولمن يقدر على أن يحسن بين الزوجات ويصلح ما بينهما فله أن يتزوج أربع فقط، وأما الخامسة فلا.

    وهنا لطيفة فقهية، وهي: أنك إذا تزوجت أربع وماتت الرابعة أو طلقتها فلا تتزوج بعد ذلك حتى تنتهي عدة التي طلقتها أو ماتت، لأن العدة تبقيك مرتبطاً بها، فلا يحل أن تزيد الخامسة إلا بعد انتهاء العدة. هذا معنا قول الرب تبارك وتعالى: عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ [الأحزاب:50]. وقد بينه لهم، وأنت تعلمه يا رسولنا!

    معنى قوله تعالى: (وما ملكت أيمانهم)

    قال تعالى: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [الأحزاب:50]، كذلك. فقد أذن الله للمؤمنين أن يطئوا الإماء. فإذا ملكت يمينك أمة فيجوز لك أن تطأها، وأن تعتقها وتتزوجها إذا شئت بإذن الله تعالى. والآن لا يوجد إماء منذ أن انقطع الجهاد من قبل مائة سنة أو مائتين أو أربعمائة سنة أو ثلاث مائة سنة. والإماء لا تأتي إلا عندما نغزو بلد الكفر، ونرسي سفننا عليها، ونراسل الملوك والسلاطين منهم، ونقول: جئناكم لنعرض عليكم دين الله؛ لتدخلوا فيه؛ فتكملوا وتسعدوا في ديناكم وأخراكم، وينته ما بينكم من الظلم والخبث، والشر والفساد وتصبحون أمة صالحة، فإن قالوا: تفضلوا قبلنا الإسلام، بارك الله فيكم، وشهدوا أن لا إله إلا الله علمناهم، وإن قالوا: لا، فديننا أولى من دينكم، ولن نفرط في ديننا. فنقول لهم: إذاً: اسمحوا لنا أن ندخل دياركم؛ لنعلمكم، وانظموا تحت رايتنا، ونحن نحفظكم ونحميكم وننصركم، وتكونون تحت رايتنا، فإن قالوا: نعم دخلنا، ونسودهم بالعدل، ونحكمهم بشرع الله، وينتهي الظلم والخبث، والشر والفساد، ويأخذون يدخلون في الإسلام أمة أمة وعائلة عائلة حتى يكتملوا، كما حصل في العالم، وإن رفضوا وقالوا: لا فإذاً: لابد من القتال، فنقاتل رجالهم، فإذا هزمناهم دخلنا البلاد، وحينئذٍ الأسرى أصبحوا حقنا من إماء وعبيد، ومن ثم هؤلاء الإماء والعبيد يباعون ويتوارثون. ولكن بدون جهاد لا يأتي الإماء، ولو أنك الآن تختطف امرأة فرنسية أو إيطالية فلا يجوز والله أن تقول: هذه أمة وتبيعها. فافهموا هذه الحقيقة. وقد بلغنا أن البعض يدعون أن هناك إماء، ويبيعونهن ويشترونهن.

    وأبناء الأمة يصبحون أولاد الزوج الذي وطأها.

    هذا معنى قوله تعالى: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ [الأحزاب:50] وضيق يا رسولنا!

    من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم

    من مميزات الرسول وخصائصه:

    أولاً: فرض الله تعالى على رسولنا قيام الليل، ولم يفرضه على أمته من المؤمنين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل:1-4]. وأمته من المؤمنين ليس بفرض عليهم، بل هو مستحب ومندوب. هذه ميزة.

    ثانياً: منع الله وحظر الله على المؤمنين أن يتزوجوا أكثر من أربع نسوة، وأذن لرسوله أن يتزوج أكثر من الأربع. وهذا خصوصية له صلى الله عليه وسلم. وهناك أمور أخرى اختص بها رسول الله؛ ميزة له، وأما الأمة فلم يخصها الله به، ومنها حرمة الصدقة، فالرسول حرم الله عليه أن يأكل الصدقة أبداً، فهو وآل بيته ولا تحل لهم، ولمؤمنون تحل لهم.

    معنى قوله تعالى: (لكيلا يكون عليك حرج ...)

    يقول تعالى: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ [الأحزاب:50]، أي: ضيق ومشقة. وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا [الأحزاب:50] لك وللمؤمنين ذنوبهم، رَحِيمًا [الأحزاب:50] بك وبهم، فاحمدوه واشكروه، واعبدوه وأطيعوه.

    وليس للإماء عدد معين، فإذا كنت تقدر على الوطء فخذ واحدة أو اثنتين أو ما أردت، والعدد في الزواج الشرعي في المحصنات المؤمنات.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن نستمع إلى هداية الآيات:

    [ من هداية ] هذه [ الآية ] الكريمة:

    أولاً: بيان إكرام الله تعالى لنبيه ] صلى الله عليه وسلم، وهو أهل للإكرام [ في التخفيف عليه رحمة به، فأباح له أكثر من أربع، وقصر المؤمنين على أربع، وأباح له الواهبة نفسها أن يتزوجها بغير مهر ولا ولي، ولم يبح ذلك للمؤمنين ] أبداً [ فلا بد من مهر وولي وشهود ] وهذه هي الكمالات المحمدية، والكرامات التي أكرمه الله بها. ثم ما ننسى أن غير رسول الله والله ما يستطيع أن يعدل بين خمس نسوة، ولا يقدر على ذلك، وأما الرسول فإنه والله ليقوى ويقدر على أن يعدل بين مائة، وليس تسع أو عشر.

    [ ثانياً: تقرير أحكام النكاح للمؤمنين، وأنه لم يطرأ عليها نسخ بتخفيف ولا بتشديد ] فأحكام النكاح ثابتة، ما نسخت ولا تبدلت ولا تغيرت من يوم نزول القرآن إلى اليوم. فالنكاح لا يتم إلا بعقد شرعي. وأركان العقد:

    أولاً: وجود ولي الزوجة أبوها أو أخوها أو عمها، أو القاضي إذ لا ولي لها.

    ثانيا: المهر إذا سمي، وإن لم يسم فهو كمهر المثل.

    ثالثاً: الشهود.

    والرابع: الصيغة، مثل أن يقول: زوجتك. وهذه الأركان خالدة إلى يوم القيامة.

    [ ثالثاً ] وأخيراً: [ بيان سعة رحمة الله ومغفرته لعباده المؤمنين ] ورحمته بهم، فقد قال: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:50]. فهو غفور للذنوب، يسترها ولا يطالب بها، ورحيم بالمؤمنين، وعلى رأسهم رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756002389